الشيف اللبناني أنطوان الحاج خسر مليونَي دولار ويبدأ «من الصفر»

يُشارك «الشرق الأوسط» حكاية الضربة التي أجهضت الحلم

الشيف اللبناني أنطوان الحاج خسر مليونَي دولار ويبدأ «من الصفر»
TT

الشيف اللبناني أنطوان الحاج خسر مليونَي دولار ويبدأ «من الصفر»

الشيف اللبناني أنطوان الحاج خسر مليونَي دولار ويبدأ «من الصفر»

نصف قرن أمضاه الشيف اللبناني أنطوان الحاج يتعب ويكدّ. عمرٌ حافل بالمحطات ومراكمة الخبرات، أثمر إيداع نحو مليونَي دولار في المصارف اللبنانية كان مصيرها التبخّر. يتطلّع إلى الجنى الضائع، ويتحسّر. أصابه الزعل فجعل صوته يخفت، إلى أن قرّر البدء «من الصفر». يُشارك «الشرق الأوسط» حكاية الضربة القاضية التي أجهضت الحلم.

يرى أنّ سعادة العطاء تفوق الأخذ: «أعطي لأشعر بالحب. العطاء هو مشاركة الخبرة وتخريج أجيال تنهض بالمطبخ. وهو أن أتطوّر وأبحث، فأُعلّم مَن يعدّ الطعام وصفات مُبتَكرة، وأقترح بدائل تحافظ على لذّة النكهات».

من «عزّ العطاء»، جمع ماله واطمأن إلى أنه محفوظ في المصرف. عمل الشيف أنطوان في التلفزيون والطبخ والتعليم والاستشارات، بين لبنان والخارج، واستثمر في مصنع خياطة لجَمْع الثروة. حلَّ عام 2019 مثل لعنة. كان من بين لبنانيين أُصيبوا بصدمة العمر؛ فالحصاد بأكمله ذهب مع الريح. تعلو نبرة بطعم الأسى، فيضيف: «50 عاماً لم يبقَ منها إلا الفتات». لطالما حلم بافتتاح مشروع ضخم يُطلق عليه اسم «مأكول الهنا»، تيمّناً بعنوان برنامجه الشهير عبر «تلفزيون لبنان». تخيَّل أصنافاً من المأكولات تُوزّع على المحلات والمطاعم على امتداد المحافظات. «تبخّرت الأحلام». يتابع بلوعةٍ: «حين أوشكتُ على التفرّغ له، وقع ما ليس في الحسبان. كان عام 2019 شاقاً، ثم حلَّ الوباء ولم يعد شيئاً على حاله. نهبت المصارف أموالنا، وراحت تمنحنا من البحر، قطرات ماء. 200 دولار شهرياً في البداية، إلى أن أوقفت الإفراج حتى عن هذه القلّة. خسرتُ مليونَي دولار أمضيتُ نصف قرن أجمعها. أبدأ اليوم من الصفر».

تميّز الشيف أنطوان بوصفات بسيطة تراعي الظرف الاقتصادي (حسابه الشخصي)

لأربعة أشهر، اشتدّ الزعل فخنق صوته. يلملم وَقْع الضربة، ويبدأ من جديد: «أعيش وفق (أعطنا خبزنا كفاف يومنا). قرّرتُ النهوض والعمل. لستُ في عشريناتي ولم أعد شاباً في الثلاثين. العمر مسألة يصعب غضّ النظر عنها. مع ذلك، لا خيار سوى المحاولة مرة أخرى».

ولّد القهر قناعة حزينة: «سيان أن نكون أثرياء أو فقراء، ففي لبنان، لا فارق. الحلم الكبير تبدّد، فأُعزّي نفسي بحلم آخر، أكثر تواضعاً، لكنه قد يكبُر مع الوقت. المهم هو الاستمرار. الحياة تُرغم على الوقوف، وإن انهار كل شيء. أرفض إذلالي، فأعيد المحاولة».

يسخط على المصارف وحاكم البنك المركزي في بلده الذي تمسّك بالبقاء على أرضه رغم الخسارة الباهظة. يعجز الإنسان إلا أمام مسألة واحدة: الأمل. يظلّ ينبُت كأنه قدر محتوم، ليُعين على البقاء. به، يعلن الشيف أنطوان البداية الجديدة، وإن حجَّم الطموح. «أنا رجل نشيط، أعمل طوال الوقت. ما حدث مُنهِك ويصيب بالصميم، لكن ما الحل؟ هل بالاستسلام، بالإذعان لليأس؟ أم بالاكتفاء بملامة الأقدار؟ الحل بإيجاد مَخرج».

الشيف أنطوان الحاج يبدأ من جديد بعد الخسارة (حسابه الشخصي)

كان في الرابعة عشرة حين بدأ يعمل في الليل وعطلة الصيف. وقبل سنّ الثامنة عشرة، اشترى سيارة راح يقودها بلا رخصة. ذلك ليقول إنّ العمر مرَّ وهو يجتهد ويبلغ الأهداف. عزاؤه أنه ترك رصيداً من الصدقية والثقة. ففي وقت الظهيرة، يُنتَظر لما يقدّمه من وصفات بسيطة وجديدة. يصبح برنامجه «مأكول الهنا»، موعد الباحثين عن صحن اليوم. فيه، يكشف عن أسرار الطبخ، ويُسدي النصيحة بوجبة شهية. يذكر حين كتبت عنه صحيفة «نيويورك تايمز» لدى استبداله مكوّنات تُكلّف مالاً لم تعد تملكه عائلات لبنانية مع بداية الانهيار الاقتصادي. حينها، استبعد اللحوم، وقلّل من زجّ الدجاج في الوجبات. أدخل إلى المنازل مأكولات بتكلفة أقل، مع الإبقاء على الفوائد الغذائية. يستعيد الأيام الصعبة: «لم أُرد إحراج معيل الأسرة وهو يشاهدني أسخى بالدجاج واللحم على صحني اليومي، بينما ثلاجته فارغة. وفّرتُ عليه الإحساس بالذنب. قدّمتُ بدائل قائمة على الحبوب والخضراوات في موسمها. اختراع الأكلات وفق الظروف، أشعرني بالسعادة. لن أكون ممَّن يتركون في الآخرين إحساساً بأنْ لا نفع لهم في الحياة، حين يعجزون عن تأمين ثمن فخذ دجاج أو قطعة لحم تجاوزت حينها القدرة الشرائية لطبقة اجتماعية كاملة. مع استقرار الوضع وتصحيح الرواتب، عدتُ شيئاً فشيئاً إلى إدخال اللحم والدجاج في مأكولاتي».

لذا تُصدّقه ربات المنازل وتنتظرنه لإعداد السُّفرة. يُعرف عن الشيف أنطوان أيضاً ترويجه ثقافة المأكولات الموسمية. يقول: «منذ 30 عاماً وأنا أتّبع مقولة (الطعام بموسمه أطيب). لا أطبخ للمشاهدين الكوسا واللوبياء في الشتاء. وأترك الملوخية للصيف، فهو موسمها، وإن تنافست بسخونتها مع لهيب حرارة الطقس. بالإضافة إلى افتقادها العناصر الصحية لزرعها في خيام بلاستيكية، فإنّ أسعارها مرتفعة. ربّة المنزل والعاملون في المطبخ يثقون بأنني لستُ مخادعاً. بالأكل، أنقل تربيتي وقناعاتي».

ضمّ معمله للخياطة في الماضي نحو 7 عمال، وحالياً يقتصر على اثنين. تتغيّر الأحوال، فتجعله يعيد النظر في مورد العيش. ظلّ وفياً لـ«تلفزيون لبنان» على مرّ الأعوام، لكنّ الظرف يفرض التطلّع إلى الفرص: «لطالما رفضتُ ذلك، فالراتب كان كافياً. اليوم، بالكاد يكفي ثمن وقود السيارة».


مقالات ذات صلة

«الشرق الأوسط» ترصد عودة السوريين من «جحيم الحرب»

المشرق العربي نازحون سوريون من لبنان يفترشون حديقة في المرجة وسط دمشق (الشرق الأوسط)

«الشرق الأوسط» ترصد عودة السوريين من «جحيم الحرب»

حياة مأساوية مريرة تعيشها عائلات سورية في دمشق، بعد أن اضطرت للهرب من جحيم الحرب في لبنان.

خاص توزيع الملابس على النازحين في أحد مراكز الإيواء (أ.ف.ب)

خاص لبنانيون يروون لـ«الشرق الأوسط» مأساة نزوحهم المتكرر

عاش جنوبيون كُثر من أبناء القرى الحدودية رحلتَي نزوح أو أكثر؛ الأولى منذ أن أعلن «حزب الله» عن فتح جبهة إسناد غزة، فاضطر الناس للخروج إلى أماكن أكثر أماناً.

حنان حمدان (بيروت)
المشرق العربي صورة سيارة فان محترقة نشرتها صحيفة «الوطن» السورية لاستهداف إسرائيل مدينة حسياء الصناعية

دمشق تنفي استهداف معمل إيراني وسط سوريا

نفت مصادر سورية صحة الأنباء التي تحدثت عن استهداف مُسيرات إسرائيلية معملاً إيرانياً لتجميع السيارات، وقالت إن المعمل المستهدف فارغ تماماً.

شؤون إقليمية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع قائد القيادة الشمالية الإسرائيلية أوري غوردين خلال حضورهما تمارين عسكرية بالجليل في 26 يونيو 2024 (مكتب الإعلام الحكومي - د.ب.أ)

نتنياهو من الحدود مع لبنان: «سننتصر»

قال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، الأحد، إن بنيامين نتنياهو أجرى زيارة للقوات الإسرائيلية عند الحدود مع لبنان.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي نار ودخان يظهران من موقع تعرض لقصف إسرائيلي في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب)

«حزب الله» يشنّ هجوما بالمسيرات على قاعدة إسرائيلية جنوب حيفا

أعلن «حزب الله»، اليوم (الأحد)، شنّ هجوم بالمسيرات على قاعدة عسكرية إسرائيلية جنوب حيفا.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

نصائح لاجتياز مقابلة العمل بنجاح

رجل يخضع لمقابلة عمل في نيويورك (أرشيف - رويترز)
رجل يخضع لمقابلة عمل في نيويورك (أرشيف - رويترز)
TT

نصائح لاجتياز مقابلة العمل بنجاح

رجل يخضع لمقابلة عمل في نيويورك (أرشيف - رويترز)
رجل يخضع لمقابلة عمل في نيويورك (أرشيف - رويترز)

تثير مقابلات العمل مخاوف الكثير من الأشخاص الذين لا يعرفون الطرق المثلى لاجتيازها بنجاح.

ووفقاً لشبكة «سي إن إن» الأميركية، يقول الكثير من مسؤولي التوظيف إن الأمر أصبح أكثر صعوبة خلال السنوات الأخيرة، إذ إن الكثير من خريجي الكليات يتصرفون بشكل غير احترافي أثناء مقابلات العمل، ولا يعرفون القواعد البديهية التي يجب اتباعها خلال هذه المقابلات.

ونقلت الشبكة عن عدد من مسؤولي التوظيف وخبراء علم النفس قولهم إن هناك عدة نصائح ينبغي اتباعها لاجتياز مقابلات العمل بنجاح.

وهذه النصائح هي:

التحضير قبل المقابلة

تقول ستايسي هالر، كبيرة مستشاري التوظيف في شركة (ResumeBuilder): «عند خوض أي مقابلة عمل، يجب عليك قبل أي شيء أن تجذب انتباه مسؤول التوظيف في ثوانٍ معدودة من خلال سيرتك الذاتية. لذلك؛ يجب أن تكون سيرتك الذاتية صفحة واحدة مقنعة وواضحة وغير مزدحمة، ومصممة خصيصاً للوظيفة التي تقدمت إليها، وتسلط الضوء على سبب كونك أفضل مرشح لها».

وأكدت أن الشخص يجب أن يكون حذراً بشأن الأشخاص الذين يحصل منهم على النصائح الخاصة بالمقابلة. وأوضحت قائلة: «إذا كنت تعرف أشخاصاً آخرين يعملون في الشركة أو في صناعات مماثلة، فقد تكون استشارتهم أمراً جيداً. ومع ذلك، من المحتمل أن يكون لدى الآباء وغيرهم من الأشخاص في سنهم نوايا حسنة، ولكنهم ربما لم يجروا مقابلة للحصول على وظيفة منذ عقود، أو لم يعملوا في صناعتك من قبل، لذلك فإنني لا أنصح باستشارتهم قبل المقابلات».

قم بإجراء بحثك الخاص

يقول الدكتور نيكولاس رولين، أستاذ علم النفس بجامعة «سانت ماري» في كندا، إن أحد أكبر الأخطاء التي يرتكبها بعض المتقدمين لمقابلات العمل هو طرح أسئلة حول أشياء كان من الممكن أن يجدوها بسهولة بمجرد النظر إلى الصفحة الرئيسية لموقع الشركة على الإنترنت.

ومن جهة أخرى، فإن عدم طرح أي أسئلة على الإطلاق، يخبر المحاور أنك لم تجر بحثاً كافياً عن الشركة، وربما لا تهتم بالوظيفة.

ويقول الخبراء إنه يجب عليك إجراء بحث شامل عن الشركة، ويجب أن تكون قادراً على الإجابة على السؤال «لماذا تريد العمل هنا؟» والتعبير عن كيفية مساهمتك في إعلاء شأن الشركة وتحقيق أهدافها المستقبلية.

اكتب إجاباتك مسبقاً

أثناء المقابلة، ستحتاج أيضاً إلى إظهار مدى ملاءمتك للوظيفة، ومدى قدرتك على أدائها.

يمكنك الاستعداد لذلك من خلال التفكير في الأسئلة المحتملة وكتابة الإجابات مسبقاً بهدوء.

وينصح الخبراء بالتركيز على المواقف الصعبة التي نجحت في اجتيازها سابقاً، والمهمات التي نجحت في تنفيذها بمفردك أو كجزء من فريق.

حضّر أسئلتك

قال الخبراء إن تحضير أسئلة لطرحها على مسؤولي التوظيف هو أمر مهم بقدر أهمية إجاباتك، حيث يظهر ذلك اهتمامك بالوظيفة وحماسك لأدائها.

وفيما يلي بعض الأمثلة على الأسئلة التي يمكنك طرحها:

كيف يبدو يوم العمل؟ ماذا عن الأسابيع القليلة الأولى؟

هل هذه الوظيفة جديدة في الشركة أم أنها خاصة بموظف سابق ترك العمل؟

كيف تقيس الشركة نجاح الموظف خلال الأشهر الأولى؟

ما هي فوائد العمل هنا؟

ما نوع فرص التدريب المتاحة؟

ما هي فرصة الترقية بعد عام؟

ما هي أهداف الشركة القصيرة والطويلة المدى؟

اختر ملابسك بعناية

يقول الخبراء إن ارتداء ملابس رسمية للمقابلات الشخصية والافتراضية أمر مهم جداً.

وتقول هالر: «عادة ما يكون المظهر الرسمي هو الأفضل، لا ترتدي الجينز أو الشورت أو الملابس الكاشفة بشكل مفرط. في الوقت نفسه، لا تبالغ في ارتداء بدلة من ثلاث قطع، ما لم يطلب منك موظف الموارد البشرية هذا الأمر خلال المكالمة التي يتم تحديد موعد المقابلة خلالها».

لا تصطحب والديك

تؤكد هالر ضرورة عدم اصطحاب الوالدين لمقابلة العمل، مشيرة إلى أن هذا الأمر غير احترافي على الإطلاق، وقد يدل على عدم استقلالية الشخص أو عدم قدرته على تحمل المسؤولية.

بعد المقابلة

تنصح هالر بإرسال بريد إلكتروني في غضون 24 ساعة بعد المقابلة، تعبر فيه عن امتنانك لوقت المحاور والفرصة التي أتاحها لك. ولفتت إلى أن هذه الرسالة تعد لفتة لطيفة للغاية قد تساهم بشكل كبير في توظيفك.