ماذا إنْ كسرت ربّة المنزل نمط حضورها الدائم في البيت؟ 

مسرحية «مونو بوز» لبيتي توتل استراحة تحتاج إليها النساء

«مونو بوز» مسرحية كوميدية تحمل رسائل إنسانية (الشرق الأوسط)
«مونو بوز» مسرحية كوميدية تحمل رسائل إنسانية (الشرق الأوسط)
TT

ماذا إنْ كسرت ربّة المنزل نمط حضورها الدائم في البيت؟ 

«مونو بوز» مسرحية كوميدية تحمل رسائل إنسانية (الشرق الأوسط)
«مونو بوز» مسرحية كوميدية تحمل رسائل إنسانية (الشرق الأوسط)

ماذا إنْ قرّرت ربّة المنزل الهروب من واقعها والاختفاء لبرهة عن المشهد اليومي؟ إنه السؤال العريض الذي تطرحه الفنانة اللبنانية بيتي توتل في مسرحيتها الجديدة «مونو بوز» (مسرح «دوار الشمس» في بيروت)، وتعرّج فيها على كل ما يخالج المرأة الأم، والزوجة، والعاملة، وربّة المنزل، من مشاعر وحدة وتعب. تؤدّي جميع الأدوار كأنها بطلة عصرها؛ وفجأة، تقرّر الاختفاء والاعتزال في مكان بعيد. هناك، تحاول لملمة جراحها، وأخذ استراحة تستحقها. فأفراد عائلتها لا يقدّرون دورها ووجودها، ومع هروبها يشعرون فجأة بالحاجة إليها. الأولاد، كما الزوج والصديقة، يستنفدون طاقتها، من منطلق عبارة «سوبر وومان» لامتلاكها قدرة كبيرة على التحمُّل. يعلقون عليها مشكلاتهم وهمومهم ومخاوفهم. فتصبح المرأة التي تعيش للآخرين، ناسيةً أحلامها وطموحاتها وأدنى حقوقها.

بيتي توتل بأداء متمكّن على المسرح (الشرق الأوسط)

إلى منزل بعيد في بلدة بحمدون الجبلية، تحمل أمتعتها على غفلة. ولتُحقّق استراحة إرادية ترغب فيها، كان عليها الاختفاء من دون أن يعلم أحد. لأولادها فقط، برّرت غيابها. أسرَّت لهم بأنها التحقت بجلسة طويلة لممارسة الرياضة الروحية، مما سيمنعها من التواصل معهم. تتخلّى عن هاتفها تاركةً خدمة تلقّي الرسائل الإلكترونية متاحة فقط. فهل ستستطيع الاستمتاع بهروبها هذا؟ أم أنّ الدنيا ستنقلب عليها، وتضعها من جديد أمام مسؤولياتها؟

هذا موضوع مسرحية «مونو بوز» التي كتبتها، وأخرجتها، وأدّت بطولتها بيتي توتل. عنوانها يجمع بين القرار الشخصي بأخذ قسط من الراحة، وبين وقفة المرأة مع الزمن في فترة من عمرها تُعرَف بـ«سن اليأس».

يشاركها هذا المشوار النابع من واقع الحياة اليومية، الطبيب جاك مخباط؛ صاحب المطعم الذي يدخل عزلتها بالمصادفة، فيؤلّفان معاً ثنائياً متناغماً على مستوى الحضور والأداء وتبادل المواقف المضحكة.

تتناول المسرحية الوحدة وحاجة المرأة إلى الاهتمام بها (الشرق الأوسط)

تبدأ المسرحية (90 دقيقة) بهروب البطلة للإقامة في منزل مهجور يعود إلى صديقتها، واعدةً نفسها باستراحة مُحارب. تُقدّم توتل أداء محترفاً تشتهر به على الخشبة. فهي ابنته وأستاذته في الجامعة. تعرف من أين تبدأ وكيف تنتهي، ومتى ترمي الدعابة المناسبة لجمهور تفاعل معها، آخذةً في الحسبان أناقة امرأة نسيت جمالها وأنوثتها، وانغمست في حياتها المُتعِبة، مما يفسّر تبديلها أزياءها بشكل متكرّر. تُقدّم دورها في إطار المضحك المبكي، فتُوصل الرسالة بعفوية مطلقة. تطلّ بالتفصيل على مواقف تواجهها غالبية النساء في بيوتهن، مستوحيةً إياها من تجربتها وتجارب أخرى.

تتحدّث عن وحدتها وحاجتها إلى مَن يلتفت إليها كامرأة. ولا تتوانى عن إبراز عوارض «سن اليأس»، فتتوقّف عند إصابتها بـ«الهبّات الساخنة»، وعند حلمها بالاستفراد بنفسها، وتنظيم حياتها، مُنطلقةً من كلمة «أنا»، بعدما تعامل معها الجميع من منطلق «بما أنك لا تزالين تتحرّكين، أعطيني المزيد».

بيتي توتل والطبيب جاك مخباط يؤلّفان ثنائياً متناغماً (الشرق الأوسط)

أمام رسالة من زوجها يشكّك في غيابها ويتّهمها بحب رجل آخر، تتحسّر لسطحية أفكاره المتعلّقة بالمرأة. وفي المقابل تعترف: «نعم أنا بحاجة لمَن يحاول أن يصالحني مع عمري. ومن يؤكد لي أنني لا أزال جميلة وفي سنّ الشباب. أنا بحاجة إلى قلب يخفق من جديد ويشعر بنفحات الحب».

رسائل جدّية تقدّمها في قالب كوميدي خفيف، تنجح توتل في إيصالها إلى الجمهور من دون استفزازه. فتنقل له أحاسيس امرأة وضعت كل مشاعرها الدافئة على الرفّ، لتنصرف إلى خدمة مَن حولها.

يُضفي حضور د.جاك مخباط نكهة الممثل التلقائي، فيتوقّف مُشاهد المسرحية عند انسيابيته على المسرح، بتأديته دور رجل يعاني أيضاً الوحدة وغياب مَن يهتم به. فيعيش الفراغ عينه الذي تتخبط فيه المرأة، لكن بأسلوب آخر.

لمخباط تجارب مسرحية طويلة بدأها منذ دراسته الطبية في فرنسا، فأنتج مسرحيات عدّة بالفرنسية منذ عام 1993، وشارك توتل في أكثر من عمل بينها «الأربعا بنص الجمعة»، و«مسرح الجريمة»، و«فريزر».

وبين الضحك والجد والألم والترفيه عن النفس، يمضي عرض المسرحية بسرعة من دون رتابة، ليعطي حيّزاً لا يُستهان به للتقنية والإضاءة، بما يقرّبه من تجربة سينمائية شيّقة. كما يطلّ على موسيقى طربية يستخدمها في مَشاهد البوح والفضفضة، ليسترخي مُشاهدها في مقعده مستمتعاً بمشهدية بصرية وسمعية، تدفعه إلى المشاركة تلقائياً في أداء واحدة من تلك الأغنيات، وهي «إنت عمري» لأم كلثوم.

تُضيء المسرحية على عطاء المرأة وحبّها لأسرتها. فعندما يحتدم الأمر وتصبح عودتها إلى منزلها ضرورة، تُقرّر التراجع عن قرارها. لكنها تحمل معها ذكرياتها عن تلك الاستراحة، مما يزوّدها بطاقة إيجابية تكسر الروتين اليومي الذي تعانيه.


مقالات ذات صلة

زينة دكاش لـ«الشرق الأوسط»: مسرحية «اللي شبكنا يخلّصنا» تختصر بعض حياتي      

يوميات الشرق مسرحها محاكاة لغربة طوعية عاشتها في حياتها (صور زينة دكاش)

زينة دكاش لـ«الشرق الأوسط»: مسرحية «اللي شبكنا يخلّصنا» تختصر بعض حياتي      

أمضت زينة دكاش نحو 14 عاماً مع المساجين في لبنان تعالج أوجاعهم وآلامهم النفسية بالدراما، وكذلك أسهمت في تعديل بعض القوانين المُجحفة بحقّهم.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق جانب من فعاليات حفل ختام الدورة الـ15 من مهرجان المسرح العربي (إدارة المهرجان)

مصر لاستضافة مهرجان المسرح العربي في دورته الـ16

تستعد مصر بشكل مكثف لاستضافة الدورة الـ16من مهرجان المسرح العربي، عقب تسلمها الراية من سلطنة عُمان التي استضافت الدورة الـ15.

داليا ماهر (القاهرة)
يوميات الشرق مسرح هبة نجم تذوّقي يُشغِل الحواس بالتقاط رائحة الطعام المنبعثة من «المطبخ» (الشرق الأوسط)

«فريكة» هبة نجم... طَعْمٌ آخر للمسرح اللبناني

علاقة الأنثى بالعمّة شائكة بحجم عمقها إنْ حكمها ودٌّ خاص. في المسرحية تغدو مفتاحاً إلى الآخر، مما يُجرّدها من الشخصانية نحو احتمال إسقاطها على علاقات عاطفية.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق يهدف الحفل إلى تزويد اللبنانيين بجرعات أمل من خلال الموسيقى (الجامعة الأميركية)

بيروت تحتفل بـ«التناغم في الوحدة والتضامن»... الموسيقى تولّد الأمل

يمثّل الحفل لحظات يلتقي خلالها الناس مع الفرح، وهو يتألّف من 3 أقسام تتوزّع على أغنيات روحانية، وأخرى وطنية، وترانيم ميلادية...

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق أبطال أحد العروض المسرحية ضمن فعاليات مهرجان المسرح الكوميدي في بنغازي (وال)

بنغازي الليبية تبحث عن الضحكة الغائبة منذ 12 عاماً

بعد انقطاع 12 عاماً، عادت مدينة بنغازي (شرق ليبيا) للبحث عن الضحكة، عبر احتضان دورة جديدة من مهرجان المسرح الكوميدي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

علي الطخيس شغف 5 عقود في نحت الأعمال الفنية

ملتقى طويق الدولي للنحت 2025 انطلق تحت شعار «من حينٍ لآخر... متعة الرحلة في صعابها» (الرياض آرت)
ملتقى طويق الدولي للنحت 2025 انطلق تحت شعار «من حينٍ لآخر... متعة الرحلة في صعابها» (الرياض آرت)
TT

علي الطخيس شغف 5 عقود في نحت الأعمال الفنية

ملتقى طويق الدولي للنحت 2025 انطلق تحت شعار «من حينٍ لآخر... متعة الرحلة في صعابها» (الرياض آرت)
ملتقى طويق الدولي للنحت 2025 انطلق تحت شعار «من حينٍ لآخر... متعة الرحلة في صعابها» (الرياض آرت)

بتأنٍ وهدوء، يعكف النحات السعودي علي الطخيس على إنجاز عمله النحتي الجديد، وذلك خلال مشاركته في النسخة السادسة من «ملتقى طويق الدولي للنحت 2025»، الذي يقوم خلاله 30 فناناً من مختلف دول العالم بأعمال النحت الحيّ ورواية قصصهم الملهمة عن كل منحوتة.

لساعات يستمر النحات في معالجة قطع حجر الجرانيت السعودي، لتوائم الأبعاد التي اختارها لإنجاز المنحوتة، والتعبير من خلالها عن الرسالة من وراء عمله «الحرص والاهتمام بالمحتوى» العنوان الذي وضعه للعمل الذي سيكمله خلال الملتقى الذي انطلق الأربعاء الماضي تحت شعار «من حينٍ لآخر... متعة الرحلة في صعابها»، ويستمر حتى 8 فبراير (شباط) المقبل.

الفنان علي الطخيس أمام إحدى منحوتاته (أرشيف الفنان)

الطخيس أوضح أن العمل يرمز إلى العلاقة الإيجابية والمثمرة في السعودية بين قيادة البلاد والمجتمع، وعن تفاصيلها يقول في حديث مع «الشرق الأوسط» إنها مكونة من دائرة حلزونية تتوسطها قطع مقسمة إلى 13 قسماً ترمز إلى عدد مناطق المملكة التي تتمتع بتنوع ثريّ وتحظى بعناية واهتمام يعكسان ما تكتنزه من ثراء وغنى وتفاصيل ملهمة.

وينوي الفنان السعودي تحويل قطعة الجرانيت الصلد هذه إلى منحوتة ملهمة نابضة بالحياة بارتفاع 3 أمتار ومتر لكل من العرض والسُمك، بالإضافة إلى قاعدة من 4 أمتار. كاشفاً أنها «ستكون بمثابة تعبير عما تجده السعودية بجميع مناطقها، من تطلع تقوده رؤية 2030، التي أولت عنايتها بتنمية الإنسان والمكان، وكان الوطن بمثابة الحاضن الأمين للتنوع والتعدد الذي تتمتع به مناطق السعودية في إطار وطني واحد».

أحد أعمال الفنان الطخيس في الفضاء العام (أرشيف الفنان)

5 عقود في عالم النحت‏

يتمتع الفنان السعودي علي الطخيس، المولود في الدوادمي عام 1956، بمسيرة إبداعية في عالم النحت جعلته رمزاً من رموز السعودية، وتتميز أعماله بوضوح الرؤية وجمالية التفاصيل المبهرة، وحصل بسبب موهبته الفذة على مجموعة من الجوائز في معارض محلية وعالمية. وبعد تخرجه من معهد التربية الفنية بالرياض عام 1999، عمل مدرساً، واستطاع خلال ذلك أن يمارس هوايته في صناعة المجسمات المركبة من الخشب باستخدام تقنيات النجارة والحدادة، ومن ثم انتقل إلى النحت الحجري وشارك في كثير من ورش النحت والمنتديات وملتقيات النحت داخل السعودية وخارجها.

الطخيس ونحاتون من دول العالم في نهاية سمبوزيوم راشانا عام 1999 (أرشيف الفنان)

من حفل تكريم رواد الفن التشكيلي في السعودية عام ٢٠١٨ (أرشيف الفنان)

يقول الطخيس في حديث مع «الشرق الأوسط» بينما يتمتع بوقت راحة قصير أثناء عمله في ملتقى طويق، إن مسيرته الفنية التي تمتد لزهاء 50 عاماً بدأت من مرحلة التحديات المبكرة، حيث لا تتوفر لفناني مجال النحت الأدوات والعُدَد الكافية لإنجاز أفكارهم. ويحكي الطخيس عن رحلته في تطوير شغفه الذي بدأ من أروقة معهد التربية الفنية في الرياض الذي كان له الفضل في تخريج أجيال من الفنانين السعوديين في مختلف الاهتمامات قبل أن يغلق أبوابه قبل أعوام.

وتدرّج الطخيس في اكتشاف شغفه بالنحت عبر السنوات، وقد استقر لديه بعد تجارب وفرص مختلفة أن مجال النحت هو الذي يلبي توقعاته، وانطلق في بناء مسيرته الخاصة التي توجت بالعديد من الإنجازات، موصياً الأجيال الناشئة باستغلال هذه المرحلة الجديدة والواعدة من الفرص والدعم والاهتمام الذي توليه الجهات المعنية بالمشهد الثقافي في السعودية. ويستذكر الفنان علي الطخيس دور الفنان السعودي الراحل عبد الله العبد اللطيف أحد رواد فن النحت في البلاد، وأثره في توجيه موهبته ورعايتها والأخذ بيده إلى التخصص أكثر في مجاله، لينطلق بعدها بثقة وتركيز لتطوير حضوره الفني محلياً ودولياً.

أحد أعمال الفنان الطخيس في الفضاء العام (أرشيف الفنان)

منحوتات «طويق» جزء من معالم الرياض

النسخة السادسة من «ملتقى طويق الدولي للنحت 2025» انطلقت مطلع يناير (كانون الثاني) ومعها بدأت جولة جديدة لصناعة الأعمال الفنية من خلال النحت الحي، ورواية القصص الملهمة وراء كل منحوتة التي يقدمها الفنانون المشاركون من داخل السعودية وخارجها.

ويشارك في الملتقى، الذي يساهم في إبراز دور السعودية بوصفها مركزاً عالمياً للإبداع والثقافة، 30 فناناً من 23 دولة من حول العالم، ينشئون أعمالاً فنية عامة، باستخدام أحجار الجرانيت والبازلت من أرض المملكة، لتكون جزءاً من المشهد الفني والثقافي للعاصمة.

وقالت سارة الرويتع مديرة الملتقى، الذي يعد أحد برامج «الرياض آرت»، إن المنحوتات الفنية التي يُنتجها نخبة من الفنانين المشاركين في النسخة السادسة ستُصبح جزءاً دائماً من ملامح مدينة الرياض الحضارية. وأضافت في حديث لـ«الشرق الأوسط» عند انطلاق الملتقى: «بعدما تم توزيع منحوتات النسخ السابقة في مواقع بارزة مثل مركز الملك عبد العزيز التاريخي، سيشهد هذا العام أيضاً إضافة المزيد من الأعمال الفنية التي تُثري المشهد الحضري للعاصمة وتُلهم سكانها وزوارها».