بين الابتعاد عن الوجبات الخفيفة والقهوة... كيف تجهّز جسمك لصيام رمضان؟

خبيرة تغذية تعطي أهم النصائح للاستعداد للشهر الفضيل بطريقة صحية

مجموعة من السيدات في لندن يفطرن خلال شهر رمضان (رويترز)
مجموعة من السيدات في لندن يفطرن خلال شهر رمضان (رويترز)
TT

بين الابتعاد عن الوجبات الخفيفة والقهوة... كيف تجهّز جسمك لصيام رمضان؟

مجموعة من السيدات في لندن يفطرن خلال شهر رمضان (رويترز)
مجموعة من السيدات في لندن يفطرن خلال شهر رمضان (رويترز)

دخلت التحضريات لشهر رمضان في منطقتنا وبالكثير من الدول حول العالم مرحلتها الرئيسية والأخيرة، حيث ننتظر بدء الصوم عبر تجهيز الأطباق والمأكولات التي يمكننا حفظها في الثلاجات، وشراء الفوانيس والديكورات المنزلية التي تضيف رونقاً مميزاً، وتضفي أجواء روحانية تُدخِل البهجة إلى قلوب العائلات المجتمعة على موائد السحور والإفطار.

وفي طريقنا لتخزين المؤن قبل بداية الشهر، من الأرز والمعلبات إلى اللحوم والأسماك والمرطبات وغيرها، علينا ألاّ ننسى أننا كأشخاص في حاجة أيضاً إلى تحضير أجسامنا للصوم؛ كي لا يتسبب ذلك بأي صدمة لأجسادنا، ولنتفادى أي ردود فعل سلبية مثل الجفاف أو النعس المستمر أو العطش، وغيرها من التأثيرات.

طفل يبيع الفوانيس التقليدية بينما يستعد الكثير من الأشخاص حول العالم لبدء شهر رمضان المبارك (أ.ف.ب)

لذلك؛ تنصح خبيرة التغذية أنطونا ماريا مطران، في حديثها لـ«الشرق الأوسط»، الناس باتباع نظام غذائي دقيق قبل بداية الشهر الفضيل، بنحو أسبوع أو أيام معدودة حتى.

وهناك خطوات أساسية عدّة تنصحك مطران باتباعها والالتزام بها في مرحلة الاستعداد للصوم:

التخفيف من كمية الطعام المتناولة

تشرح مطران: «على الناس البدء بتقليل كميات الطعام المعتادة وتقليص السعرات الحرارية المتناولة؛ وذلك بهدف تعويد الجسم على الفترات الطويلة من الصوم». وتابعت: «إذا أوقفنا تناول الطعام لساعات عدة بشكل مفاجئ، فالأمر سيؤثر سلباً على الجسم؛ لذلك علينا تحضير أمعائنا عبر تخفيف كميات الطعام التي نتناولها قبل البدء بالصوم، لنصل إلى الشهر الكريم معتادين على حصص أقل من المأكولات؛ الأمر الذي يخفف بالتالي من الشعور بالجوع».

الالتزام بوجبة الفطور

تقول خبيرة التغذية إن تناول الفطور صباحاً يُعد من أهم خطوات تجهيز جسمنا للصوم؛ وذلك لارتباطه بوجبة السحور لاحقاً، وتشرح: «هناك الكثير من الأشخاص الذين لا يفضلون تناول الطعام صباحاً، وهذا بدوره يرتبط بعدم تناول وجبة السحور لاحقاً خلال رمضان؛ مما يعرّض الصائمين للتعب والإرهاق والجوع خلال اليوم... أما إذا بدأنا الاعتياد على تناول الأطعمة ولو الخفيفة صباحاً، سنعتاد تلقائياً على الحصول على وجبة السحور؛ مما يساعدنا في اجتياز يوم الصوم بطريقة صحية وسليمة».

وجبة فطور صحية تضم البيض والخبز (رويترز)

التخفيف من شرب القهوة

تُعدّ القهوة جزءاً أساسياً من بداية أي يوم بالنسبة للكثير من الأشخاص حول العالم، ولكن، عند التجهيز للصيام، تؤكد مطران أنه يجب علينا تخفيف الكميات التي نستهلكها، خاصة صباحاً، قبل نحو أسبوع أو حتى أكثر، وتقول: «من المستحسن التخفيف من كميات الكافيين التي نتناولها؛ لعدم إخضاع الجسم لصدمة إيقافها فجأة، ومواجهة ما يترتب عن ذلك من تأثيرات، مثل الصداع القوي، والنعاس المستمر، وقلة النشاط، وغيرها...».

وتنصح أنطونا عشاق القهوة باستبدال المستحضرات التي تحتوي على كافيين بمنتجات تُعرف بـ«دي كاف»، أي تلك التي لا تحتوي على الكافيين، قبل فترة من حلول الشهر المبارك، لتجهيز نظامنا ودماغنا بالشكل المناسب.

الإكثار من شرب المياه

من المعروف أن شرب المياه يُعدّ قاعدة لا غنى عنها في حياتنا اليومية، مهما كان النظام الغذائي الذي نتبعه، أو في أي مرحلة من المراحل التي نمر بها. ولكن، للإكثار من شرب المياه فوائد أساسية عند تجهيز الجسم لفترة الصيام. تقول خبيرة التغذية: «من الضروري بالفعل شرب كميات كبيرة من المياه في الأسبوع الذي يسبق شهر رمضان؛ وذلك لإعطاء جسمنا دفعة قوية من الترطيب، وحمايته من الجفاف لاحقاً».

وتنصح أنطونا بزيادة كمية المياه المتناولة تدريجياً خلال اليوم.

التخطيط للوجبات مسبقاً...والابتعاد عن الوجبات الخفيفة

تعدّ زيادة الوزن أمراً شائعاً خلال شهر رمضان. فساعات تناول الطعام غير المنتظمة، والميل إلى الإفراط في تناول الوجبات الخفيفة خلال الليل، والطبيعة غير الصحية للعديد من الأطباق، كلها عوامل تساهم في السمنة. ويمكنك التعامل مع ذلك عبر التخطيط لوجباتك مسبقاً. ومن خلال تحديد الأطباق التي ترغب في تحضيرها كل يوم، يمكنك تقليل الكمية التي يتم طهيها لتتناسب معك، وتقديم مأكولات صحية أو طرق طهي سليمة. ويحميك ذلك بدوره من اللجوء إلى خيارات غير صحية مثل الأطعمة الجاهزة والسريعة.

وتعيد أنطونا تأكيد أهمية التقليل من تناول الوجبات الثانوية أو الخفيفة، وخاصة تلك الغنية بالسكر، لتقليص الطلب عليها لاحقاً خلال فترات الصيام. فتناول هذه الوجبات يكوّن عادات غير صحية لدينا، علينا العمل على التخلص منها قدر الإمكان قبل بدء رمضان.

رجل يخبز كميات من الحلويات (رويترز)

التقليل من تناول الملح والسكر

عليك في البداية التعرف على الأطعمة التي تتناولها بانتظام والتي تحتوي على مستويات عالية من الملح والسكر. حاول تقليل استهلاكها بمقدار ملعقة كبيرة من الملح والسكر يومياً. في المقابل، سيسهل ذلك أيضاً محاربة الرغبة الشديدة في تناول الأطعمة والمشروبات الغنية بالملح والسكر، ليس فقط خلال شهر رمضان، لكن أيضاً خلال المراحل المقبلة من حياتك.

ماذا عن المكملات الغذائية؟

عند سؤالها عن أهمية المكملات الغذائية في مرحلة ما قبل الصوم، وحتى خلالها، شرحت أنطونا أنه لا داعي لتناولها ما دام أننا نأكل وجبات غذائية متوازنة، غنية بالمعادن والفيتامينات التي نحتاج إليها، وأوضحت: «لا مانع من تناول (مالتي فايتامينز) أو المكملات الغذائية المتكاملة أثناء التحضير للصوم، وحتى خلال أيام شهر رمضان، ولكنها ليست بنفس أهمية اتباع نظام صحي متجانس، والإكثار من المأكولات الصحية والخضراوات والفاكهة، والابتعاد عن الأطعمة المقلية أو الغنية بالسعرات الحرارية والدهون».

وهنا، تنصح الخبيرة بضرورة الإكثار من تناول السلطات، والابتعاد عن المشروبات الغازية واستبدالها بالأعشاب والحساء، لحماية المعدة وعدم تعريضها لأي تلف أو أوجاع غير مُستحبة.

وفيما يلي، تعطينا خبيرة التغذية أنطونا لمحة على نظام غذائي متوازن يمكن اتباعه في الأيام المتبقية قبل بداية رمضان:

وجبة الفطور

تضم وجبة الفطور الصحية قبل الصوم مأكولات ترتكز على الكربوهيدرات المعقدة (complex carbs)، مثل القمحة الكاملة، الشوفان، النخالة، مع مصدر من البروتين مثل الأجبان والألبان أو البيض أيضاً. ولا مانع من إضافة مصدر يحتوي على الألياف، مثل حصة من الخضراوات أو الفاكهة لتعزيز الفوائد.

وتشدد أنطونا على ضرورة الابتعاد عن تناول الأطعمة الغنية بالسكريات صباحاً، مثل الشوكولاتة أو البسكويت أو الكعك؛ لأن الجسم يدمن عليها بسهولة، وينمي الرغبة الشديدة في تناولها لاحقاً مع الوقت.

فطور يصلح تناوله وسط التحضيرات لشهر رمضان (خبيرة التغدية أنطونا ماريا مطران)

وجبة الغداء

من المهم أن نبدأ في تعويد أنفسنا على تناول الحساء قبل الطبق الرئيسي، وتقول أنطونا: «لا يتناول الكثير منا الحساء في العادة ضمن وجبة الغداء؛ لذلك من الهم تجهيز جسمنا على ذلك، وتنظيم الوجبات عبر إضافة هذا الطبق المهم».

طبق صحي متوازن يصلح لوجبة غداء قبل بداية شهر رمضان (خبيرة التغدية أنطونا ماريا مطران)

وتحبّذ أنطونا تناول وجبات غداء متكاملة تحتوي على: البروتين، الألياف، النشويات، والدهون الصحية. مثال على ذلك: طبق أرز مع نوع من الحبوب كالفاصولياء أو البازيلا، مع كمية مناسبة من اللحم أو الدجاج على الجانب - أو طبق من الدجاج أو اللحم إلى جانب السلطات والخضراوات المشوية، والبطاطس، والأفوكادو الذي يُعد مصدراً مهماً للدهون الصحية.

وجبة صحية تصلح للغداء أو العشاء قبل شهر رمضان وخلاله

العشاء

ترى أنطونا أن الوجبة الأخيرة من اليوم قد تكون عبارة عن سلطة متعددة المكونات، مثل الخضراوات مع التونة أو قطع الدجاج المشوية. ويمكن استبدال السلطات بشطيرة من الخبز الخالي من السكر مثلاً، مع الجبن الأبيض أو حتى مع أنواعنا المفضلة من اللحوم والدجاج أو السمك أيضاً.


مقالات ذات صلة

جوان خضر: لا تجوز المنافسة ضمن المسلسل الواحد

يوميات الشرق أتقن جوان رَسْم ملامح «فجر» وقدَّم مشهديات صامتة (مشهد من «تحت سابع أرض»)

جوان خضر: لا تجوز المنافسة ضمن المسلسل الواحد

أتقن الممثل السوري جوان خضر رَسْم ملامح «فجر» في مسلسل «تحت سابع أرض» الرمضاني وقدَّم مشهديات صامتة أغنت الحوار. نطق بعينيه. شخصية مُركَّبة حملت أكثر من تفسير.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق في فيلم «نهاد الشامي» تُجسّد جوليا قصّار شخصية الحماة المتسلّطة (إنستغرام)

جوليا قصّار لـ«الشرق الأوسط»: الكيمياء بين ممثل وآخر منبعُها سخاء العطاء

ترى جوليا قصّار أنّ مشاركة باقة من الممثلين في المسلسل أغنت القصّة، ونجحت نادين جابر في إعطاء كل شخصية خطّاً يميّزها عن غيرها، مما ضاعف حماسة فريق العمل.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق حسن عسيري خلال استضافته المطرب إيهاب توفيق (الشرق الأوسط)

حسن عسيري يستحضر حسَّه الكوميدي في برنامجه «بروود كاست»

في حواره مع «الشرق الأوسط» تحدّث الفنان والمنتج السعودي حسن عسيري عن كواليس برنامجه «بروود كاست».

داليا ماهر (القاهرة)
يوميات الشرق انتهت مسلسلات رمضان وبقيت تتراتها عالقة في الأذهان

انتهت مسلسلات رمضان وبقيت تتراتها عالقة في الأذهان

من مصر إلى لبنان وسوريا مروراً بالخليج، جولة على أكثر أغاني المسلسلات جماهيريةً واستماعاً.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق العمل أهلٌ بتصنيفه بين الأفضل (البوستر الرسمي)

«بالدم»... مخاطرةٌ رابحة مع ملاحظات ضرورية

العمل لم ينل التنويه لمجرّد عواطف وطنية، فذلك مُعرَّض لأنْ تفضحه ثغر ويدحضه افتعال. أهليته للإشادة به مردُّها أنه أقنع بكثير من أحداثه، ومنح شخصيات قدرة تأثير.

فاطمة عبد الله (بيروت)

الرياض تجمع 60 متحدّثاً عالمياً بمنصة فلسفية تبحث جذور الفكر بين الشرق والغرب

مدارس واتجاهات فلسفية عدّة ضمن برنامج متنوّع (هيئة الأدب)
مدارس واتجاهات فلسفية عدّة ضمن برنامج متنوّع (هيئة الأدب)
TT

الرياض تجمع 60 متحدّثاً عالمياً بمنصة فلسفية تبحث جذور الفكر بين الشرق والغرب

مدارس واتجاهات فلسفية عدّة ضمن برنامج متنوّع (هيئة الأدب)
مدارس واتجاهات فلسفية عدّة ضمن برنامج متنوّع (هيئة الأدب)

أكد الدكتور عبد اللطيف الواصل، رئيس هيئة الأدب والنشر والترجمة في السعودية، أنّ المرحلة الراهنة تتطلَّب استعادة دور الفلسفة في زمن تتسارع فيه الأحداث وتتقدَّم فيه المادية، لتُعيد طرح الأسئلة الكبرى، وتُقدّم قراءة أعمق للتحوّلات التي يشهدها العالم.

وتابع الواصل، خلال افتتاح أعمال «مؤتمر الرياض الدولي للفلسفة 2025» في نسخته الخامسة، أنّ الرياض باحتضانها هذا الحدث المعرفي تُرسّخ مكانتها فضاءً حيّاً يتقاطع فيه عمق الفكرة مع حيوية التجديد، وتمنح الفكر موقعاً فاعلاً في صياغة الرؤى والأسئلة المعاصرة.

يشارك في المؤتمر 60 متحدّثاً عالمياً من الفلاسفة والمفكرين والباحثين (هيئة الأدب)

وتتواصل، منذ الخميس، نقاشات غنيّة ضمن أعمال المؤتمر الذي تُنظّمه هيئة الأدب والنشر والترجمة في مكتبة الملك فهد الوطنية، تحت عنوان «الفلسفة بين الشرق والغرب: المفاهيم، والأصول، والتأثيرات المتبادلة».

ويشارك في المؤتمر 60 متحدّثاً من الفلاسفة والمفكرين والباحثين من مختلف دول العالم، يمثّلون مدارس فلسفية متعددة، مما يمنح البرنامج تنوّعاً معرفياً يُعزّز مكانته منصةً دوليةً للحوار وتبادل الخبرات.

نقاشات مُعمَّقة ضمن ورشات العمل المُصاحبة للمؤتمر (هيئة الأدب)

وتشهد الفعالية أكثر من 40 جلسة حوارية تتناول جذور الفلسفة الشرقية والغربية، وطرائق التفكير، ومسارات التأثير المتبادل بين المدارس الفكرية، إلى جانب مناقشة قضايا معاصرة تتعلَّق بالمعنى الإنساني، والتحوّلات الثقافية، ودور الفلسفة في قراءة الواقع.

هذا الزخم العلمي يمنح الباحثين والمهتمّين رؤى متنوّعة ومقاربات موسَّعة، تُعمّق النقاشات الفلسفية وتُطوّر فهماً أوسع للأسئلة الكبرى في الفكر الإنساني.

مؤتمر الرياض عزَّز مكانته منصةً دوليةً للحوار وتبادل الخبرات (هيئة الأدب)

الروابط المشتركة بين الشرق والغرب

وأشار الواصل إلى أنّ اختيار عنوان المؤتمر يعكس حقيقة أنّ الفلسفة لم تُولد من الجغرافيا بقدر ما تشكّلت من السؤال. وأضاف أن تناول ثنائية الشرق والغرب ليس هدفه تكريس الانقسام، بل إبراز الروابط المشتركة بين التجارب الفكرية وما يجمعها من ميراث إنساني قائم على البحث عن المعنى وصناعة الوعي.

وأوضح أنّ انعقاد المؤتمر في نسخته الخامسة هو امتداد لمشروع فكري انطلق قبل 5 أعوام، وتحوَّل إلى مبادرة راسخة تُعزّز حضور الفلسفة وتُثري حوار الثقافات، وتُرسّخ موقع المملكة منصةً عالميةً في مجالات الإنتاج المعرفي وصناعة الفكر.

وأوضح الواصل أنّ المؤتمر بات اليوم مشروعاً يتنامى أثره عاماً بعد عام، ويتّسع حضوره محلّياً ودولياً، بما يعكس الثقة التي اكتسبها ودوره في دعم الحوارات الفلسفية بين الشرق والغرب.

يشهد المؤتمر أكثر من 40 جلسة حوارية تتناول جذور الفلسفة الشرقية والغربية (هيئة الأدب)

وأكّد أنّ الحاجة المتزايدة لاستعادة دور الفلسفة تنبع من واقع عالمي سريع التحوّل، تتقاطع فيه الأزمات والأسئلة الوجودية. وترى الرياض في هذا الحدث مساحة تتفاعل فيها الفكرة العميقة مع التجديد الفكري، في فضاء مفتوح يعكس المكانة المتنامية للمملكة في المشهد الفلسفي العالمي.

ويُعدّ «مؤتمر الرياض الدولي للفلسفة» من أبرز الفعاليات الفكرية السنوية في المنطقة، إذ يُسهم منذ انطلاقته الأولى في تعزيز التواصل الثقافي العالمي، وإعادة تقديم الفلسفات بمختلف مدارسها في سياق دولي، وترسيخ الدور السعودي في دعم الإنتاج الفكري وبناء الجسور المعرفية بين الشرق والغرب، بما يخدم مسارات التنمية الثقافية والفكرية التي تشهدها المملكة.

مناقشة قضايا معاصرة تتعلَّق بالمعنى الإنساني والتحوّلات الثقافية (هيئة الأدب)

ويأتي انعقاد المؤتمر هذا العام امتداداً لمسيرته المعرفية التي بدأت قبل 5 أعوام، ليواصل دوره منصةً عالميةً تجمع المفكرين والباحثين والخبراء من مختلف دول العالم، وتُرسّخ مكانة السعودية مركزاً دولياً لإنتاج المعرفة وتعزيز الحوار بين الثقافات.


«مناوبة متأخرة»... فيلم ألماني يرد الاعتبار للممرضات في مهرجان «البحر الأحمر»

الفيلم يركزعلى الصعوبات التي تواجه الممرضات في عملهن (الشركة المنتجة)
الفيلم يركزعلى الصعوبات التي تواجه الممرضات في عملهن (الشركة المنتجة)
TT

«مناوبة متأخرة»... فيلم ألماني يرد الاعتبار للممرضات في مهرجان «البحر الأحمر»

الفيلم يركزعلى الصعوبات التي تواجه الممرضات في عملهن (الشركة المنتجة)
الفيلم يركزعلى الصعوبات التي تواجه الممرضات في عملهن (الشركة المنتجة)

بدت بيترا ڤولپي، مخرجة وكاتبة الفيلم الألماني - السويسري «مناوبة متأخرة»، وكأنَّها تدخل هذا المشروع وهي مُثقلة بوعيٍ طويل الأمد تجاه قطاع لا يحظى بالإنصاف الذي يستحقه، فموضوع العاملين في الرعاية الصحية كان يشغلها لسنوات، حتى قبل جائحة «كورونا». «أزمة نقص الممرّضين لم تكن وليدة اللحظة، بل كانت ظاهرةً متفاقمةً في سويسرا وأوروبا والعالم»، وفق قولها.

تضيف بيترا ڤولپي لـ«الشرق الأوسط» أن احتكاكها الشخصي بالمهنة، عبر تجربة سكنها مع ممرّضة لسنوات، جعلها تشهد يومياً حجمَ الضغوط التي يعيشها العاملون في هذا القطاع الحيوي، الأمر الذي دفعها إلى التفكير في تحويل هذا الهمّ إلى مادة سينمائية.

وتتابع: «على الرغم من أن جائحة كورونا أعادت الاعتبار للممرّضين بوصفهم العمود الفقري للمجتمع، فإن العالم سرعان ما نسي تضحياتهم بمجرد انتهاء الأزمة، وهو ما أثار لديَّ شعوراً بضرورة التذكير، عبر الفن، بما يتعرَّضون له يومياً؛ لذا رأيتُ في الفيلم فرصةً للتعبير عن موقفي السياسي، وعن اهتمامي بقضايا النساء، إذ إنهنَّ يشكّلن الغالبية الساحقة من العاملين في التمريض».

وتوضح المخرجة الألمانية أن «نقطة الانطلاق الحقيقية بدأت عندما قرأتُ روايةً توثيقيةً كتبتها ممرّضة ألمانية تتناول مناوبةً واحدةً فقط ضمن واقع مرهق، وقد شعرتُ بأن سرد نقطة زمنية واحدة يمكن أن يحمل طابعاً من الإثارة والتوتر، كأنها بنية فيلم تشويقي». لكن الرواية، كما تقول، لم تكن سوى شرارة الفكرة، إذ طوّرتْ ڤولپي الحكاية من خلال بحثٍ موسّع استند إلى عشرات المقابلات مع ممرّضات، وتقصّي تفاصيل المهنة من داخل المستشفيات، ومن ثَمَّ شرعت في كتابة السيناريو الذي استغرق عاماً كاملاً، قبل أن تبدأ التصوير الذي امتد لـ26 يوماً.

مخرجة الفيلم انطلقت من تجربة شخصية (الشركة المنتجة)

وعن مرحلة الإنتاج، تشير إلى أن الأمر لم يكن معقّداً كما يحدث عادةً مع مشروعات سينمائية أخرى، إذ سارعت الجهات المموّلة في سويسرا إلى دعم الفيلم، ربما لأن موضوعه واضح وملحّ، ولأن أزمة نقص العاملين في الرعاية الصحية باتت واقعاً ملموساً للجميع. لذلك لم تواجه المخرجة صعوبات في تأمين التمويل، بخلاف كثير من المشروعات التي تتطلّب مساراً طويلاً ومعقّداً.

أمّا على مستوى الإخراج، فتصف التحدي الأكبر بأنه «كيفية تمثيل 10 ساعات من العمل المتواصل في زمن سينمائي لا يتجاوز 90 دقيقة. فقد أردتُ للمشاهد أن يعيش الإحساس نفسه الذي تعيشه الممرّضة، وأن يشعر بالإنهاك نفسه الناتج عن الدوران المستمر بين المرضى، والركض خلف التفاصيل، والاستجابة للتنبيهات المتتابعة».

ولتحقيق هذا الإحساس، اعتمد الفريق لقطات طويلة غير مقطوعة في بداية الفيلم، ما استدعى تدريبات دقيقة وتنسيقاً صارماً بين الممثلين والفريق الفني، بحيث لا يُسمح لأيِّ عنصر بأن يتعثَّر خلال الحركة المستمرة للكاميرا.

وتشدّد على أن الفيلم، الذي يُعرَض ضمن فعاليات الدورة الخامسة من مهرجان «البحر الأحمر السينمائي»، لا يُعدّ اقتباساً مباشراً من الرواية الملهمة، بل هو استلهام لطريقتها في النظر إلى المناوبة الواحدة. فجميع الشخصيات والأحداث في الفيلم متخيَّلة، لكنها مستمَدة من حوارات كثيرة أجرتها مع العاملين في القطاع، ومن تجارب شخصية عايشتها. وتضرب مثالاً على ذلك قصة المريض الذي يقلقه مصير كلبه، وهي حالة استوحتها من حياتها الخاصة بوصفها صاحبة حيوانٍ أليف.

وحين ينتقل الحوار إلى البعد الإنساني للفيلم، توضّح ڤولپي أنها أرادت تقديم صورة شاملة لواقع المرضى داخل المستشفيات، «باعتبار أن الجميع مُعرَّضون لأن يكونوا في مكانهم مهما اختلفت طبقاتهم وأعمارهم وثقافاتهم. فالفيلم يعرض نماذج لشبابٍ وشيوخ ومرضى بحالات متفاوتة، في محاولة لعكس مجتمعٍ كامل داخل جناح واحد».

الفيلم يبرز جوانب تفصيلية في حياة الممرضات (الشركة المنتجة)

الأهم، من وجهة نظر المخرجة السينمائية، هو إبراز التعقيد النفسي والوجداني في مهنة التمريض؛ فالممرّضة ليست مسؤولةً فقط عن حالة طبية، بل مطالَبة بفهم ما يحتاج إليه كل مريض بوصفه إنساناً: هل يحتاج إلى دعم، أو كلمة طمأنة، أو لحظة صمت، أو لمسة حنان؟ هذا البعد، في رأيها، هو ما يجعل المهنة أكثر تعقيداً مما يظنه الجمهور.

وعن المقارنات التي يطرحها النقّاد بين فيلمها والمسلسلات الطبية التقليدية، ترى ڤولپي أن أغلب الأعمال التي تتناول بيئة المستشفيات تُقدِّم الأطباء بوصفهم الأبطال المركزيين، في حين يختفي دور الممرّض في الخلفية، رغم أنه الأقرب إلى المريض والأقدر على قراءة التحوّلات الدقيقة في حالته. لذلك حرصت على قلب هذا المنظور تماماً، فجعلت الممرّضة محور الحكاية، لا بوصفها بطلة خارقة، بل لكونها الإنسان الأكثر حضوراً وتأثيراً في مسار العلاج.

وتعود لتؤكّد أن اهتمامها بقضايا النساء حاضرٌ في كل عمل تقدّمه، «لأن التمريض مهنة تعتمد في الأساس على النساء، ومع ذلك لا يحظين فيها بما يليق من تقدير أو مكانة، سواء اجتماعياً أو مؤسّساتياً». ومن هنا جاء سعيها لتسليط الضوء على هذا التناقض، وعلى الجهد الهائل الذي تبذله ملايين النساء حول العالم من دون الاعتراف الكافي بقيمتهنّ الحقيقية.


من «المنطقة المميتة» إلى شاشات جدة... حين تتحوَّل القمم إلى مرآة للإنسان

بوستر الوثائقي السعودي «سبع قمم» (الشرق الأوسط)
بوستر الوثائقي السعودي «سبع قمم» (الشرق الأوسط)
TT

من «المنطقة المميتة» إلى شاشات جدة... حين تتحوَّل القمم إلى مرآة للإنسان

بوستر الوثائقي السعودي «سبع قمم» (الشرق الأوسط)
بوستر الوثائقي السعودي «سبع قمم» (الشرق الأوسط)

على امتداد 7 سنوات، عَبَر السعودي بدر الشيباني قارات العالم الـ7 ليعتلي أعلى قممها، لكنّ الفيلم الذي وصل إلى مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لم يكن روايةً عن الارتفاع الجغرافي بقدر ما كان رحلةً داخليةً نحو أكثر مناطق الذات عزلةً وصدقاً. هكذا قدَّم وثائقي «سبع قمم» سيرة رجل فَقَد ملامح المدير التنفيذي عند «المنطقة المميتة» في «إيفرست»، ليبقى أمام عدسة الكاميرا إنساناً يسأل نفسه: لماذا أواصل؟

بين رؤية المتسلّق، وصنعة المخرج أمير كريم، جاءت الحكاية بلغة سينمائية تمزج الثلج الذي يغطي العدسة بأنفاس ترتجف فوق ارتفاعات الموت، وبسكون البيوت السعودية التي عادت لتُفسّر دوافع المُغامِر حين يعود من القمم إلى العائلة.

قصة لا تُروى من القمة فقط

يقول بدر الشيباني لـ«الشرق الأوسط» إنّ اللحظة الفاصلة وقعت عند أحد المخيمات المرتفعة في «إيفرست». هناك، حين كان الأكسجين شحيحاً وصوت الريح أعلى من دقات القلب، اكتشف أنّ «ما يحدث داخلي أهم مما يحدث حولي». تلك اللحظة، كما يصف، «حوَّلت الرحلة من إنجاز رياضي إلى مشروع إنساني يستحق أن يُروى للعالم».

في الوثائق التي سجَّلها بنفسه، يظهر صوت متقطّع من البرد، وعدسة تُبللها الثلوج، ويد ترتجف وهي تثبّت الحبل قبل الخطوة التالية. لكن بدر يعترف: «كنت أظن أنّ الهدف هو الوصول إلى القمة، ثم اكتشفتُ أن القمة الحقيقية كانت داخلي». هذه اللقطات الخام التي لم تُصنع لأجل السينما بل لأجل النجاة، أصبحت أساس الفيلم، ومرآته الأصدق.

الجبال ليست قمماً بل مسرح للتحوّل الإنساني

حين تسلم المخرج أمير كريم المواد الأولى للقمم التي صوَّرها الشيباني، وجد نفسه أمام صعوبة من نوع مختلف. فاللقطات ليست مأخوذة بكاميرات سينمائية ولا بإضاءة مدروسة؛ إنها لحظات حقيقية لم تعد بالإمكان إعادة تمثيلها. يقول لـ«الشرق الأوسط»: «لم أتعامل مع الفيلم على أنه مغامرة جغرافية، بل رحلة نفسية يسأل فيها بدر نفسه: مَن أنا؟ ولماذا أواصل؟ الجبال بالنسبة إليّ ليست قمماً، بل مسرح يتحوَّل فيه الإنسان».

ويضيف أن أصعب تحدٍّ لم يكن في البيئات الخطرة كما يُعتقد، بل في بناء جسر بصري بين عالمين: عزلة الجبال القاسية، ودفء البيت السعودي مع العائلة.

فرؤية المخرج اعتمدت على مفارقة مقصودة: الجبال خشنة، غير مصقولة، تترك المُشاهِد يشعر بالبرد والعزلة، والمَشاهِد المحلية دافئة، حميمة، تكشف عن الدوافع والإنسان خارج المغامرة.

يقول أمير: «تركت للجبال خشونتها، وللبيت دفئه. وهذه المفارقة هي روح الفيلم وخلاصته الدرامية».

متسلّق الجبال السعودي بدر الشيباني وعودة الروح إلى نقطة البدء (الشرق الأوسط)

لحظة مواجهة الذات في «المنطقة المميتة»

يتّفق كلّ من الشيباني والمخرج على أنّ المشهد المفصلي في الفيلم هو لحظة الصمت على ارتفاع يفوق 8 آلاف متر فوق سطح البحر، في «المنطقة المميتة» لـ«إيفرست»، خلال رحلة استغرقت 38 يوماً من الصعود.

هناك، كما يروي أمير، «تختفي ملامح المدير والقائد، ويظل الإنسان وحده أمام قراره: التراجع أو المضي قدماً». هذا المشهد لا يروي صراعاً مع الطبيعة فقط، بل يكشف الصراع البشري الداخلي: حين يصبح الانتصار الحقيقي هو رفض الاستسلام.

القصة السعودية خلف القمة

يُقدِّم الشيباني عبر الفيلم صورة أوسع من تجربة فردية؛ إنها كما يقول رمز للتجربة السعودية الجديدة. فالقيم التي حملته بين القارات الـ7، من الانضباط إلى الصبر وإدارة الخوف، ليست حكايته وحده، بل انعكاس لرحلة مجتمع كامل يُعيد تعريف طموحه.

يُعلّق كريم: «قصة بدر ليست عن الجبال فقط، بل عن الإنسان السعودي الذي يتخطَّى الحدود التقليدية ليصنع مستقبله».

أما الجوانب الخفية التي عمل المخرج على إبرازها، فهي لحظات الشكّ والتعب والخوف، تلك التي كان يُخفيها المُغامِر خلف الشخصية القوية. وقد ظهر بدر أمام الكاميرا شخصاً يبحث عن ذاته بقدر بحثه عن القمة.

قيمة فكرية تتجاوز التوثيق

يرى الشيباني أنّ الفيلم يتجاوز التوثيق البصري نحو «رحلة تحوّل ذهني وروحي». العزلة في الجبال حرّرته من ضجيج الحياة، ودفعته إلى التأمُّل وإعادة ترتيب حياته.

الفيلم، كما يشرح، يدعو المُشاهدين إلى اختبار حدودهم العقلية والجسدية، ويضعهم أمام سؤال: ما الذي يمكن أن يحدث عندما نخرج من منطقة الراحة؟ ويؤكد أن عرضه في مهرجان «البحر الأحمر» ليس مجرد مشاركة سينمائية، بل رسالة بأن السعودية الجديدة تحتفي بقصص أبنائها وتضع الإنسان في قلب تحوّلها الثقافي.

بين الدبلوماسية الثقافية وصناعة الفرص

يرى الشيباني، بخبرة رائد أعمال، أن الفيلم الوثائقي ليس مجرّد فنّ، بل أصل استثماري يُعزّز رواية المملكة دولياً. ويعتقد أنّ قوة الوثائقيات تتجاوز الحملات التقليدية لأنها تعتمد على السرد الواقعي العميق.

كما يشير إلى أنّ محتوى مثل «سبع قمم» يمكن أن يتحوَّل إلى نماذج أعمال في سياحة المغامرات والتدريب القيادي، وأيضاً المحتوى التعليمي والصناعات الإبداعية. وهو ما ينسجم مع أهداف «رؤية 2030» في تحويل القصص المحلّية إلى قيمة اقتصادية عالمية. «سبع قمم» ليس فيلماً عن الارتفاعات الشاهقة، بل عن الأعماق الإنسانية. وليس عن الوصول إلى القمة، بل عن القوة الذهنية التي تمنع السقوط. إنه عمل يعكس اللحظة السعودية الراهنة: وطن يواجه قممه الخاصة، ويصعد درجاتها بثقة، بحثاً عن نسخة أوضح وأقوى من ذاته.