رجلٌ يرى بلا عينَيه... سينما ويس أندرسون تسحر شاشة «نتفليكس»

المخرج الأميركي يقتبس من روايات روالد دال مقدّماً رباعيّة من الأفلام القصيرة

يستغلّ شوغر موهبته الخارقة للغشّ على طاولات الميسر (نتفليكس)
يستغلّ شوغر موهبته الخارقة للغشّ على طاولات الميسر (نتفليكس)
TT

رجلٌ يرى بلا عينَيه... سينما ويس أندرسون تسحر شاشة «نتفليكس»

يستغلّ شوغر موهبته الخارقة للغشّ على طاولات الميسر (نتفليكس)
يستغلّ شوغر موهبته الخارقة للغشّ على طاولات الميسر (نتفليكس)

لا يدخل الاعتياديّ في قاموس ويس أندرسون. منذ «ذا رويال تننباومز» (2001)، و«ذا غراند بودابست أوتيل» (2014)، يُثبت المخرج الأميركي أنّ كل تفصيل في السينما التي يصنع لا يشبه سواه. مرةً جديدة يخرج من علبة المألوف، ليقدّم فيلمه الجديد «القصة الرائعة لهنري شوغر» (The Wonderful Story of Henry Sugar).

بهذا الفيلم الذي لا يتخطّى 37 دقيقة، استهلّ أندرسون رباعيّة من الأفلام القصيرة التي توجّه التحيّة إلى أدب الكاتب البريطاني روالد دال (1916 - 1990) على «نتفليكس». هذه ليست المرة الأولى التي يُخرج فيها أندرسون روايةً لدال، لكنها المرة الأولى التي يتعاون فيها مع «نتفليكس» ضمن أحد إنتاجاتها الأصليّة. وكانت المنصة العالميّة قد استحوذت على مؤسسة دال الأدبيّة قبل عامَين مقابل 686 مليون دولار، لتتولّى تحويل رواياته إلى مادّة مصوّرة. أطلق أندرسون على تلك الصفقة عبارة «زواج المصلحة»، إلا أنه بدا شغوفاً بتنفيذ «القصة الرائعة لهنري شوغر» وما تبقّى من الرباعيّة؛ «البجعة» (The Swan)، «صائد الجرذان» (The Rat Catcher)، و«سمّ» (Poison).

تحوّلات السيّد شوغر

يروي فيلم الفانتازيا القصير التحوّلات التي تطرأ على حياة هنري شوغر (41 عاماً)، بعد أن يكتشف كتاباً بعنوان «الرجل الذي يرى من دون استخدام عينَيه». هنري المقامر والطامع بالمال يلتهم الحكاية علّه يتعلّم من بطلها الهنديّ إمداد خان، حيَلاً تساعده في كسب المزيد على طاولة الميسر.

ما إن يغلق شوغر الكتاب على صفحته الأخيرة، حتى يعتزل حياة الصخب والبذخ ويمضي 3 سنوات في عزلة تامّة داخل شقّته بلندن. يتدرّب على تقنيّة خان، إلى أن يتمكّن منها ويصبح قادراً على تخمين ورق اللعب وهو مقلوب. وعندما يصبح جاهزاً، يعود إلى طاولات الميسر والكازينوهات حيث تبدأ عملية الغشّ وكسب المبالغ الطائلة.

يستغلّ شوغر موهبته الخارقة للغشّ على طاولات الميسر (نتفليكس)

لكن، ماذا يفعل رجل وحيد اكتسب أسلوبه من خبير روحانيّات هنديّ بكل هذا المال؟ يملّ بسرعة من رزم العملة فيقرر أن ينثرها من على شرفته ليلتقطها المارّة، ما يُحدث جلبةً في الشارع. يطرق شرطيٌ بابه موبّخاً: «في البلد مستشفيات ودور أيتام غير قادرة على شراء هدايا للأطفال في العيد، وأنت ترمي المال من النافذة؟».

في هذا السؤال يجد هنري شوغر خريطةً للطريق التي ستُسلك. «لا أريد أن أصبح رجلاً ثرياً»، يقول. تحت أسماء مستعارة وأزياء تنكّرية، يجول كازينوهات العالم مكدّساً الأموال لينشئ مستشفيات ودور أيتام. لم يتعلّم من إمداد خان أن يرى الورق وهو مغمض العينَين، بل تمكّن كذلك من إبصار روحه والتخفّف من المادّيّات التي كانت تكبّلها.

رالف فاينز بدور الشرطي وبنديكت كمبرباتش بدور هنري شوغر (نتفليكس)

بهلوانيّات أندرسون السينمائيّة

يتنقّل المخرج بين الشخصيات والحكايات بخفّة ساحر، يُمَسرح السرديّة بديكورات ملوّنة ومتحرّكة. ليس اللعب بالأشكال والألوان غريباً على أندرسون، فمن المعروف عن صورته أنها سلوى للعين. في كوخ الراوي، أي روالد دال الذي يلعب دوره رالف فاينز، يتكدّس الأثاث والأوراق والصور والأقلام. كوخه حيث يختلي للكتابة، أشبه بديكور مسرحيّ من الكرتون. هكذا هي الخلفيّة في المشهد الأول الذي يطلّ فيه «هنري شوغر»، مؤدياً دوره بنديكت كمبرباتش؛ جدارٌ كرتونيّ رُسمت عليه رفوف من الكتب، يقف البطل أمامه فيما يتحرّك خلفه عمّال ديكور يضيفون أثاثاً إلى المشهد، كما لو كنّا في كواليس عملٍ مسرحيّ.

في تركيبة أشبه بدمية الماتريوشكا الروسيّة، يبدأ دال بسَرد الحكاية، ليسلّم الدفّة إلى شوغر، الذي ينقلها بدوره إلى الطبيب الذي اكتشف حالة خان الخاصة، ثم يحين دور خان (يؤدّي الدور بن كينغسلي) ليتلو ما لديه. كل ذلك، وسط التزامٍ شبه حرفيّ بنصّ دال الأصليّ، كما لو كان الممثّلون يقرأون الكتاب، بما فيه عبارات مثل «قلت له» و«أجابني» وما شابه. لا يحاول أندرسون المسّ بنصّ دال الحذق والذكيّ، خصوصاً أنه لا يعيق الإيقاع السريع الذي أراده المخرج لعمله.

يلعب فاينز دورَين في الفيلم: هنا بشخصية الراوي أي الكاتب روالد دال (نتفليكس)

ما بين الديكورات المتبدّلة مع كل مشهد والسرد الوفيّ على ألسنة الشخصيات، يُخيّل للمشاهد كأنه يستمع إلى حكاية مسجّلة، مقلّباً في الوقت ذاته صفحات كتابٍ من الصور الجميلة التي تجسّد القصة. إلا أن الاكتفاء بديكورات مسرحيّة متحرّكة ونقّالة ليس من باب الاستخفاف الإنتاجي، بل مساحة إبداعية اخترعها أندرسون بدقّةٍ وانتباهٍ فائق إلى التفاصيل، ليعطي الرواية حقّها. يوظّف المخرج تلك الوسائل البصريّة المتعدّدة كي يعكس البُعد المرح الذي يميّز كتابات دال.

يشكّل إيقاع الفيلم السريع جزءاً من سحره كما أنه يتوافق مع مدّته القصيرة، ويحفّز خيال المتفرّج. وبعد أيام من بدء عرضه على «نتفليكس»، استطاع أن يحظى على إجماع النقّاد الذين رشّحه بعضهم إلى المنافسة على أوسكار أفضل فيلم قصير.

«البجعة» و«صائد الجرذان» و«السمّ»

الأفلام المتبقية من الرباعيّة أقصر قليلاً من قصة «هنري شوغر»، وقد بدأ عرضها كذلك على «نتفليكس». لا تتخطّى مدّة فيلم «البجعة» 15 دقيقة، وهو يدخل في خانة أفلام الرعب، ضمن تجربةٍ هي الأولى لأندرسون في هذا النوع. يروي الفيلم قصة «بيتر واتسون» الذي تعرّض خلال طفولته لتنمّر عنيف من قبل ولدَين آخرين.

مشهد من فيلم «The Swan» من إخراج ويس أندرسون (نتفليكس)

في «صائد الجرذان»، يغوص المشاهد في عالم الألغاز التي يحبّها أندرسون. يتعرّف إلى شخصية صائد جرذان محترف ومتأثّر بطباع طرائده، توظّفه السلطات الصحية للتخلّص من غزو القوارض. وفياً لصداقته بأندرسون ولشراكتهما المهنيّة، يبدع الممثل رالف فاينز في أداء الدور، وهو يطلّ في كل أفلام الرباعيّة.

«صائد الجرذان» ثالث أفلام رباعيّة ويس أندرسون المقتبسة من روايات روال دال (نتفليكس)

أما «سمّ» وهو آخر أفلام الرباعيّة، فتدور أحداثه في الهند خلال الاستعمار البريطاني. تلاحق السرديّة ذات الإيقاع السريع، رجلاً لدغته أفعى وهو يرزح تحت ثقل سُمّها. لا أمل بنجاته سوى في صديقٍ يزوره ويطلب نجدة طبيب للتخلّص من الأفعى الجاسمة فوق صدر الرجل المسموم.


مقالات ذات صلة

«الملحد» للعرض في السينمات المصرية بعد معركة مع الدعاوى القضائية

يوميات الشرق «الملحد» تعرَّض لعدد من الدعاوى القضائية التي طالبت بمنع عرضه (الشركة المنتجة)

«الملحد» للعرض في السينمات المصرية بعد معركة مع الدعاوى القضائية

بعد معركة مع الدعاوى القضائية، أعلنت الشركة المنتجة لفيلم «الملحد» طرحه في دور العرض السينمائي بمصر يوم 31 ديسمبر الحالي.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق المخرجة المصرية سارة جوهر (الشرق الأوسط)

المخرجة سارة جوهر: «عيد ميلاد سعيد» ينافس بقوة على «الأوسكار»

تؤكد المخرجة المصرية سارة جوهر أن قوة فيلمها تكمن في قدرته على التأثير في المشاهد، وهو ما التقطته «فارايتي» بضمّها لها إلى قائمتها المرموقة.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق صوَّر المخرج الفيلم في ظروف صعبة (الشركة المنتجة)

«الشاطئ الأخير»... فيلم بلجيكي يرصد مأساة واقعية من قلب أفريقيا

رغم التحديات الأمنية واللوجيستية وعزلة القرية في غامبيا، فإن المخرج البلجيكي يشعر بالرضا عن التجربة التي خلّدت اسم «باتيه سابالي».

أحمد عدلي (الدوحة)
يوميات الشرق بوستر الوثائقي السعودي «سبع قمم» (الشرق الأوسط)

من «المنطقة المميتة» إلى شاشات جدة... حين تتحوَّل القمم إلى مرآة للإنسان

قدَّم وثائقي «سبع قمم» سيرة رجل فَقَد ملامح المدير التنفيذي عند «المنطقة المميتة» في "إيفرست"، ليبقى أمام عدسة الكاميرا إنساناً يسأل نفسه: لماذا أواصل؟

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق النجم الأميركي ليوناردو دي كابريو (رويترز)

ليوناردو دي كابريو يحذر الممثلين الشباب من خطأ واحد يضر بمسيرتهم

أصدر النجم ليوناردو دي كابريو تحذيراً للممثلين الشباب، موضحاً سبب رفضه عروضاً ضخمة في بداية مسيرته الفنية الحافلة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

كريتي سانون تروي رحلتها من دروس شاروخان إلى شجاعة الاختيار

الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
TT

كريتي سانون تروي رحلتها من دروس شاروخان إلى شجاعة الاختيار

الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)

في واحدة من أكثر الجلسات جماهيرية في مهرجان البحر الأحمر السينمائي هذا العام، حلّت الممثلة الهندية كريتي سانون في ندوة حوارية تحوّلت سريعاً من حوار تقليدي إلى عرض كامل تفاعل خلاله الجمهور بحماسة لافتة، حتى بدا المشهد وكأنه لقاء بين نجمة في ذروة تألقها وجمهور وجد فيها مزيجاً من الذكاء والعفوية والثقة.

منذ اللحظة الأولى، بدا واضحاً أن الجمهور جاء محملاً بأسئلته، فيما شجع التفاعل الجماهيري الممثلة الهندية على أن تجيب بصراحة عن كل ما يتعلق بمسيرتها، ومن بين كل أسماء الصناعة، لم يلمع في حديثها كما لمع اسم شاروخان. توقفت عند ذكره كما يتوقف شخص أمام لحظة صنعت في داخله تحولاً، وصفته بأنه «الأكثر ذكاءً وخفة ظل» ممن قابلتهم، ومثال حي على أن الفروسية والذوق الرفيع لا يزالان ممكنَين في صناعة صاخبة.

واستعادت كريتي كيف كان شاروخان ينظر إلى من يتحدث معه مباشرة، وكيف يمنح الجميع احتراماً متساوياً، حتى شعرت في بداياتها بأنها تلميذة تقع فجأة في حضرة أستاذ يعرف قواعد اللعبة من دون أن يستعرضها، ومع أن كثيرين يرون أن سانون دخلت عالم السينما من باب الجمال والأزياء، فإنها أكدت أن دراستها للهندسة لعبت دوراً في دخولها مجال الفن باعتبار أنها تعلمت منها أن كل شيء يجب أن يكون منطقياً وقائماً على أسئلة لماذا؟ وكيف؟

وأوضحت أن تحليل الأمور ومراجعتها منحتاها أدوات لم يمتلكها ممثلون آخرون، مروراً بتجارب وورشات تمثيل طويلة، فيما كانت هي تتعلم على أرض الواقع عبر طرح الأسئلة، حتى تلك التي قد يضيق منها البعض أو يعدها دليلاً على التردد.

الممثلة الهندية خلال جلستها الحوارية (مهرجان البحر الأحمر)

توقفت أيضاً في حديثها عند واحدة من أكثر محطاتها صعوبة، شخصية الروبوت «سيفرا» في فيلم «لقد وقعت في شرك كلامك»، شارحة أنها كانت لعبة توازن دقيقة بين أن تكون آلة بما يكفي ليصدّقها المشاهد، وإنسانة بما يكفي ليُصدّقها شريكها في الفيلم، مشيرة إلى أنها لم ترمش في أثناء الحوارات، وضبطت كل حركة لتكون دقيقة ومحسوبة، ورغم أنها معروفة بخفة الحركة و«العثرات الطريفة» كما وصفت نفسها، فإن أكثر ما أسعدها في الفيلم كان مشهد «الخلل» الذي ابتكرته بنفسها، لتمنح الشخصية ملمساً أكثر واقعية.

لكن اللحظة الأكثر دفئاً كانت عندما تحدثت عن الموسيقى، وعن دورها في مسيرتها؛ حيث روت كيف كانت غرف التسجيل التي تعمل فيها مع الملحّنين تشبه «متجر حلوى»، وكيف كان اللحن يُولد من جلسة ارتجال بسيطة تتحول بعد دقائق إلى أغنية جاهزة، ومع أن الجلسة كانت مليئة بالضحك واللحظات الخفيفة، فإنها لم تخفِ الجانب العميق من تجربتها، خصوصاً عندما تحدثت عن انتقالها من الإعلانات والصدفة إلى البطولة السينمائية.

وروت كيف أن فيلم «ميمي» منحها مساحة أكبر مما حصلت عليه في أي عمل سابق، وغيّر نظرتها إلى نفسها بوصفها ممثلة، مؤكدة أن ذلك العمل حرّرها من الحاجة الدائمة إلى إثبات ذاتها، وأعطاها الشجاعة لاختيار أدوار أكثر مجازفة. ومنذ ذلك الحين -كما تقول- لم تعد في سباق مع أحد، ولا تبحث عن لائحة إيرادات، بل عن أن تكون أفضل مما كانت عليه أمس.

وحين سُئلت عن فيلمها الجديد «تيري عشق مين» وعن موجة النقاشات التي أثارها على مواقع التواصل، أكدت أنها تتابع الآراء بشغف، لأن السينما تشبه اللوحة الفنية التي يراها كل شخص من زاوية مختلفة، مشيرة إلى أن الناس يتفاعلون مع قصة الفيلم، لأنهم قد عرفوا في حياتهم شخصاً مثل الممثلين.

وأكدت أن جزءاً من التفاعل يرجع إلى كون العمل يعرض الحب السام من جهة، لكنه يتيح للشخصية النسائية أن تُسمّيه وتواجهه، وهذا ما تعدّه تطوراً مهماً في كتابة الشخصيات النسائية، فلم تعد المرأة مجرد ضحية أو محبوبة مثالية، «فالمرأة المعاصرة على الشاشة يمكن أن تكون معقدة، متناقضة، واقعية، ومحبوبة رغم كل ذلك»، حسب تعبيرها.


جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
TT

جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)

كشفت الفنانة الأميركية جيسيكا ألبا عن ملامح مشروع سينمائي جديد يجمعها بالمخرجة السعودية هيفاء المنصور، مشيرة خلال ندوتها في «مهرجان البحر الأحمر السينمائي» إلى أن هذا التعاون لم يتشكل بين ليلة وضحاها، بل جاء نتيجة نقاشات طويلة امتدت على مدار سنوات.

وأوضحت في اللقاء الذي أقيم، الجمعة، أن الفكرة التي استقرتا عليها تدور حول قصة إنسانية عميقة تتناول علاقة ابنة بوالدها المتقدّم في العمر، ضمن سردية تقترب من تفاصيل العائلة وتحولاتها، وتسلّط الضوء على هشاشة العلاقات حين تواجه الزمن، وما يتركه ذلك من أسئلة مفتوحة حول الذاكرة والواجب العاطفي والمسؤولية المتبادلة.

وأضافت أن ما شدّها إلى المشروع ليس موضوعه فقط، بل الطريقة التي تقارب بها هيفاء المنصور هذه العلاقات الحسّاسة وتحولها إلى لغة بصرية تتسم بالهدوء والصدق، لافتة إلى أن «هذا التعاون يمثّل بالنسبة لي مرحلة جديدة في اختياراتي الفنية، خصوصاً أنني أصبحت أكثر ميلاً للأعمال التي تمنح الشخصيات النسائية مركزاً واضحاً داخل الحكاية، بعيداً عن الأنماط التقليدية التي سيطرت طويلاً على حضور المرأة في السينما التجارية».

وأشارت إلى أنها تبحث اليوم عن قصص تستطيع فيها المرأة أن تظهر بوصفها شخصية كاملة، تملك مساحتها في اتخاذ القرارات والتأثير في مسار الحكاية، وهو ما تراه في مشروعها مع المنصور، الذي وصفته بأنه «قريب من قلبها»؛ لأنه يعيد صياغة علاقة الأم والابنة من منظور مختلف.

وخلال الندوة، قدّمت ألبا قراءة موسّعة لتغيّر مسارها المهني خلال السنوات الأخيرة، فهي، كما أوضحت، لم تعد تنظر إلى التمثيل بوصفه مركز عملها الوحيد، بل بات اهتمامها الأكبر موجّهاً نحو الإنتاج وصناعة القرار داخل الكواليس.

وأكدت أن دخولها عالم الإنتاج لم يكن مجرد انتقال وظيفي، وإنما خطوة جاءت نتيجة إحساس عميق بأن القصص التي تُقدَّم على الشاشة ما زالت تعكس تمثيلاً ناقصاً للنساء وللأقليات العرقية، خصوصاً للمجتمع اللاتيني الذي تنتمي إليه.

وتحدثت ألبا عن تجربة تأسيس شركتها الإنتاجية الجديدة، معتبرة أن الهدف منها هو خلق مساحة لصناع المحتوى الذين لا يجدون غالباً فرصة لعرض رؤاهم، موضحة أن «غياب التنوّع في مواقع اتخاذ القرار داخل هوليوود جعل الكثير من القصص تُروى من زاوية واحدة، ما أدّى إلى تكريس صور نمطية ضيّقة، خصوصاً فيما يتعلّق بالجاليات اللاتينية التي غالباً ما تظهر في الأعمال ضمن أدوار مرتبطة بالعنف أو الجريمة أو الأعمال الهامشية».

وشددت على أنها تريد أن تساهم في معالجة هذا الخلل، ليس عبر الخطابات فقط، بل من خلال إنتاج أعمال تظهر فيها الشخصيات اللاتينية والعربية والنساء بصورة كاملة، إنسانية، متنوّعة، لافتة إلى أن تنوّع التجارب الحياتية هو العنصر الذي يجعل صناعة السينما أكثر ثراء، وأن غياب هذا التنوع يجعل الكثير من الكتّاب والمخرجين عاجزين عن تخيّل شخصيات خارج ما اعتادوا عليه.

وأضافت أن مهمتها اليوم، من موقعها الجديد، هي فتح المجال أمام أصوات غير مسموعة، سواء كانت نسائية أو تنتمي إلى أقليات ثقافية واجتماعية، لافتة إلى أنها تعمل على تطوير فيلم جديد مع المخرج روبرت رودريغيز، يعتمد على مزيج من الكوميديا العائلية وأجواء أفلام السرقة، مع طاقم تمثيل لاتيني بالكامل.

وأوضحت أن هذا العمل يأتي امتداداً لرغبتها في دعم المواهب اللاتينية، وفي الوقت نفسه تقديم أعمال جماهيرية لا تُختزل في سرديات العنف أو الهوامش الاجتماعية، واصفة المشروع بأنه خطوة مختلفة على مستوى بنية الحكاية؛ لأنه يجمع بين الترفيه والأسئلة العائلية، ويقدّم الشخصيات اللاتينية في إطار طبيعي وغير مصطنع.

وتوقفت جيسيكا عند مشاركتها المرتقبة في فيلم «الشجرة الزرقاء»، ويتناول علاقة أم بابنتها التي تبحث عن استقلاليتها رغم حساسية ظروفها موضحة أن ما جذبها لهذا العمل هو طبيعته الهادئة، واعتماده على بناء علاقة حميمة بين شخصيتين، بعيداً عن الصراعات المفتعلة، معتبرة أن هذا النوع من الحكايات يمثّل مرحلة أصبحت قريبة جداً منها في هذه الفترة من حياتها.


«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
TT

«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)

في إطار الجهود المصرية المستمرة للحفاظ على التراث وحمايته واستعادة الآثار المصرية المنهوبة من الخارج وصيانتها، تعدَّدت الجهود الرسمية والأهلية والبحثية والأكاديمية للعمل على حفظ التراث واستعادة الآثار المُهرَّبة، واستضافت مكتبة الإسكندرية مؤتمراً علمياً، بالتعاون مع مؤسسة ألمانية، تناول استرداد الآثار المصرية من الخارج، وحفظ وصيانة التراث.

وركز المؤتمر على تجارب مصر في استرداد القطع الأثرية التي خرجت من البلاد بطرق غير قانونية، سواء عبر المتاحف الأجنبية أو الأسواق غير المشروعة. وشارك فيه عدد من المسؤولين والخبراء المصريين والدوليين، وتم عرض نماذج بارزة من الآثار المسترَدة حديثاً، مثل التوابيت المذهبة والقطع الخشبية النادرة، مع مناقشة الإجراءات القانونية والدبلوماسية التي اعتمدتها مصر لاستعادة هذه القطع الأثرية وحمايتها بوصفها جزءاً من التراث العالمي.

وأكد عالم الآثار المصرية، الدكتور حسين عبد البصير، أن هذه الجهود تمثل رسالةً قويةً للعالم حول أهمية حماية التراث الثقافي المصري والعربي والعالمي، وأن استعادة كل قطعة أثرية هي خطوة نحو الحفاظ على الهوية الوطنية وإعادة حق الأجيال القادمة في التراث الحضاري لمصر، والعالم العربي، والعالم.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن دور المجتمع المدني والجمعيات الأثرية مهم في دعم هذه الجهود، من خلال التوعية، والبحث العلمي، والتعاون مع المنظمات الدولية؛ لتقوية موقف مصر القانوني في مواجهة التجارة غير المشروعة بالآثار.

جانب من المؤتمر الذي ناقش الآثار المسترَدة وحفظ التراث (الشرق الأوسط)

وتحت عنوان «الاتجار بالآثار سرقة للتاريخ وطمس للهوية»، تحدَّث الدكتور شعبان الأمير، أستاذ ترميم الآثار ومواد التراث بكلية الآثار بجامعة الفيوم، وتناول التنقيب والاتجار بالآثار وتقارير اليونيسكو حول هذه العمليات، التي تُقدَّر بنحو 10 مليارات دولار سنوياً، وهي ثالث أكبر عملية تجارية بعد المخدرات والسلاح على مستوى العالم.

وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «حماية التراث واجب وطني ومجتمعي، والاتجار بالآثار يعدّ سرقةً للتاريخ وطمساً ومحواً وفقداناً للهوية». وأشار إلى أن المؤتمر تناول أبحاثاً حول تطبيقات الذكاء الاصطناعي، والهندسة، والكيمياء، والوعي المجتمعي، وغيرها من الموضوعات التي اهتمت بكيفية حماية التراث والآثار، والحد من عمليات التنقيب غير الشرعي، وعمليات التسجيل والتوثيق والفحص والتحليل تمهيداً لعمليات الترميم والصيانة والحفظ والعرض المتحفي أو بالمواقع الأثرية.

وفي ورقة بحثية بالمؤتمر، تناولت الدكتورة منى لملوم، قوة الميديا ووسائل الإعلام المختلفة في المطالبة باسترداد الآثار، مشيرة إلى الحملات التي تقوم بها وسائل الإعلام من أجل الضغط لاسترداد الآثار المُهرَّبة من مصر بطرق غير مشروعة. وأضافت لـ«الشرق الأوسط» أنها «تناولت كثيراً من النماذج، منها استعادة تمثال من أميركا عام 2019 بجهود رسمية كبيرة، بالإضافة إلى قوة الإعلام، وكذلك الضغط من خلال حملات صحافية وأهلية، إلى جانب الجهود الحكومية لاستعادة آثار مصرية مهمة مثل رأس نفرتيتي من ألمانيا، وجدارية (الزودياك) أو الأبراج السماوية من متحف اللوفر، فضلاً عن استعادة حجر رشيد من المتحف البريطاني».

ولفتت د. منى إلى دور الدراما والسينما في التعامل مع الآثار والتاريخ مثل فيلم «المومياء» من إخراج شادي عبد السلام الذي لعب دوراً إيجابياً وصُنِّف من أهم 100 فيلم مصري في القرن الـ20، وهناك نماذج سلبية مثل مسلسل «كليوباترا» الذي أنتجته «نتفليكس» وقوبل بهجوم شديد لتجسيد الملكة المصرية بممثلة سوداء، و«اضطرت الشبكة إلى تغيير تصنيف الفيلم من (وثائقي) إلى (درامي) تحت ضغط (الميديا)» على حد تعبيرها.