«ساعة مكة الأولى»... شاهد تاريخي على الرعاية السعودية للحرمين الشريفين

أمَر بها الملك عبد العزيز في ثلاثينات القرن الماضي ودشنت رحلة التطوير

ساعة مكة الأولى التي أمر بها الملك عبد العزيز عام 1933 (دارة الملك عبد العزيز)
ساعة مكة الأولى التي أمر بها الملك عبد العزيز عام 1933 (دارة الملك عبد العزيز)
TT

«ساعة مكة الأولى»... شاهد تاريخي على الرعاية السعودية للحرمين الشريفين

ساعة مكة الأولى التي أمر بها الملك عبد العزيز عام 1933 (دارة الملك عبد العزيز)
ساعة مكة الأولى التي أمر بها الملك عبد العزيز عام 1933 (دارة الملك عبد العزيز)

عندما بدأ المسلمون يفدون بانتظام إلى الحرم المكّي لأداء العمرة والحج في ثلاثينات القرن العشرين، أخذت ملامح من التطوير تظهر مع بداية العهد السعودي، إيذاناً برحلة جديدة من العناية بالحرمين الشريفين والإحسان إلى ضيوف الرحمن. وفي محيط الحرم، بدأ عمود إسمنتي في الظهور تدريجياً على رأس دار الحكومة في مكة المكرمة، لم يلبث أن اكتمل بناؤه واتضحت الصورة... إنها ساعة عملاقة أمر بها الملك عبد العزيز لتلبية حاجة المصلين في المسجد الحرام لمعرفة الأوقات المرتبطة بأداء العبادات والمناسك ومواقيت الصلاة.

دار الحكومة باللون الأبيض في وسط مدينة مكة المكرمة (الجمعية السعودية للمحافظة على التراث)

وضع الملك عبد العزيز آل سعود، مبدأ رعاية الحرمين الشريفين والعناية بضيوف الرحمن على رأس أولويات الحكومة السعودية، ورسم الأُسس التي انبرى لها كل ملوك البلاد من بعده للارتقاء بالخدمات وتحسين تجربة الزائر واستقطاب كل عناصر تسهيل وتيسير أداء المناسك، وزيارة قبلة المسلمين ومدينة الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم).

وقد بدأت بواكير العهد السعودي والتزامه التاريخي بخدمة الحرمين الشريفين وقاصديهما من أصقاع العالم خلال العقد الأول من إعلان الملك عبد العزيز بياناً ونداءً في فبراير (شباط) من عام 1925إلى مشارق الأرض ومغاربها، أكد فيه التزامه حماية الحجاج والتكفل بتأمين راحتهم وجميع حقوقهم، وأبدى في البيان الذي نشرته جريدة «أم القرى» الرسمية قبل حلول موسم حج عام 1343هـ، سروره وابتهاجه باستقبال المسلمين وتسهيل أمر سفرهم إلى مكة المكرمة.

ضبط مواقيت الحرم المكي

رأى الملك عبد العزيز عند اتخاذه هذه الخطوة التطويرية، حاجة المصلين والقائمين على رعايتهم إلى ضبط المواقيت في المسجد الحرام، ووجه باستيراد ساعة ضخمة يمكن مشاهدة عقاربها من مسافة بعيدة، تربط محيط الحرم المكي بقبلته، ويسمع المصلّون صوت دقاتها في المسجد الحرام وجيران الحرم الشريف.

وأصدر الملك عبد العزيز التوجيه ببناء الساعة عام 1933، ووضعها على دار الحكومة الحميدية حيث بنى لها برجاً يصل ارتفاعه إلى 15 متراً عن سطحها، ومثله تقريباً من الشارع إلى سطح الدار، ليرتفع هيكل الساعة عن أرضية الشارع بما يزيد على 30 متراً، وهي ذات وجهين أحدهما مطلٌّ على المسجد الحرام وشارع المسعى، والوجه الآخر يطلّ على شارع أجياد، وكانت خلفيتها بيضاء وعقاربها سوداء، مما يساعد على مشاهدتها من مسافة بعيدة، وتُضاء خلفيتها بالكهرباء خلال الليل. بوشر في بناء البرج الذي وُضعت عليه ساعة مكة الأولى، في شهر رجب عام 1352ه الموافق لـ1933م، وانتُهي منه وثبّتت الساعة في أواخر شهر شعبان؛ حسبما أورد موقع «قبلة الدنيا» نقلاً عن الباحث د.ناصر الحارثي، الذي عدّ أنه للمرة الأولى تجلب ساعة بهذه الضخامة، وما تتميز به من دِقّة التوقيت وبهاء المنظر واعتمادها أداة وحيدة للتوقيت في المسجد الحرام.

ومنذ ذلك التاريخ، وحتى يومنا هذا، حظي الحرمين الشريفين بعناية خاصة، توجت إعلان ‏«رؤية 2030» الطموحة، التي بدأت تحقّق أهدافها وتُسجّل منجزاتٍ فارقة وخدمات متواصلة سهّلت الطريق أمام المسلمين إلى أداء النسك، ويسّرت التجربة الإيمانيّة للملايين من ضيوف الرحمن.


مقالات ذات صلة

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

يوميات الشرق وحدها الثقة بمَن يعمل معهم تُخفّف الحِمْل (صور المخرج)

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

ينظر المخرج السوري سامر البرقاوي إلى ما قدَّم برضا، ولا يفسح المجال لغصّة من نوع «ماذا لو أنجرتُ بغير هذا الشكل في الماضي؟»... يطرح أسئلة المستقبل.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق تعبُ مصطفى المصطفى تجاه أن يكون الدور حقيقياً تسبَّب في نجاحه (صور الفنان)

مصطفى المصطفى: ننجح حين نؤدّي الدور لا وجهات نظرنا

اكتسبت الشخصية خصوصية حين وضعها النصّ في معترك صراع الديوك. بمهارة، حضن الديك ومنحه الدفء. صوَّره مخلوقاً له وجوده، ومنحه حيّزاً خاصاً ضمن المشهد.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

بين الوجوه ما يُنجِح الصورة من المحاولة الأولى، وبينها غير المهيّأ للتصوير. يتدخّل أحمد الحرك لالتقاط الإحساس الصحيح والملامح المطلوبة.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق الفنان المصري دياب حمل السلاح من أجل «مليحة» (الشرق الأوسط)

دياب: لن أجامل أحداً في اختيار أدواري

أكد الفنان المصري دياب أنه وافق على مسلسل «مليحة» ليكون بطولته الأولى في الدراما التلفزيونية من دون قراءة السيناريو، وذكر أنه تعلّم حمل السلاح من أجل الدور.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق استلهمت الكثير من نجمي العمل بسام كوسا وتيم حسن (إنستغرام)

فايا يونان لـ«الشرق الأوسط»: الشهرة بمثابة عوارض جانبية لا تؤثر عليّ

تابعت فايا يونان دورها على الشاشة الصغيرة في مسلسل «تاج» طيلة شهر رمضان. فكانت تنتظر موعد عرضه كغيرها من مشاهديه.

فيفيان حداد (بيروت)

تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
TT

تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)

قررت بيكا زيغلر البالغة 24 عاماً، تجميد جثتها في برّاد بعد وفاتها عن طريق مختبر في برلين، على أمل محدود بإعادة إحيائها مستقبلاً.

وقّعت هذه المرأة الأميركية التي تعيش وتعمل في العاصمة الألمانية، عقداً مع شركة «توموروو بايوستيتس» الناشئة المتخصصة في حفظ الموتى في درجات حرارة منخفضة جداً لإعادة إحيائهم في حال توصّل التقدم العلمي إلى ذلك يوماً ما.

وعندما تتوفى زيغلر، سيضع فريق من الأطباء جثتها في حوض من النيتروجين السائل عند حرارة 196 درجة مئوية تحت الصفر، ثم ينقلون الكبسولة إلى مركز في سويسرا.

وتقول زيغلر، وهي مديرة لقسم المنتجات في إحدى شركات التكنولوجيا في كاليفورنيا، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «بشكل عام، أحب الحياة ولدي فضول لمعرفة كيف سيبدو عالمنا في المستقبل».

ولم يعد علم حفظ الجسم بالتبريد الذي ظهر في ستينات القرن العشرين، مقتصراً على أصحاب الملايين أو الخيال العلمي كما ظهر في فيلم «ذي إمباير سترايكس باك» الذي تم فيه تجميد هان سولو، وفيلم «هايبرنيتس» حين يعود رجل تحرر من الجليد القطبي، إلى الحياة.

توفّر شركات في الولايات المتحدة هذه الخدمة أصلاً، ويُقدّر عدد الأشخاص الذي وُضعت جثثهم في التبريد الأبدي بـ500 فرد.

50 يورو شهرياً

تأسست «توموروو بايوستيتس» عام 2020 في برلين، وهي الشركة الأولى من نوعها في أوروبا.

وفي حديث إلى «وكالة الصحافة الفرنسية»، يقول إميل كيندزورا، أحد مؤسسي الشركة، إن أحد أهدافها «هو خفض التكاليف حتى يصبح تبريد الجثة في متناول الجميع».

إميل كيندزورا أحد مؤسسي «توموروو بايوستيتس» يقف داخل إحدى سيارات الإسعاف التابعة للشركة خارج مقرها في برلين (أ.ف.ب)

ولقاء مبلغ شهري قدره 50 يورو (نحو 52.70 دولار) تتقاضاه من زبائنها طيلة حياتهم، تتعهد الشركة الناشئة بتجميد جثثهم بعد وفاتهم.

يضاف إلى الـ50 يورو مبلغ مقطوع قدره 200 ألف يورو (نحو 211 ألف دولار) يُدفع بعد الوفاة - 75 ألف يورو (نحو 79 ألف دولار) لقاء تجميد الدماغ وحده - ويمكن أن يغطيه نظام تأمين على الحياة.

ويقول كيندزورا (38 سنة) المتحدر من مدينة دارمشتات في غرب ألمانيا، إنه درس الطب وتخصص في الأبحاث المتعلقة بالسرطان، قبل أن يتخلى عن هذا الاختصاص بسبب التقدم البطيء في المجال.

وتشير «توموروو بايوستيتس» إلى أنّ نحو 700 زبون متعاقد معها. وتقول إنها نفذت عمليات تبريد لأربعة أشخاص بحلول نهاية عام 2023.

ويلفت كيندزورا إلى أنّ غالبية زبائنه يتراوح عمرهم بين 30 و40 سنة، ويعملون في قطاع التكنولوجيا، والذكور أكثر من الإناث.

عندما يموت أحد الزبائن، تتعهد «توموروو بايوستيتس» بإرسال سيارة إسعاف مجهزة خصيصاً لتبريد المتوفى باستخدام الثلج والماء. يتم بعد ذلك حقن الجسم بمادة «حفظ بالتبريد» ونقله إلى المنشأة المخصصة في سويسرا.

دماغ أرنب

في عام 2016، نجح فريق من العلماء في حفظ دماغ أرنب بحال مثالية بفضل عملية تبريد. وفي مايو (أيار) من هذا العام، استخدم باحثون صينيون من جامعة فودان تقنية جديدة لتجميد أنسجة المخ البشري، تبين أنها تعمل بكامل طاقتها بعد 18 شهراً من التخزين المبرد.

لكنّ هولغر رينش، الباحث في معهد «آي إل كاي» في دريسدن (شرق ألمانيا)، يرى أنّ الآمال في إعادة شخص متجمد إلى الحياة في المستقبل القريب ضئيلة جداً.

ويقول لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «نشكّ في ذلك. أنصح شخصياً بعدم اللجوء إلى مثل هذا الإجراء».

ويتابع: «في الممارسة الطبية، إنّ الحدّ الأقصى لبنية الأنسجة التي يمكن حفظها بالتبريد هو بحجم وسمك ظفر الإبهام، والوضع لم يتغير منذ سبعينات القرن العشرين».

ويقرّ كيندزورا بعدم وجود ضمانات، ويقول: «لا نعرف ما إذا كان ذلك ممكناً أم لا. أعتقد أن هناك فرصة جيدة، لكن هل أنا متأكد؟ قطعاً لا».

بغض النظر عما يمكن أن يحدث في المستقبل، تقول زيغلر إنها متأكدة من أنها لن تندم على قرارها. وتضيف: «قد يبدو الأمر غريباً، لكن من ناحية أخرى، البديل هو أن يضعوك داخل تابوت وتأكلك الديدان».