«سينما ترسو»... يستعيد ملامح أفلام المُهمشين والبسطاء

معرض تشكيلي يضم 32 لوحة

لوحات المعرض يستعيد بها الفنان رضا خليل ذكريات صباه (الشرق الأوسط)
لوحات المعرض يستعيد بها الفنان رضا خليل ذكريات صباه (الشرق الأوسط)
TT

«سينما ترسو»... يستعيد ملامح أفلام المُهمشين والبسطاء

لوحات المعرض يستعيد بها الفنان رضا خليل ذكريات صباه (الشرق الأوسط)
لوحات المعرض يستعيد بها الفنان رضا خليل ذكريات صباه (الشرق الأوسط)

لوحة بطلها المُزارع المصري محمد أبو سويلم (محمود المليجي) من فيلم «الأرض»، يقف داخل حقل للغربان، وعلى جواره لوحة يتصدرها شيخ الصيادين المعلم حنفي (عبد الفتاح القصري) من فيلم «ابن حميدو»، وبينهما لوحة الموسيقي الفقير وحيد ألفونسو (أنور وجدي) من فيلم «دهب»، في حين يتابعهما رئيس العصابة «مستر إكس» (فؤاد المهندس) من فيلم «أخطر رجل في العالم»، بينما يخشى الجميع من قيادة الشيخ حسني (محمود عبد العزيز) الدراجة النارية، في فيلم «الكيت كات».

فؤاد المهندس في فيلم «أخطر رجل في العالم» (الشرق الأوسط)

في كل لوحة من لوحات معرض «سينما ترسو»، يصادفنا مشهد من فيلم قديم أو شخصية سينمائية أو حكاية عن سينما «الدرجة الثالثة»، التي كانت ملمحاً في حياة المهمشين والبسطاء، وبوتقة لذكرياتهم الأولى مع عالم السينما. ورغم خفوت ضجيج جمهورها، وغلق أبوابها مع حداثة دُور العرض، فإنها تعود تشكيلياً على يد الفنان المصري رضا خليل، الذي يقدم بلوحاته صورة سينمائية متحركة تؤرخ لذلك الإرث، حيث يعود بالزمن إلى الوراء، مستعيداً ذكريات صباه الخاصة مع «سينما الترسو».

المعرض، الذي تستضيفه قاعة «آرت كورنر» للفنون في القاهرة، حتى أول فبراير (شباط) المقبل، يضم 32 لوحة منفَّذة بالألوان الزيتية والأكريليك، تتضمن كثيراً من الأفكار المستوحاة من تلك السينما، وتستدعي الذكريات والبهجة، يواصل بها الفنان المصري رحلته التشكيلية مع السينما، بعد معرضيه السابقين «سينما مصر» و«سينما الحياة».

محمود عبد العزيز في لوحة مستوحاة من فيلم «الكيت كات» (الشرق الأوسط)

يقول صاحب المعرض، لـ«الشرق الأوسط»: «السينما جزء لا يتجزأ من تكويننا الثقافي، أجيالاً عربية، صاحبتنا خلال طفولتنا وفترات الصبا والشباب، كانت مُعلِّماً ثالثاً بجوار الأسرة والمدرسة، تعلَّمنا منها بعض القيم الإيجابية، وتأثرنا برومانسيتها، وكرهنا الشر من خلالها، وعندما اخترت أن أخصّص معرضاً عن السينما، كان أمامي مساحة من الخيال لتنفيذ أفكار كثيرة حولها، وصياغة رؤى متجدّدة عنها بحرية تامة».

ويستطرد: «معرضي الأول عن السينما كان عام 2013، حين كانت مصر والمنطقة في حالة حراك سياسي، فكان المعرض الأول انتقاداً لأفعال صعبة من خلال نجوم السينما، ودمج الحاضر معهم، وفي معرضي الثاني كان التأكيد للمتلقي أننا نملك أشياء نستطيع أن نبتهج ونفتخر بها رغم الوضع المعيشي والحروب الإقليمية، أما في معرضي الجديد فأنا أحتفي ببسطاء ومهمشي سينما الترسو، ونجومهم من مشاهير تلك السينما، وألقي الضوء على فترات كانت مبهجة وحافلة اندثرت مع التقدم التكنولوجي».

إحدى لوحات معرض «سينما ترسو» (الشرق الأوسط)

تُحاكي أجواء المعرض روح دُور العرض السينمائي، فهناك تذكرة مجانية لدخوله تحمل ملامح تذاكر السينما قديماً. ومع خطواتك الأولى تحيط بك «بوسترات» الأفلام (الأفيش) القديمة، ومن ثَمّ يبدأ عرض اللوحات، التي بينها يبحر الزائر داخل عالم سينما الترسو.

يتابع: «عندما أرسم عن سينما الترسو فإنني لا أقوم فحسب بتأريخ جزء من التاريخ الثقافي السينمائي المصري، ولكن أيضاً حقبة من حياتي الشخصية، حيث إنني عرفت سينما الترسو في المرحلة الإعدادية عن طريق زملاء المدرسة، حيث كنا نتسرب من المدرسة ونذهب في مجموعات إليها، خاصة لمشاهدة أفلام الكاراتيه للنجم (بروسلي)، وكانت المرة الأولى التي أتعرف فيها على تلك السينمات المتواضعة المستوى، وجمهورها من المهمشين والبسطاء والغوغائيين، من خلال سينما (الحلمية)، ثم تعددت الزيارات لسينمات أخرى كسينما (وهبي)، وسينما (علي بابا)، وسينما (سهير)، وكانت هناك سينمات سيئة السمعة كسينما (الكواكب) بمنطقة الدراسة بالقاهرة، لذا كنا نتحاشى ارتيادها».

يشير خليل إلى أنه في معرضه يقدم بعض لمحات من تلك الأيام، باستحضار بعض نجوم وأجواء سينما الترسو، في انطباعات شخصية ورمزية، مستخدماً عدداً من المدارس الفنية، ولا سيما فن (البوب أرت).

لوحة مستوحاة من فيلم «الأرض» (الشرق الأوسط)

يمكننا مشاهدة ذلك الأسلوب بوجود الفنان محمد رضا، صاحب المقهى الشعبي، وإلى جواره «ميكي ماوس»، وأن نرى الفنان محمود شكوكو، صاحب المونولوج الشعبي، وهو يغازل «بنت بلد»، وقد قبع في إحدى لوحات الفنان الهولندي بيت موندريان، وكذلك جمع من نجوم أدوار الشر في السينما المصرية يُطلّون بوجه أخضر بارد.

نجوم أدوار الشر في السينما المصرية (الشرق الأوسط)

في جانب من المعرض، نجد بوستر مهرجان الإسكندرية السينمائي في دورته الأخيرة (رقم 40)، تتصدّرها شخصية البائعة «هنومة» (هند رستم) من فيلم «باب الحديد»، وهي إحدى لوحات الفنان رضا خليل، التي اختارتها إدارة المهرجان لتتصدر بوستره الرسمي. يقول الفنان: «كان اختيار لوحة (هنومة) مفاجأة لي، ولكنني أَعدُّها تتويجاً ومكافأة لي على واقعية أعمالي المُعبّرة عن عالم السينما».

الفنان محمود شكوكو وفي خلفيته إحدى لوحات الفنان بيت موندريان (الشرق الأوسط)

يُذكر أن الفنان رضا خليل عمل رساماً صحافياً في مؤسسة «دار الهلال» المصرية، كما أنه عضو في نقابة الفنانين التشكيليين، وجمعية فناني الغوري، والجمعية الأهلية للفنون (أصالة).


مقالات ذات صلة

مهرجان «شاشات الواقع» في دورته الـ19 بانوراما سينما منوعة

يوميات الشرق من أفلام شاشات الواقع «النهار هو الليل» لغسان سلهب (المكتب الإعلامي للمهرجان)

مهرجان «شاشات الواقع» في دورته الـ19 بانوراما سينما منوعة

نحو 35 فيلماً وثائقياً طويلاً وشرائط سينمائية قصيرة، يتألف منها برنامج عروض المهرجان الذي يتميز هذه السنة بحضور كثيف لصنّاع السينما اللبنانيين.

فيفيان حداد (بيروت)
سينما المخرج إيستوود مع نيكولاس هاولت (وورنر)

كلينت إيستوود ناقد السُلطات والباحث عن عدالة غائبة

ماذا تفعل لو أنك اكتشفت أن الشخص المتهم بجريمة قتل بريء، لكنك لا تستطيع إنقاذه لأنك أنت من ارتكبها؟ لو اعترفت لبرّأت المتهم لكنك ستحلّ مكانه في السجن

محمد رُضا‬ (بالم سبرينغز)
سينما من «الفستان الأبيض» (أفلام محمد حفظي)

شاشة الناقد: دراما نسوية

في فن صنع الأفلام ليس ضرورياً أن يتقن المخرج الواقع إذا ما كان يتعامل مع قصّة مؤلّفة وخيالية.

محمد رُضا‬ (بالم سبرينغز)
يوميات الشرق مشهد من فيلم «هُوبَال» الذي يُعرض حالياً في صالات السينما السعودية (الشرق الأوسط)

بعد أسبوع من عرضه... لماذا شغل «هُوبَال» الجمهور السعودي؟

يندر أن يتعلق الجمهور السعودي بفيلم محلي إلى الحد الذي يجعله يحاكي شخصياته وتفاصيله، إلا أن هذا ما حدث مع «هوبال» الذي بدأ عرضه في صالات السينما قبل أسبوع واحد.

إيمان الخطاف (الدمام)
لمسات الموضة أنجلينا جولي في حفل «غولدن غلوب» لعام 2025 (رويترز)

«غولدن غلوب» 2025 يؤكد أن «القالب غالب»

أكد حفل الغولدن غلوب لعام 2025 أنه لا يزال يشكِل مع الموضة ثنائياً يغذي كل الحواس. يترقبه المصممون ويحضّرون له وكأنه حملة ترويجية متحركة، بينما يترقبه عشاق…

«الشرق الأوسط» (لندن)

هل تستطيع الروبوتات الجراحية تعويض نقص الأطباء في مصر؟

وزير الصحة في زيارة لمنشأة طبية (وزارة الصحة المصرية)
وزير الصحة في زيارة لمنشأة طبية (وزارة الصحة المصرية)
TT

هل تستطيع الروبوتات الجراحية تعويض نقص الأطباء في مصر؟

وزير الصحة في زيارة لمنشأة طبية (وزارة الصحة المصرية)
وزير الصحة في زيارة لمنشأة طبية (وزارة الصحة المصرية)

أثار إعلان وزارة الصحة المصرية اعتزامها التوسع في استخدام الروبوتات الجراحية جدلاً، إذ اعتبره البعض تحركاً من الحكومة نحو تقليل الاعتماد على الأطباء، تزامناً مع الخلاف الحادث حالياً مع نقابة الأطباء حول مشروع قانون «المسؤولية الطبية».

لكن الدكتور حسام عبد الغفار، المتحدث الرسمي باسم وزارة الصحة المصرية، قال في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن سعي الوزارة للتوسع في استخدام الروبوتات الجراحية هدفه معاونة الجراحين وتسهيل مهمتهم وزيادة إنتاجيتهم، وليس من أجل تقليل الاعتماد على الأطباء أو الاستغناء عنهم.

واجتمع وزير الصحة المصري خالد عبد الغفار، الثلاثاء الماضي، مع ممثلي إحدى الشركات الصينية الرائدة في مجال الروبوتات الجراحية، وكشفت الوزارة في بيان أن الاجتماع بحث آفاق التوسع في استخدام الذكاء الاصطناعي والروبوتات الجراحية بمستشفيات وزارة الصحة.

«اتجاه الوزارة للتوسع في استخدام الروبوتات الجراحية ليس له علاقة بالخلاف حول قانون أو غيره، ولا يهدف لاستبدال الأطباء»، بحسب حسام عبد الغفار، الذي أكد «أن الروبوت لا يعمل مستقلاً، لكنه يحتاج لطبيب ماهر ومحترف لتشغيله، والهدف من ذلك جعل الطبيب الجراح الماهر يجري الجراحات في أي مكان عن بعد دون أن يتحرك الطبيب من مكانه الموجود فيه».

مصر تعاني من نقص في عدد الأطباء (وزارة الصحة المصرية)

من جانبه، قال يحيى دوير، عضو مجلس نقابة أطباء القاهرة، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «الروبوتات الجراحية موجودة بمصر بأعداد قليلة، ولا يتم العمل أو التدريب عليها؛ لأنها تحتاج إلى فترة تدريب طويلة».

ونوه دوير إلى أن «استبدال الطبيب المصري بالروبوت والعلاج عن بعد مسألة مستبعدة؛ نظراً لبعض العوامل، منها الخوف من عدم استقرار الإنترنت والتيار الكهربائي داخل المستشفيات، بالإضافة إلى عدم وجود الغطاء القانوني اللازم لإتمام الجراحات بالروبوت عن بعد، فنحن بالأساس ليس لدينا غطاء قانوني يسمح بمناظرة المريض عن بعد، فكيف ستتم جراحات عن بعد؟... ناهيك على التكلفة الباهظة لمثل هذه التطبيقات، وموازنة وزارة الصحة في مصر لا تسمح بذلك».

ورداً على تلك النقاط، قال متحدث الصحة: «نحن قلنا إننا منفتحون على العرض الذي قدمته لنا الشركة الصينية؛ نظراً لما سيحققه من فوائد، ولكن آليات التنفيذ على أرض الواقع ستكون في مرحلة لاحقة، وسيتم توفير اللازم، وجزء من الخطة حال تنفيذها سيكون بناء الكوادر الطبية القادرة على تشغيل الروبوتات واستخدامها بشكل صحيح».

وأوضح: «لدينا روبوتات جراحية بالفعل في معهد الأورام ومعهد ناصر، وأثبتت كفاءة عالية، أي أن الأمر ليس جديداً علينا».

وبحسب آخر رصد صادر عن الجهاز المركزي للإحصاء في مصر، فقد انخفض عدد الأطباء بالبلاد إلى 97.4 ألف طبيب في عام 2022، مقابل 100.7 ألف طبيب في عام 2021، بانخفاض بلغت نسبته 3.3 في المائة.

وزير الصحة المصري في جولة تفقدية لأحد المستشفيات (وزارة الصحة المصرية)

وتفيد الأرقام بأن مصر لديها طبيب لكل 1162 شخصاً، بينما المعدل العالمي، طبقاً لمنظمة الصحة العالمية، هو طبيب لكل 434 شخصاً.

وشهدت السنوات الماضية هجرة العديد من الأطباء إلى خارج مصر، بقصد العمل والاستقرار في أوروبا أو أميركا، وكذلك بعض الدول العربية وخاصة الخليجية، بحسب نقابة الأطباء المصرية.

ويقول يحيى دوير إن هجرة الأطباء من الأسباب الرئيسية لما يمكن وصفه بـ«التصحر الطبي» في مصر، والسبب في رأيه بحث العديد من الأطباء المصريين عن فرص عمل أفضل خارج البلاد؛ «نظراً لضعف الأجور مقارنة بدول أخرى، حيث لا يتجاوز راتب الطبيب بمصر بعد 10 سنوات من الخبرة 120 دولاراً أميركياً شهرياً».

ومن الأسباب الأخرى لهجرة الأطباء، بحسب دوير: «بيئة العمل غير الصحية، حيث نقص المعدات الطبية الحديثة، وغياب الدعم الإداري في عدد من المنشآت الصحية، وضعف الاستثمار في التعليم الطبي المستمر مع صعوبة التفرغ للعمل البحثي والتطوير، وتأجيج العلاقة بين المريض والطبيب، حيث ترسخ بعض المسلسلات والأفلام ثقافة خاطئة بين الطبيب والمريض وتصور الطبيب بصورة غير لائقة»؛ وفق تعبيره.

مصر تدرس الاستعانة بالروبوتات لمساعدة الجراحين (وزارة الصحة المصرية)

وعن مشروع قانون المسؤولية الطبية، يقول دوير إن «مصر تعد آخر دولة في العالم تقوم بصياغة مشروع قانون المسؤولية الطبية، حيث كان يحاكم الأطباء بقانون العقوبات مثلهم مثل المجرمين الجنائيين، وللأسف مشروع القانون الجديد لا يفرق ما بين الخطأ الطبي والخطأ الطبي الجسيم، ولا يعترف بالمضاعفات الوارد حدوثها والمنصوص عليها في أدلة العمل الإكلينيكية العالمية».

وبحسب دوير، فإن ما يقرب 62 في المائة؜ من أطباء مصر هاجروا أو يعملون خارج البلاد، فضلاً عن أعداد كبيرة داخل مصر مقيدة بالنقابة ولا تمارس الطب.

وزير الصحة في زيارة لمنشأة طبية (وزارة الصحة المصرية)

في المقابل، أكد حسام عبد الغفار، متحدث وزارة الصحة، «أن مشروع قانون المسؤولية الطبية تم إعداده بناء على مطالبات الأطباء أنفسهم وليس هناك خلاف حوله سوى في نقطة واحدة تتعلق بما يقولون إنه يسمح بحبس الأطباء، وهذه النقطة تحتاج فقط للتوضيح لإنهاء الجدل، فيما عدا ذلك فنحن منفتحون على جميع مطالب الأطباء، طالما لا تخالف الدستور».