الموسيقى الكلاسيكية في لبنان إرث وتراث

حفلٌ استعاد كباراً خلّدتهم نغماتهم

قاعة «الأسمبلي هول» ازدحمت بالذواقة (الجهة المنظّمة)
قاعة «الأسمبلي هول» ازدحمت بالذواقة (الجهة المنظّمة)
TT

الموسيقى الكلاسيكية في لبنان إرث وتراث

قاعة «الأسمبلي هول» ازدحمت بالذواقة (الجهة المنظّمة)
قاعة «الأسمبلي هول» ازدحمت بالذواقة (الجهة المنظّمة)

ازدحمت قاعة «الأسمبلي هول» في الجامعة الأميركية ببيروت بالذواقة. أتى شبان، وأيضاً طاعنون في السنّ، يُصغون إلى نغم يُحاكي تراث الموسيقى الكلاسيكية في لبنان، بأنامل طلاب عزفوا مقطوعات لزكي ناصيف، وتوفيق سكر، والأخوين محمد وأحمد فليفل، وبوغوص جلاليان، وجورج باز، ووديع صبرا. شبان في ربيع الأعمار ينشغلون بالموسيقى ويحرّكهم نورها نحو الجمال والخير.

الأمسية من تنظيم «نادي الموسيقى الكلاسيكية» في الجامعة بشارع «بلسّ» النابض بالحياة، بالتعاون مع «برنامج زكي ناصيف». أعضاء من النادي، ورئيسه، عزفوا ونالوا التصفيق، وراح حاضرون يتهامسون حول مواهبهم بإعجاب. تواصل الحفل ليل الثلاثاء مع صوتين نالا إعجاباً مماثلاً: فادي جانبرت، ومنى حلاب. كل شيء بدا بكامل استعداده: الآلات، وسيّدها البيانو متوسّطاً القاعة الواسعة، ومستقبلاً بين حين وآخر شجن الكمان وفرادة البوق؛ والجمهور الآتي للاستماع إلى ما لم تعد تضجّ به المنصات الموسيقية، بعدما سلّمت جزءاً هائلاً من مساحاتها للصخب، وأبقت على استثناءات ليست كثيرة، ترى في السكينة جمالاً يمكن الإصغاء إليه.

شبان في ربيع الأعمار ينشغلون بالموسيقى (الجهة المنظّمة)

نوَّع رئيس النادي وئام حداد بين الإنجليزية والعربية وهو يُلقي كلمته. رحَّب بحضور حجز المقاعد، آتياً لتشارُك «تجربة فريدة في رحلة التعرُّف إلى تراثنا الموسيقي الكلاسيكي». أخبرهم أنّ النادي ليس أول داخلي هذا المجال، فبعضٌ كان سبّاقاً، «منهم شركاؤنا في مركز التراث الموسيقي الكلاسيكي اللبناني بـ(مدرسة الجمهور)». وصف هذا الحقل بـ«اليافع»، مع التشديد على أهمية مرحلة الاستكشاف على صعيدَي الثقافة العامة والعمل البحثي الأكاديمي.

أعمال من هذا التراث، ملأت الآذان جمالية، وتسبّبت بعزلة عن كل ما يحدث في الخارج. تنبّه حداد إلى صعوبة الغَرْف الشامل من كتب الموسيقى الكلاسيكية في لبنان، وأوضح الأسباب: «منها العملي واللوجيستي، وصعوبة الوصول إلى المادة الموسيقية، ولضيق الوقت». أخبر الآتين أنّ ما ينتظرهم «عيّنة موسيقية من أعمال جورج باز، وتوفيق سكر، وبوغوص جلاليان، ووديع صبرا، ومحمد وأحمد فليفل، وزكي ناصيف»، تاركاً لنفسه، وللطلاب الشباب عزفها بأنامل واعدة.

رئيس «نادي الموسيقى الكلاسيكية» في الجامعة وئام حداد (الجهة المنظّمة)

شغل جورج باز (1926-2012) منصب حاكم مصرف لبنان، ورغم أنه مصرفي، شكّلت الموسيقى شغفه، فدرسها بين وطنه وإيطاليا. أبحر في اللغة الموسيقية الكلاسيكية والأسلوب الانطباعي، ومن مجموعته تمايلت أنامل ميشال أبو جودة، وكريم بحر، ومالك بحر على البيانو، وحرّكت المشاعر.

تهجّر بوغوص جلاليان (1927-2011) مع عائلته من الإسكندرونة، ووجد نفسه عازفاً على البيانو وموزّعاً لأعمال كبار، من بينهم الأخوان الرحباني. علَّم في الكونسرفتوار اللبناني، وكان زياد الرحباني من تلامذته. يمزج أسلوبه الموسيقى الكلاسيكية الجدّية بالتراث الشرقي والجاز. أعماله كانت ولا تزال معاصرة؛ منها عَزَف جاد مراد على الكمان، وميشال أبو جودة على البيانو، مقطوعات مُبهجة.

عُرِف الأخوان محمد فليفل (1899-1986)، وأحمد فليفل (1906-1991) بتأليف أناشيد ردّدها العالم العربي. قادا في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، فرقة من الآلات النحاسية والنفخ كانت تؤدّي الأناشيد أسبوعياً في ساحات بيروت. لهما عزف وئام حداد على البيانو، وجواد حداد على البوق، ولمى سليم على الكمان، نغمات نالت حرارة التحية.

السكينة جمال يمكن الإصغاء إليه (الجهة المنظّمة)

تصل المحطة الموسيقية إلى زكي ناصيف (1916-2004). هو ابن الجامعة الأميركية، درس في معهدها الموسيقي الذي فتح أبوابه بين الأعوام 1929 و1949. استماله التراث الشعبي، وتأثّر بإيقاع الأنماط اللاتينية، ومع ذلك تبنّى اللغة الهارمونية الكلاسيكية. له عَزَف ميشال أبو جودة ووئام حداد على البيانو ألحاناً مكانها الذاكرة، وغنّت، في مقطوعة لاحقة، السوبرانو منى حلاب، بمشاركة فادي جنبارت بصوته وجهوده لتعزيز ثقافة الموسيقى الكلاسيكية، مع مايا معلوف، ونارود سيروجيان، وسارة ملاح على الكمان، ووئام حداد على البيانو.

تابع الحفل إعلاء النغم القادر على نقل المرء إلى حالة أفضل. المُكرَّمون بموسيقاهم مرّوا على إرثَي توفيق سكر (1922-2017)، أحد المجدّدين الكبار في التراث الشرقي، ووديع صبرا (1876-1952) أول لبناني درس في الكونسرفتوار بباريس ووضع النشيد الوطني لبلاده؛ ليستعيد حداد عطاءات الجامعة في مجال الموسيقى الكلاسيكية، ويُذكِّر بأنها خرّجت المؤلّف وعازف الشيللو توفيق الباشا، وحضنت عازف الأرغن والمؤلّف سلفادور عرنيطة.

لم يكن الحفل مجرّد فرصة للاستمتاع بالموسيقى، بل أتاح أيضاً مدَّ جسور بين الماضي والحاضر. فإثراء العلاقة بالموسيقى الكلاسيكية وتعزيز فهم تراثها الثقافي، بعضُ الإرث اللبناني الذي أنجب كباراً، منهم ناجي حكيم، وبشارة الخوري، وإياد كنعان... جميعهم أعلوا شأن فهم الموسيقى الكلاسيكية بالإصغاء إليها، وإبقائها حيّة مهما تقلّبت الأيام.


مقالات ذات صلة

باسكال مشعلاني لـ«الشرق الأوسط»: نحن شعب يحبّ السلام... والفنّ مسؤولية

الوتر السادس المخرج بول عقيقي لوّن مشاهد الكليب بسيارة «فولكسفاغن» قديمة صفراء (باسكال مشعلاني)

باسكال مشعلاني لـ«الشرق الأوسط»: نحن شعب يحبّ السلام... والفنّ مسؤولية

«ما حبيتش» هي الأغنية التي أصدرتها أخيراً الفنانة باسكال مشعلاني، وقد لوّنتها بلمسة تونسية تجيدها. فهي تعود للملحن والمغني التونسي علي الرياحي.

فيفيان حداد (بيروت)
الوتر السادس وائل الفشني خلال مشاركته في احتفالية «100 سنة غنا» (دار الأوبرا المصرية)

وائل الفشني: الكلمة الجذابة تحسم اختياراتي الغنائية

أكد الفنان المصري وائل الفشني الذي اشتهر بتقديم الابتهالات الدينية والشعر الصوفي أن هذا اللون الغنائي له جمهور عريض في الوطن العربي

داليا ماهر (القاهرة)
الوتر السادس الفنان مصطفى قمر طرح أخيراً أغنية منفردة بعنوان «صناعة مصرية» (حسابه على «فيسبوك»)

هل اكتفى نجوم التسعينات في مصر بطرح الأغاني «السينغل»؟

حقق مطربون مصريون شهرة واسعة، خلال تسعينات القرن الماضي وأوائل الألفية الجديدة، عبر ألبوماتهم الغنائية التي كانوا يصدرونها عبر شرائط الكاسيت

داليا ماهر (القاهرة)
يوميات الشرق فريق «كولدبلاي» البريطاني في جولته الموسيقية الأخيرة (إنستغرام)

ألبوم مصنوع من النفايات... «كولدبلاي» يطلق إصداره الجديد

يصدر غداً الألبوم العاشر في مسيرة «كولدبلاي»، الفريق الموسيقي الأكثر جماهيريةً حول العالم. أما ما يميّز الألبوم فإنه مصنوع من نفايات جمعت من أنهار جنوب أميركا.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق النجمة الأميركية سيلينا غوميز (أ.ب)

بعد دخولها نادي المليارديرات... كيف علّقت سيلينا غوميز؟

بعد دخولها نادي المليارديرات... كيف علّقت سيلينا غوميز؟

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

نباتات اصطناعية تُنقّي الهواء وتُولّد الكهرباء

نموذج تطبيقي للتكنولوجيا الجديدة (جامعة بينغهامبتون)
نموذج تطبيقي للتكنولوجيا الجديدة (جامعة بينغهامبتون)
TT

نباتات اصطناعية تُنقّي الهواء وتُولّد الكهرباء

نموذج تطبيقي للتكنولوجيا الجديدة (جامعة بينغهامبتون)
نموذج تطبيقي للتكنولوجيا الجديدة (جامعة بينغهامبتون)

طوَّر فريق بحثي من جامعة «بينغهامبتون» الأميركية، نباتات اصطناعية قادرة على أن تتغذّى على ثاني أكسيد الكربون، وتُطلق الأكسجين وتُولّد قدراً محدوداً من الطاقة الكهربائية؛ يأمل الباحثون أن تزيد معدلاته في المستقبل.

وأعاد أستاذ جامعة «بينغهامبتون» سوكهيون تشوي، وطالبة الدكتوراه مريم رضائي، استخدام بحوثهما حول البطاريات الحيوية التي تستمدّ طاقتها من كائنات حيّة مثل البكتيريا، في تطبيق فكرة جديدة للنباتات الاصطناعية التي يمكنها التغذّي على ثاني أكسيد الكربون، وإطلاق الأكسجين وتوليد القليل من الطاقة، وفق نتائج دراستهما المنشورة في مجلة «أدفانسد سيستنابل سيستمز» المعنيّة بنشر بحوث نُظم الاستدامة المتقدمة.

وقال تشوي، وهو عضو هيئة التدريس في كلية «توماس جيه واتسون للهندسة والعلوم التطبيقية» في جامعة بينغهامبتون: «بعدما مررنا بفترة انتشار وباء (كوفيد-19)، نعلم بشكل خاص أهمية جودة الهواء الداخلي في أي منشأة».

وأضاف في بيان نُشر، الجمعة، على موقع الجامعة: «يمكن لعدد من الأشياء التي نستخدمها في حياتنا أن تولّد مواد سامّة جداً، مثل مواد البناء والسجاد. نتنفّس ونستنشق هذه السموم بشكل مباشر، كما يؤدّي إطلاقها إلى تراكم مستويات ثاني أكسيد الكربون في الجوّ. وثمة مخاطر تأتي من عمليات الطهي، في حين يتسلّل بعضها إلينا من الخارج».

باستخدام 5 خلايا شمسية بيولوجية تتضمّن بكتيريا التمثيل الضوئي الخاصة بها، ابتكر تشوي ومريم رضائي ورقة اصطناعية «كانت في البداية لمجرّد المتعة وقضاء الوقت في ابتكار شيء مفيد»، ثم أدركا أنّ هذا المفهوم الجديد يمكن أن تكون له آثار وتطبيقات أوسع.

لقد بنيا أول تطبيق تكنولوجي لهما بـ5 أوراق، ثم اختبرا معدلات التقاطه لغاز ثاني أكسيد الكربون الضار من الأجواء المحيطة وقدرته على توليد الأكسجين المفيد في المقابل.

ورغم أنّ عملية توليد الطاقة من هذه التكنولوجيا الجديدة يُقدَّر بنحو 140 ميكروواط فقط، مما يعدّ مجرّد فائدة ثانوية، فإن تشوي يأمل في تحسين هذه التكنولوجيا لتحقيق إنتاج يزيد، في حده الأدنى، على 1 ملي واط. ويريد أيضاً دمج نظام لتخزين الطاقة، مثل بطاريات الليثيوم أيون أو المكثفات الفائقة إلى هذه التكنولوجيا.

وهو ما يعلّق عليه بالقول: «أريد التمكُّن من استخدام هذه الكهرباء المتولّدة لشحن الهاتف المحمول أو استخدامها في عمليات أخرى».

ويضيف: «مع بعض الضبط الدقيق، يمكن أن تكون هذه النباتات الاصطناعية جزءاً من كل منزل. ومن السهل رؤية فوائد هذه الفكرة».

وأشارت الدراسة إلى أنّ الأميركيين يقضون في المتوسط نحو 90 في المائة من وقتهم داخل البيوت وأماكن العمل، وأن الهواء الذي نتنفّسه في العمل أو داخل المدرسة أو المنزل يؤثر في صحتنا، ومعظم أنظمة تنقية الهواء باهظة الثمن ومرهقة وتتطلّب التنظيف المتكرّر.