تحديد علامة وراثية جديدة للسكري يُمهد لعلاج دقيق

السكري يمثل يشكل عبأً هائلاً على الصحة العامة (رويترز)
السكري يمثل يشكل عبأً هائلاً على الصحة العامة (رويترز)
TT

تحديد علامة وراثية جديدة للسكري يُمهد لعلاج دقيق

السكري يمثل يشكل عبأً هائلاً على الصحة العامة (رويترز)
السكري يمثل يشكل عبأً هائلاً على الصحة العامة (رويترز)

أعلن فريق دولي تحديد علامة وراثية جديدة مرتبطة بمرض السكري من النوع الثاني، مما يمهد الطريق لتطوير علاجات جديدة للمرض. واستخدم الباحثون أساليب حسابية متطورة لرصد المتغيرات الجينية المرتبطة بالمرض، ونشرت النتائج الاثنين، بدورية «نيتشر».

ويُشكّل السكري عبئاً كبيراً على الصحة العامة، حيث يقدر معدل انتشاره بنحو 537 مليون بالغ حول العالم في 2021، وأكثر من 90 في المائة مصابون بالنوع الثاني من المرض. وعلى الرغم من توفر علاجات فعّالة لمرض السكري من النوع الثاني، فإن خيار «الطب الدقيق» المصمم خصيصاً للفرد لا يزال محدوداً.

و«الطب الدقيق» هو نهج طبي يركز على الوقاية من الأمراض وتشخيصها وعلاجها بناءً على الخصائص الفريدة لكل فرد، استناداً إلى الجينوم والبيئة ونمط الحياة، لتصميم خطط رعاية صحية مخصصة.

وبالنسبة لكثير من الأشخاص المصابين بهذا المرض، لا تزال استراتيجيات العلاج تعتمد على التجربة والخطأ. وتساعد القدرة على فهم آليات المرض بشكل أفضل على التنبؤ بخطر إصابة الأفراد بالسكري من النوع الثاني، والسماح بالتدخل المبكر.

وتضمنت الدراسة، المنبثقة عن مبادرة الجينوم العالمية لمرض السكري من النوع الثاني، بيانات من مجموعة متنوعة للغاية تضم أكثر من 2.5 مليون فرد، بينهم 428 ألفاً و452 مصاباً بالسكري من النوع الثاني.

وتمكّن الباحثون من تحديد موقع 1289 علامة وراثية مرتبطة بمرض السكري من النوع الثاني، بينها 145 علامة حُددت حديثاً، وكانت مرتبطة بدرجات المخاطر لمضاعفات المرض.

وحدّد الباحثون 8 مجموعات من المتغيرات المرتبطة بالسكري، التي ارتبطت أيضاً بعوامل خطر أخرى للمرض، مثل السمنة واستقلاب الدهون في الكبد.

ووجد أعضاء الفريق أن هذه المتغيرات مرتبطة أيضاً بمضاعفات السكري من النوع الثاني، مثل مرض الشريان التاجي، واعتلال الكلى السكري، مشيرين إلى أن تحديد تلك المتغيرات يمكن أن يؤدي في النهاية لأهداف وعلاجات دوائية جديدة للمرض.

وقال الباحث المشارك بالدراسة من مركز الأبحاث الألماني للصحة البيئية، الدكتور كونستانتينوس هاتزيكوتولاس: «السكري من النوع الثاني هو مرض معقّد، يتأثر بكل من الجينات والبيئة، وتتمتع المجموعات السكانية المختلفة بخلفيات وراثية متنوعة بسبب تاريخها الفريد وأصولها الجغرافية، ما يعني أن بعض المجموعات السكانية أكثر عرضة للإصابة بالمرض من غيرها بسبب تركيبها الجيني».

وأضاف أن «تعزيز فهم عوامل الخطر الخاصة بالسكان يمكن أن يساعدنا في تطوير طرق أفضل للوقاية من المرض، وتشخيص وعلاج مجموعات محددة طبياً فيما يعرف بالطب الشخصي».

وأوضح أن الفريق حدّد الجينات والمسارات البيولوجية الجديدة المشاركة في التسبب بالسكري من النوع الثاني، وهذا يُمكن أن يؤدي لتطوير علاجات جديدة للمرض، بالإضافة للمساعدة على فهم الأساس الجيني للمرض السكري، وتحديد الأفراد الأكثر عُرضة لخطر الإصابة بالسكري، ما يسمح بالتدخل المُبكر وتعزيز استراتيجيات الوقاية.


مقالات ذات صلة

مرض السكري قد يسرّع من انكماش المخ

صحتك شخص يُجري فحصاً لداء السكري (رويترز)

مرض السكري قد يسرّع من انكماش المخ

كشفت دراسة جديدة أن مرض السكري من النوع الثاني قد يؤدي إلى انكماش المخ بشكل سريع مع التقدم في العمر.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك قياس مستوى السكري لدى مريضة أثناء تلقيها العلاج الطبي في باكستان (إ.ب.أ)

دراسة: هرمونات التوتر هي المحرك الأساسي لمرض السكري المرتبط بالسمنة

أشارت دراسة حديثة إلى أن هرمونات التوتر قد تكون المحرك الأساسي لمرض السكري المرتبط بالسمنة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك علبة من عقّار «أوزمبيك» (رويترز)

«أوزمبيك» يقلل خطر الوفاة المبكرة بعد السكتة الدماغية

كشفت دراسة جديدة أن تناول الناجين من السكتة الدماغية لدواء السكري وإنقاص الوزن الشهير «أوزمبيك» يمكن أن يخفض خطر تعرضهم لوفاة مبكرة بشكل كبير.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك المشي ولو لمدة قصيرة مساءً له فوائد صحية جمّة (رويترز)

من بينها التصدي لسرطان الأمعاء والسكري... الفوائد الصحية للمشي مساءً

كشفت مجموعة من الدراسات العلمية أن المشي ولو لمدة قصيرة مساءً، له فوائد صحية جمّة، من تحسين عملية الهضم إلى تنظيم نسبة السكر في الدم والتصدي للسرطان.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك شخص يجري اختباراً لقياس نسبة السكر في الدم (جامعة كمبردج)

الثقة بالنفس تُحسّن مستويات السكر في الدم

كشفت دراسة، أجراها فريق بحثي من جامعة قرطبة في إسبانيا، عن أن الثقة بالنفس قد تسهم في تحسين مستويات السكر في الدم لدى مرضى السكري من النوع الأول.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

«المرايا» رؤية جديدة لمعاناة الإنسان وقدرته على الصمود

شخوص اللوحات تفترش الأرض من شدة المعاناة (الشرق الأوسط)
شخوص اللوحات تفترش الأرض من شدة المعاناة (الشرق الأوسط)
TT

«المرايا» رؤية جديدة لمعاناة الإنسان وقدرته على الصمود

شخوص اللوحات تفترش الأرض من شدة المعاناة (الشرق الأوسط)
شخوص اللوحات تفترش الأرض من شدة المعاناة (الشرق الأوسط)

في النسيج الواسع لتاريخ الفن التشكيلي، تبرز بعض الأعمال الفنية وتكتسب شهرة عالمية، ليس بسبب مفرداتها وصياغاتها الجمالية، ولكن لقدرتها العميقة على استحضار المشاعر الإنسانية، وفي هذا السياق تُعدّ لوحات الفنان السوري ماهر البارودي بمنزلة «شهادة دائمة على معاناة الإنسان وقدرته على الصمود»، وهي كذلك شهادة على «قوة الفن في استكشاف أعماق النفس، وصراعاتها الداخلية».

هذه المعالجة التشكيلية لهموم البشر وضغوط الحياة استشعرها الجمهور المصري في أول معرض خاص لماهر البارودي في مصر؛ حيث تعمّقت 32 لوحة له في الجوانب الأكثر قتامة من النفس البشرية، وعبّرت عن مشاعر الحزن والوحدة والوجع، لكنها في الوقت ذاته أتاحت الفرصة لقيمة التأمل واستكشاف الذات، وذلك عبر مواجهة هذه العواطف المعقدة من خلال الفن.

ومن خلال لوحات معرض «المرايا» بغاليري «مصر» بالزمالك، يمكن للمشاهدين اكتساب فهم أفضل لحالتهم النفسية الخاصة، وتحقيق شعور أكبر بالوعي الذاتي والنمو الشخصي، وهكذا يمكن القول إن أعمال البارودي إنما تعمل بمثابة تذكير قوي بالإمكانات العلاجية للفن، وقدرته على تعزيز الصحة النفسية، والسلام، والهدوء الداخلي للمتلقي.

لماذا يتشابه بعض البشر مع الخرفان (الشرق الأوسط)

إذا كان الفن وسيلة للفنان والمتلقي للتعامل مع المشاعر، سواء كانت إيجابية أو سلبية، فإن البارودي اختار أن يعبِّر عن المشاعر الموجعة.

يقول البارودي لـ«الشرق الأوسط»: «يجد المتلقي نفسه داخل اللوحات، كل وفق ثقافته وبيئته وخبراته السابقة، لكنها في النهاية تعكس أحوال الجميع، المعاناة نفسها؛ فالصراعات والأحزان باتت تسود العالم كله». الفن موجود إذن بحسب رؤية البارودي حتى يتمكّن البشر من التواصل مع بعضهم بعضاً. يوضح: «لا توجد تجربة أكثر عالمية من تجربة الألم. إنها تجعلهم يتجاوزون السن واللغة والثقافة والجنس لتعتصرهم المشاعر ذاتها».

الفنان السوري ماهر البارودي يحتفي بمفردة الخروف في لوحاته (الشرق الأوسط)

لكن ماذا عن السعادة، ألا تؤدي بالبشر إلى الإحساس نفسه؟، يجيب البارودي قائلاً: «لا شك أن السعادة إحساس عظيم، إلا أننا نكون في أقصى حالاتنا الإنسانية عندما نتعامل مع الألم والمعاناة». ويتابع: «أستطيع التأكيد على أن المعاناة هي المعادل الحقيقي الوحيد لحقيقة الإنسان، ومن هنا فإن هدف المعرض أن يفهم المتلقي نفسه، ويفهم الآخرين أيضاً عبر عرض لحظات مشتركة من المعاناة».

وصل الوجع بشخوص لوحاته إلى درجة لم يعد في استطاعتهم أمامه سوى الاستسلام والاستلقاء على الأرض في الشوارع، أو الاستناد إلى الجدران، أو السماح لعلامات ومضاعفات الحزن والأسى أن تتغلغل في كل خلايا أجسادهم، بينما جاءت الخلفية في معظم اللوحات مظلمةً؛ ليجذب الفنان عين المشاهد إلى الوجوه الشاحبة، والأجساد المهملة الضعيفة في المقدمة، بينما يساعد استخدامه الفحم في كثير من الأعمال، وسيطرة الأبيض والأسود عليها، على تعزيز الشعور بالمعاناة، والحداد على العُمر الذي ضاع هباءً.

أحياناً يسخر الإنسان من معاناته (الشرق الأوسط)

وربما يبذل زائر معرض البارودي جهداً كبيراً عند تأمل اللوحات؛ محاولاً أن يصل إلى أي لمسات أو دلالات للجمال، ولكنه لن يعثر إلا على القبح «الشكلي» والشخوص الدميمة «ظاهرياً»؛ وكأنه تعمّد أن يأتي بوجوه ذات ملامح ضخمة، صادمة، وأحياناً مشوهة؛ ليعمِّق من التأثير النفسي في المشاهد، ويبرز المخاوف والمشاعر المكبوتة، ولعلها مستقرة داخله هو نفسه قبل أن تكون داخل شخوص أعماله، ولمَ لا وهو الفنان المهاجر إلى فرنسا منذ نحو 40 عاماً، وصاحب تجربة الغربة والخوف على وطنه الأم، سوريا.

أجواء قاتمة في خلفية اللوحة تجذب العين إلى الألم البشري في المقدمة (الشرق الأوسط)

وهنا تأخذك أعمال البارودي إلى لوحات فرنسيس بيكون المزعجة، التي تفعل كثيراً داخل المشاهد؛ فنحن أمام لوحة مثل «ثلاث دراسات لشخصيات عند قاعدة صلب المسيح»، نكتشف أن الـ3 شخصيات المشوهة الوحشية بها إنما تدفعنا إلى لمس أوجاعنا وآلامنا الدفينة، وتفسير مخاوفنا وترقُّبنا تجاه ما هو آتٍ في طريقنا، وهو نفسه ما تفعله لوحات الفنان السوري داخلنا.

لوحة العائلة للفنان ماهر البارودي (الشرق الأوسط)

ولا يعبأ البارودي بهذا القبح في لوحاته، فيوضح: «لا أحتفي بالجمال في أعمالي، ولا أهدف إلى بيع فني. لا أهتم بتقديم امرأة جميلة، ولا مشهد من الطبيعة الخلابة، فقط ما يعنيني التعبير عن أفكاري ومشاعري، وإظهار المعاناة الحقيقية التي يمر بها البشر في العالم كله».

الخروف يكاد يكون مفردة أساسية في أعمال البارودي؛ فتأتي رؤوس الخرفان بخطوط إنسانية تُكسب المشهد التصويري دراما تراجيدية مكثفة، إنه يعتمدها رمزيةً يرى فيها تعبيراً خاصاً عن الضعف.

لبعض البشر وجه آخر هو الاستسلام والهزيمة (الشرق الأوسط)

يقول الفنان السوري: «الخروف هو الحيوان الذي يذهب بسهولة لمكان ذبحه، من دون مقاومة، من دون تخطيط للمواجهة أو التحدي أو حتى الهرب، ولكم يتماهى ذلك مع بعض البشر»، لكن الفنان لا يكتفي بتجسيد الخروف في هذه الحالة فقط، فيفاجئك به ثائراً أحياناً، فمن فرط الألم ومعاناة البشر قد يولد التغيير.