«مجتمع الثلج»... مشاهَدة شاقّة وشاهقة

الفيلم الإسباني يستعيد كارثة طائرة جبال الأنديز ويترشح إلى الأوسكار

فيلم الإسباني خوان أنطونيو بايونا يعيد إحياء قصة الطائرة التي تحطمت في جبال الأنديز عام 1972 (نتفليكس)
فيلم الإسباني خوان أنطونيو بايونا يعيد إحياء قصة الطائرة التي تحطمت في جبال الأنديز عام 1972 (نتفليكس)
TT

«مجتمع الثلج»... مشاهَدة شاقّة وشاهقة

فيلم الإسباني خوان أنطونيو بايونا يعيد إحياء قصة الطائرة التي تحطمت في جبال الأنديز عام 1972 (نتفليكس)
فيلم الإسباني خوان أنطونيو بايونا يعيد إحياء قصة الطائرة التي تحطمت في جبال الأنديز عام 1972 (نتفليكس)

يمتدّ حبل القصة في «Society of the Snow» (مجتمع الثلج) من أقصى الكارثة إلى أقصى الأعجوبة، مروراً بقضيّة أخلاقيّة مثيرة عنوانها: أكل لحوم البشر.

الفيلم الذي بدأت منصة «نتفليكس» عرضه بعد إطلاقه في دور السينما العالمية، يصوّر قصةً واقعية، فيعود إلى جبال الأنديز في أميركا الجنوبية، وتحديداً إلى الجمعة 13 أكتوبر (تشرين الأول) 1972، يوم تحطّمت طائرة على متنها 45 راكباً كان من المفترض أن ينتقلوا من الأوروغواي إلى تشيلي.

اصطدمت الطائرة بإحدى القمم الثلجية الشاهقة قبل الهبوط في العاصمة التشيلية سانتياغو بنصف ساعة، وذلك بفعل خطأ ارتكبه مساعد الطيّار. أدّى الأمر إلى مقتل عدد من الركّاب على الفور، فيما بقي القسم الأكبر منهم على قيد الحياة، بعد أن حماهم الجزء المتوسط من الطائرة والذي لم يُصب بأذى.

يستقي المخرج الإسباني خوان أنطونيو بايونا من القصة الحقيقية ومن شهادات الناجين، ليصنع فيلمه. بواقعيةٍ فاقعة ينقل الفاجعة، ويقتبس للغاية من كتاب الصحافي الأوروغوياني بابلو فييرشي، والذي يحمل العنوان نفسه. يستعين بايونا بممثلين صاعدين، ويصرّ على أن ينطق فيلمه بلغة الحكاية الأصليّة، أي الإسبانيّة.

في موقع الكارثة، يمتزج جسم الطائرة الأبيض بمشهد الثلج اللامتناهي، ما يعوق عمليات البحث ويدفع بالفِرَق الطيّارة للعودة أدراجها بعد 8 أيامٍ من التفتيش، تاركةً الركّاب الناجين لمصيرهم المُرعب، على ارتفاع 3500 متر ووسط حرارة تتدنّى إلى 35 درجة تحت الصفر.

تنوّعت مواقع التصوير بين جبال سييرا نيفادا الإسبانية ومونتي فيديو في الأوروغواي وجبال الأنديز بين تشيلي والأرجنتين (نتفليكس)

لا شيء سوى الثلج حولهم، وبقايا أمتعة فيها من المكسّرات والشوكولا والحلويات ما يكفي أسبوعاً للناجين الـ28. بعد مرور 6 أيام ونفاد الطعام، ووسط طبيعة لا نبتة تُقطف فيها ولا يوجد حيوان يُصطاد، يحاول الركّاب أن يقتاتوا من أربطة أحذيتهم وأعقاب السجائر وأقمشة مقاعد الطائرة. يبدو الأمر مستحيلاً بالنسبة إليهم، هم الذين يحتاجون إلى طاقةٍ تقيهم البرد القارس وتمنحهم أياماً إضافية وقوةً في حال كُتبت لهم العودة إلى ديارهم.

حولهم كذلك جثامينُ رفاق الرحلة الذين فارقوا الحياة بفعل صدمة السقوط وإصاباتهم البالغة. يقترح البعض أنّه لم يبقَ أمامهم سوى اللجوء إلى لحم أصدقائهم إذا أرادوا الاستمرار. رغم قواهم الخائرة والأجواء الجليديّة المحيطة بهم، يشتعل السجال بين معترضٍ وموافقٍ على الطرح. بين الأخلاق، والقانون، والدين، يدخل كل واحد من الناجين في صراعٍ مع نفسه ومع الآخرين حول ما هو حلال وما هو حرام.

صورة من الأرشيف للناجين الحقيقيين من حادثة الطائرة (نتفليكس)

منذ تلك اللحظة الفاصلة، تتّخذ القصة منحىً جديداً، يتأرجح بين الاستسلام الكئيب وغريزة البقاء البشرية رغم الفظائع. يتذكّر المخرج بايونا حديثاً له مع أحد الناجين حول قرار الأكل من أجساد رفاق الرحلة، حيث قال له ذلك الناجي: «في اليوم الأول الذي قمنا بذلك، كان الأمر مروّعاً. شعرنا بالتعاسة. أما في اليوم الثاني فوقفنا في الصف، منتظرين حصّتنا من الطعام...»...

لاحقاً، صار الأمر روتينياً إلى درجة أنّ كل واحد من الركّاب كان يشعر بأنه شارف على الموت، يسمح سلفاً لرفاقه بأن يتصرفوا بجثّته.

صحيح أن هذا الموضوع يأخذ حيّزاً كبيراً من الفيلم، لكن يُحسب للمخرج وفريقه أنهم لم يستثمروا بصرياً فيه، ولم يوظّفوا مشاهد نافرة مرتبطة به، بل اكتفوا بالحدّ الأدنى منه. ثمّ إنّ هذا ما حصل فعلاً خلال تلك الفاجعة الجويّة، وبايونا كان حريصاً على نقل الواقع بصِدق.

المخرج الإسباني خوان أنطونيو بايونا في موقع التصوير (نتفليكس)

لا بدّ من الإقرار بأنّ مشاهَدة «Society of the Snow» مهمّة شاقّة، وقد يصعب على أصحاب القلوب الضعيفة أن يكملوا الفيلم بساعتَيه الطويلتَين. تبدو المتابعة صعبة ومتعبة، ليس بسبب جزئيّة أكل لحوم البشر فحسب، بل لفرط قسوة الظروف التي يمرّ بها ناجو جبال الأنديز. في الشكل يبدو الأمر كمغامرة حياة أو موت وسط طبيعة موحشة، لكن في المضمون هي دراما نفسيّة عن أقسى التحديات التي قد تمرّ بها نفسٌ بشريّة؛ من اليأس، إلى الانهزام، والتضحية، والوقوف وجهاً لوجه مع الموت.

تلاحقهم العواصف والانهيارات الثلجيّة فتحصد مزيداً منهم. لكن رغم كل قسوة الدنيا التي تجتمع في الرقعة حيث سقطوا، هم لا يتجردون من عواطفهم بل تجمعهم لحظاتٌ على درجة عالية من الإنسانية، لا يخلو بعضها من الضحك والشِعر والمزاح والتقاط الصور... للذكرى.

تخطّت كلفة إنتاج الفيلم 70 مليون دولار وجرى اختيار معظم الممثلين من الجيل الجديد (نتفليكس)

معظم مَن نجَوا من كارثة الرحلة 571 المتّجهة من مونتي فيديو إلى سانتياغو، هم أعضاء فريق أوروغوياني لكرة القدم الأميركية (الرغبي)، وعلى الأرجح فإنّ روح الفريق التي تجمعهم، إضافةً إلى قدراتهم البدنيّة، لعبت دوراً أساسياً في بقائهم على قيد الحياة.

هذه القوّة الخارقة هي التي دفعت بهم مراتٍ عدّة إلى تحدّي الثلوج والطبيعة الوعرة من أجل إيجاد مخرج، وقد نجحوا في ذلك. تنكسر رتابة المأساة عندما يأخذ اثنان من «مجتمع الثلج» على عاتقهما الانطلاق في رحلة نزولاً باتّجاه تشيلي بحثاً عن النجاة. وبعد 10 أيام تسلّقا خلالها الجبال المثلجة الشاهقة وتزحلقوا في وديان سحيقة من دون معدّات خاصة، عثر الناجيان روبيرتو كانيسا وناندو بارادو على الخلاص. حدث ذلك بعد أن كان قد انقضى أكثر من شهرَين على الكارثة الجويّة، وبعد أن كان قد قضى 29 من ركّابها.

رحلة البحث عن الخلاص التي استمرت 10 أيام (نتفليكس)

ليست المرة الأولى التي تتحوّل فيها كارثة طائرة جبال الأنديز إلى فيلم، إلا أن بايونا وفريقه أنجزوا المهمة باحتراف وإتقان وحرصٍ بالغ على التفاصيل؛ من التصوير، إلى الموسيقى، مروراً بالمؤثرات البصرية، وأداء الممثلين الذين أمضوا شهرَين وهم يتدرّبون، كما أنهم التقوا بالناجين الحقيقيين.

كل هذا المجهود والشغف كوفئ بـ4 ترشيحاتٍ إلى جوائز الأوسكار عن فئات: أفضل فيلم بلغة أجنبية، أفضل مؤثرات بصرية، أفضل مكياج وتصفيف شعر، وأفضل موسيقى تصويرية.


مقالات ذات صلة

مصر: حالات زواج وطلاق مفاجئة... و«تألق» الشباب الأبرز فنياً بـ2025

يوميات الشرق زواج مي عز الدين خلال عام 2025 (صفحتها على «فيسبوك»)

مصر: حالات زواج وطلاق مفاجئة... و«تألق» الشباب الأبرز فنياً بـ2025

أسدل عام 2025 ستائره في مصر بحالات زواج مفاجئة وطلاقات مثيرة بين مشاهير الفن والإعلام، بالإضافة إلى رحيل عدد من الفنانين والمخرجين البارزين.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق أبطال الفيلم بين المخرجة والمؤلف في العرض الخاص (الشركة المنتجة)

«إن غاب القط»... كوميديا رومانسية تتناول العلاقات «التوكسيك»

يجمع الفيلم المصري «إن غاب القط» بين الكوميديا والرومانسية ومشاهد الأكشن في أجواء مثيرة.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق محمود حميدة وصابرين في العرض الخاص للفيلم (الشركة المنتجة)

«المُلحد» على شاشات السينما المصرية أخيراً بعد تجاوز الجدل والمنع

يصل فيلم «المُلحد» إلى شاشات السينما المصرية بعد مسار شائك من الجدل، مسار لم يكن منفصلاً عن طبيعة العمل نفسه، ولا عن القضايا التي يقترب منها بحذر وجرأة.

أحمد عدلي (القاهرة)
يوميات الشرق صورة أرشيفية لباردو تقبّل كلبة ضالة خلال زيارتها لمأوى كلاب في بوخارست

رحيل بريجيت باردو... هرم فرنسا المعتزل

لم تكن تحت العين وقيد السمع، لكن بريجيت باردو، الممثلة التي رحلت عن 91 عاماً، كانت هرماً فرنسياً حاضراً في الأذهان رغم اعتزالها وعزلتها.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق المخرج داود عبد السيد (فيسبوك)

البحث عن الحقيقة المتوارية في أفلام داود عبد السيد

عجز المخرج داود عبد السيد منذ 2022 عن تمويل فيلم جديد، وكان «قدرات غير عادية» (2015) آخر أفلامه قبل اعتزاله.

محمد رُضا (بالم سبرينغز (كاليفورنيا))

تغريم «ديزني» 10 ملايين دولار بتهمة انتهاك «خصوصية الأطفال»

شعار «ديزني بلس» (رويترز)
شعار «ديزني بلس» (رويترز)
TT

تغريم «ديزني» 10 ملايين دولار بتهمة انتهاك «خصوصية الأطفال»

شعار «ديزني بلس» (رويترز)
شعار «ديزني بلس» (رويترز)

وافقت مجموعة الترفيه والإعلام الأميركية العملاقة «ديزني» على دفع 10 ملايين دولار لتسوية قضية خاصة بجمع بيانات الأطفال، وفقاً لما أعلنته وزارة العدل الأميركية، مساء أمس.

وقالت الوزارة إن محكمة اتحادية أميركية أقرّت اتفاق تسوية نزاع بينها وبين كل من «ديزني» و«ورلد سيرفيسز» و«ديزني إنترتينمنت أوبريشنز».

وبموجب التسوية، ستدفع ديزني 10 ملايين دولار غرامات مدنية لتسوية ادعاءات لجنة التجارة الفيدرالية بأنها انتهكت قانون حماية خصوصية الأطفال على الإنترنت فيما يتعلق بمحتوى الفيديوهات الخاصة بها على منصة بث الفيديوهات «يوتيوب».

ويحظر قانون حماية خصوصية الأطفال على المنصات الإلكترونية جمع أو استخدام أو الكشف عن المعلومات الشخصية للأطفال دون سن 13 عاماً، دون إخطار الوالدين وموافقتهما.

وزعمت شكوى الحكومة أن «ديزني» لم تصنف محتوى «يوتيوب» الخاص بها بشكل صحيح على أنه موجَّه للأطفال، مما أدى إلى استهداف الإعلانات وجمع بيانات الأطفال بشكل غير قانوني.

وقال بريت شومات، مساعد المدعي العام الأميركي، إن الوزارة «ملتزمة التزاماً راسخاً» بضمان حق الآباء في إبداء رأيهم في كيفية جمع معلومات أطفالهم واستخدامها، مضيفاً: «ستتخذ الوزارة إجراءات سريعة للقضاء على أي انتهاك غير قانوني لحقوق الآباء في حماية خصوصية أطفالهم».

وتُعد فيديوهات «ديزني» من بين الأكثر شعبية على «يوتيوب»، حيث حصدت مليارات المشاهدات في الولايات المتحدة وحدها.

وإلى جانب الغرامة المالية، تمنع التسوية شركة ديزني من العمل على «يوتيوب» بما يخالف قانون حماية خصوصية الأطفال على الإنترنت، ويُلزمها بوضع برنامج امتثال؛ لضمان التزامها مستقبلاً بحماية خصوصية الأطفال.


مصر: الكشف عن ورش أثرية لتجهيز السمك المملح وجبّانة رومانية في البحيرة

منحوتات من العصر البطلمي في الجبانة الأثرية (وزارة السياحة والآثار)
منحوتات من العصر البطلمي في الجبانة الأثرية (وزارة السياحة والآثار)
TT

مصر: الكشف عن ورش أثرية لتجهيز السمك المملح وجبّانة رومانية في البحيرة

منحوتات من العصر البطلمي في الجبانة الأثرية (وزارة السياحة والآثار)
منحوتات من العصر البطلمي في الجبانة الأثرية (وزارة السياحة والآثار)

أعلنت البعثة الأثرية المصرية الإيطالية المشتركة، بين المجلس الأعلى للآثار وجامعة بادوفا الإيطالية، الثلاثاء، اكتشاف عدد من الورش الصناعية التي ترجع إلى العصر المتأخر وبدايات العصر البطلمي، إلى جانب الكشف عن جزء من جبانة رومانية تضم أنماطاً متنوعة من الدفن، أثناء أعمالها بموقعي كوم الأحمر وكوم وسيط بمحافظة البحيرة (غرب الدلتا).

ويساهم هذا الكشف في تعميق فهم طبيعة الحياة والنشاط البشري في مناطق غرب دلتا النيل والمناطق الداخلية المحيطة بمدينة الإسكندرية، وفق الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار الدكتور محمد إسماعيل خالد، موضحاً في بيان للوزارة، الثلاثاء، أن «هذه الاكتشافات تمثل إضافة علمية مهمة لدراسة أنماط الاستيطان والممارسات الجنائزية والأنشطة الصناعية في غرب الدلتا، كما تسهم في تقديم رؤى جديدة حول شبكات التواصل الإقليمي منذ العصر المتأخر وحتى العصرين الروماني والإسلامي المبكر».

وتتكون الورش الصناعية المكتشفة من مبنى كبير مقسّم إلى ما لا يقل عن ست غرف، خُصصت اثنتان منها لمعالجة الأسماك، حسب تصريحات رئيس قطاع الآثار المصرية، محمد عبد البديع، حيث عثرت البعثة على نحو 9700 عظمة سمك، بما يشير إلى وجود نشاط واسع لصناعة السمك المملح في تلك الفترة.

الكشف عن جبانة رومانية بمصر (وزارة السياحة والآثار)

ويرجح تخصيص الغرف الأخرى لإنتاج الأدوات المعدنية والصخرية، وتمائم الفيانس، إذ عُثر على عدد من التماثيل الجيرية غير المكتملة، إلى جانب قطع أخرى في مراحل تصنيع مختلفة.

وأسفر الكشف أيضاً عن العثور على جرار أمفورا مستوردة وقطع من الفخار اليوناني، الأمر الذي يؤرخ نشاط هذه الورش إلى القرن الخامس قبل الميلاد.

وأسفرت أعمال الحفائر كذلك عن اكتشاف جزء من جبانة رومانية تضم عدة دفنات بثلاثة أنماط رئيسية، شملت الدفن المباشر في الأرض، والدفن داخل توابيت فخارية، بالإضافة إلى دفنات أطفال داخل أمفورات كبيرة، وفق بيان الوزارة.

فيما أوضحت رئيسة البعثة من جامعة بادوفا الإيطالية، الدكتورة كريستينا موندين، أن فريق العمل يجري حالياً عدداً من الدراسات البيو - أثرية على الهياكل العظمية المكتشفة، بهدف تحديد النظام الغذائي، والعمر، والجنس، والحالة الصحية للمدفونين بالموقع، والبالغ عددهم 23 شخصاً من الذكور والإناث والأطفال والمراهقين والبالغين.

وأشارت إلى أن النتائج الأولية لهذه الدراسات تشير إلى أن هؤلاء الأفراد عاشوا في ظروف معيشية جيدة نسبياً، دون وجود دلائل واضحة على إصابتهم بأمراض خطيرة أو تعرضهم لأعمال عنف.

وعدّ عالم الآثار المصرية، الدكتور حسين عبد البصير، هذه الاكتشافات، تمثل إضافة نوعية لفهم تاريخ غرب الدلتا خلال العصر الروماني، إذ تكشف بوضوح عن تداخل الحياة الاقتصادية مع الممارسات الاجتماعية والدينية في تلك المنطقة، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «ورش تجهيز السمك المملح تعكس نشاطاً صناعياً منظماً يعتمد على استغلال الموارد الطبيعية، ما يدل على أهمية غرب الدلتا بوصفها مركزَ إنتاجٍ غذائي وتجاري مرتبط بشبكات أوسع داخل مصر وخارجها».

من القطع المكتشفة في الجبانة (وزارة السياحة والآثار)

كما رأى عبد البصير أن «الكشف عن الجبانة الرومانية يقدّم مادة علمية ثرية لدراسة المعتقدات الجنائزية والبنية الاجتماعية للسكان، من خلال تنوع طقوس الدفن واللقى المصاحبة».

ونجحت البعثة في الكشف عن عشرات الأمفورات الكاملة (جرار خزفية)، بالإضافة إلى زوج من الأقراط الذهبية يعود لفتاة شابة، وقد نُقلت هذه القطع الأثرية إلى المتحف المصري في القاهرة، تمهيداً لإجراء أعمال الدراسة والترميم اللازمة لها، وفق بيان الوزارة.

وقال الخبير الآثاري والمتخصص في علم المصريات، أحمد عامر، إن «هذا الاكتشاف الأثري في غرب الدلتا يفتح آفاقاً جديدة لفهم فترة حكم العصور المتأخرة وما تلاها من حقب تعاقبت على الحضارة المصرية القديمة، بل وتعيد قراءة التاريخ المصري القديم من منظور جديد».

من القطع الأثرية المكتشفة (وزارة السياحة والآثار)

ويضيف لـ«الشرق الأوسط» أن «هذا الكشف سوف يضيف لنا علمياً كثيراً عن تلك الحقبة، كما أنه معروف أن الأمفورات كانت تستخدم في عمليات التجارة الخارجية، وكان يوضع بها النبيذ، وأحياناً في نقل السمك المملح، وهذه ليست المرة الأولى في العثور على الأمفورات، حيث كانت متداولة في التجارة الخارجية للدولة المصرية مع اليونان في فترات كثيرة».


للمرة الأولى عالمياً... نحل الأمازون يحصل على حقوق قانونية

مدينتان في بيرو تمنحان النحل غير اللاسع حقوقاً قانونية (ميريان ديلغادو)
مدينتان في بيرو تمنحان النحل غير اللاسع حقوقاً قانونية (ميريان ديلغادو)
TT

للمرة الأولى عالمياً... نحل الأمازون يحصل على حقوق قانونية

مدينتان في بيرو تمنحان النحل غير اللاسع حقوقاً قانونية (ميريان ديلغادو)
مدينتان في بيرو تمنحان النحل غير اللاسع حقوقاً قانونية (ميريان ديلغادو)

يواجه أحد أقدم أنواع النحل على كوكب الأرض، والمُلقِّح الأساس في غابات الأمازون، تهديدات متزايدة نتيجة إزالة الغابات، والتغيرات المناخية، وتلوث المبيدات، والمنافسة من نحل العسل الأوروبي العدواني.

في خطوة تاريخية، أصبح نحل الأمازون غير اللاسع، أي الذي لا يلسع على عكس نحل العسل الأوروبي «النحل العدواني»، أول الحشرات في العالم التي تُمنح حقوقاً قانونية، تشمل الحق في الوجود، والازدهار، والحماية القانونية في حال التعرض للأذى.

وقد أُقرّت هذه القوانين في بلديتين في بيرو هما: ساتيبو وناوتا، بعد سنوات من البحث وجهود الضغط التي قادتها روزا فاسكيز إسبينوزا، مؤسسة منظمة «أمازون ريسيرتش إنترناشيونال».

يُربي السكان الأصليون هذا النوع من النحل منذ عصور ما قبل كولومبوس، ويُعد مُلقحاً رئيسياً يساهم في الحفاظ على التنوع البيولوجي وصحة النظم البيئية، إذ يلقح أكثر من 80 في المائة من النباتات، بما في ذلك محاصيل الكاكاو، والقهوة، والأفوكادو. وأظهرت أبحاث إسبينوزا، التي بدأت عام 2020، أن عسل هذا النحل يحتوي على مئات المركبات الطبية المضادة للالتهاب والفيروسات والبكتيريا، كما وثقت المعرفة التقليدية في تربيته وجني عسله.

أفاد السكان الأصليون بتراجع أعداد النحل وصعوبة العثور على الأعشاش، كما كشف التحليل الكيميائي للعسل عن آثار المبيدات حتى في المناطق النائية. وأظهرت الدراسات صلة بين إزالة الغابات وتراجع أعداد النحل، بالإضافة إلى المنافسة المتزايدة من نحل العسل الأفريقي المهجن، الذي بدأ في إزاحة النحل غير اللاسع من موائله الطبيعية منذ القرن الـ20.

وفقاً لكونستانزا برييتو، مديرة قسم شؤون أميركا اللاتينية في «مركز قانون الأرض»، تمثل هذه القوانين نقطة تحوُّل في علاقة البشر بالطبيعة، إذ تعترف بالنحل غير اللاسع بوصفه من الكائنات الحاملة للحقوق وتؤكد أهميته البيئية.

وأوضح زعيم السكان الأصليين آبو سيزار راموس أن القانون يحتفي بالمعرفة التقليدية ويعترف بالدور الحيوي للنحل غير اللاسع في دعم نُظم الأمازون البيئية وثقافات الشعوب الأصلية.

تتطلب هذه القوانين، حسبما ذكرت «الغارديان» البريطانية، استعادة المَواطن البيئية، وتنظيم استخدام المبيدات، واتخاذ تدابير للحد من آثار تغيُّر المناخ، وقد اجتذبت عريضة عالمية مئات الآلاف من التوقيعات، في حين أبدت دول أخرى اهتماماً بتطبيق نموذج بيرو لحماية المُلقِّحات المحلية.