فنانات «بنتاً عن أمّ»

نجمات عربيّات ورثن الموهبة عن أمّهاتهنّ

دلال عبد العزيز وابنتاها دنيا وإيمي سمير غانم (يمين) وزيزي مصطفى ومنّة شلبي (يسار)
دلال عبد العزيز وابنتاها دنيا وإيمي سمير غانم (يمين) وزيزي مصطفى ومنّة شلبي (يسار)
TT

فنانات «بنتاً عن أمّ»

دلال عبد العزيز وابنتاها دنيا وإيمي سمير غانم (يمين) وزيزي مصطفى ومنّة شلبي (يسار)
دلال عبد العزيز وابنتاها دنيا وإيمي سمير غانم (يمين) وزيزي مصطفى ومنّة شلبي (يسار)

فناناتٌ عربياتٌ كثيرات ورثن المواهب عن آبائهنّ، ومنهنّ مَن استقَين حبّ الفن من أمّهاتهنّ.

آمال سالم وسوسن بدر

خلف ستارة المسرح القومي في القاهرة، كانت تضع آمال سالم كرسياً لابنتها سوسن بدر. تجلس الصغيرة وتتفرّج على بروفات والدتها والعروض المسرحيّة. وبين الغفوة واليقظة، كانت سوسن تستنشق رائحة الخشبة وتقترب سنةً بعد سنة من حلم التمثيل.

الممثلة المصرية آمال سالم في مسرحية «ريّا وسكينة» (يوتيوب)

طفلةً، حفظت بدر مسرحية «كليوباترا» التي ألّف نصها الشاعر أحمد شوقي، كما أنها كانت تدور خلف أمّها في البيت مردّدةً أبيات الشعر التي تحفظها الوالدة.

لم تسرق الانشغالات الفنية الممثلة آمال سالم (1924 – 2010) من أمومتها؛ تذكرها الفنانة سوسن بدر أماً متفانية ومهتمة بشؤون طفلتها. هي اكتفت بأدوار صغيرة خلال مسيرتها، لكنّ تلك الإطلالات المقتضبة، وعلى رأسها شخصية «أمّونة» في مسرحيّة «ريّا وسكينة»، كانت كافية لتترك أثراً في الابنة التي دخلت معهد الفنون المسرحيّة رغم اعتراض الوالد.

الممثلة المصرية سوسن بدر (إنستغرام)

درّيّة أحمد وسهير رمزي

يعرف زملاء المهنة مدى تعلّق الممثلة سهير رمزي بوالدتها الفنانة درّيّة أحمد. لطالما ردّدت أنّ أمّها هي محور حياتها وأكثر من توأم بالنسبة إليها، وأنّها بوفاتها، عام 2003، فقدت البوصلة والأمان.

كان من البدهيّ أن تربط تلك العلاقة الوثيقة بينهما، فدرّيّة أحمد انفصلت عن والد سهير عندما كانت بعدُ حاملاً بها، وصارت لاحقاً بمثابة الأب والأمّ لابنتها. وليس إلا في سن الـ13 تعرفت سهير إلى والدها لكنهما لم يمكثا معاً إلّا سنة واحدة.

خلال طفولتها، رافقت سهير أمّها إلى العمل وهي لم تتأخّر في خوض المجال بدورها، فصارت طفلة ممثلة في السادسة من عمرها. كانت درية أحمد في تلك الأثناء مشهورة بأدوار الفتاة الريفية، ولاحقاً عندما احترفت سهير رمزي، توقفت الوالدة عن العمل وتفرّغت للاهتمام بابنتها وبروزنامتها السينمائية والتلفزيونية الحافلة.

بادلت رمزي والدتها الرعاية والاهتمام بعد أن اعتزلت بدورها، فكانت تملأ الفراغ بالاعتناء بها وبالسفر معها من أجل العلاج.

الممثلة المصرية سهير رمزي ووالدتها الفنانة درية أحمد (فيسبوك)

زيزي مصطفى ومنّة شلبي

«ماما كلّ حاجة»، بهذه الكلمات تختصر الممثلة منّة شلبي علاقتها بوالدتها الفنانة زيزي مصطفى. حملت منّة الإرث الفني من أمّها وخصّتها بامتنان كبير، لا سيّما أن زيزي مصطفى اعتزلت التمثيل والرقص في مرحلة مبكرة، بعد أن أبدت شلبي انزعاجها من كون أمها راقصة.

تفرّغت زيزي مصطفى لتربية منّة وعادت بعد إلى الأضواء بعد 18 عاماً. كلّما سُئلت عن ابنتها، أجابت: «لم أندم على الاعتزال والربّ أكرمَني بمن هي أفضل منّي... ابنتي». أمّا منّة شلبي، كلّما ذكرت والدتها قالت إنها ليست أمّاً تقليديّة وإنها سيدة عظيمة: «إذا كانت لديّ خصال حسنة فأنا أخذتها منها».

منّة شلبي ووالدتها الفنانة زيزي مصطفى (إنستغرام)

دلال عبد العزيز ودنيا وإيمي سمير غانم

أن تولد في بيت دلال عبد العزيز وسمير غانم، فهذا يعني أنك ستُصاب حتماً بسَهم الفن والكوميديا. لم يكن مستغرباً بالتالي أن تحمل دنيا وإيمي الشعلة وتكملا الطريق. تلقّت الابنتان الدعم من الوالدَين، ولم تقف الفنانة دلال عبد العزيز في وجه الموهبة التي برزت عليهما في سنّ مبكّرة.

رافقت دنيا وإيمي والدَيهما إلى المسارح ومواقع التصوير، ولم يبذل الفنانان أي مجهود لإبعادهما عن الأضواء ولا عن البرامج التلفزيونية، مما عزّز الثقة بالنفس لديهما.

رافقت دنيا وإيمي والدَيهما إلى المسارح والاستوديوهات في مرحلة الطفولة (إنستغرام)

اكتشفت دلال عبد العزيز موهبة التقليد لدى الفتاتين، وبعد سنوات قليلة ظهرت قدراتهما التمثيلية التي ساعد سمير ودلال على تنميتها. إلّا أنّ دخول عالم الفنّ لم يأتِ فرضاً، بل برغبة من دنيا وإيمي.

رغم تراكُم سنوات الخبرة، لم تتخلَّ النجمتان يوماً عن رأي الوالدة مع العلم بأنّ الاستشارة لم تتحوّل يوماً تلقيناً ولا مجاملات. وقد جمعت 8 أعمال مشتركة إيمي ودنيا سمير غانم بوالدتَيهما، قبل أن ترحل عام 2021.

الفنانة دلال عبد العزيز وابنتاها دنيا وإيمي سمير غانم (إنستغرام)

آمال ومعالي زايد

على عكس دلال عبد العزيز، كانت الفنانة آمال زايد ترفض دخول ابنتها معالي مجال التمثيل. هي التي اختبرت هذا العالم باكراً من خلال أدوار صغيرة، لم يكن من الصعب عليها التخلّي عنه عام 1944 عندما تزوّجت.

اعتزلت آمال زايد (1910 – 1972) التمثيل لـ14 عاماً من أجل الاهتمام بزوجها وأولادها. ضحّت بطموحها الفني من أجل ذاك الزواج، وهذا أمرٌ لم يرُق لمعالي (1953 – 2014). إلّا أنها عادت إلى الأضواء سنة 1959 في أدوار أكبر ومعظمها في شخصية الأم فعُرفت بالأم الحنون على الشاشة المصرية.

أما في نظر ابنتها فهي كانت أمّاً حاسمة وصارمة، لكنها في المقابل لطالما ردّدت: «أنا محظوظة كَوني ابنتها لأني ورثت عنها حب الناس لها».

الممثلة المصرية آمال زايد وابنتها معالي (فيسبوك)

سهير المرشدي وحنان مطاوع

تقول الفنانة سهير المرشدي عن ابنتها حنان مطاوع إنها عرفت التمثيل وهي في أحشائها، فهي كانت حاملاً بها خلال البروفات والتصوير. لكن رغم قناعتها تلك ورغم اكتشافها موهبة ابنتها في الصغر، فهي أبعدتها عن الأضواء. ولاحقاً عندما أبدت حنان رغبتها في خوض تجربة التمثيل، اعترضت الوالدة على عكس الوالد الذي لم يكن راضياً عن دخولها معهد التجارة، بل رآها في معهد الفنون المسرحية.

التجربة على أرض الواقع بدّلت رأي المرشدي التي رأت في ابنتها فنانة صنعت نفسها بنفسها و«أثبتت أن الفن ليس وراثة حصراً»، مع العلم بأنّ الأسلوب الفني مختلف بين الاثنتين.

الممثلة المصرية حنان مطاوع ووالدتها الفنانة سهير المرشدي (إنستغرام)

بوسي ومي الشريف

رافقت مي الشريف والدَيها نور وبوسي إلى الاستوديو في الصغر، وهي أخذت أوّل أدوارها في الثامنة من عمرها. تذكر بوسي التي خاضت المجال عام 1961، أنّ ابنتها «كانت تركّز في التفاصيل وتسأل عن أمور كثيرة». لكنها لم تفرض عليها الفن يوماً رغم شعورها بموهبتها، بل ساعدتها بطرق غير مباشرة من خلال إلحاقها بورش تمثيل.

الفنانة المصرية بوسي وابنتها الممثلة مي نور الشريف (إنستغرام)

ومن بين الفنانات اللواتي انغمسن في المجال على غرار أمّهاتهنّ، الممثلة رانيا محمود ياسين التي تأثّرت بوالدتها شهيرة. ومن لبنان، الممثلة ليليان نمري التي كبرت كذلك في بيت فنّي ووسط أبوَين هما عبدو وعلياء نمري. هي ابنتهما الوحيدة التي كرّست حياتها للدراما والكوميديا.

الفنانة اللبنانية ليليان نمري ووالدتها علياء (فيسبوك)

أما في الموسيقى، فقد ورثت نهاد فتّوح جمال الصوت عن والدتها الفنانة سعاد محمد، وهي لطالما ردّدت أجمل أغانيها، مثل «أوعدك» و«وحشتني». ومن الجيل الجديد، برز صوت ألين لحّود التي حملت في شخصها وفنّها الكثير من إرث أمّها الفنانة سلوى القطريب.



معرض «بيروت عدتُ إليك»... عندما يصبح الحنين إلى الوطن حاجة ملحّة

ماجدة شعبان في معرضها «بيروت عُدتُ إليك»... (الشرق الأوسط)
ماجدة شعبان في معرضها «بيروت عُدتُ إليك»... (الشرق الأوسط)
TT

معرض «بيروت عدتُ إليك»... عندما يصبح الحنين إلى الوطن حاجة ملحّة

ماجدة شعبان في معرضها «بيروت عُدتُ إليك»... (الشرق الأوسط)
ماجدة شعبان في معرضها «بيروت عُدتُ إليك»... (الشرق الأوسط)

من نافذة الطائرة، تنظر الرسامة التشكيلية ماجدة شعبان إلى بيروت بعيون العاشقة لمدينتها، فمشهد العاصمة من فوق يحرّك عندها الذكريات والحنين. ابتعادها عن لبنان بسبب الهجرة كان يشعل هذه المشاعر في داخلها. واليوم، تترجمها بريشتها المتألقة في معرض بعنوان: «بيروت عُدتُ إليك».

سبق أن عبّرت شعبان عن أحاسيسها هذه خلال الحرب الأخيرة التي شهدها لبنان. يومها، تأثرت بمشهد طائرة تابعة لشركة «طيران الشرق الأوسط» تشق طريقها بين دخان القذائف. قالت حينها لـ«الشرق الأوسط»: «تخيّلت نفسي أشاهد بيروت تحت القصف من نافذة الطائرة. فهذه الأرزة التي تزيّن طائراتنا عنت لي الكثير». وبمجموعة لوحات نفّذتها بتقنية «الميكسد ميديا» و«الأكريليك»، حوّلت خيالها إلى واقع. وضعت مواقع وأماكن ومعالم من بيروت تحت مجهر ريشتها، وشكّلتها بطبقات من الحب، ووزّعتها على جدران غاليري «ريبيرث بيروت»، من تنظيم «ذا غاليرست» لعليا مطر.

لبنان من نافذة الطائرة في مجموعة خاصة (الشرق الأوسط)

من بين هذه الأعمال، مجموعة عنونتها بـ«ليمتد إديشن»، تُشاهد فيها لبنان من نافذة الطائرة. توقفت عند محطة مصعد «التليفريك» السياحية في جونية، ونقلت رياضة «الباراغلايدينغ (التحليق بالباراشوت)» فوق بحر بيروت. كما أدرجت «صخرة الروشة» ضمن هذه المجموعة. ويظهر في طرفها العلم اللبناني على متن طائرة تابعة لشركة «طيران الشرق الأوسط».

هذه المجموعة، التي صنعت لها إطارات من الفخار الأصفر، استغرقت منها جهداً مضاعفاً. توضح: «كل لوحة من هذه المجموعة أَعدُّها قطعة فريدة. استعرت قياسات شبّاك الطائرة الحقيقي، وكان بمثابة تحدٍّ لي. تطلّب بناء العمارة مني استخدام أسلاك من الحديد، والصلصال. تُظهر الأعمال أكثر الأماكن التي نشتاق إليها عندما نغادر بلدنا. أنقل أحاسيس كل شخص وهو في طريق العودة إلى بيروت».

وتتابع: «خلال هبوط الطائرة، تنتابنا مشاعر مختلطة فيها كثير من الحنين، فننظر إلى المدينة من نافذة الطائرة على وقع أغاني فيروز التي تواكب عملية الهبوط على أرض الوطن. تبدو بيروت جوهرة تتلألأ في (المتوسط). حاولتُ إبراز هذه الصورة الجميلة للمدينة من فوق، فوُلد معرض (بيروت عُدتُ إليك)».

الثنائي «لايدي نوف وطربوش» في أركان المعرض (الشرق الأوسط)

تحضر بيروت في معظم رسومات ماجدة شعبان؛ فالعاصمة تلهمها وتسهم في تفتّح موضوعات لوحاتها كبراعم الورد... «إنها تحية تكريمية مختلفة أتوجّه بها إلى بلدي لبنان، وبأبعاد عدّة، أُبرز فيها بحره وطبيعته وعمارته. عندما أقول بيروت، أعني لبنان. فهي العاصمة ومدينة الثقافة والشمس. ومهما واجهتْ من مصاعب، تنتصب من جديد، فأشبهها بأنثى قوية تواجه وتجابه دون أن تتعب أو تستسلم».

في لوحات أخرى، ترسم ماجدة شعبان ثنائياً لبنانياً لطالما أشار إلى هويتها الفنية... فـ«لايدي نوف وطربوش» تستخدمهما لرواية القصص عن بيروت. نراهما شريكين أبديين مغمّسين بحب بيروت من رأسيهما حتى أقدامهما، يرتديان أزياء مرسومةَ عليها تفاصيل من العاصمة. حتى الصحيفة التي يقرأها «طربوش» تحمل عنوان: «مشروع مترو بيروت». وتقدّمهما أيضاً في تماثيل متوسطة تتوزع على أرجاء المعرض.

على ورق البردي ترسم المواطن اللبناني وهمومه (الشرق الأوسط)

وعلى ورق البردي (البابيروس)، الذي يرتبط تاريخه بالمصريين القدماء والكتابة الهيروغليفية، تطالعك مجموعة لوحات أخرى تحكي فيها عن المواطن اللبناني المُحمّل بالهموم. فهو يعيش التشرد في بلده، ومحروم من أدنى حقوقه، لكنه لا يستسلم ويمشي قُدماً نحو غدٍ أفضل.

تمدك لوحات ماجدة شعبان بغذاء الروح لمدينة لا تموت... تقدّمه لزائر المعرض كأطباق طعام، يتذوق فيها كل نكهات بيروت، فيغرف منها كميات من الحب حتى الشبع، تملأ فراغ قلب مشتاق.

تحضر في أعمال ماجدة شعبان ألوان العلم اللبناني، فتطغى على لوحات تنقل فيها العمارة الهندسية للعاصمة، والتمديدات الكهربائية فوق سطوح البيوت. حتى عبوات النفايات الموزعة بالشوارع، تصوّرها في مقدمة لوحة تتشابك فيها تفاصيل أخرى. وتكتب على لوحة بيضاء: «بيروت اشتقت لكِ ولكل شيء فيك. اشتقت لعجقتك، ولخفقك، وللفوضى الحلوة فيك... هذه المرة، السفرة عودة، بيروت أنا رجعتلك».

ألوان العلم اللبناني تطغى على لوحات شعبان (الشرق الأوسط)

يشعر الناظر إلى لوحات ماجدة شعبان بضجيج أفكار تتزاحم في رأسها كي تخرج وترى النور. وتُعلّق: «بالفعل، هذه الزحمة تنتابني، وأحس كأن أناملي أحياناً لا تستطيع تلبيتها جميعها. هذه العجقة أعدّها هدية من رب العالمين، ولكنها تحتاج إلى طاقة وجهد. تستوقفني هذه الفوضى في العاصمة، وتصبح مصدر إلهام لي بكل أجزائها الصغيرة، فأنا مشغوفة بها».

عجنت ماجدة شعبان حبها لبيروت بمجموعة مواد صنعت منها لوحاتها: قصاصات صحف، وأسلاك حديدية، وشبك معدني... وغيرها. وقصدت من خلال تقنية «الميكسد ميديا» بطبقاتها المتعددة إبراز شكل بيروت وروحها المنصهرين في عجقتها.

يأتي معرض «بيروت عُدتُ إليك» نتاج عمل استغرق من الفنانة نحو سنة كاملة لتنفيذه. وتختم حديثها قائلة: «غطست في هذه الأعمال غير آبهة بالوقت، أو المدة، اللذين قد أستغرقهما. سبحت في بحر وطني بريشتي وأصابعي، وعشت متعة لقاء الوطن بعد غياب».