يشغل سؤال: هل ثمة داعٍ للقلق من «كوفيد» مجدداً؟ المختبرات ومعه ملايين البشر حول العالم. ولكن وفق بيانات مصدرها علماء وشركات «موديرنا» و«فايزر» و«بيونتك» المُصنِّعة للقاحات، فإنّ السلالة الجديدة شديدة التحوّر من فيروس «كورونا» المسبِّب لمرض «كوفيد-19» غير مثيرة للقلق كما خشي بعض الخبراء عندما رُصدت للمرة الأولى قبل أسابيع. وترصد «منظمة الصحة العالمية» والمراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها السلالة الجديدة المنتشرة على مواقع التواصل باسم «بيرولا» وتحمل الاسم العلمي «BA.2.86»، وهي سلالة متحوّرة من السلالة «أوميكرون».
ووفق وكالة «رويترز»، ترتفع معدلات الإصابة ودخول المستشفيات جراء الإصابة بالوباء في الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا، لكنها أقل بكثير عن ذروات سابقة. وتباطأ المعدل الأسبوعي لدخول المستشفيات في الولايات المتحدة لثلاثة أسابيع متتالية في أغسطس (آب) الماضي، وفق بيانات المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها للأسبوع المنتهي في 26 أغسطس. وحتى 30 أغسطس، أعلنت المراكز الأميركية رصد السلالة «BA.2.86» في 4 ولايات على الأقل، إما في مصابين أو في مياه الصرف. وأعلنت ولاية ديلاوير رصدها إصابة بالسلالة في مستشفى. كما أعلنت «منظمة الصحة» رصدها في 6 دول على الأقل. وذكرت البيانات أنّ السلالة المتحوّرة الفرعية «EG.5» المتحدرة من «أوميكرون» المنتشرة باسم «إيريس»، وظهرت للمرة الأولى في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، تمثل نحو 20 في المائة من الإصابات الحالية بـ«كوفيد-19» في الولايات المتحدة.
وتأتي في المرتبة الثانية سلالة متحوّرة باسم «فورناكس»، والاسم العلمي «FL.1.5.1» بنسبة 14.5 في المائة من الإصابات في الولايات المتحدة، وتمثل نسبة متنامية من الإصابات بـ«كوفيد-19» على الساحل الشرقي الأميركي. كما تمثل مجموعة واسعة من السلالات الأخرى نسباً أقل من مجمل الإصابات، منها السلالة «BA.2.86» التي تمثل في الوقت الراهن أقل من واحد في المائة.من جهته، يرى الدكتور ديفيد داودي، خبير الأمراض المُعدية في «كلية جونز هوبكز بلومبرغ للصحة العامة» أنّ السلالة «FL.1.5.1» ستصبح الأكثر انتشاراً في الأشهر المقبلة، لكنه يتوقّع ألا تكون موجة العدوى مماثلة لتلك التي نتجت عن «أوميكرون». السلالة «BA.2.86» يراقب العلماء هذه السلالة لأنها تحمل أكثر من 35 متحوّراً في أجزاء رئيسية من الفيروس، مقارنة بالسلالة «XBB.1.5» التي كانت الأكثر انتشاراً لمعظم عام 2023. وأثارت التغيرات الواضحة، المماثلة للتحوّل الجيني الذي ظهر في سلالة «أوميكرون»، مقارنة بالسلالة السابقة «دلتا»، مخاوف من أنّ السلالة الجديدة قد تُسبّب زيادة كبيرة في الإصابات. من هنا، لا بدّ من التوقّف عند فعالية اللقاحات، ومدى وقايتها من المتحوّرات الجديدة؟ تؤكد دراسات مدير بحوث الفيروسات واللقاحات في مركز «بيث إسرائيل ديكونيس الطبي» ببوسطن، الدكتور دان باروتش، أنّ اللقاحات التي حُدِّثت ستثير استجابات الأجسام المضادة «إلى حد ما» ضد كل السلالات المنتشرة في الوقت الراهن، منها «BA.2.86». أما شركة «موديرنا»، فقالت إنّ بيانات سريرية أظهرت أنّ لقاحها المعدَّل المضاد لمرض «كوفيد-19» تسبّب في توليد ما يقرب من 9 أمثال الأجسام المضادة في أجساد البشر، وهي نسبة يمكنها تحييد السلالة «BA.2.86». بينما أعلنت شركة «فايزر» أنّ نسختها المحدَّثة من اللقاح نجحت في تحييد السلالتين «BA.2.86» و«EG.5» في دراسات أُجريت على الفئران. وتدرس إدارة «الأغذية والعقاقير» الأميركية جرعات اللقاح المعدَّلة ومن المتوقّع أن تُتاح قريباً.
اتجاهات «مقلقة» قبل الشتاء
لم يفت «منظمة الصحة» التنبيه من «اتجاهات مثيرة للقلق» لمرض «كوفيد-19» قبل حلول فصل الشتاء في النصف الشمالي من الكرة الأرضية، داعية إلى زيادة عمليات التطعيم والمراقبة. وقال مديرها تيدروس أدهانوم غيبريسوس: «لا نزال نرى اتجاهات مُقلِقة لـ(كوفيد-19) قبل موسم الشتاء... الوفيات تتزايد في بعض أجزاء الشرق الأوسط وآسيا، كما أنّ حالات دخول وحدات العناية المركزة تتزايد في أوروبا، وتتزايد حالات دخول المستشفيات في مناطق عدّة».وأوضح أنّ 43 دولة فقط، تُبلّغ المنظمة عن الوفيات الناجمة عن «كوفيد» و20 دولة فقط ترسل إليها معلومات بشأن حالات تستدعي دخول المستشفيات. ونقلت «وكالة الصحافة الفرنسية» عن تيدروس تأكيده أنه رغم عدم وجود متحوّرة واحدة مهيمنة للفيروس في جميع أنحاء العالم حالياً، فإنّ المتحوّرة الفرعية من «أوميكرون»، «EG.5» تزداد انتشاراً، مضيفاً: «اكتُشفت أعداد صغيرة من المتحوّرة الفرعية «BA.2.86» الشديدة التحوّر في 11 دولة، ومنظمة الصحة تراقبها لتقييم مدى قابليتها للانتقال وتأثيرها المُحتمل».
وعن اللقاحات، نشر المختبر الأميركي «موديرنا» ما وصفها بـ«النتائج المشجِّعة» للقاحه المحدَّث ضد السلالة الجديدة. وأظهرت التجارب السريرية على البشر أنّ حقن لقاح «موديرنا» أدى إلى زيادة الأجسام المضادة المعادلة ضد المتحورة «أوميكرون» الجديدة «BA.2.86»، قدرها 8,7 أضعاف، وفق الشركة. وقدّم المختبر هذه البيانات إلى وكالة الأدوية الأميركية (FDA) بانتظار الحصول على موافقة لموسم التطعيم المقبل. ووفق دراسات حديثة أجرتها جامعة بكين في الصين ومعهد كارولينسكا في السويد وجامعة هارفارد في الولايات المتحدة، فإنّ اللقاحات الحالية فضلاً عن التلوث السابق بـ«كوفيد-19»، توفر درجة معينة من الحماية ضد السلالة الجديدة.
بدورها، قالت الهيئة المنظمة للأدوية في بريطانيا إنها وافقت على لقاح محدَّث من إنتاج شركة «فايزر» وشريكتها الألمانية «بيونتيك» يهدف فقط إلى مكافحة المتحوّر الجديد من «كوفيد-19» (أوميكرون إكس بي بي.5.1).وأضافت الوكالة التنظيمية للأدوية ومنتجات الرعاية الصحية أنّ اللقاح الذي سيطرح للبيع باسم «كوميرناتي»، مصرَّح باستخدامه للأفراد الذين تبلغ أعمارهم 6 أشهر فأكثر.وتأتي موافقة الوكالة البريطانية على اللقاح بعد اعتماده من الوكالة الأوروبية للأدوية الأسبوع الماضي. وعلى غرار «موديرنا» و«فايزر» و«بيونتيك»، أعلنت شركات أخرى عاملة في تصنيع اللقاحات، مثل «نوفافاكس»، طرح جرعات أحادية التكافؤ من لقاحاتها لمكافحة المتحور «إكس.بي.بي.5.1» فقط.