حمّى «بوليوود» تصل لباريس بعد أبوظبي: محاولة اختصار التاريخ

معرض يحتضن 200 فيلم تختزل السينما الهندية

الاستعراض الراقص عصب السينما الهندية (الجهة المنظّمة)
الاستعراض الراقص عصب السينما الهندية (الجهة المنظّمة)
TT

حمّى «بوليوود» تصل لباريس بعد أبوظبي: محاولة اختصار التاريخ

الاستعراض الراقص عصب السينما الهندية (الجهة المنظّمة)
الاستعراض الراقص عصب السينما الهندية (الجهة المنظّمة)

يتلوّن خريف باريس بالألوان الصارخة للأفلام الهندية بمناسبة معرض شامل عنها في متحف «برانلي»، عنوانه «بوليوود سوبرستار»، ومن المقرّر استمراره حتى أوائل العام المقبل. وهو الذي تُمكن رؤية ملصقاته موزّعة على العديد من منصات الإعلان وحافلات النقل العام وجدران العاصمة.

«كريشنا» والقرويات (الجهة المنظّمة)

منذ ما يزيد على قرن، أنتجت استوديوهات بومبي في الهند مئات الأفلام، إلى حدَّ أنها شابهت ما يُنتَج في «هوليوود»، مركز صناعة السينما الأميركية. وتنتج الهند حالياً نحو 1500 فيلم في العام، فاكتسبت، من هنا، تسمية «بوليوود» الشائعة في وصف صناعة السينما الهندية. فمعرض «بوليوود سوبرستار» لا يقتصر على الصور والرسوم والتماثيل والأزياء والحلي والمخطوطات والأثاث والسيوف فحسب، بل يقدّم سيرة عمالقة هذا الفن، في مقدّمهم النجم شاروخان، حيث يُحاط مجسّم كبير له بمصابيح تضفي عليه صفات خارقة. فهو بطل 90 فيلماً، وحاز 8 مرات جائزة «فيلمفار» الهندية الموازية لـ«الأوسكار».

أهوال ومعجزات وما يختزل كثيراً من التاريخ الهندي (الجهة المنظّمة)

قدّمت الهند في عشرينات القرن الماضي أول أفلامها الصامتة، وكان مستوحى من أسطورة محلية، ثم توالى الإنتاج وتنوّع، بحيث اقترب من خوارق السينما الأميركية الحديثة. بهذا، يحاول المعرض اختصار التاريخ من خلال معروضات تروي في مجموعها وتنوّعها، مسيرة سينما ذات مذاق شرقي لاذع، لها عشاقها في الشرق والغرب، لا سيما في البلدان العربية. وكان المعرض أثار الإعجاب في متحف «اللوفر» بأبوظبي، مطلع العام الحالي، وها هو ينتقل إلى الضفة الشرقية لنهر السين، حاملاً معه الدهشة والبهجة.

الدهشة من تنوّع المعروضات البالغ عددها 200 قطعة. والبهجة من تلك الألوان الحارّة والاستعراضات الراقصة التي تنقلها شاشات موزّعة على أماكن عدّة من صالات العرض، تقدّم للزوار مَشاهد من فنون الرقص والغناء التي اشتهرت بها السينما في الهند.

مشهد راقص من المعرض (الجهة المنظّمة)

يمكن وصف الأفلام الهندية بأنها «عائلية»؛ إذ تحتل شخصية الأم موقعاً أساسياً في الحبكة، خصوصاً في الأفلام التي أُنتجت في فترة مبكرة من أواسط القرن الماضي. وبعيداً عن مَشاهد الفقر والمعاناة، قدّمت السينما الهندية وجهاً أكثر إشراقاً للقارة المكتظّة بالسكان والعقائد والأعراق واللغات. إنّ الحب هو الموضوع الأول، وغالباً ما يترافق مع الرقص الجماعي والغناء المتراوح ما بين الفرح والشجن. وهناك دائماً تيمة التقاليد أو الفوارق الطبقية الحائلة بين الحبيبين، لكن الحب لا بدّ أن ينتصر ليخرج المتفرّج سعيداً من الصالة، بعد ذرفه نهراً من الدموع. ومع تطوّر أنماط الحياة، شرقاً وغرباً، وتغيُّر ذائقة الجمهور، دخلت السينما الهندية منافساً قوياً في أفلام «الأكشن» والمطاردات والرياضات القتالية.

نرى في ملصق المعرض وجهَيْن مرسومَيْن لرجل وامرأة، يقتربان كأنهما يهمّان بتبادُل قبلة، من دون أن يكتمل المشهد وتلتقي الشفاه. إنها السينما التي حافظت على نوع من الخفر والحشمة الشرقيين، في خضمّ أفلام غربية نزعت أوراق التوت، لكن هذا التحفّظ لا يمنع من عرض لوحة رائعة كبيرة مرسومة على القماش، تمثل «الإله كريشنا» وهو يرقص مع نساء قرويات في براندافان. وهي لوحة أثرية تعود إلى القرن التاسع عشر.


مقالات ذات صلة

«مندوب الليل» لعلي الكلثمي يفوز في لوس أنجليس

سينما  مندوب الليل (آسيا وورلد فيلم فيستيڤال)

«مندوب الليل» لعلي الكلثمي يفوز في لوس أنجليس

في حين ينشغل الوسط السينمائي بـ«مهرجان القاهرة» وما قدّمه وما نتج عنه من جوائز أو أثمر عنه من نتائج وملاحظات خرج مهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال» بمفاجأة رائعة

محمد رُضا‬ (القاهرة)
سينما دياماند بوعبّود وبلال حموي في «أرزة» (مهرجان أفلام آسيا الدولي)

شاشة الناقد: فيلمان من لبنان

أرزة هي دياماند بو عبّود. امرأة تصنع الفطائر في بيتها حيث تعيش مع ابنها كينان (بلال الحموي) وشقيقتها (بَيتي توتَل). تعمل أرزة بجهد لتأمين نفقات الحياة.

محمد رُضا (لندن)
يوميات الشرق الفنان المصري أحمد زكي قدم أدواراً متنوعة (أرشيفية)

مصر تقترب من عرض مقتنيات أحمد زكي

أعلن وزير الثقافة المصري الدكتور أحمد فؤاد هنو عن عرض مقتنيات الفنان المصري الراحل أحمد زكي، ضمن سيناريو العرض الخاص بمركز ثروت ‏عكاشة لتوثيق التراث.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق وصيفات العروس يبتهجن في حفل زفافها بالفيلم (القاهرة السينمائي)

«دخل الربيع يضحك»... 4 قصص ممتلئة بالحزن لبطلات مغمورات

أثار فيلم «دخل الربيع يضحك» الذي يُمثل مصر في المسابقة الدولية بمهرجان «القاهرة السينمائي» في دورته الـ45 ردوداً واسعة.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق جانب من مهرجان «القاهرة السينمائي» (رويترز)

أفلام فلسطينية ولبنانية عن الأحداث وخارجها

حسناً فعل «مهرجان القاهرة» بإلقاء الضوء على الموضوع الفلسطيني في هذه الدورة وعلى خلفية ما يدور.

محمد رُضا (القاهرة)

«مساعدة الصمّ»... مبادرة تُثلج قلب مجتمع منسيّ في لبنان

مؤسِّسة المبادرة مع فريقها المُساعد للنازحين الصمّ (نائلة الحارس)
مؤسِّسة المبادرة مع فريقها المُساعد للنازحين الصمّ (نائلة الحارس)
TT

«مساعدة الصمّ»... مبادرة تُثلج قلب مجتمع منسيّ في لبنان

مؤسِّسة المبادرة مع فريقها المُساعد للنازحين الصمّ (نائلة الحارس)
مؤسِّسة المبادرة مع فريقها المُساعد للنازحين الصمّ (نائلة الحارس)

قد ينشغل اللبنانيون في زمن الحرب بأخبارها وأحوال النازحين وكيفية تأمين حاجاتهم. لكنّ قلةً منهم فكّرت بجزء من المجتمع اللبناني؛ هم الأشخاص الصمّ. فهؤلاء يفتقدون القدرة على السمع وسط حرب شرسة. لا أصوات القذائف والصواريخ، ولا الانفجارات والمسيّرات. ولا يدركون إعلانات التحذير المسبقة لمنطقة ستتعرّض للقصف. وقد تكمُن خطورة أوضاعهم في إهمال الدولة الكبير لهم. فهي، كما مراكز رسمية ومستشفيات ووسائل إعلام، لا تعيرهم الاهتمام الكافي. فتغيب لغة الإشارة التي يفهمونها، ليصبح تواصلهم مع العالم الخارجي صعباً.

من هذا المنطلق، ولدت مبادرة «مساعدة الصمّ»، فتولاها فريق من اللبنانيين على رأسهم نائلة الحارس المولودة من أب وأم يعانيان المشكلة عينها. درست لغة الإشارة وتعاملت من خلالها معهما منذ الصغر؛ الأمر الذي دفع بأصدقائها الصمّ، ملاك أرناؤوط، وهشام سلمان، وعبد الله الحكيم، للجوء إليها. معاً، نظّموا مبادرة هدفها الاعتناء بهؤلاء الأشخاص، وتقديم المساعدات المطلوبة لتجاوز المرحلة.

بلغة الإشارة يحدُث التفاهم مع الأشخاص الصمّ (نائلة الحارس)

تقول نائلة الحارس لـ«الشرق الأوسط» إنّ القصة بدأت مع صديقتها ملاك بعد نزوح أهلها الصمّ إلى منزلها في بيروت هرباً من القصف في بلدتهم الجنوبية، فتوسّعت، من خلالهم، دائرة الاهتمام بأصدقائهم وجيرانهم. وعندما وجدت ملاك أنّ الأمر بات يستدعي فريقاً لإنجاز المهمّات، أطلقت مع هشام وعبد الله المبادرة: «اتصلوا بي لأكون جسر تواصل مع الجمعيات المهتمّة بتقديم المساعدات. هكذا كبُرت المبادرة ليصبح عدد النازحين الصمّ الذين نهتم بهم نحو 600 شخص».

لا تواصل بين الصمّ والعالم الخارجي. فهم لا يستطيعون سماع أخبار الحرب عبر وسائل الإعلام، ولا يملكون «لاب توب» ولا أدوات تكنولوجية تخوّلهم الاطّلاع عليها لحماية أنفسهم. كما أنّ لا دورات تعليمية تُنظَّم من أجلهم ليتمكّنوا من ذلك.

كي تلبّي نائلة الحارس رغبات الصمّ وتجد فرصاً لمساعدتهم، كان عليها التفكير بحلّ سريع: «لأنني أدرس لغة الإشارة والترجمة، دعوتُ من خلال منشور على حسابي الإلكتروني متطوّعين لهذه المهمّات. عدد من طلابي تجاوب، واستطعتُ معهم الانكباب على هذه القضية على أرض الواقع».

معظم الصمّ الذين تعتني بهم المبادرة في البيوت. بعضهم يلازم منزله أو يحلّ ضيفاً على أبنائه أو جيرانه.

يؤمّن فريق «مساعدة الصمّ» جميع حاجاتهم من مساعدات غذائية وصحية وغيرها. لا تواصل من المبادرة مع جهات رسمية. اعتمادها الأكبر على جمعيات خيرية تعرُض التعاون.

كل ما يستطيع الصمّ الشعور به عند حصول انفجار، هو ارتجاج الأرض بهم. «إنها إشارة مباشرة يتلقّونها، فيدركون أنّ انفجاراً أو اختراقاً لجدار الصوت حدث. ينتابهم قلق دائم لانفصالهم عمّا يجري في الخارج»، مؤكدةً أنْ لا إصابات حدثت حتى اليوم معهم، «عدا حادثة واحدة في مدينة صور، فرغم تبليغ عائلة الشخص الأصمّ بضرورة مغادرة منزلهم، أصرّوا على البقاء، فلاقوا حتفهم جميعاً».

ولدت فكرة المبادرة في ظلّ مصاعب يواجهها الأشخاص الصمّ (نائلة الحارس)

وتشير إلى أنّ لغة الإشارة أسهل مما يظنّه بعضهم: «نحرّك أيدينا عندما نتحدّث، ولغة الاشارة تتألّف من هذه الحركات اليومية التي نؤدّيها خلال الكلام. كما أن تعلّمها يستغرق نحو 10 أسابيع في مرحلة أولى. ويمكن تطويرها وتوسيعها بشكل أفضل مع تكثيف الدروس والتمارين».

عدد الصمّ في لبنان نحو 15 ألف شخص. أما النازحون منهم، فقلّة، بينهم مَن لجأ إلى مراكز إيواء بسبب ندرة المعلومات حول هذا الموضوع. كما أنّ كثيرين منهم لا يزالون يسكنون بيوتهم في بعلبك والبقاع وبيروت.

بالنسبة إلى نائلة الحارس، يتمتّع الأشخاص الصمّ بنسبة ذكاء عالية وإحساس مرهف: «إنهم مستعدّون لبذل أي جهد لفهم ما يقوله الآخر. يقرأون ملامح الوجه وحركات الشفتين والأيدي. وإنْ كانوا لا يعرفون قواعد لغة الإشارة، فيستطيعون تدبُّر أنفسهم».

يغيب الاهتمام تماماً من مراكز وجهات رسمية بالأشخاص الصمّ (نائلة الحارس)

إهمال الدولة اللبنانية لمجتمع الصمّ يبرز في محطّات عدّة. إن توجّهوا إلى مستشفى مثلاً، فليس هناك من يستطيع مساعدتهم: «ينبغي أن يتوافر في المراكز الرسمية، أسوةً بالخاصة، متخصّصون بلغة الإشارة. المشكلات كثيرة في كيفية تواصلهم مع الآخر. فالممرض في مستشفى قد لا يعرف كيفية سؤالهم عن زمرة دمهم. وليس هناك مَن يساعدهم لتقديم أوراق ووثائق في دعوى قضائية. هذه الثغر وغيرها تحضُر في مراكز ودوائر رسمية».

تختم نائلة الحارس: «التحدّي في الاستمرار بمساعدة الأشخاص الصمّ. فالإعانات التي نتلقّاها اليوم بالكاد تكفينا لأيام وأسابيع. على أي جمعية أو جهة مُساعدة أخذ هؤلاء في الحسبان. فتُدمَج مساعدات الأشخاص العاديين مع مساعدات الصمّ، وبذلك نضمن استمرارهم لأطول وقت».