«تمغوت»... أجبان جزائرية على الطريقة السويسرية من مراعي منطقة القبائل

رشيد إبرسين يقف إلى جانب الجبن الذي يصنعه بنفسه في الجزائر (أ.ف.ب)
رشيد إبرسين يقف إلى جانب الجبن الذي يصنعه بنفسه في الجزائر (أ.ف.ب)
TT

«تمغوت»... أجبان جزائرية على الطريقة السويسرية من مراعي منطقة القبائل

رشيد إبرسين يقف إلى جانب الجبن الذي يصنعه بنفسه في الجزائر (أ.ف.ب)
رشيد إبرسين يقف إلى جانب الجبن الذي يصنعه بنفسه في الجزائر (أ.ف.ب)

مرتدياً مئزراً أبيض وقبعةً على رأسه، ينهمك رشيد إبرسين، في عمله بين أوعية البسترة، إذ عاد هذا المهندس الذي كان يعمل في سويسرا إلى موطنه الجزائر بوظيفة جديدة وغير عادية: منتج أجبان.

«بقارورة غاز بوتان وموقد»، على ما قال بفخر، بدأ إبرسين العمل في ورشته التقليدية قبل عشر سنوات، وسط بستان من أشجار الفاكهة وحقل مخضر، بالقرب من قرية تاماسيت في منطقة القبائل، على بعد 160 كيلومتراً شرق العاصمة الجزائرية.

رشيد إبرسين يلتقط صورة مع عجَلتين من جبنه «تمغوت» (أ.ف.ب)

ولد رشيد إبرسين (57 سنة) في الحراش، الحي الشعبي في الضاحية الجنوبية للعاصمة، ودرس أولاً في معهد المحروقات في بومرداس على بعد 50 كيلومتراً إلى الشرق من الجزائر.

وبعد حصوله على الشهادة، كافح للعثور على وظيفة تتوافق مع مؤهلاته ولكن من دون جدوى، فسعى للحصول على عمل في إيطاليا في مجال السينما، المختلف تماماً عن تخصصه في الهندسة الصناعية.

وروى إبرسين لوكالة الصحافة الفرنسية: «جربت مهنة مخرج أفلام في روما في أوائل التسعينات لكنني استسلمت سريعاً، كانت السينما الإيطالية في ذلك الوقت في حال تدهور».

ثم انتقل للعيش في سويسرا حيث مكث 16 عاماً. وبعد تدريب في مجال الميديا والوسائط المتعددة، حصل على وظيفة مستشار في تكنولوجيا المعلومات، متخصص في الفيديو الرقمي، براتب مريح.

واستحضر المهندس رشيد إبرسين المكان: «هنا ولد مشروع صناعة الأجبان. فللهروب من ضغط العمل كنت أتنقل خلال عطلات نهاية الأسبوع، إلى شاليهات في الجبال حيث مساحات الرعي في منطقة غرويير (بالقرب من فريبورغ) حيث توجد العديد من مصانع الأجبان».

وأضاف: «الحليب الجزائري أكثر تنوعاً كما أنه عضوي نظراً لأن المزارع أصغر حجماً. في سويسرا، لا نجد مربّين لديهم بقرتان أو ثلاث بقرات، لذا فإن الجبن لدينا يتمتع بمذاق خاص».

الجزائري رشيد إبرسين خلال صناعته جبن «تمغوت» (أ.ف.ب)

محبوب السفارات

و«منذ ذلك الحين، أعيد استثمار الأرباح بشكل منهجي لتطوير مصنع الجبن» كما أكد إبرسين، الذي يقضي أيامه مع خمسة عمال، يتفقد الأقبية حيث يتم تخزين الجبن في شكل عجلات، يجب فركها وقلبها وتدويرها بانتظام.

وأوضح أن «مدة نضج جبن تمغوت (الذي ينتجه) تتراوح من شهر إلى عامين حسب ذوق الزبائن»، لذلك فهو بنظره جبن «جزائري خالص» بطعم خليط بين جبنة غرويير السويسرية، وجبنة غودا الهولندية.

في غضون سنوات قليلة، أصبح رشيد إبرسين و جبنه «تمغوت» (التسمية نسبة لقمة جبلية في تيزي وزو)، محبوب السفارات الغربية في الجزائر، بحيث زاره ما لا يقل عن أحد عشر وفداً دبلوماسياً منذ 2012 لتذوق منتوجه.

وقال مفتخراً بمنتوجه: «جبننا يصنع من حليب البقر النيء، دون أي إضافات غذائية كما لا تتم معالجته. ونستخدم خميرة لبنية طبيعية».

ويصل المصنع ما بين 700 و 1000 لتر من حليب البقر يومياً، مما يسمح له بإنتاج ما يقرب من 50 كيلوغراماً من الجبن يومياً.

رشيد إبرسين يشرف على عملية صنع جبن «تمغوت» بنفسه (أ.ف.ب)

في البداية، تم بيع «تمغوت» - الذي تم وسمه بعبارة «فكرة سويسرية، جبن جزائري» - في محال السوبر ماركت لكن مشاكل في الدفع أجبرت رشيد إبرسين على وقف عمليات التوزيع.

من الآن فصاعداً، يتوفر فقط في متاجر المنتجات المحلية أو في محال البقالة الخاصة بالأطعمة الممتازة.

ويفكر رشيد إبرسين، الفخور بصنع جبن «طبيعي 100في المائة»، إنتاج جبن أخرى بمزايا علاجية. والفكرة هي «تطوير أجبان عالية الجودة يمكنها علاج أمراض معينة مثل التهاب الأمعاء».

وابتداءً من سنة 2018 بدأ المشروع في تحقيق أرباح لأن المنتج المحلي، استفاد من انخفاض الواردات، مما سمح له بإيجاد مكان له في السوق الجزائرية.

ورغم ذلك، فإن الدافع ليس المال والأرباح كما قال: «لأني عشت حياة أفضل في سويسرا كمستشار في تكنولوجيا المعلومات بمتوسط راتب شهري قدره 7 آلاف يورو».

وبعد النجاح في الجزائر، تلقى إبرسين دعوات من قبل دول أخرى في المنطقة، موضحاً أنه يعمل على «مشروعين استشاريين في ليبيا وقطر لإنشاء مصانع جبن وفق المعايير نفسها».

ولا يخطط حالياً لتصدير جبنه إلى الخارج، على اعتبار أنه في الحقيقة «وصل حتى الآن إلى 22 دولة»، فالزبائن الذين يزورون المنطقة «يشترون مباشرة من هنا».

ومع ذلك، فإن جبنه موجود في الخارج بفضل بعض الزبائن، كهذا الذي سافر إلى نيويورك منتصف يونيو (حزيران)، ومعه عجلة جبن كاملة. وقال: «طلبت من الزبون أن يرسل لي صورة من هناك. إنه مصدر فخر لأننا بدأنا من لا شيء».


مقالات ذات صلة

نظام غذائي يحسّن الذاكرة ويقلل خطر الإصابة بالخرف

صحتك امرأة تشتري الخضراوات في إحدى الأسواق في هانوي بفيتنام (إ.ب.أ)

نظام غذائي يحسّن الذاكرة ويقلل خطر الإصابة بالخرف

أصبحت فوائد اتباع النظام الغذائي المتوسطي معروفة جيداً، وتضيف دراسة جديدة أدلة أساسية على أن تناول الطعام الطازج وزيت الزيتون يدعم صحة الدماغ.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك خبراء يحذرون بأن الناس غالباً ما يختارون جودة الطعام على الكمية وهو ما قد لا يكون كافياً من الناحية التغذوية (رويترز)

دراسة: «الهوس بالأطعمة الصحية» قد يسبب اضطرابات الأكل والأمراض العقلية

حذر خبراء بأن «الهوس بالأكل الصحي» قد يؤدي إلى الإدمان واضطرابات الأكل.

«الشرق الأوسط» (بودابست)
يوميات الشرق ألمانيا تشهد بيع أكثر من مليار شطيرة «دونر كباب» كل عام مما يجعل الوجبات السريعة أكثر شعبية من تلك المحلية (رويترز)

«الدونر الكباب» يشعل حرباً بين تركيا وألمانيا... ما القصة؟

قد تؤدي محاولة تركيا تأمين الحماية القانونية للشاورما الأصلية إلى التأثير على مستقبل الوجبات السريعة المفضلة في ألمانيا.

«الشرق الأوسط» (أنقرة- برلين)
صحتك تناول وجبة إفطار متوازنة ودسمة يساعد على إدارة السعرات الحرارية اليومية (رويترز)

تخطي وجبة الإفطار في الخمسينات من العمر قد يسبب زيادة الوزن

أظهرت دراسة حديثة أن تخطي وجبة الإفطار في منتصف العمر قد يجعلك أكثر بدانةً، ويؤثر سلباً على صحتك، وفقاً لصحيفة «التليغراف».

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق رهاب الموز قد يسبب أعراضاً خطيرة مثل القلق والغثيان (رويترز)

وزيرة سويدية تعاني «رهاب الموز»... وموظفوها يفحصون خلو الغرف من الفاكهة

كشفت تقارير أن رهاب وزيرة سويدية من الموز دفع المسؤولين إلى الإصرار على أن تكون الغرف خالية من الفاكهة قبل أي اجتماع أو زيارة.

«الشرق الأوسط» (ستوكهولم)

احتفالية كبرى لاستعادة أغاني أم كلثوم في باريس

أكثر من فعالية تحتفي بذكرى أم كلثوم (مشروع القاهرة عنواني)
أكثر من فعالية تحتفي بذكرى أم كلثوم (مشروع القاهرة عنواني)
TT

احتفالية كبرى لاستعادة أغاني أم كلثوم في باريس

أكثر من فعالية تحتفي بذكرى أم كلثوم (مشروع القاهرة عنواني)
أكثر من فعالية تحتفي بذكرى أم كلثوم (مشروع القاهرة عنواني)

أعلن مسرح فيلهارموني دي باريس، الذي يُعدّ أشهر المسارح في العاصمة الفرنسية، عن استضافة حفل غنائي كبير لاستعادة أغاني «كوكب الشرق» أم كلثوم في الذكرى الخمسين لرحيلها.

وأكدت دار الأوبرا المصرية مشاركتها في هذه الاحتفالية الفنية الضخمة التي تم الإعلان عن نفاد بطاقات حجزها بإجمالي مقاعد 2400، وفتح قائمة الانتظار لمن يرغبون في مشاهدة الحفل.

وقالت رئيسة دار الأوبرا المصرية، الدكتورة لمياء زايد، إن هذا الإقبال الكبير على الحفل المقرر بداية فبراير (شباط) المقبل يعكس قيمة الإبداع المصري والعربي عالمياً باعتباره أحد العناصر المهمة في التراث الإنساني، مؤكدة في بيان، الجمعة، أن هذه الاحتفالية «جاءت تعبيراً عن المكانة الحضارية الرائدة والمميزة التي تتمتع بها مصر دولياً»، مؤكدة أن المسرح الذي سيشهد الاحتفالية يُعد من أجمل مسارح العالم.

استعادة ذكرى أم كلثوم باحتفالية كبرى (مشروع القاهرة عنواني)

وعدّ الناقد الفني المصري محمد عبد الرحمن «هذه الاحتفالية ضمن سلسلة فعاليات تقام في عدة دول بمناسبة الذكرى الخمسين لرحيل أم كلثوم، وهو حدث يستحق كل احتفاء لأن أم كلثوم من الشخصيات النادرة في تاريخ الفن العربي».

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «أعتقد أن هذا الاحتفاء يتزامن مع الاستعداد لاحقاً لعرض فيلم (الست) إنتاج صندوق (بيج تايم) تحت إشراف المستشار تركي آل الشيخ، وهذه الاحتفالات تتسق مع المكانة الكبيرة التي تمتلكها أم كلثوم والتي لم تزعزعها 5 عقود من الرحيل».

لافتاً إلى أن «إقامة هذه الاحتفالية في فرنسا تحديداً تذكرنا بحفل أم كلثوم في باريس خلال الستينات، الذي كشف عن مدى جماهيريتها في أوروبا، وكان هذا الحفل موجهاً لدعم المجهود الحربي في مصر».

وتقام الاحتفالية في باريس مطلع فبراير المقبل، ويحييها أوركسترا الموسيقى العربية بقيادة المايسترو الدكتور علاء عبد السلام وتشارك فيها نجمتا الأوبرا رحاب عمر وإيمان عبد الغني.

ويرى الناقد الموسيقي المصري أحمد السماحي أن «هذه الاحتفالية تؤكد أن أم كلثوم ما زالت تمثل أسطورة فنية، رغم مرور 50 عاماً على رحيلها، فما زالت أشهر شخصية فنية في العالم العربي كله ورحيلها لم يزدها إلا بريقاً وتوهجاً».

وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «أم كلثوم قدمت فناً صادقاً مليئاً بالأصالة ويحمل بذرة الخلود، والدليل على ذلك أن أعمالها ما زالت حتى يومنا الحالي حية بيننا وملء السمع والبصر».

وولدت أم كلثوم، واسمها الحقيقي فاطمة البلتاجي، عام 1898 في محافظة الدقهلية (دلتا مصر)، وانتقلت إلى القاهرة في عشرينات القرن الماضي، وبدأت مشوارها الفني مع الشيخين أبو العلا محمد وزكريا أحمد، ثم تعرفت على الموسيقار محمد القصبجي، ومن ثَم محمد عبد الوهاب، وقدمت أغاني من أعمال كبار الملحنين والشعراء في عصرها. ومن أعمالها «الأطلال»، و«مصر تتحدث عن نفسها» و«ثورة الشك»، و«الحب كله» و«أنت عمري» و«رباعيات الخيام». كما قدمت عدة أفلام غنائية للسينما المصرية في عقدي الثلاثينات والأربعينات من القرن الماضي.