هل من الممكن الوصول إلى درجة الصفر المطلق؟

هل من الممكن الوصول إلى درجة الصفر المطلق؟
TT

هل من الممكن الوصول إلى درجة الصفر المطلق؟

هل من الممكن الوصول إلى درجة الصفر المطلق؟

الصفر المطلق هو أدنى درجة حرارة نظرية، والتي حددها العلماء بأنها 459.67 درجة فهرنهايت (ناقص 273.15 درجة مئوية)؛ وهي أكثر برودة من الفضاء الخارجي.

وحتى الآن، لم يصل أي شيء نعرفه إلى الصفر المطلق. ولكن هل من الممكن تحقيق هذا الإنجاز المخيف؟

وللإجابة على هذا السؤال، يجب أن نعرف ما هي درجة الحرارة في الواقع.

نحن نميل إلى التفكير في درجة الحرارة على أنها مدى سخونة أو برودة شيء ما، ولكنها في الواقع مقياس للطاقة أو اهتزازات جميع الجسيمات في النظام. إذ تمتلك الأجسام الساخنة طاقة أكبر، لذلك يمكن لجزيئاتها أن تهتز بسرعة أكبر. أما النقطة التي لا تمتلك عندها الجسيمات أي طاقة على الإطلاق، وبالتالي تتوقف عن الحركة، فهي ما يُعرف بـ«الصفر المطلق».

ويهتم العلماء بالوصول إلى درجات الحرارة المنخفضة هذه لأن عددًا لا بأس به من التأثيرات الكمومية المثيرة للاهتمام تظهر عندما يتم إبطاء الجسيمات.

ومن أجل المزيد من التوضيح، يقول سانكالبا غوش عالم فيزياء المادة المكثفة النظرية في المعهد الهندي للتكنولوجيا بدلهي «إن أحد المبادئ الأساسية في ميكانيكا الكم هو ازدواجية الموجة والجسيم، وهي الظاهرة التي يمكن فيها لجسيم مثل فوتون الضوء أن يتصرف إما كجسيم أو كموجة. وعند التعامل مع جسيمات ميكانيكا الكم، من المهم أن نتذكر عدم إمكانية تمييزها؛ فليس من الممكن تتبع الجسيمات أو الموجات بشكل فردي كما يمكننا مع الأجسام الأكبر». وذلك وفق ما ذكر موقع «لايف ساينس» العلمي.

ويتابع غوش «يمكن إرجاع أصل هذا إلى مبدأ عدم اليقين لهايزنبرغ الشهير الذي يحدد الطبيعة الاحتمالية للقياس الميكانيكي الكمي (بمعنى أنه عندما يتم قياس موضع الجسيم بدقة، فإن زخمه يكون أقل دقة، والعكس صحيح). وهذه الطبيعة الاحتمالية تعطي طابعًا يشبه الموجة لجسيم ميكانيكي كمي. فيما يتم التعبير عن مدى هذا السلوك الموجي الكمي من خلال نسبة المسافات بين الجسيمات في النظام، والمعروفة باسم الطول الموجي الحراري؛ ففي درجات الحرارة العادية، يكون هذا السلوك الكمي ضئيلًا، لكن تأثيرات غريبة تبدأ في الظهور عندما تصبح الجسيمات أكثر برودة».

ويبين غوش «ان هذه النسبة تصبح أكبر مع انخفاض درجة الحرارة وعند الصفر المطلق؛ فهي في الواقع ما لا نهاية. وإن الظواهر الكمومية مثل السيولة الفائقة (التدفق بدون احتكاك)، والموصلية الفائقة (التدفقات الحالية دون أي مقاومة)، والتكثيف الذري فائق البرودة، كلها تحدث بسبب هذا الأمر».

وفي هذا الاطار، استخدمت التجارب المبكرة فائقة البرودة في التسعينيات تقنية تُعرف باسم «التبريد بالليزر» للبدء بفحص هذه التأثيرات.

من جانبه، يقول كريستوفر فوت عالم فيزياء البرودة الشديد بجامعة أكسفورد «يمارس الضوء قوة على الذرات ما يؤدي إلى إبطائها لدرجات حرارة باردة إلى حد معقول، حوالى 1 كلفن (-272.15 درجة مئوية أو -457.87 فهرنهايت). وهذا منخفض بما يكفي لرؤية السلوك الكمي في المواد الصلبة والسوائل. لكن بالنسبة للغازات التي ندرسها، نحتاج إلى درجات حرارة تصل إلى 10 درجات نانو كلفن للحصول على هذه التأثيرات الكمومية».

جدير بالذكر، تم تحقيق أدنى درجة حرارة جرى تسجيلها على الإطلاق في المختبر من قبل مجموعة من الباحثين بألمانيا عام 2021؛ حيث قام الفريق بإسقاط ذرات غاز ممغنطة أسفل برج يبلغ ارتفاعه 400 قدم (120 مترًا)، مع تشغيل وإيقاف المجال المغناطيسي باستمرار لإبطاء الجزيئات إلى درجة تقريبية تقريبًا.

وفي هذا النوع من التجارب، والمعروف باسم «التبريد بالمصيدة المغناطيسية»، وصلت الجسيمات الغازية إلى مستوى لا يصدق يبلغ 38 بيكوكلفن، أي 38 جزءًا من تريليون من الدرجة المئوية فوق الصفر المطلق؛ وهي ضمن النطاق المناسب لبدء مراقبة التأثيرات الكمومية في الغازات. لكن هل هناك أي فائدة من محاولة تبريد المواد إلى أبعد من ذلك؟ ربما لا، بحسب فوت، الذي يخلص الى القول «نحن مهتمون بهذه التأثيرات الكمومية أكثر من الوصول إلى الصفر المطلق. إذ تُستخدم الذرات المبردة بالليزر بالفعل في المعايير الذرية التي تحدد الوقت العالمي (الساعات الذرية) وفي أجهزة الكمبيوتر الكمومية. ولا يزال العمل على درجات الحرارة المنخفضة في مرحلة البحث، ويستخدم الناس هذه الأساليب لاختبار النظريات الفيزيائية العالمية. لكن في الوقت الحاضر، ليس من الممكن تبريد الـ 38 تريليون من الدرجة النهائية، ويجب التغلب على العديد من العقبات حتى يصبح هذا الأمر حقيقة واقعية. وفي الواقع، حتى لو وصلنا إلى الصفر المطلق، فقد نفتقده تمامًا بسبب تقنيات القياس غير الدقيقة. ومع الأدوات الحالية لا يمكننا معرفة السبب».


مقالات ذات صلة

مزيج دوائي يحارب السرطان بطريقة غير تقليدية

يوميات الشرق د. هنريك دياس (المعهد الهولندي للسرطان)

مزيج دوائي يحارب السرطان بطريقة غير تقليدية

وجدت دراسة برازيلية أن مزيجاً من دواءَين تجريبيَّين حقق نتائج واعدة في مكافحة السرطان.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق تعلم اللغة عند الأطفال أمر حاسم يؤثر على نموهم الأكاديمي والمعرفي (جامعة آيوا)

الذكاء الاصطناعي لمساعد الأطفال على تعلم اللغة

طوّر باحثون من كوريا الجنوبية نظاماً مبتكراً يعتمد على الذكاء الاصطناعي التوليدي لمساعدة الأطفال على تعلم اللغة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
صحتك صورة لوجبة صحية من بيكسباي

7 عادات يومية لتحسين صحة أمعائك وتعزيز قدرتك العقلية

على الرغم من أن الأمعاء لا تكتب الشعر أو تحل مسائل الرياضيات فإنها تحتوي على ثروة من الخلايا العصبية مشابهة للدماغ.

كوثر وكيل (لندن)
صحتك تتنافس الألمانيتان لينا هينتشيل وجيت مولر في نهائي مسابقة الغطس المتزامن للسيدات 27 يوليو (د.ب.أ)

3 اختلافات مهمة بينك وبين الرياضي الأولمبي

بينما لا تتنافس من أجل الحصول على ميدالية، يمكنك التعلم من أولئك الذين يفعلون ذلك.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك أنتجت خلايا الغضروف البشرية المعالجة مزيداً من الكولاجين الثاني (نورث وسترن)

تقنية واعدة لتجديد الغضاريف في 3 أيام

نجحت استراتيجية علاجية جديدة وضعها باحثون من جامعة نورث وسترن الأميركية في تنشيط الجينات اللازمة لتجديد الغضاريف التالفة في 3 أيام فقط.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

«مهرجان القدس» يوثق مأساة أهالي غزة تحت القصف

جانب من عروض الأفلام (إدارة المهرجان)
جانب من عروض الأفلام (إدارة المهرجان)
TT

«مهرجان القدس» يوثق مأساة أهالي غزة تحت القصف

جانب من عروض الأفلام (إدارة المهرجان)
جانب من عروض الأفلام (إدارة المهرجان)

على عمود خرساني باقٍ من أطلال بيت محطم، انتصبت شاشة عرض «مهرجان القدس السينمائي» في غزة، لتقدّم مشاهد من مأساة يعيشها أهالي القطاع المنكوب منذ نحو 10 أشهر.

يعرض المهرجان، في دورته الثامنة، أفلاماً فلسطينية؛ من بينها مشروع أفلام «من المسافة صفر»، الذي يشرف عليه المخرج رشيد مشهراوي، والذي شهد إقبالاً من سكان مدينة دير البلح، وسط قطاع غزة.

ويقام مهرجان القدس السينمائي في غزة منذ عام 2009، لكنه توقّف بسبب الحروب التي عاناها القطاع، وعاد مرة أخرى عام 2017، وفق الدكتور عز الدين شلح، رئيس المهرجان، الذي شدّد على حرصه على تنظيم المهرجان رغم الحرب.

وأضاف شلح، لـ«الشرق الأوسط» قائلاً: «يشاهد العالم كلّه حرب الإبادة التي تتعرض لها غزة ويحاصرها الموت من كل الزوايا، ونحن نؤمن بأن السينما حياة، ففكرنا بمواجهة الموت بها».

أفلام المهرجان تحكي معاناة أهالي غزة (إدارة المهرجان)

واختير مكان المهرجان بعد اجتماع إدارته مع عدد من المثقفين والسينمائيين، الذين أجمعوا على إقامة الدورة الثامنة بشكل استثنائي، وبالفعل بدأت الفعاليات يوم 25 يوليو (تموز) الحالي، وتستمر لمدة 4 أيام.

وعن الصعوبات التي واجهها عز الدين شلح ورفاقه في تنظيم هذه الدورة الاستثنائية، يقول: «المقر الذي كنا نعرض فيه كان مدمَّراً، وهناك مكان آخر بديل وجدناه مدمراً أيضاً، حتى (البروجوكتور) الذي نعرض عليه كان في مؤسسة استهدفها القصف، فلا كهرباء أو إمكانيات، ورغم ذلك أصررنا على تنظيم المهرجان».

ولم يغِب عن منظميه أن يستعيدوا بعض مظاهر المهرجانات السينمائية، ولكن بطريقة «مأساوية»، إذ يقول رئيس المهرجان: «فردنا السجادة الحمراء بين الخيام، ولم تكن هناك أي إمكانيات متاحة».

أفلام مهرجان القدس تُعرض وسط الأنقاض (إدارة المهرجان)

وتابع شلح: «اخترنا موقع العرض في مركز إيواء بجواره منزل مدمَّر، وضعنا الشاشة على هذا المنزل، وحضر كل من في المخيّم المهرجان، وهناك أشخاص جاؤوا من خارجه، وافتتحنا المهرجان بأفلام (المسافة صفر)، وهي 22 فيلماً، عرضنا منها 10 أفلام في الافتتاح، وستُعرض الأفلام الباقية في الختام». وأوضح أن «هذه الأفلام لمخرجين من غزة، وصُنعت عن غزة والحرب، فالجمهور الموجود كان يرى نفسه من خلال هذه الأفلام، ولكن بعمق وبصورة مختلفتين، وبرؤية مخرج يفكر بإحساس آخر أكثر عمقاً».

ويضم المهرجان كثيراً من الأفلام الفلسطينية الأخرى التي تُعرَض في مراكز إيواء أخرى بدير البلح، وفق ما يؤكد رئيس المهرجان، ويشير إلى أنهم كانوا جاهزين لإطلاق الدورة الثامنة يوم 29 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، الذي يصادف اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، و«بسبب الحرب لم نتمكن من إقامة الدورة، إلى أن قررنا تنظيمها، سواء انتهت الحرب أم لم تنتهِ».

المهرجان افتُتح وسط خيام الإيواء (إدارة المهرجان)

ونشر المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي صوراً من المهرجان، على صفحته بـ«فيسبوك»، وكتب معلقاً: «يسعدني عرض أفلام (من المسافة صفر) في غزة، خلال افتتاح (مهرجان القدس السينمائي)، على الرغم من كل ما يحدث هناك. وتُسعدني النقاشات التي تثيرها العروض حول العالم، وموضوعات الأفلام التي تؤكد، بلغة سينمائية، أننا شعبٌ اختار الحياة ويضحّي من أجلها في جميع المجالات، بما في ذلك السينما والفن والثقافة»، كما استعاد جملة شعرية لمحمود درويش تقول: «هزَمَتك يا موت الفنون جميعها».