هل كان يوسف وهبي صاحب «أجرأ اعترافات» في الوسط الفني المصري؟

لاقت مذكرات «عميد المسرح العربي» اهتماماً في ذكرى رحيله

يوسف وهبي في لقطة من فيلم «إشاعة حب» (أرشيفية)
يوسف وهبي في لقطة من فيلم «إشاعة حب» (أرشيفية)
TT

هل كان يوسف وهبي صاحب «أجرأ اعترافات» في الوسط الفني المصري؟

يوسف وهبي في لقطة من فيلم «إشاعة حب» (أرشيفية)
يوسف وهبي في لقطة من فيلم «إشاعة حب» (أرشيفية)

حظيت مذكرات الفنان المصري يوسف وهبي (1898- 1982) الملقّب بـ«عميد المسرح العربي» و«فنان الشعب» باهتمام في ذكرى رحيله الـ41، بتاريخ 17 أكتوبر (تشرين الأول) 1982، لما تحتويه من مفارقات وصفها البعض بأنها «صادمة» و«جريئة». ومن أبرز ما تتضمّنه، اعترافات حول إدمانه المخدرات، فعانى ضائقة مالية لدى سفره شاباً إلى إيطاليا، ولم يكن يخلد إلى النوم إلا بعد تعاطي حقنة المخدِّر. كذلك أدمن لعب القمار الذي سلبه «عشرات الآلاف من الجنيهات»، وفق قوله، وهي عُدَّت ثروة طائلة في ذلك الزمن.

يوسف وهبي في سنوات عمره الأخيرة (مكتبة الإسكندرية)

وتحدّث الفنان المخضرم عن إفلاسه جراء علاقته براقصة وإنفاقه عليها في مرحلة أخرى من حياته، فاضطر للإقامة فوق أسطح المباني، والهرب من مطاردة الدائنين له رغم أنه سليل عائلة ثرية. يقول صاحب المذكرات عن علاقاته النسائية المتعدّدة: «لا أدّعي كوني قديساً أو راهباً في محراب، أو متصوّفاً، أو معصوماً من الخطأ والشهوات».

وكان يوسف وهبي فناناً شاملاً، عمل في التمثيل والتأليف والإخراج والإنتاج. من أشهر أعماله السينمائية: «غرام وانتقام» (1944)، «حياة أو موت» (1954)، «القاهرة 30» (1966)، «ميرامار» (1969)، «الاختيار» (1971)؛ وهي الأفلام الخمسة التي وردت في قائمة اختيار النقاد لأفضل 100 فيلم بتاريخ السينما المصرية. كما اشتهر بعبارات، منها: «يا للهول»، و«ما الدنيا إلا مسرح كبير».

غلاف كتاب مذكرات يوسف وهبي (دار المعارف)

وبدوره، يقول رئيس مجلس إدارة «دار المعارف» الصحافية، التي أصدرت المذكرات، سعيد عبده، لـ«الشرق الأوسط» إنّ «الدار أصدرت العمل للمرة الأولى في السبعينات بعنوان (عشت ألف عام – مذكرات فنان الشعب يوسف وهبي) في 3 أجزاء، ثم أصدرناها مجدداً قبل عامين بجزء واحد»، مشيراً إلى أنّ «الدار لم تتدخّل في اعترافاته الجريئة بالحذف أو التعديل، بل تركتها كما هي من باب أمانة النشر ومسؤوليته، بكونها وثيقة تاريخية وشهادة على زمن كامل».

يوسف وهبي في شبابه (أرشيفية)

أما الناقد الفني المصري طارق الشناوي فيرى أنه «ينبغي النظر إلى اعترافات وهبي في سياق ثقافة البوح التي سادت في مصر بحقب زمنية سابقة، لا سيما النصف الأول من القرن العشرين، حيث لم يمارس المجتمع بعنف سُلطة إطلاق الأحكام على الناس ويضطرهم إلى الأكاذيب والتجمّل من باب النفاق الاجتماعي».

ويضرب في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أمثلة عدة للاعترافات الجريئة المشابهة لفنانين آخرين، مثل نجيب الريحاني (1889- 1949) الذي اعترف في مذكراته بأنه «كان يُطرد من المسارح بسبب علاقاته النسائية»؛ وبديع خيري (1893- 1966) الذي حكى في مذكراته كيف مرَّ على أحد الملاهي الليلية في وسط القاهرة واحتسى كأسين ليكتسب الشجاعة اللازمة قبل لقائه المصيري بنجيب الريحاني. إلى إسماعيل ياسين (1912- 1972) الذي اعترف بأنه اضطر لسرقة مبلغ كانت جدته تخبئه في فراشها للقدوم إلى القاهرة، وتحقيق حلمه الفني.

يوسف وهبي في جلسة تصوير نادرة (مكتبة الإسكندرية)

كما أكد فريد شوقي (1920- 1998)، وفق الشناوي، أنه كان يحتسي يومياً 4 كؤوس من الخمر، ولا يمتنع عن ذلك إلا إذا كان ملتزماً بتصوير عمل فني. ومن الشخصيات النسائية، تحضر الفنانة تحية كاريوكا (1915- 1999) التي صحّحت معلومة شائعة تتعلّق بعدد زيجاتها، وهي 14 زيجة، فأكدت أنها تزوجت في الحقيقة 17 مرة.

ويخلص الشناوي إلى أنّ «اعترافات يوسف وهبي لم تكن الوحيدة في جرأتها، إنما جاءت ضمن مناخ عام سائد يتيح حرية الحديث عن الكواليس، لكن ربما كانت مذكراته الأكثر تنوّعاً لجهة عدد الوقائع التي رواها في هذا السياق».


مقالات ذات صلة

منة شلبي تخوض أولى تجاربها المسرحية في «شمس وقمر»

يوميات الشرق الفنانة المصرية منة شلبي تقدم أول أعمالها المسرحية (حسابها على «فيسبوك»)

منة شلبي تخوض أولى تجاربها المسرحية في «شمس وقمر»

تخوض الفنانة المصرية منة شلبي أولى تجاربها للوقوف على خشبة المسرح من خلال عرض «شمس وقمر» الذي تقوم ببطولته، ويتضمن أغاني واستعراضات.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق عرض مسرحي

مهرجان للمسرح في درنة الليبية ينثر فرحة على «المدينة المكلومة»

من خلال حفلات للموسيقى الشعبية الليبية والأغاني التقليدية، استقطب افتتاح المهرجان أعداداً كبيرة من سكان درنة، لينثر ولو قليلاً من الفرح بعد كارثة الإعصار.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق حفل ختام مهرجان شرم الشيخ المسرحي شهد غياب مشاهير الفن (شرم الشيخ المسرحي)

«شرم الشيخ المسرحي» يُختتم بعيداً عن «صخب المشاهير»

اختتم مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي فعاليات دورته التاسعة، مساء الأربعاء، بعيداً عن صخب المشاهير.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه (البوستر الرسمي)

«الماعز» على مسرح لندن تُواجه عبثية الحرب وتُسقط أقنعة

تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه. وظيفتها تتجاوز الجمالية الفنية لتُلقي «خطاباً» جديداً.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق مجموعة نشاطات فنّية يقدّمها الفريق في كل مركز (فضاء)

مؤسّسة «فضاء» تؤرشف للمسرح خلال الحرب

يختصر عوض عوض أكثر ما لفته في جولاته: «إنهم متعلّقون بالحياة ومتحمّسون لعيشها كما يرغبون. أحلامهم لا تزال تنبض، ولم تستطع الحرب كسرها».

فيفيان حداد (بيروت)

محمد رحيم... رحيل يستدعي حزن جيل التسعينات

الملحن المصري محمد رحيم (حساب رحيم على فيسبوك)
الملحن المصري محمد رحيم (حساب رحيم على فيسبوك)
TT

محمد رحيم... رحيل يستدعي حزن جيل التسعينات

الملحن المصري محمد رحيم (حساب رحيم على فيسبوك)
الملحن المصري محمد رحيم (حساب رحيم على فيسبوك)

ما أن تم الإعلان عن خبر الرحيل المفاجئ للملحن المصري محمد رحيم، حتى سيطرت أجواء حزينة على الوسط الفني عامة والموسيقي خاصة بمصر، كما أعرب عدد كبير من متابعي «السوشيال ميديا» من جيل التسعينات والثمانينات عن حزنهم العميق لرحيل ملحنهم «المحبوب» الذي يعتبرونه أفضل من عبّر عن أحلامهم وصدماتهم، مشيرين إلى أن رحيله «خسارة فادحة» لعالم الموسيقى والغناء عربياً.

وبدأ الملحن المصري محمد رحيم مسيرته المهنية مبكراً، إذ تعاون مع نخبة كبيرة من النجوم بمصر والعالم العربي، وكان قاسماً مشتركاً في تألقهم، كما صنع لنفسه ذكرى داخل كل بيت عبر أعماله التي تميزت بالتنوع ووصلت للعالمية، وفق نقاد.

الشاعر فوزي إبراهيم والمطربة آية عبد الله والملحن محمد رحيم (حساب رحيم على فيسبوك)

ومن بين النجوم الذين تعاون معهم رحيم عمرو دياب، ونانسي عجرم، ومحمد منير، وأصالة، وإليسا، ونوال الزغبي، وأنغام، وآمال ماهر، وروبي، ومحمد حماقي، وتامر حسني، وغيرهم.

وقدم رحيم أول ألحانه مع الفنان عمرو دياب أواخر تسعينات القرن الماضي، قبل أن يكمل عامه الـ20، من خلال أغنية «وغلاوتك» ضمن شريط «عودوني»، التي حققت نجاحاً كبيراً وكانت بداية الطريق لأرشيف غنائي كبير صنع اسم رحيم في عالم الفن.

وقدم رحيم، الذي رحل السبت عن عمر يناهز الـ45 عاماً، مع عمرو دياب أغنية «حبيبي ولا على باله»، التي حصد عنها دياب جائزة «ميوزك أورد» العالمية عام 2001.

بدأ رحيم في عصر ازدهار «شرائط الكاسيت»، التي كانت الملاذ الوحيد لمحبي الأغاني وخصوصاً في مواسم الإجازات، وانتظار محلات وأكشاك بيع الشرائط في الشوارع والميادين بمصر كي تعلن عبر صوت صاخب طرح «شريط جديد».

الملحن محمد رحيم والمطربة جنات (حساب رحيم على فيسبوك)

ووفق موسيقيين؛ فإن الملحن الراحل قد نجح في صناعة ألحان يعتبرها جيل التسعينات والثمانينات «نوستالجيا»، على غرار «أنا لو قلت» لمحمد فؤاد، و«الليالي» لنوال الزغبي، و«يصعب علي» لحميد الشاعري، و«ياللي بتغيب» لمحمد محيي، و«أحلف بالله» لهيثم شاكر، و«جت تصالحني» لمصطفى قمر، و«مشتاق» لإيهاب توفيق، و«أنا في الغرام» لشيرين، وغيرهم. لذلك لم يكن مستغرباً تعليقات نجوم الغناء على رحيل رحيم بكلمات مؤثرة.

ويرى الشاعر والناقد الموسيقى المصري فوزي إبراهيم أن «محمد رحيم ملحن كان يتمتع بموهبة فريدة، وألحانه تميزت بالبساطة والقرب من ذائقة الجمهور التي يعرفها بمجرد سماعها، لذلك اقتربت موسيقاه من أجيال عدة».

لم يقم الموسيقار الراحل باستعارة أو اقتباس جمل موسيقية مطلقاً خلال مشواره، بل اعتمد على موهبته الإبداعية، برغم ترجمة أعماله للغات عدة، وفق إبراهيم، الذي أشار في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى «أن محمد منير وصف رحيم بأنه (أمل مصر في الموسيقى)، مثلما قالها عبد الحليم حافظ للموسيقار بليغ حمدي».

محمد حماقي ومحمد رحيم (حساب رحيم على فيسبوك)

«بدأ شاباً وكان يعي متطلبات الشباب»، على حد تعبير الناقد الموسيقى المصري أمجد مصطفى، الذي يقول في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «ارتباط جيل التسعينات بأعماله يرجع لكونه نجح في القرب منهم والتعبير عن أحلامهم ومشاعرهم، بجانب ثقافته الموسيقية المبكرة التي حملت أبعاداً مختلفة».

ولفت مصطفى إلى أن «رحيم كان تلميذاً للملحن الليبي ناصر المزداوي، الذي يتمتع بتجارب عالمية عديدة، كما أن رحيم كان متميزاً في فن اختيار الأصوات التي تبرز ألحانه، بجانب إحساسه الفني الذي صنع شخصيته وميزته عن أبناء جيله».

الملحن محمد رحيم والفنان محمد منير (حساب رحيم على فيسبوك)

وكان للملحن المصري بصمة واضحة عبر أشهر شرائط الكاسيت مثل «الحب الحقيقي» لمحمد فؤاد، و«عودوني» لعمرو دياب، و«غزالي» لحميد الشاعري، و«أخبارك إيه» لمايا نصري، و«صورة ودمعة» لمحمد محيي، و«شوق العيون» لرجاء بلمليح، و«وحداني» لخالد عجاج، و«حبيب حياتي» لمصطفى قمر، و«عايشالك» لإليسا، و«جرح تاني» لشيرين، و«قوم أقف» لبهاء سلطان، و«ليالي الشوق» لشذى، و«ليلي نهاري» لعمرو دياب، و«طعم البيوت» لمحمد منير، وغيرها من الألحان اللافتة.

الملحن محمد رحيم والفنانة نانسي عجرم (حساب رحيم على فيسبوك)

من جانبها قالت الشاعرة المصرية منة القيعي إنها من جيل التسعينات وارتباطها بأغاني رحيم لم يكن من فراغ، خصوصاً أغنية «غلاوتك»، التي أصرت على وجودها خلال احتفالها بخطبتها قبل عدة أشهر، رغم مرور ما يقرب من 26 عاماً على إصدارها.

وتوضح منة لـ«الشرق الأوسط» أن «رحيم كان صديقاً للجميع، ولديه حس فني وشعور بمتطلبات الأجيال، ويعرف كيف يصل إليهم بسهولة، كما أن اجتماع الناس على حبه نابع من ارتباطهم بأعماله التي عاشت معهم ولها ذكرى لن تزول من أذهانهم».

الملحن محمد رحيم والموسيقار الراحل حلمي بكر (حساب رحيم على فيسبوك)

وتؤكد منة أن «ألحان رحيم جزء لا يتجزأ من الهوية المصرية، والقوى الناعمة التي تملكها مصر، وفنه الراسخ هو (تحويشة) عمره، فقد بدأ صغيراً ورحل صغيراً، لكن عمره الفني كان كبيراً، وأثر في أجيال عديدة». على حد تعبيرها.