غزّة بعيون أطفالها ودموعهم

فيلم «مولود في غزّة» على «نتفليكس»... الفاجعة تعيد نفسها

على إثر الحرب عاد فيلم «Born in Gaza» ليتصدّر المشاهدات على «نتفليكس»
على إثر الحرب عاد فيلم «Born in Gaza» ليتصدّر المشاهدات على «نتفليكس»
TT

غزّة بعيون أطفالها ودموعهم

على إثر الحرب عاد فيلم «Born in Gaza» ليتصدّر المشاهدات على «نتفليكس»
على إثر الحرب عاد فيلم «Born in Gaza» ليتصدّر المشاهدات على «نتفليكس»

مَن لم يشاهد غزّة بعيون أطفالها، ومَن لم يسمع قصصها على ألسنتهم، لا يعرف شيئاً عنها. في فيلم «مولود في غزّة» (Born in Gaza) للأرجنتيني هيرنان زين، أطفال القطاع الفلسطيني هم الحكاية، بندوبها الكثيرة وبسماتها التي تكاد لا تُرى.

صحيح أن «الوثائقي» الذي تعرضه منصة «نتفليكس» هو من إنتاج عام 2014، لكن وسط التطوّرات الدامية في غزّة، عادت الأنظار لتشخص إلى الأعمال الفنية التي ألقت الضوء على معاناة الغزّيّين العابرة للعقود والأجيال. وقد دخل الفيلم قوائم الأعمال الأكثر مشاهدةً في عدد من الدول.

لا دراما في الفيلم، ولا مؤثرات خاصة، ولا خيال ولا تشويق. كل تلك العناصر متوفّرة من دون افتعال. يوميّات أهل القطاع هي الدراما بذاتها، مع العلم بأنّ أحداث الفيلم تدور أثناء الهجوم الإسرائيلي على غزّة بين 8 يوليو (تموز) و26 أغسطس (آب) 2014. سقط آنذاك 2251 قتيلاً من بينهم 551 طفلاً، أي الرُبع.

أما مَن نجا من أطفال، فبقي ليشهد على فظاعة ما رأى وعانى. تتراوح أعمار أبطال الفيلم ما بين 6 و13 سنة. نال كلٌ منهم حصّته من شظايا، وجروح، وبؤس، ورعبٍ ممتدٍّ من أقصى جباليا، إلى رفح، مروراً بالشجاعيّة وخان يونس، وليس انتهاءً بشاطئ البحر. بحر غزّة الذي يتوهّم بعض صيّاديها وأطفالها بأنّه الخلاص، ليستفيقوا إلى واقع أنهم لا يستطيعون الإبحار أبعد من 9 كيلومترات عن شاطئه، بسبب الحصار الإسرائيلي.

بحر غزّة المحاصر، فسحة أمل لأهلها وأطفالها (صفحة المخرج هيرنان زين)

قد يتبادر إلى ذهن المُشاهد أمام تلك الساعة التوثيقيّة أسئلة مثل: أين هم هؤلاء الأطفال الآن؟ هل كبروا ليقاتلوا؟ أم قتلتهم رصاصة قبل أن يشهدوا على هذه الحرب المدمّرة؟ هل وجدوا طريقاً يخرجون عبره من الكابوس ويُنقذون بعضاً من أحلام الطفولة؟

يقول محمد، الذي يعمل في جمع النفايات البلاستيكية، إنه يحلم بأن يصير صيّاد سمك «لأنّي بحب البحر والبحر بيحبني». مقابل 5 شياقل في اليوم، يمرّغ محمد (12 سنة) يدَيه، اللتَين ما عادتا طريّتَين، في المكبّات لينتشل ما يمكن بيعه لإعالة العائلة بعد أن عجز الوالد. «بشتغل، تعب مش تعب، بضلّني أشتغل حتى أساعد أهلي وما نموت من الجوع».

يجمع محمد النفايات البلاستيكية لبيعها وإعالة عائلته (نتفليكس)

لا شيء يمتّ إلى الطفولة بصِلة في عينَي حمادة، الذي لم يبلغ العاشرة. كرجلٍ صغير، وبنظرةٍ امتزجت فيها القسوة بالحزن، يواجه كاميرا المُخرج ليعلن: «أنا نفسي أطلع مقاوم. أجيب حق أولاد عمّي». لعلّ القصة التي يرويها حمادة وابنُ عمّه منتصم هي الأفظع من بين القصص؛ كان الإخوة وأبناء العمّ يلهون على شاطئ غزّة، عندما استهدفتهم غارة إسرائيلية قتلت 4 منهم، ولم يبقَ سوى حمادة ومنتصم.

يعرض «الوثائقي» لقطات حيّة لعمليّة إنقاذهما ونقلهما إلى المستشفى. لكن ليست جراح الجسد هي التي خلّفت ندوبها على الولدَين، بل الصدمة النفسيّة. تعود إليهما الكاميرا بعد 3 أشهر على الضربة، لتجد منتصم في وضع نفسيّ يُرثى له. «كل يوم بقول لأمّي بدي أموت»، وهو حاول فعلاً أن يرمي بنفسه من على الشرفة، قبل أن تردعه شقيقته.

لم يجد الطفل الغزّيّ الذي يريد الانتحار مَن يحمل قضيّته ويجاهر بها، سوى ابن عمّه الصغير حمادة. يضع معاناته الخاصة جانباً ليقول إن «منتصم هو أصعب حالة بيننا. بيضلّ يصرخ وبيقول إنو بيشوف روح خيّو».

في فيلم «Born in Gaza» الأطفال هم الحكاية والأبطال (صفحة المخرج)

على علوّ منخفض تحلّق الكاميرا الطيّارة «الدرون» فوق غزّة، لتصوّر أحياء القطاع وأبنيته المطحونة. لو وظّفت استوديوهات هوليوود كل مواهبها وملايينها، لما حصلت على ديكور كهذا... لكن في «مولود في غزة»، كل ما تشاهده العين حقيقيّ، وكل ما تسمعه الأذن صادر من أفواه أطفالٍ لا يعرفون شيئاً عن التمثيل. حكاياتهم توحي بأنّ الحرب هي حربٌ ضدّ الأطفال.

بيسان (6 سنوات)، تروي والضمّادةُ تلفّ جبينها، كيف قُصف البيت وأصيبت فأنقذها المُسعف علاء. يحاول أقرباؤها أن يحيطوها بالعاطفة والدُمى والألعاب، بعد أن خسرت والدَيها في القصف. في غزة حيث لا كهرباء، ترسم بيسان والدَيها على ضوء الشمعة، لكنّ اكتئاب ما بعد الصدمة يمنعها من ذكرهما.

دمار غزة بعد عدوان 2014 (نتفليكس)

يشير الفيلم إلى أنّ أكثر من 400 ألف طفل في غزّة يعانون من اضطرابات نفسيّة. وكلٌ من شخصيات الفيلم أو أبطاله الصغار، نموذجٌ عن ذلك. يحكي عديّ (10 سنوات) قصة مصنع المرطّبات حيث كان يعمل وينام. يتحدّث من بين الركام عن المصنع الذي سُويّ بالأرض، وعن شقيقه الذي قُتل؛ «شفته مقصوف ومقطّع».

أما الصغيرة سندس فتشارك آلامها ودموعها من على سرير مستشفى «الشفاء». أصابها القصف الإسرائيلي في أمعائها. يرافقها سؤال واحد: «أنا طفلة مش مجاهدة. ليش بيعملوا فينا هيك؟». تتراكم التساؤلات على ألسنة أطفال غزّة، كمحمود الذي جرفت الدبّابات الإسرائيلية أرض والده، الذي يقول: «إحنا منزرع خضرا، منزرعش متفجرات». يحلم بإصلاح الأرض وبأن يصبح مهندساً زراعياً.

ملصق الوثائقي «Born in Gaza» للأرجنتيني هيرنان زين (نتفليكس)

اللافت في فيلم هيرنان زين، الذي عمل مراسلاً حربياً كذلك، أنه يحصر الشهادات والمقابلات بالأطفال، على قاعدة أن الحقيقة تخرج من أفواههم. يلحق بهم، يرصد المآسي التي عايشوها وهم لا طاقة لهم عليها بعد. كما راجاف، الذي يسترجع قصة والده المسعف، الذي قُتل في قصفٍ استهدف سيارة الإسعاف. بين مشاهد قصف المسعفين المتكرّرة منذ عقود، ولقطات زيارة راجاف قبر والده وسكب الماء عليه، يُسمع صوت الطفل يقول: «أبوي بطل الأبطال لأنو انقتل هو ورايح ينقذ أرواح ناس، يعني بدّه يقلّل من نسبة الأموات».

من صف الرسم في مدرسة الأونروا حيث تلجأ، تحكي ملك المصابة بالسرطان، أنها تحلم بأن تصبح طبيبة أطفال. تتمنّى كذلك ألّا تحصل حرب من جديد، لكن «إحساسي بيقول انو الحرب راجعة، لأنو هيك العادة». تحدّثت ملك عام 2014. لا ندري ما إذا حققت حلمها بدراسة الطب، أم إذا كان المرض قد سبق أحلامها، لكنّ المؤكّد أن إحساسها صدَق.


مقالات ذات صلة

«القسام»: مقتل أسيرة في هجوم إسرائيلي على شمال قطاع غزة

المشرق العربي مبنى مدمّر نتيجة القصف الإسرائيلي في جباليا بشمال قطاع غزة (أ.ف.ب)

«القسام»: مقتل أسيرة في هجوم إسرائيلي على شمال قطاع غزة

أعلن المتحدث باسم «كتائب القسام» الجناح العسكري لحركة «حماس» الفلسطينية، أبو عبيدة، اليوم (السبت)، مقتل أسيرة إسرائيلية في هجوم إسرائيلي على شمال قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي فتاة فلسطينية نازحة تأكل كسرة خبز في مخيم برفح جنوب قطاع غزة (د.ب.أ)

مقتل 3 فلسطينيات بسبب «ربطة خبز» في غزة

تقف يومياً ولساعات طوابير طويلة من الفلسطينيين أمام المخابز للحصول على «ربطة خبز» واحدة تتكون من نحو 22 رغيفاً.

«الشرق الأوسط» (غزة)
شؤون إقليمية جنود في مقبرة بالقدس خلال تشييع رقيب قُتل في غزة يوم 20 نوفمبر (أ.ب)

صرخة جندي عائد من غزة: متى سيستيقظ الإسرائيليون؟

نشرت صحيفة «هآرتس» مقالاً بقلم «مقاتل في جيش الاحتياط»، خدم في كل من لبنان وقطاع غزة. جاء المقال بمثابة صرخة مدوية تدعو إلى وقف الحرب.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي فلسطينيون يؤدون صلاة الجمعة على أنقاض مسجد مدمر في خان يونس بجنوب قطاع غزة (إ.ب.أ)

لا أمل لدى سكان غزة في تراجع الهجمات بعد أمري اعتقال نتنياهو وغالانت

لم يشهد سكان غزة، الجمعة، ما يدعوهم للأمل في أن يؤدي أمرا الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت إلى إبطاء الهجوم على القطاع الفلسطيني، مع إعلان مقتل 21 شخصاً على الأقل.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي جنود إسرائيليون خلال العملية البرية داخل قطاع غزة (رويترز)

الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل أحد جنوده في معارك بشمال غزة

أعلن الجيش الإسرائيلي، الخميس، مقتل أحد جنوده في معارك في شمال قطاع غزة. وأضاف أن الجندي القتيل يدعى رون إبشتاين (19 عاماً) وكان ينتمي إلى لواء غيفعاتي.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

سائح يفقد ساقه خلال ممارسته التجديف في نهر أسترالي

كان السائح الأجنبي الستينيّ يمارس التجديف مع أصدقائه على منحدرات نهر فرنكلين في تسمانيا الجمعة عندما علقت ساقه «بين الصخور» (أ.ف.ب)
كان السائح الأجنبي الستينيّ يمارس التجديف مع أصدقائه على منحدرات نهر فرنكلين في تسمانيا الجمعة عندما علقت ساقه «بين الصخور» (أ.ف.ب)
TT

سائح يفقد ساقه خلال ممارسته التجديف في نهر أسترالي

كان السائح الأجنبي الستينيّ يمارس التجديف مع أصدقائه على منحدرات نهر فرنكلين في تسمانيا الجمعة عندما علقت ساقه «بين الصخور» (أ.ف.ب)
كان السائح الأجنبي الستينيّ يمارس التجديف مع أصدقائه على منحدرات نهر فرنكلين في تسمانيا الجمعة عندما علقت ساقه «بين الصخور» (أ.ف.ب)

اضطر عناصر إنقاذ في أستراليا السبت، إلى بتر ساق رجل كان يمارس رياضة التجديف في قارب كاياك، بعدما علقت بشقّ صخري في جزء خطير من أحد أنهر ولاية تسمانيا، وفق ما أفادت الشرطة.

وكان السائح الأجنبي الستينيّ يمارس التجديف مع أصدقائه على منحدرات نهر فرنكلين في تسمانيا الجمعة، عندما علقت ساقه «بين الصخور»، بحسب الشرطة.

وتلقت أجهزة الطوارئ تنبيهاً من ساعته الذكية، فشرعت في عملية «معقدّة وطويلة جداً» لإنقاذه، لكنّ المحاولات لم تُجدِ.

وبقي الرجل مغموراً جزئياً في المياه الباردة، وراح وضعه الصحي يتدهور، ما حدا بعناصر الإنقاذ إلى تخديره وبتر ساقه السبت.

وقال الناطق باسم الشرطة داغ أوسترلو، إن «عملية الإنقاذ هذه كانت شديدة الصعوبة واستلزمت جهداً هائلاً طوال ساعات».

ونُقِل الرجل إلى مستشفى «رويال هوبارت» في ولاية تسمانيا، وأشارت الشرطة إلى أنه لا يزال في حال حرجة.