رحلة بوح إليسا من الفكرة إلى العِبرة

صنّاع «إتس أوكِ» يشاركون «الشرق الأوسط» كواليسه

صدقُ إليسا نجمُ العمل (ديفرنت برودكشن)
صدقُ إليسا نجمُ العمل (ديفرنت برودكشن)
TT

رحلة بوح إليسا من الفكرة إلى العِبرة

صدقُ إليسا نجمُ العمل (ديفرنت برودكشن)
صدقُ إليسا نجمُ العمل (ديفرنت برودكشن)

مِن تأكُّد الرئيس التنفيذي لشركة «ديفرنت برودكشن» للإنتاج، مازن لحام، بأنّ لدى إليسا قصّة تُروى، وُلد «إتس أوكِ». عمله مع «نتفليكس»، عزَّز ثقةً متبادلةً، ولمّا طرح فكرة إنتاج الوثائقي، رحَّبت المنصّة. أواخر عام 2022، حطَّ ليوم في بيروت آتياً من دبي، للاجتماع بالنجمة اللبنانية. تجنّد فريق العمل لسرد الجانب الإنساني للحكاية.

يُجمِع الثلاثة؛ لحام، وكاتبة المحتوى ومُخرجته باميلا تنوري، والمخرجة العامة إنجي جمّال، في حديثهم مع «الشرق الأوسط»، على عظمة الصدق. لم تكن القصّة لتُلامس القلوب لولا الشعور بأنها حقيقية. يقول لحام، المنتج اللبناني المعروف: «بعضُ الواقع يُقدَّم زائفاً. إليسا جريئة في البوح والصدق، فتُلامس وتؤثّر».

الفريق سرد الجانب الإنساني للحكاية (صور إنجي جمّال)

يعلم أنّ الوثائقيات في العالم العربي تُقدَّم غالباً وفق منهجية سردية؛ من البدايات إلى الوصول، بتسلسل زمني. جدَّد على الطريقة الغربية، موكلاً لتنوري مع فريق مساعدين، بينهم جورج موسى، صاحب الخبرة في صناعة المحتوى والمقرَّب من إليسا، بدوره الاستشاري ولمساته الخاصة، التجديد في السرد. انطلاقُه من الحاضر، عبر عنصر حَدَثي (إنتاجها ألبومها المستقلّ الأول)، مهَّد للتفرُّع والتعمُّق، فتفادت محنة السرطان فجاجةَ الطرح واحتمال الشفقة، وقُدِّمت ضمن مشهدية التدرُّب على رقصة، فيسأل الراقص إليسا عن انتفاخ في يدها لتُجيبه بأنه الألم، وتُستعاد قسوة الصدمة والأعطال واللحظة المُرَّة.

جورج موسى يمنح العمل لمسات خاصة (حسابه الشخصي)

هذا الاتجاه يُسمّيه لحام «الموجة الجديدة»، وتقول تنوري إنّ وثائقيات باميلا أندرسون، وسيلين ديون، وليدي غاغا... تسلك درباً مماثلة. لفح الجميع شعورٌ بالخوف، بينهم إليسا، وهو أقرب إلى هواجس وتساؤلات إبداعية. عُرِض، فكانت الأصداء مُشجِّعة. بالنسبة إلى إنجي جمّال، وهي صديقة ورفيقة مسيرة، «أتى العمل ليُنصفها. إنه علاج».

إليسا الصلبة أمام جروحها (ديفرنت برودكشن)

يرفض مازن لحام أن تكون الغاية مادية: «نحبّ ما نفعله، ونتيح السخاء الإنتاجي لنوعية عالية. لا نساوم على الجودة». يعترف بأنّ إليسا عنصر النجاح الأبرز، لكنه يُدرك أنّ الحصاد ما كان وافراً لولا جدّية المحتوى والصورة والإنتاج، ورصانة الجهد.

لم تجمعه بإليسا معرفة مسبقة، وتأكّد منذ لقائهما الأول بأنها لا تفتعل الصراحة. باميلا تنوري توصّلت إلى خلاصة مشابهة، وجورج موسى يعلم ذلك. أرادت للجميع أن يُشاهد؛ مَن يحبّ الفنانة أو يكنّ ضغينة، ومَن لا يكترث: «أردتُ أن يشعر المتلقّي بالصلة، فيكون بعضاً مما يشاهده. ليست القصة عن حياة نجمة. التجلّي الإنساني هو الأهم، فلم نبحث عن سبق. اطمأنتْ إليسا ووثقتْ بأننا لسنا طرفاً ينتشي بإظهار ضعفها. من قوتها أبصر العمل النور».

تحوّلت «إتس أوكِ» من عبارة شهيرة عُرفت بها إليسا إلى عِبرة: «الرسالة مفادها أنّ السواد ليس نهائياً، والشمس ستُشرق مهما توحّش الليل. جميعنا نقع وننهض. وكما تجاوزت إليسا، بإمكانكَ أن تتجاوز. (إتس أوكِ)... تقولها وتمضي. الأمر أشبه بالحياة، فهي لا تنتظر أحداً. المرارة والأسيّة المتمثّلان بفقدان الأب، والإصابة بالمرض، وسموم العلاقة العاطفية، لم توقف مسيرتها. الوقت يسير إلى الأمام، مثلنا تماماً».

رسمت مشهديات الحلقات الثلاث، وتصوّرت تركيبتها، ولحظاتها المؤثّرة. صحيح أنّ التنسيق وفَّر على إليسا ما ليس في الحسبان، لكنّ تنوري تحسم عفوية المواقف والأجوبة. جمال الصدق لا يُحجَب.

كاتبة الوثائقي وراسمة سياقه باميلا تنوري (حسابها الشخصي)

أضاف وجود إنجي جمّال سكينةً إلى داخل إليسا. بدا المشروع تتويجاً لما بدأتاه في عالم الأغنية المصوَّرة، ورداً على سؤال «ما الخطوة المقبلة؟». اعتادت تصوير القصص، لكنّ المسألة هنا مختلفة. تقول إنّ معرفتها الطويلة بالفنانة ولّدت رغبة في أن يراها الآخرون أيضاً على حقيقتها. شحُّ هذا الجانب شرَّع أبواباً للقسوة والتنمّر والأحكام المجحِفة، فشاء الوثائقي إعلاء الحقيقة.

لم تكن سهلةً إقامة فريق العمل في منزل إنسانة تبحث عن استراحة بعض الضوضاء. رافقتها الكاميرات في ليالي الأرق الطويلة، وشهدت على وجع التذكُّر، وجرأة البوح، ونُبل مشاركة التجربة. عادة، تخرج إنجي جمّال بالفكرة، فتُصوّرها وتُنفّذها. هذه المرّة، تختلف المسألة: «الفكرة جاهزة، خلفها فريق بذل جهداً هائلاً. تولّيتُ الإخراج ووضعتُ لمستي، لكنّ باميلا تنوري رسمت التركيبة. كنا طرفين؛ فريق الشركة المُنتِجة (ديفرنت برودكشن)، ونحن المقرّبين من إليسا. تكاتفنا لأفضل نتيجة».

إنجي جمّال المؤتمَنة على صورة إليسا (حسابها الشخصي)

شيء في داخلها تغمره البهجة لعلمها أنّ إليسا تأتمنها على صورتها: «وضعتُ نفسي في عين المُشاهد. أردتُه أن يراها بصدقها، وهشاشتها، ودموعها، والشوق إلى مَن رحل. الأمر مختلف عن تصوير الأغنية. إضافة البهارات ليست في مصلحة أحد. من الرائع إظهار النجمة في جميع حالاتها. فكرة الكليب قد تعجب البعض وقد ينتقد البعض الآخر. هنا الثناء كان مذهلاً. في كل مرّة أجابت على أسئلة باميلا (تنوري)، جرَّها العمق إلى فصول الحياة المتقلّبة».

تُظهر بديع الطبيعة اللبنانية، وهي «تُواجِه» إليسا مع أرضها الأم، مع الهواء العذب في قريتها البقاعية، ومع الحقل والجبل والمدرسة والذكريات. تُسعدها تعليقات من نوع: «تُشبهنا في هذا الجانب؛ في وفائها لوطنها وتعلّقها بأبيها، وفي إرادة الشفاء وحب الحياة. الإنسانية هي غايتنا المشتركة، من أجل إعلائها، فتحَتْ جروحها بشجاعة. ولما شَعَر الآخرون بها، رُطِّبَت وبُلسِمت».


مقالات ذات صلة

عندما يُطبخ موت الأب على نار صراعات بناته

يوميات الشرق His Three Daughters فيلم درامي عائلي تميّزه بطلاته الثلاث (نتفليكس)

عندما يُطبخ موت الأب على نار صراعات بناته

يخرج فيلم «His Three Daughters» عن المألوف على مستوى المعالجة الدرامية، وبساطة التصوير، والسرد العالي الواقعية. أما أبرز نفاط قوته فنجماته الثلاث.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق نيكول كيدمان متوسّطةً فريق مسلسل «The Perfect Couple» (نتفليكس)

«The Perfect Couple»... عندما يسقط القناع عن المنافقين والقتَلة

مسلسل «نتفليكس» الجديد The Perfect Couple يتصدّر المُشاهدات لا سيّما أن نيكول كيدمان تتصدّر أبطاله.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق شعار «نتفليكس» من «بيكسباي»

تركيا تمنع بث مسلسل يوناني تعتزم «نتفليكس» عرضه

أعلن المجلس الأعلى للإعلام السمعي والبصري التركي أنه منع عرض مسلسل يوناني يتناول الغزو التركي لشمال قبرص عام 1974 من المقرر أن يتم بثه قريباً على منصة «نتفليكس»

«الشرق الأوسط» (أنقرة)
الاقتصاد نائبة الرئيس كامالا هاريس على اليسار والمرشح الرئاسي الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترمب (أ.ب)

شركات أميركية معرضة لخسائر جمة مع قرب الانتخابات الرئاسية

بينما بات المناخ السياسي أكثر استقطابا من أي وقت مضى في أميركا، تجد الشركات الكبرى نفسها في مرمى نيران الانتقادات والاتهامات بدعم مرشح ما في الانتخابات الرئاسية

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق المسلسل الجديد مقتبس من قصة كُتبت في القرن الـ14 (نتفليكس)

«ذا ديكاميرون» على «نتفليكس»... حفلةُ جنون عبثيّ وضياعٌ في الهويّة الدراميّة

من بين أغرب إنتاجات «نتفليكس»، مسلسل «ذا ديكاميرون» يقتبس قصته من القرون الوسطى ويدخل في متاهاتٍ كثيرة شكلاً ومضموناً.

كريستين حبيب (بيروت)

سمير نخلة لـ«الشرق الأوسط»: ولادة الأغاني الوطنية صعبة

مع الفنان ناجي الأسطا (سمير نخلة)
مع الفنان ناجي الأسطا (سمير نخلة)
TT

سمير نخلة لـ«الشرق الأوسط»: ولادة الأغاني الوطنية صعبة

مع الفنان ناجي الأسطا (سمير نخلة)
مع الفنان ناجي الأسطا (سمير نخلة)

يسجّل الشاعر سمير نخلة حالة خاصة بكلام الأغاني التي يكتبها. يتعرّف سامعها بسرعة على أنه هو موقّعها. تعاون مع أهم النجوم في لبنان والعالم العربي. حقق نجاحات متتالية مع فنانين مشهورين أمثال عاصي الحلاني، ونانسي عجرم، ووائل كفوري، ونجوى كرم، وراغب علامة وغيرهم.

كتب «بزعل منّك» لديانا حداد و«أنا هيفا» لهيفاء وهبي و«كلما غابت شمس» لملحم زين، فشكّلت مجموعة أغنيات من فئة العمر المديد. وفي «لون عيونك غرامي» لنانسي عجرم حقق نجاحاً هائلاً. فهو لا يزال يحصد صدى أعماله تلك حتى اليوم.

مع الفنان الراحل وديع الصافي (سمير نخلة)

وكما في الأغنية الرومانسية كذلك في الأعمال الوطنية استطاع سمير نخلة أن يحفر في ذاكرة اللبنانيين، ولعلّ أغنية جوزيف عطيّة «الحق ما بموت» من أشهر ما قدّمه في هذا الإطار.

فقلّة من الأغاني الوطنية التي تستطيع أن تحقق الانتشار الواسع على مدى سنوات طويلة. عمرها الذي ناهز الـ15 عاماً لم يقهره الزمن، وتُعدّ اليوم بمثابة نشيد وطني يتفاعل معه اللبنانيون في كلّ مرّة يستمعون إليها.

يقول الشاعر سمير نخلة في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن للأغنية الوطنية صفات خاصة كي تنجح. وإن كلاماً كثيراً اختصرته أغنيات وطنية لم تحقق هدفها.

ويتابع: «لا بدّ أن تنبع من الروح فلا تكون مجرّد صفّ كلام»، وهذا ما يفعله في كلمات أغنياته الوطنية وغيرها. وتابع: «لذا تصل إلى قلوب الناس بسرعة. فما ينبع من القلب لا يمكن أن يخطئ. كما أن التركيبة الثلاثية للأغنية من شاعر وملحن ومغنٍّ، تلعب دوراً مهماً».

يتشارك نخلة ملاحظات العمل مع الملحن والمغني، يقول: «أحياناً تُعدّل عبارة أو نوتة موسيقية أو أسلوب أداء. فالأمر يتطلّب اجتماع الركائز الثلاث على قاعدة الانسجام».

أغنية «الحق ما بموت» التي لحّنها هشام بولس وكتبها سمير نخلة وغناها جوزيف عطية نجحت في الامتحان. وهي اليوم تعدّ من ريبرتوار الأغاني الوطنية الأشهر في لبنان. ونسأل الشاعر نخلة عن سبب الوقت الطويل الذي يفصل بين أغنية وطنية ناجحة وأخرى مثلها، يوضح: «الأغنية الوطنية صعبة الولادة وعندما كتبت (الحق ما بموت) استلهمتها من حلم يراودني. كنت حينها أحلم بلبنان ينتفض من كبوته ويستعيد دوره الريادي في العالم العربي. كل هذا الحب والشغف تجاه وطني فرّغته في كلمات هذه الأغنية. وهذه الأحاسيس الدفينة والعميقة لا يمكن أن تحضر بسهولة».

الشاعر سمير نخلة يرى أن ولادة الأغنية الوطنية صعبة (سمير نخلة)

وإذا ما تصفّحنا مشهدية الأغنيات الوطنية في لبنان، لاحظنا أن الرحابنة كانوا الأشهر فيها. وقد استطاعوا أن يُنتجوا كثيراً منها بصوت فيروز. ويعلّق نخلة: «كانت مسرحيات الرحابنة لا تخلو من الأغاني الوطنية. ويعدّونها أساسية بحيث تؤلّف مساحة لا يستهان بها من باقي الأعمال الغنائية المغناة بصوت فيروز. وأنا شخصياً معجب بعدد كبير من تلك الأغنيات. ومن بينها (رُدّني إلى بلادي) و(بحبك يا لبنان) و(وطني) وغيرها».

ولكن، ما ينقص الساحة اليوم لتوليد أغنيات بهذا المستوى؟ يقول: «زمن اليوم تبدّل عن الماضي، وأصبح العمل الرديء يطغى. ولكن لا شيء يمكن أن يمحو الأصالة. وعلى هذا الأساس نلحظ موت تلك الأغنيات بسرعة. ولكن ولحسن الحظ لا يزال لبنان ولّاداً لشعراء أصحاب أقلام جيدة. فإضافة إلى مخضرمين مثلي تلوح على الساحة أسماء جيل شاب يمكن التّعويل على الكلام الذي يكتبونه».

حالياً يعيش لبنان حالة حرب قاسية، فهل ألهمته كتابة أغنية وطنية؟ يردّ في سياق حديثه: «ما نعيشه اليوم مليء بالمآسي. ولا أستطيع شخصياً أن أكتب في هذه الأجواء. أميل أكثر إلى كتابة الكلام المفعم بالأمل وقيامة لبنان».

عادة ما يحصد المغني شهرة أغنية معينة، ويغيّب - إلى حدّ ما - اسم كلّ من ملحنها وكاتبها. يعلّق الشاعر سمير نخلة: «الكلمة في الأغنية هي الأساس، وهناك ألحان جميلة لم تلفت النظر بسبب ضعف الكلمة المغناة. وبشكل عام الملحن والشاعر لا يُسلّط الضوء عليهما. بعض الأحيان، نلاحظ أن الملحن يحاول الترويج لعمله من خلال وسائل التواصل الاجتماعي. ومع ذلك بالكاد تبقى مكانته محفوظة في الأغنية».

يعتب نخلة على المطرب الذي لا يذكر اسم ملحن وشاعر أغنية يقدّمها، «لا أتوانى عن التدخل مباشرة إذا ما لاحظت هذا الأمر. أتصل بالمغني وأصارحه بأنه نسي ذكر اسمي شاعراً، فأنا متابع جيد لعملي. وأحياناً، عندما يُكتب اسم شاعر آخر بدل اسمي على قناة تلفزيونية ألفت نظرهم إلى ضرورة تصحيح الخطأ».

يعاني الشعراء في لبنان من عدم حصولهم على حقوق الملكية لمؤلفاتهم، «هل تعرفين أنه على المغني دفع نسبة 8 في المائة من أرباح حفلاته للملحّن والشاعر. وهذا بند مدرج ضمن نص حقوق الملكية الفكرية في لبنان، ولكنه لا يُطبّق. في الدول الأجنبية الأمر طبيعي. وأركان العمل الغنائي تصلهم حقوقهم بلا أي معاناة. ولكن مع الأسف حقوقنا في لبنان مهدورة ولا أحد يهتمّ بها».