سيلفستر ستالون: سرّ اللكمة المُوجِعة

وثائقي «سلاي» تعرضه «نتفليكس»... ينتفض للحرمان والتجاهل

سيلفستر ستالون أمام مراجعة العمر (نتفليكس)
سيلفستر ستالون أمام مراجعة العمر (نتفليكس)
TT

سيلفستر ستالون: سرّ اللكمة المُوجِعة

سيلفستر ستالون أمام مراجعة العمر (نتفليكس)
سيلفستر ستالون أمام مراجعة العمر (نتفليكس)

يتساءل سيلفستر ستالون عن ندم تُحدِثه مراجعة العمر حيال أشياء ارتُكِبت وأخرى لم تحصل. يُشبّه الحياة بقطار سريع تُلمح من نوافذه صور الأيام الخاطفة، وسرعان ما يمرّ كل شيء. يروي وثائقي «سلاي» (نتفليكس) سيرة رجل بدأ من الإخفاق ولم يعترف به. ظلّ يرى نفسه بالقدرة الكاملة على التقدُّم.

يتساءل أيضاً كم لا يزال يتبقّى ليعيشه، ويعطي رقماً «20 سنة؟»؛ خلاصته أنه يرفض مرورها بالضجر والتكرار. يدخل عمال توضيب الأثاث منزله المزيّن بلوحات وتماثيل تقول كثيراً عن رحلة نجم الحركة وجولات الحلبة، ويجمعون ممتلكاته ليغادر. ينشد بداية جديدة، فيحزم أغراضه بحثاً عن مشهد آخر يعاينه كلما فتح النافذة.

الوثائقي إجابة عن سؤالين: مَن هو سلاي؟ وكيف حدثت الشهرة الكبرى؟ يُجمع أصحاب الشهادات في الفيلم على أنّ ستالون، وهو أحد أشهر نجوم «هوليوود»، وجد دائماً طريقه. كَمَن معرقلون، ولم يدرك سوى الاتجاهات المفضية إلى المكانة العليا.

تقول الشهادات إنه لم يظهر ممثلاً عظيماً منذ البداية ولم يتمتّع بجاذبية طاغية، لكنه اخترع شيئاً آخر. السيرة ملهمة، فَهِم صاحبها ما أراده الناس منه، منطلقاً من حدس واثق. فالرجل المولود في صيف 1946 الحارّ بحيّ «هيلز كيتشن» النيويوركي القاسي، والذي حاربه والده من دون أن يدري، ألِفَ الألم الجسدي وقرر هزيمته. افتقاده الرعاية المنزلية والاحتضان الأسري، لقي تعويضه بوسع احترام الناس ومحبّتهم. أمضى سنوات يتمسّك بهذا الحب ويخشى إفلاته.

شكّلت الأفلام مهربه من واقعه الملبّد بالعنف، وقضى ساعات في السينما يشاهد الفيلم ويعيد المشاهدة. أراد عيشه والتحلّي بمُثله. لطالما كان مهووساً بالأبطال، وتمنّى أن يكون الرجل الذي ينقذ البشر، ويُعلي عظمة الانتصار على الشرّ. حين شاهد ستيف ريفز بشخصية «هرقل»، وقع في أسر القوة والوسامة والصورة «المثالية». قال لنفسه: «هذا طريقي!».

سيلفستر ستالون بدأ من الإخفاق وقرر هزيمته (نتفليكس)

من إحباط الأب الغيور وتصدّيه لنجاحاته، وُلدت عزيمة الوصول. حياة سيلفستر ستالون هي مواجهة مع الفشل. حين تقدّم لتجربة أداء دور مسرحي، لمح فيه بروفيسور في هارفرد «أساساً مبشّراً»، ونصحه بالاحتراف. في نيويورك التي علّمته شوارعها كيفية تطويع الحياة، اجتهد لمحاولة إيجاد نفسه. عرف البرد القارس، ونام في مداخل المنازل ومحطات الحافلات، وكلما أدّى تجارب تمثيلية، أتاه الردّ: «لا! صوتك متلعثم. عيناك متدليتان، فيك كذا وكذا!». من عدم الاحترام، وفرص اقتصرت على مسارح الدرجات الأدنى، خطَّ مصيره.

وُلد سلاي الكاتب من الحاجة إلى فرصة. تلك التي لم يُتحها أبوه له، وحُرم على الدوام منها. ثيمة التعويض رسمت أفلامه، ووسط صخب القتال والنار المشتعلة، شرَّع باب الرحمة الإنسانية. بدأ الكتابة حين لم يحصل على ما أراده، فقرر صناعته. فكَّر في تدوين إحباطاته وتحويلها إلى سيناريوهات. استبعد أسوأ الاحتمالات: «ماذا لو لم أنجح؟»، وبنى مسيرة خاصة منطلقها تقييمه الإيجابي لنفسه.

وثائقي «سلاي» ينتفض للحرمان والتجاهل (نتفليكس)

قدَّم «روكي» بأجزائه الستة و«رامبو» من 5 أجزاء، فصنعت السلسلتان مجده. إدراكه أنه يستحق الفرص، جعله يرفض حدَّه بشخصية المجرم. بجواره كلبه الضخم، دخَّن واحتسى كميات هائلة من القهوة، في حين قصصه بدأت بالتشكُّل. أهمية ستالون في السعي نحو البُعد الآخر للأشياء، فكتب ارتقاءَ الملاكمة إلى حب، والمال إلى امتنان. اختزلت أفلامه لحظات أرادها كل مَن تعرّض للتجاهل وأُهدِرَت فرصه؛ عناقاً وتطييب خواطر وصفحاً عما يمضي.

يطلّ المخرج الأميركي كوانتن تارنتينو في وثائقي الساعة ونصف الساعة لتقييم مراحل سلاي. يقول: «عندما اشتهر ستالون بعد فيلم (روكي)، لم يتوقّع الجانب السلبي للضوء، ولا أن يطالبه الناس بتكرار نجاحه وإعادة إثباته». الناس يرفعون المكانة، لكنهم أيضاً يشكّكون في القدرات. جعلوه يشعر بأنّ مصيره الضياع في عالم النسيان المهني، ومع ذلك أراد فرصة للقول إنه حاول.

سيلفستر ستالون شرَّع باب الرحمة الإنسانية في أفلامه (مواقع التواصل)

العِبر كثيرة؛ فالفيلم محفّز، إيجابي، ومُحرِّك. ستالون على عتبة الثمانين، يشكّك في النجاح والجدوى ويُخضع الفن للمراجعة. بلوغ أحلامه يجعله يتساءل إن كان ذلك ما أراده. فالأحلام تُصاحبها بوادر العاصفة، وعلى المرء المواجهة. ظنّ أنه لن يرى سوى سماء صافية فور الدوس على القمة. وأدرك خطأ اعتقاده: «التنفّس على القمم أصعب، والمكان خطير. ليس ثمة ناس كثيرون، فيحلّ شعور بالوحدة. يتبيّن أحياناً أنّ صعود الجبال ليس على قدر الأماني»، يقول كاتب شخصياته ومُعزّزها بآلام المتعمّقين في الحياة.

ويطلّ لاعب كمال الأجسام السينمائي أرنولد شوارزنيجر للحديث عن انضباط ستالون في عمله. جمعتهما منافسة الكار وتفوّق العضلات المفتولة، واليوم يضحكان على فورة الماضي.

أمام بركة سباحة يقف تمثال ملاكم على حافتها، يراقب ستالون شريط العمر. يؤلمه أنّ المهنة أبعدته عن عائلته، فأضاع اللحظات الجميلة. دفع ثمن القبح والصخب، ومقداره 90 في المائة من رحلة الوصول. في مشهد من «روكي»، يقول لابنه: «لا أنت ولا أنا، أو أي أحد، يلكم بقوة لكمات الحياة». علّمه ولقّن الأجيال الدرس: «السرّ ليس في قوة لكماتك، بل في قوة اللكمات التي تستطيع تحمُّلها لتستمرّ في طريقك».


مقالات ذات صلة

«خيال بلون الدم»... من أين جاءت وحوش غييرمو ديل تورو؟  

يوميات الشرق كائنات لا اسم لها تخرج من ذاكرة ديل تورو (فيسبوك)

«خيال بلون الدم»... من أين جاءت وحوش غييرمو ديل تورو؟  

مُخرج حوَّل خوفه إلى خيال، ورأى في الوحوش رفقاء طريق، وفي الرعب وسيلة لقول الحقيقة بطريقة لا تقولها الأنوار الساطعة...

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق الشيب صار جزءاً من الحكاية (أ.ب)

جورج كلوني يتحايل على الشيب ويُحوّل العمر إلى بطولة جديدة

يؤدّي نجم هوليوود جورج كلوني في فيلمه الجديد «جاي كيلي» دور ممثل متقدّم في السنّ يلجأ في خريف مسيرته المهنية إلى بعض الحيل التجميلية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق عملية السطو على اللوفر أعادت إلى الأذهان مجموعة من الأفلام والمسلسلات (نتفليكس/ رويترز) play-circle 00:33

هل استوحى لصوص اللوفر خطّتهم من «لوبين» وأبطال «كازا دي بابيل»؟

مَن يتمعّن في احترافية عملية اللوفر قد يتساءل ما إذا كان اللصوص استوحوا خطواتهم وجرأتهم من «البروفسور» في «لا كازا دي بابيل»، أو من «أسان ديوب» في «لوبين».

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق «تيتان» في رحلتها الأخيرة (رويترز)

لغز كارثة «تيتان»... خلل هندسي قاتل وراء انفجار غواصة «تايتانيك»

الانفجار الداخلي المأساوي الذي أودى بحياة 5 أشخاص في غواصة كانت في طريقها إلى موقع حطام السفينة «تايتانيك» عام 2023، كان نتيجة خللٍ هندسي فادح.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق إيلون ماسك (رويترز)

ماسك يطلق حملة لمقاطعة «نتفليكس» بسبب ترويجها لمحتوى جنسي موجّه للأطفال... وأسهمها تنخفض

شهدت أسهم شركة «نتفليكس» تراجعاً بنسبة 2 في المائة يوم الأربعاء، تلاه انخفاض إضافي بنسبة 2 في المائة يوم الخميس في بورصة وول ستريت.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

كريتي سانون تروي رحلتها من دروس شاروخان إلى شجاعة الاختيار

الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
TT

كريتي سانون تروي رحلتها من دروس شاروخان إلى شجاعة الاختيار

الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)

في واحدة من أكثر الجلسات جماهيرية في مهرجان البحر الأحمر السينمائي هذا العام، حلّت الممثلة الهندية كريتي سانون في ندوة حوارية تحوّلت سريعاً من حوار تقليدي إلى عرض كامل تفاعل خلاله الجمهور بحماسة لافتة، حتى بدا المشهد وكأنه لقاء بين نجمة في ذروة تألقها وجمهور وجد فيها مزيجاً من الذكاء والعفوية والثقة.

منذ اللحظة الأولى، بدا واضحاً أن الجمهور جاء محملاً بأسئلته، فيما شجع التفاعل الجماهيري الممثلة الهندية على أن تجيب بصراحة عن كل ما يتعلق بمسيرتها، ومن بين كل أسماء الصناعة، لم يلمع في حديثها كما لمع اسم شاروخان. توقفت عند ذكره كما يتوقف شخص أمام لحظة صنعت في داخله تحولاً، وصفته بأنه «الأكثر ذكاءً وخفة ظل» ممن قابلتهم، ومثال حي على أن الفروسية والذوق الرفيع لا يزالان ممكنَين في صناعة صاخبة.

واستعادت كريتي كيف كان شاروخان ينظر إلى من يتحدث معه مباشرة، وكيف يمنح الجميع احتراماً متساوياً، حتى شعرت في بداياتها بأنها تلميذة تقع فجأة في حضرة أستاذ يعرف قواعد اللعبة من دون أن يستعرضها، ومع أن كثيرين يرون أن سانون دخلت عالم السينما من باب الجمال والأزياء، فإنها أكدت أن دراستها للهندسة لعبت دوراً في دخولها مجال الفن باعتبار أنها تعلمت منها أن كل شيء يجب أن يكون منطقياً وقائماً على أسئلة لماذا؟ وكيف؟

وأوضحت أن تحليل الأمور ومراجعتها منحتاها أدوات لم يمتلكها ممثلون آخرون، مروراً بتجارب وورشات تمثيل طويلة، فيما كانت هي تتعلم على أرض الواقع عبر طرح الأسئلة، حتى تلك التي قد يضيق منها البعض أو يعدها دليلاً على التردد.

الممثلة الهندية خلال جلستها الحوارية (مهرجان البحر الأحمر)

توقفت أيضاً في حديثها عند واحدة من أكثر محطاتها صعوبة، شخصية الروبوت «سيفرا» في فيلم «لقد وقعت في شرك كلامك»، شارحة أنها كانت لعبة توازن دقيقة بين أن تكون آلة بما يكفي ليصدّقها المشاهد، وإنسانة بما يكفي ليُصدّقها شريكها في الفيلم، مشيرة إلى أنها لم ترمش في أثناء الحوارات، وضبطت كل حركة لتكون دقيقة ومحسوبة، ورغم أنها معروفة بخفة الحركة و«العثرات الطريفة» كما وصفت نفسها، فإن أكثر ما أسعدها في الفيلم كان مشهد «الخلل» الذي ابتكرته بنفسها، لتمنح الشخصية ملمساً أكثر واقعية.

لكن اللحظة الأكثر دفئاً كانت عندما تحدثت عن الموسيقى، وعن دورها في مسيرتها؛ حيث روت كيف كانت غرف التسجيل التي تعمل فيها مع الملحّنين تشبه «متجر حلوى»، وكيف كان اللحن يُولد من جلسة ارتجال بسيطة تتحول بعد دقائق إلى أغنية جاهزة، ومع أن الجلسة كانت مليئة بالضحك واللحظات الخفيفة، فإنها لم تخفِ الجانب العميق من تجربتها، خصوصاً عندما تحدثت عن انتقالها من الإعلانات والصدفة إلى البطولة السينمائية.

وروت كيف أن فيلم «ميمي» منحها مساحة أكبر مما حصلت عليه في أي عمل سابق، وغيّر نظرتها إلى نفسها بوصفها ممثلة، مؤكدة أن ذلك العمل حرّرها من الحاجة الدائمة إلى إثبات ذاتها، وأعطاها الشجاعة لاختيار أدوار أكثر مجازفة. ومنذ ذلك الحين -كما تقول- لم تعد في سباق مع أحد، ولا تبحث عن لائحة إيرادات، بل عن أن تكون أفضل مما كانت عليه أمس.

وحين سُئلت عن فيلمها الجديد «تيري عشق مين» وعن موجة النقاشات التي أثارها على مواقع التواصل، أكدت أنها تتابع الآراء بشغف، لأن السينما تشبه اللوحة الفنية التي يراها كل شخص من زاوية مختلفة، مشيرة إلى أن الناس يتفاعلون مع قصة الفيلم، لأنهم قد عرفوا في حياتهم شخصاً مثل الممثلين.

وأكدت أن جزءاً من التفاعل يرجع إلى كون العمل يعرض الحب السام من جهة، لكنه يتيح للشخصية النسائية أن تُسمّيه وتواجهه، وهذا ما تعدّه تطوراً مهماً في كتابة الشخصيات النسائية، فلم تعد المرأة مجرد ضحية أو محبوبة مثالية، «فالمرأة المعاصرة على الشاشة يمكن أن تكون معقدة، متناقضة، واقعية، ومحبوبة رغم كل ذلك»، حسب تعبيرها.


جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
TT

جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)

كشفت الفنانة الأميركية جيسيكا ألبا عن ملامح مشروع سينمائي جديد يجمعها بالمخرجة السعودية هيفاء المنصور، مشيرة خلال ندوتها في «مهرجان البحر الأحمر السينمائي» إلى أن هذا التعاون لم يتشكل بين ليلة وضحاها، بل جاء نتيجة نقاشات طويلة امتدت على مدار سنوات.

وأوضحت في اللقاء الذي أقيم، الجمعة، أن الفكرة التي استقرتا عليها تدور حول قصة إنسانية عميقة تتناول علاقة ابنة بوالدها المتقدّم في العمر، ضمن سردية تقترب من تفاصيل العائلة وتحولاتها، وتسلّط الضوء على هشاشة العلاقات حين تواجه الزمن، وما يتركه ذلك من أسئلة مفتوحة حول الذاكرة والواجب العاطفي والمسؤولية المتبادلة.

وأضافت أن ما شدّها إلى المشروع ليس موضوعه فقط، بل الطريقة التي تقارب بها هيفاء المنصور هذه العلاقات الحسّاسة وتحولها إلى لغة بصرية تتسم بالهدوء والصدق، لافتة إلى أن «هذا التعاون يمثّل بالنسبة لي مرحلة جديدة في اختياراتي الفنية، خصوصاً أنني أصبحت أكثر ميلاً للأعمال التي تمنح الشخصيات النسائية مركزاً واضحاً داخل الحكاية، بعيداً عن الأنماط التقليدية التي سيطرت طويلاً على حضور المرأة في السينما التجارية».

وأشارت إلى أنها تبحث اليوم عن قصص تستطيع فيها المرأة أن تظهر بوصفها شخصية كاملة، تملك مساحتها في اتخاذ القرارات والتأثير في مسار الحكاية، وهو ما تراه في مشروعها مع المنصور، الذي وصفته بأنه «قريب من قلبها»؛ لأنه يعيد صياغة علاقة الأم والابنة من منظور مختلف.

وخلال الندوة، قدّمت ألبا قراءة موسّعة لتغيّر مسارها المهني خلال السنوات الأخيرة، فهي، كما أوضحت، لم تعد تنظر إلى التمثيل بوصفه مركز عملها الوحيد، بل بات اهتمامها الأكبر موجّهاً نحو الإنتاج وصناعة القرار داخل الكواليس.

وأكدت أن دخولها عالم الإنتاج لم يكن مجرد انتقال وظيفي، وإنما خطوة جاءت نتيجة إحساس عميق بأن القصص التي تُقدَّم على الشاشة ما زالت تعكس تمثيلاً ناقصاً للنساء وللأقليات العرقية، خصوصاً للمجتمع اللاتيني الذي تنتمي إليه.

وتحدثت ألبا عن تجربة تأسيس شركتها الإنتاجية الجديدة، معتبرة أن الهدف منها هو خلق مساحة لصناع المحتوى الذين لا يجدون غالباً فرصة لعرض رؤاهم، موضحة أن «غياب التنوّع في مواقع اتخاذ القرار داخل هوليوود جعل الكثير من القصص تُروى من زاوية واحدة، ما أدّى إلى تكريس صور نمطية ضيّقة، خصوصاً فيما يتعلّق بالجاليات اللاتينية التي غالباً ما تظهر في الأعمال ضمن أدوار مرتبطة بالعنف أو الجريمة أو الأعمال الهامشية».

وشددت على أنها تريد أن تساهم في معالجة هذا الخلل، ليس عبر الخطابات فقط، بل من خلال إنتاج أعمال تظهر فيها الشخصيات اللاتينية والعربية والنساء بصورة كاملة، إنسانية، متنوّعة، لافتة إلى أن تنوّع التجارب الحياتية هو العنصر الذي يجعل صناعة السينما أكثر ثراء، وأن غياب هذا التنوع يجعل الكثير من الكتّاب والمخرجين عاجزين عن تخيّل شخصيات خارج ما اعتادوا عليه.

وأضافت أن مهمتها اليوم، من موقعها الجديد، هي فتح المجال أمام أصوات غير مسموعة، سواء كانت نسائية أو تنتمي إلى أقليات ثقافية واجتماعية، لافتة إلى أنها تعمل على تطوير فيلم جديد مع المخرج روبرت رودريغيز، يعتمد على مزيج من الكوميديا العائلية وأجواء أفلام السرقة، مع طاقم تمثيل لاتيني بالكامل.

وأوضحت أن هذا العمل يأتي امتداداً لرغبتها في دعم المواهب اللاتينية، وفي الوقت نفسه تقديم أعمال جماهيرية لا تُختزل في سرديات العنف أو الهوامش الاجتماعية، واصفة المشروع بأنه خطوة مختلفة على مستوى بنية الحكاية؛ لأنه يجمع بين الترفيه والأسئلة العائلية، ويقدّم الشخصيات اللاتينية في إطار طبيعي وغير مصطنع.

وتوقفت جيسيكا عند مشاركتها المرتقبة في فيلم «الشجرة الزرقاء»، ويتناول علاقة أم بابنتها التي تبحث عن استقلاليتها رغم حساسية ظروفها موضحة أن ما جذبها لهذا العمل هو طبيعته الهادئة، واعتماده على بناء علاقة حميمة بين شخصيتين، بعيداً عن الصراعات المفتعلة، معتبرة أن هذا النوع من الحكايات يمثّل مرحلة أصبحت قريبة جداً منها في هذه الفترة من حياتها.


«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
TT

«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)

في إطار الجهود المصرية المستمرة للحفاظ على التراث وحمايته واستعادة الآثار المصرية المنهوبة من الخارج وصيانتها، تعدَّدت الجهود الرسمية والأهلية والبحثية والأكاديمية للعمل على حفظ التراث واستعادة الآثار المُهرَّبة، واستضافت مكتبة الإسكندرية مؤتمراً علمياً، بالتعاون مع مؤسسة ألمانية، تناول استرداد الآثار المصرية من الخارج، وحفظ وصيانة التراث.

وركز المؤتمر على تجارب مصر في استرداد القطع الأثرية التي خرجت من البلاد بطرق غير قانونية، سواء عبر المتاحف الأجنبية أو الأسواق غير المشروعة. وشارك فيه عدد من المسؤولين والخبراء المصريين والدوليين، وتم عرض نماذج بارزة من الآثار المسترَدة حديثاً، مثل التوابيت المذهبة والقطع الخشبية النادرة، مع مناقشة الإجراءات القانونية والدبلوماسية التي اعتمدتها مصر لاستعادة هذه القطع الأثرية وحمايتها بوصفها جزءاً من التراث العالمي.

وأكد عالم الآثار المصرية، الدكتور حسين عبد البصير، أن هذه الجهود تمثل رسالةً قويةً للعالم حول أهمية حماية التراث الثقافي المصري والعربي والعالمي، وأن استعادة كل قطعة أثرية هي خطوة نحو الحفاظ على الهوية الوطنية وإعادة حق الأجيال القادمة في التراث الحضاري لمصر، والعالم العربي، والعالم.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن دور المجتمع المدني والجمعيات الأثرية مهم في دعم هذه الجهود، من خلال التوعية، والبحث العلمي، والتعاون مع المنظمات الدولية؛ لتقوية موقف مصر القانوني في مواجهة التجارة غير المشروعة بالآثار.

جانب من المؤتمر الذي ناقش الآثار المسترَدة وحفظ التراث (الشرق الأوسط)

وتحت عنوان «الاتجار بالآثار سرقة للتاريخ وطمس للهوية»، تحدَّث الدكتور شعبان الأمير، أستاذ ترميم الآثار ومواد التراث بكلية الآثار بجامعة الفيوم، وتناول التنقيب والاتجار بالآثار وتقارير اليونيسكو حول هذه العمليات، التي تُقدَّر بنحو 10 مليارات دولار سنوياً، وهي ثالث أكبر عملية تجارية بعد المخدرات والسلاح على مستوى العالم.

وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «حماية التراث واجب وطني ومجتمعي، والاتجار بالآثار يعدّ سرقةً للتاريخ وطمساً ومحواً وفقداناً للهوية». وأشار إلى أن المؤتمر تناول أبحاثاً حول تطبيقات الذكاء الاصطناعي، والهندسة، والكيمياء، والوعي المجتمعي، وغيرها من الموضوعات التي اهتمت بكيفية حماية التراث والآثار، والحد من عمليات التنقيب غير الشرعي، وعمليات التسجيل والتوثيق والفحص والتحليل تمهيداً لعمليات الترميم والصيانة والحفظ والعرض المتحفي أو بالمواقع الأثرية.

وفي ورقة بحثية بالمؤتمر، تناولت الدكتورة منى لملوم، قوة الميديا ووسائل الإعلام المختلفة في المطالبة باسترداد الآثار، مشيرة إلى الحملات التي تقوم بها وسائل الإعلام من أجل الضغط لاسترداد الآثار المُهرَّبة من مصر بطرق غير مشروعة. وأضافت لـ«الشرق الأوسط» أنها «تناولت كثيراً من النماذج، منها استعادة تمثال من أميركا عام 2019 بجهود رسمية كبيرة، بالإضافة إلى قوة الإعلام، وكذلك الضغط من خلال حملات صحافية وأهلية، إلى جانب الجهود الحكومية لاستعادة آثار مصرية مهمة مثل رأس نفرتيتي من ألمانيا، وجدارية (الزودياك) أو الأبراج السماوية من متحف اللوفر، فضلاً عن استعادة حجر رشيد من المتحف البريطاني».

ولفتت د. منى إلى دور الدراما والسينما في التعامل مع الآثار والتاريخ مثل فيلم «المومياء» من إخراج شادي عبد السلام الذي لعب دوراً إيجابياً وصُنِّف من أهم 100 فيلم مصري في القرن الـ20، وهناك نماذج سلبية مثل مسلسل «كليوباترا» الذي أنتجته «نتفليكس» وقوبل بهجوم شديد لتجسيد الملكة المصرية بممثلة سوداء، و«اضطرت الشبكة إلى تغيير تصنيف الفيلم من (وثائقي) إلى (درامي) تحت ضغط (الميديا)» على حد تعبيرها.