«معرض الفن العربي»... بين الجنون والأمل

الملتقى الفني لا يلغي فعاليّاته رغم الوضع الأمني المُقلق في لبنان

ملصق «معرض الفن العربي» الذي يقام في بيروت بين 2 و5 نوفمبر (فيسبوك)
ملصق «معرض الفن العربي» الذي يقام في بيروت بين 2 و5 نوفمبر (فيسبوك)
TT

«معرض الفن العربي»... بين الجنون والأمل

ملصق «معرض الفن العربي» الذي يقام في بيروت بين 2 و5 نوفمبر (فيسبوك)
ملصق «معرض الفن العربي» الذي يقام في بيروت بين 2 و5 نوفمبر (فيسبوك)

مساحةٌ من الألوان يفردها «معرض الفن العربي» في بيروت، ما بين 2 و5 نوفمبر (تشرين الثاني). يصطحب المدينة في رحلةٍ إبداعيّة، بعيداً عن يوميّات القلق والخوف من حربٍ تلوح في الأفق، على ضوء التطوّرات الدامية في قطاع غزّة وفي الجنوب اللبناني. المعرض استراحةُ مسالمين لا يحملون سوى الريشة سلاحاً، ولا يصوّبون إلا باتّجاه اللوحة البيضاء.

لا ينكر مؤسس المعرض ومديره، فرحات فرحات، أن الاستمرار في النشاط أشبه بـ«ضرب جنون»، لكنه قرر أن يرفع شعار «لا للتشاؤم»، في حين أن شعار المعرض الرسمي لهذه السنة هو «إيماناً بلبنان وبأنّ الحياة لا بدّ أن تستمرّ».

يرفع المعرض شعار «إيماناً بلبنان وبأنّ الحياة لا بدّ أن تستمرّ» (إنستغرام)

«الفن للجميع»

في حديث مع «الشرق الأوسط»، يقول فرحات إنّ معرض «Arab Art Fair» في نسخته الثالثة لا يقتصر على الرسم، بل يضمّ فنون النحت، والتصوير، والخطّ العربي، والديجيتال، وفنّ التركيب أو التجميع.

يشارك في المعرض، الذي يقام في فندق «كورال بيتش» في بيروت، أكثر من 35 عارضاً آتين من مصر والعراق وقطر وسوريا ولبنان، في حين تعذّر حضور 7 فنانين من غزّة كان من المفترض أن ينضمّوا إلى الحدث الفنّي الجامع، غير أنّ الحرب حالت دون ذلك.

يتمسّك فرحات بأمل أن تتّسع دائرة الفنانين المشاركين في السنوات المقبلة، لتشمل الدول العربيّة كافةً. وبالانتظار، يحافظ المعرض على قضيّته الأساسية، وعنوانها «الفن للجميع». يوضح المؤسس أن الفكرة انطلقت عام 2019 من مبدأ أن «الفن ليس حِكراً على طبقة اجتماعية معيّنة، وأنه ليس محصوراً بالأشخاص القادرين مادياً على اقتناء أعمال فنية».

يشارك في المعرض أكثر من 35 فناناً وافدين من دول عربية عدة (فيسبوك)

من هذا المنطلق، يفتح «معرض الفن العربي» أبوابه للجميع، كباراً وصغاراً، دون رسوم دخول، خلافاً لما هو متعارف عليه في معارض الرسم حول العالم، كما أنّ المنظمين يحرصون على أن تكون أسعار الأعمال الفنية مقبولة، حتى يستطيع من لا يفكّر عادةً في شراء لوحة أو منحوتة، أن يفعل ذلك. غير أنّ تلك الأسعار المدروسة لا تعني أن الابتكارات دون المستوى.

يوضح فرحات، في هذا الإطار، أن ثمّة «لجنة متخصصة تقوم باختيار الأعمال المخوّلة أن تشارك في المعرض، بشرط أن تكون كلها جديدة ولم تُعرَض سابقاً». ويؤكد أن كل ما هو معروض ينضوي في خانة الاحتراف، سواء أكان اسم الفنان معروفاً أم من الجيل الصاعد. مع العلم بأن اللجنة تتأكد من أن الفنانين المستحقّين وأصحاب المواهب الاستثنائية هم وحدَهم مَن يجري اختيارهم لعرض ابتكاراتهم.

لا رسوم دخول للمعرض انطلاقاً من أن الفن يجب أن يكون متاحاً للجميع (فيسبوك)

بُعدٌ تربويّ تثقيفي

الرسالة الثانية التي يحملها المعرض تربويّة بامتياز؛ فَقاعات العرض مشرّعة أمام طلّاب المدارس والجامعات. وبما أنّ الجهة المنظّمة هي مؤسسة «Educity» المتخصصة في القضايا والمعارض والمنتديات التربوية منذ عام 2014، فكان أحد الأهداف الأساسية تقريب الفن من الطلّاب بهدف تثقيفهم. يلفت فرحات إلى أنه «يجري توجيه دعوات إلى طلّاب المدارس والجامعات للزيارة، ليس من منطلق تجاري، وإنما تثقيفي».

إلى جانب اللوحات التي تتنوّع بين معاصر وكلاسيكيّ، وسائر المعروضات الفنية، تتخلّل معرض الفن العربي مجموعة من ورش العمل والندوات التي يشارك فيها أهل الاختصاص. أما ندوات هذه النسخة من المعرض فهي أربع، تتناول الأولى العلاقة بين الفن والإعلام، وتطرح سؤال «أين الإعلام العربي من الثقافة والفنون؟»، وتستضيف الندوة صحافيين، وتناقشهم في المساحة التي يفردونها، والتي تخصصها وسائل الإعلام حيث يعملون، للشؤون الثقافية والفنية.

أما الندوة الثانية فتتمحور حول جمع الأعمال الفنية واقتنائها «art collection»، وهي تحاول استنباط الأسباب الكامنة وراء تلك الهواية التي غالباً ما تتحوّل إلى شغف. سيتحدّث ضيوف الندوة كذلك عن تجاربهم الخاصة في الاستثمار بالأعمال الفنية خلال فترات الأزمات الماليّة.

من بين فعاليات المعرض 4 ندوات تتناول ملفات ثقافية وفنية متنوّعة (فيسبوك)

وعن الرابط الوثيق بين الفن والتربية ودور الفنون في تطوير قدرات الطلاب، تتحدّث الندوة الثالثة. أما الندوة الرابعة فتتناول فن الأيقونة.

بين الألغام وعكس التيّار

منذ انطلاقته عام 2019، سار «معرض الفن العربي» بين الألغام، سَيّجتْهُ جائحة كورونا، ثم الانهيار الاقتصادي في لبنان، وتفجير مرفأ بيروت، وتُرافقه حالياً التوتّرات الأمنية الراهنة، ليجدَ نفسَه سائراً، هذه المرة، عكس التيّار. يقول القيّمون على المعرض: «في هذا الشرق، هناك خياران: إمّا الاستسلام أو المجابهة. ونحن في معرض الفن العربي، قررنا المجابهة بالفن والثقافة والإبداع، لتبقى الحياة مستمرّة».

لكن مَن يفكّر في شراء أعمال فنية في ظلّ مثل هذه الأوضاع؟ سؤالٌ بديهيّ يطرح نفسه على المنظّمين، لتأتي الإجابة على لسان فرحات: «خلال فترات الأزمات، الاستثمار في الفن فكرة ذكيّة جداً... الذي يشتري لوحة فنية كالذي يشتري ذهباً أو سجّادةً ثمينة. ووفق الدراسات، فإن عمليات الشراء تزداد في أوقات الأزمات». ويوضح فرحات أن «معرض الفن العربي يوفّر العمولة على المشتري، كما أنه يقدّم له ضمانة بأن العمل أصليّ».

وفق منظّمي المعرض، فإنّ الاستثمار في الفن يزداد خلال الأزمات الماليّة (فيسبوك)

أما على ضفّة الفنانين المستقلّين العارضين، فيشكّل المعرض، بالنسبة إليهم، فرصة لبناء علاقات مع أصحاب غاليريهات ومقتني فنون، ما يفتح أمامهم فرصاً كثيرة.

لا يريد مدير «معرض الفن العربي» أن ينظر إلا إلى ناحية الأمل، وهو يقول إنه «رغم الأزمات المتلاحقة في لبنان، فإنه ما زال يضمّ عدداً كبيراً من الدُّور الفنية النشيطة، هذا عدا ذوّاقة الفن الذين لا يُحصون. وهذا يكفي حتى لا ينقطع الأمل».


مقالات ذات صلة

عرض لوحة لمونك تحمل «لغزاً مثيراً» للمرة الأولى في بريطانيا

يوميات الشرق لوحة مونك في معرض اللوحات الوطني (إكس)

عرض لوحة لمونك تحمل «لغزاً مثيراً» للمرة الأولى في بريطانيا

تبدو اللوحة للوهلة الأولى كأنها صورة إنسان لافتة للنظر رسمها إدفارت مونك عام 1892، قبل عام من رسم ذلك العبقري النرويجي تحفته المميزة والأكثر شهرة «The Scream».

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق الموسيقار العراقي نصير شمة فناناً تشكيلياً (وزارة الثقافة المصرية)

«ربع تون» يعزف على أوتار الانسجام بين الموسيقى والفن التشكيلي

في معرض «ربع تون» للموسيقار العراقي نصير شمة، يستكشف المتلقي كيف يمكن أن يؤدي دمج الفن البصري والموسيقى إلى خلق تجربة متعددة الحواس.

نادية عبد الحليم (القاهرة)
يوميات الشرق رسالة تناغُم وعدالة (كاتدرائية وينشستر)

رقص مع الحيتان في كاتدرائية وينشستر الإنجليزية

المعرض يتضمَّن حيتاناً معلَّقة في سقف الكاتدرائية، من تصميم الفنانة تيسا كامبل فريزر، المُقيمة في أوكسفوردشاير، بهدف الإضاءة على تأثير البشر على البيئة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق أحد الأعمال المعاصرة ضمن قسم «المظلة» في بينالي الفنون الإسلامية (الشرق الأوسط)

جدة تستقبل النسخة الثانية لـ«بينالي الفنون الإسلامية»

وعد المنظمون زوار النسخة الثانية من بينالي الفنون الإسلامية بالكثير من الجمال والمتعة والثقافة، وبتذوق جرعة مركزة من كل ما جادت به الثقافة الإسلامية عبر العصور.

عبير مشخص (جدة)
يوميات الشرق «النميمة» من اللوحات التي تضمنها المعرض (الشرق الأوسط)

مقاهي باريس و«غيطان بنها» في معرض فني بالقاهرة

يشبه الأمر المرور بين عالمين متوازيين، على جهة تصطف المشاهد الباريسية بمقاهيها وشوارعها وميادينها ونسائها بالألوان الزاهية، وعلى الجهة الأخرى تتجلى مشاهد الريف.

محمد الكفراوي (القاهرة )

مبادرة سعودية لرصد محتويات المكتبات العامة ورقمنتها... وتفعيل دورها الثقافي

خطة شاملة بدأت وتمتد لـ5 سنوات تعنى بتطوير حالة المكتبات العامة في السعودية (واس)
خطة شاملة بدأت وتمتد لـ5 سنوات تعنى بتطوير حالة المكتبات العامة في السعودية (واس)
TT

مبادرة سعودية لرصد محتويات المكتبات العامة ورقمنتها... وتفعيل دورها الثقافي

خطة شاملة بدأت وتمتد لـ5 سنوات تعنى بتطوير حالة المكتبات العامة في السعودية (واس)
خطة شاملة بدأت وتمتد لـ5 سنوات تعنى بتطوير حالة المكتبات العامة في السعودية (واس)

بدأت «هيئة المكتبات» السعودية مشروعاً لإحصاء محتويات أكثر من 40 مكتبة عامة في مختلف مدن ومناطق المملكة؛ لجرد وفرز محتوياتها من الكتب ومصادر المعلومات، حيث يضم عدد كبير من تلك المكتبات كتباً نادرة ومخطوطات، بالإضافة إلى المطبوعات الحكومية والوثائق، التي سيتم تأهيل وترميم ما يحتاج منها إلى مزيد من العناية.

ويأتي مشروع إحصاء ثروة المكتبات من خزائن الكتب ومصادر المعلومات ومختلف المحتويات، جزءاً من مبادرة تطوير المكتبات العامة، التي تهدف إلى تحويل المكتبات إلى مراكز تفاعلية تضم مسارح، وقاعات متعددة الاستخدام، وغرف تدريب؛ بغية تعزيز الثقافة والمعرفة، وتحويلها إلى منصات ثقافية شاملة تحتضن الفنون المختلفة وتخدم اهتمامات المجتمع.

ويركز مشروع الجرد والفرز على حماية التراث الثقافي في السعودية، من خلال إدخال مصادر المعلومات المترحلة إلى نظام المكتبة الرقمية، مما يسهل حفظها، واسترجاعها، واستخدامها بشكل فعال.

نحو مليون ومائة ألف كتاب تجري عليها الآن العمليات الفنية مثل الفهرسة والتصنيف والفرز (واس)

تسلُّم محتويات نحو 43 مكتبة من مختلف مناطق المملكة في مشروع الرصد والرقمنة (واس)

مليون كتاب من 43 مكتبة

وقال الدكتور عبد الرحمن العاصم، رئيس «هيئة المكتبات» في السعودية، إن مشروع رصد وفرز محتويات المكتبات العامة، يعدّ من أهم ما تقوم به «هيئة المكتبات» للمحافظة على التراث الثقافي السعودي.

وأشار العاصم إلى أن الهيئة بدأت في تسلُّم محتويات نحو 43 مكتبة من مختلف مناطق المملكة، ووصل مجموع محتوياتها من الكتب ومصادر المعلومات إلى نحو مليون ومائة ألف كتاب، تجري عليها الآن العمليات الفنية، مثل الفهرسة والتصنيف والفرز.

وقال العاصم: «بدأت خطة شاملة تمتد لـ5 أعوام، لتطوير حالة المكتبات العامة في السعودية، وانطلق مشروع الرصد قبل نحو عام، وتبقت أشهر قليلة على انتهاء مرحلة الرصد والفرز والتصنيف، للخروج بتصور واضح عن عدد النسخ بعناوينها المنفردة والمكررة، ومن ذلك الكتب النادرة والمخطوطات الحية والمُصوَّرة التي تحتفظ بها المكتبات السعودية في رفوفها، بالإضافة إلى المطبوعات الحكومية والوثائق، التي سيتم تأهيل وترميم ما يحتاج منها إلى مزيد من العناية».

وأضاف أنه «سيتم التعامل مع محتويات المكتبات العامة، وفق سياسة تنمية المجموعات والمكتبات، وجزء من هذه الكتب ومصادر المعلومات سيعود إلى رفوف مكتبته الأصلية، في حين سيتم تزويد (بيوت الثقافة) بجزء منها، وهي الحواضن الثقافية التي بدأت هيئة المكتبات إطلاقها في عدد من مدن ومناطق المملكة، بديلاً مبتكراً عن المكتبات العامة بشكلها التقليدي».

بيت الثقافة في خميس مشيط أول بيوت الثقافة في السعودية (واس)

مفهوم جديد للمكتبات

وتواصل «هيئة المكتبات» السعودية عملها لتفعيل دور المكتبات العامة وتحويلها إلى مراكز تفاعلية ثقافياً واجتماعياً، ضمن خطة شاملة تمتد لـ5 أعوام، تشمل إنشاء وتطوير 153 مكتبة عامة بجميع المناطق، تعتمد جميعها على مفهوم «البيوت الثقافية»، الذي يوائم بين الأدوار المعرفية للمكتبات والثقافية لهذه البيوت.

وتعيش السعودية مشهداً ثقافياً متغيّراً ومتطوراً منذ إطلاق استراتيجيتها الوطنية للثقافة التي بثَّت الحيوية في كثير من المجالات، ومن بينها قطاع المكتبات، حيث تواظب مؤسسات القطاع الثقافي على تعميق مفهوم الثقافة نمطَ حياة، وتطوير قطاع المكتبات في السعودية، وافتتاح مراكز ثقافية في مختلف مدن ومناطق السعودية، تحوِّل وظيفة ودور المكتبات، من أماكن لحفظ الكتب إلى منصة لتنمية جودة حياة المجتمعات المحلية.

وأطلقت وزارة الثقافة في السعودية، منتصف يونيو (حزيران) 2020، مبادرةً لتطوير المكتبات العامة في البلاد، وتحويلها إلى منصات ثقافية بمفهوم اجتماعي شامل وحديث، وذلك بعد دراسة ميدانية أجرتها الهيئة لواقع المكتبات في البلاد، ووضعت استناداً إليها خطة تطوير تمتد حتى عام 2030 تستهدف من خلالها إنشاء وتطوير عشرات المكتبات العامة بجميع المناطق، تعتمد جميعها على مفهوم «البيوت الثقافية»، الذي يوائم بين الأدوار المعرفية للمكتبات والثقافية لهذه البيوت.

ومن المتوقع أن تعلن «هيئة المكتبات» في السعودية هذا العام، افتتاح 7 مكتبات بنمطها الجديد، في حائل وجازان ونجران والمدينة المنورة، بعد افتتاح أول بيوت الثقافة في محافظة أحد رفيدة بخميس مشيط، والأخرى في مدينة الدمام، العام الماضي، بينما سيبدأ العمل على بناء مشروعات جديدة في مدينة جدة ومنطقة الباحة، وذلك ضمن خطة وطنية للتوسع.