رفيق علي أحمد لـ«الشرق الأوسط»: لأنني ابن الخشبة أرفضُ مشاهدة مسلسلاتي

«المسرحيّ» في داخله يُطلق صرخة العودة

رفيق علي أحمد في إحدى مسرحياته («فيسبوك»)
رفيق علي أحمد في إحدى مسرحياته («فيسبوك»)
TT

رفيق علي أحمد لـ«الشرق الأوسط»: لأنني ابن الخشبة أرفضُ مشاهدة مسلسلاتي

رفيق علي أحمد في إحدى مسرحياته («فيسبوك»)
رفيق علي أحمد في إحدى مسرحياته («فيسبوك»)

يفسد رفيق علي أحمد ترتيب الأسئلة وما افترضنا افتتاح الحديث به: دور «إبراهيم مطر» في مسلسل «الثمن». يكفي أن نقول، «كيف حال رجل المسرح المتواري؟»، ليعترض: «حتى في عزّ (الكوفيد)، قرأتُ جبران خليل جبران في بعلبك. لم أغِب. تسطو الظروف وتداعياتها النفسية، لكنّ شيئاً في داخلي يظلّ يُنادي: (عُد يا رفيق إلى المسرح). أجدني أستجيب وأستعدّ».

من كونه «حرفياً» (يستعمل «L’Artisan» بالفرنسية لمزيد من الدقة)، يُذكّر بأنه «غير مُنظّم» ومن عادته خلط الأفكار وإخضاع الحديث لتعديل المسار. يُباشر كلامه مع «الشرق الأوسط» من حيث يحلو له: «تلك البدايات التي أدرك فيها أنّ التمثيل متعة العمر».

شغفته عتمة الكواليس وانسياب الضوء إليه وهو يجلس في زوايا المسرح. يقول: «لم أُرد شهرة ولا ثروة. أردتُ خبزي كفاف يومي وأنا أشهد على سعادتي وسط انفلاش النور رغم الظلمة. أتت الأهوال اللبنانية وفرضت واقعاً آخر يقهر ويُحبط».

عتيق رفيق علي أحمد، تصنعه التجارب. في «الثمن» (أنهى «شاهد» عرضه مؤخراً)، قدّم حال التناقض الإنساني: الرأفة بعد القسوة، والتحمّل بعد نفاد الصبر. يُغريه تعدّد طبقات الشخصية وقدرتها على التأثير. يتدخّل في بنائها بالتعاون مع المخرج، فيؤكد: «لا أهرع خلف أدوار لرغبتي في البقاء على الشاشة. بين ثلاثة عروض، أختار شخصية واحدة تشكل اختزالاً نفسياً واجتماعياً، ونوعاً ما ثقافياً، لواقع قائم. أتدخّل في تركيبتها من أجل اكتمالها الدرامي. في العموم، أنا ممتنّ. خلاصة الأدوار تجعلني أقول الحمد لله».

مواقع التواصل تكرّس جهل الجمهور وتُحوّله إلى مستهلك. أدهشتنا الدراما السورية بجرأتها. اليوم، تكاد تسيطر رغبة جماعية تُسكت الواقعية والجرأة. 

رفيق علي أحمد

ولكن، هل الأصداء هي معيار الإشباع الفني؟ «الثمن» صنع حالة جماهيرية، مع ذلك، أُصيب بآراء قاسية. يردّ: «النجاح معيار أول. تنجح الأعمال حين تلامس المُشاهد وتوقظ انفعالاته. المعضلة أنّ الجوانب الثقافية تتبخّر، ولم تعد مُمثَّلة سوى بالمسلسلات، فباتت وحدها تحاكي الجوّ الأسري وعلاقات الحب والخيبة. سيدة قالت لي بعد نهاية (الثمن): (شعرتُ كأنني فرد من العائلة. الآن، يعمّ الفراغ. أين الشخصيات التي نمضي معها أوقاتنا؟). هذا نجاح أيضاً».

يرى النقد حيال أي عمل فني مسألة سليمة: «بات المُشاهد بارعاً في المراقبة. كثرٌ قالوا: (العمل جيد، إنما...). هذه الـ(إنما) هي دليل على ثقافة الجمهور التلفزيونية. للناس حق إبداء الرأي. ثم، هل ثمة أي مسلسل من دون أخطاء وعلى إيقاع تصاعدي واحد؟ صديقي زار الصين، فأرسل إليّ صورة لـ(الثمن) مترجماً إلى الصينية. سُررت».

 

تتغيّر نبرته وهو يعترف بأنه لا يشاهد مسلسلاته، باستثناء مقاطع تنتشر في مواقع التواصل فتأتي بها زوجته إليه. هل هذه «المقاطعة» شكل من أشكال الغصّة؟ كأنك تعترض لتُهدّئ الحسرات؟ جوابه: «مرَّ العمر على المسرح، فأعجز حيال مشاهدة حضوري التلفزيوني الموازي. رأسي يلحّ: (هيا عُد!). المسرحي في داخلي يُطلق صرخات مدوّية. يبدو ألا مفرّ من الاستجابة».

 

يتوقف عند مزاج عام يقصد المسارح للهو: «من فرط الضغوط، باتت المسرحية مقصداً لفشّة الخلق، فيتراجع المسرح الدرامي وحبكة الكوميديا السوداء. بدأتُ الكتابة والتحضيرات لمسرحية تعيدني إلى الناس أمامي. الجسد والصوت يختزلان أدواتي، وهما هبة من الله. استمالني المسرح لإحساسي بأنه الفضاء الحرّ. التلفزيون أقل حرية يخضع للرقابة ويفرض على المنتج والمُعلِن صناعة تركيبة تُباع في السوق».

 

إذن، ألم يجرفك التلفزيون ويُلقيك في أسره؟ ينفي: «من أموال المسلسلات، أنتجتُ مسرحياتي. أحاول الإبقاء على التوازن بين الاثنين. بعض الممثلين يقدّمون دورين في السنة. بالنسبة إليّ، دور واحد مدروس يكفي. يدرك المنتجون أنّ (كلمتي كلمة)، فأوافق على عرض أو أرفضه من دون المجاهرة بالرفض. خياراتي تشبهني، تتيح لي الاستمرار المتوازن».

 

يتحدّث عن «انقطاع تواصل عالمي في المجال الثقافي»، ويذهب بعيداً في الكلام عن «شرّ الإنسان» ونزعته العدائية تجاه الطبيعة وعدم اكتراثه بذوبان الجليد بفعل الاحتباس الحراري. يتابع: «في زمن ماضٍ، حمل أعلامٌ، على مستويات الأدب والفكر والفن والثقافة، الهمّ الإنساني والوطني والاجتماعي. المجتمع الراهن استهلاكي. ومواقع التواصل تكرّس جهل الجمهور وتُحوّله إلى مستهلك. أدهشتنا الدراما السورية بجرأتها. اليوم، تكاد تسيطر رغبة جماعية تُسكت الواقعية والجرأة. عوض أفكار الكتّاب والشعراء والفلاسفة، يصبح المرجعية (غوغل) ومواقع التواصل. هذا الانقطاع الثقافي، الذي أتحدث عنه والمؤلم أننا نرى مشجعين له».

يعود إلى كونه «حرفياً»، يعاند التنظيم، للإجابة عن سؤال: متى العرض المسرحي؟ وهل لنا باسم المسرحية؟ «لستُ مؤسَّسة، ولا مؤسَّسة تدعمني. لا أملك جواباً عن سؤال يتعلق بالزمان والوقت. أعمل مثل خباز، فأخبز عجينتي ومتى اختمرت أصعد إلى المسرح. يقولون لي: (عليك الحجز قبل مدّة). لا أكترث لكل هذا».

أمام بحر بيروت، وفي المقهى الذي يعدّه حديقته الجميلة منذ عقود، يجلس رفيق علي أحمد شارداً في المدى، مُذعناً لنسائم تعبُر رغم حرّ الصيف. هناك، يكتب ويُجري تمارين مسرحية ويراجع النصوص. على وَقْع صَفْع الموج القريب، يتخيّل الديكور والسينوغرافيا والإخراج. في رأسه أحلام بعضها لم يكتمل. الواقع اللبناني مقبرة أمنيات.


مقالات ذات صلة

الفنانة الوحيدة في مهرجان الدمام المسرحي حصلت على جائزة «أفضل ممثلة»

ثقافة وفنون الفائزون والمنظمون والمحّكمون في ختام ملتقى الدمام المسرحي لـ«المونودراما» و«الديودراما» (الشرق الأوسط)

الفنانة الوحيدة في مهرجان الدمام المسرحي حصلت على جائزة «أفضل ممثلة»

حصلت الممثلة غيداء سلام، على جائزة أفضل ممثلة في ملتقى الدمام المسرحي لـ«المونودراما» و«الديودراما» في نسخته الخامسة، التي اختُتمت مساء أمس السبت، وذلك عن…

«الشرق الأوسط» (الدمام)
الوتر السادس ترفض إجراء جراحة لخفض وزنها ({الشرق الأوسط})

ويزو لـ«الشرق الأوسط»: لا أفضل تصدر البطولة راهناً

عدّت الممثلة المصرية دينا محسن الشهيرة بـ«ويزو»، إحدى نجمات «مسرح مصر»، فيلم «اللعب مع العيال» «أهم فيلم في حياتها»

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق «قليل البخت»... رؤية عصرية لـ«ألف ليلة وليلة»

«قليل البخت»... رؤية عصرية لـ«ألف ليلة وليلة»

باسكتشات مسرحية تستلهم أجواء «ألف ليلة وليلة» وتمزج بين الحكي والغناء الشعبي، جذبت مسرحية «قليل البخت» اهتمام جمهور مركز الإبداع.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق العرض يجمع بين الغناء والاستعراضات (مخرج العرض)

«عامل قلق»... كوميديا استعراضية تطرح «وصفة مثالية» للسعادة

أين تكمن السعادة؟ ينطلق العرض المسرحي «عامل قلق» من هذا السؤال ليطرح ما يمكن وصفها بـ«وصفة مثالية»، في إطار من الكوميديا الاستعراضية.

رشا أحمد (القاهرة )
ثقافة وفنون كتاب يوثق المرحلة المبكرة للمسرح الإماراتي

كتاب يوثق المرحلة المبكرة للمسرح الإماراتي

صدر للباحث والكاتب ظافر جلود كتاب بعنوان «رواد المسرح الإماراتي»، عن دار العنوان للطباعة والتوزيع، وهو يتناول، في الجزء الأول منه، سيرة الفنان محمد الجناحي.

«الشرق الأوسط» (دبي)

الذكاء الاصطناعي يُظهر نمط حياة السعوديين في الثمانينات

صورة عروس الثمانينات من أكثر الصور الرائجة لهديل استُلهمت من صورة حقيقية لوالدتها (الشرق الأوسط)
صورة عروس الثمانينات من أكثر الصور الرائجة لهديل استُلهمت من صورة حقيقية لوالدتها (الشرق الأوسط)
TT

الذكاء الاصطناعي يُظهر نمط حياة السعوديين في الثمانينات

صورة عروس الثمانينات من أكثر الصور الرائجة لهديل استُلهمت من صورة حقيقية لوالدتها (الشرق الأوسط)
صورة عروس الثمانينات من أكثر الصور الرائجة لهديل استُلهمت من صورة حقيقية لوالدتها (الشرق الأوسط)

كيف يبدو نمط الحياة في بيوت السعوديين قبل 4 عقود؟ سؤال تحاول الإجابة عنه أعمال المصورة السعودية هديل محمد، التي وظّفت الذكاء الاصطناعي في صور تحاكي فترة الثمانينات وبداية التسعينات من القرن الماضي بدقة عالية، مما جعل أعمالها تلقى رواجاً كبيراً على منصات التواصل الاجتماعي، وتصل مشاهداتها لعدة ملايين، كما تقول، بسبب ما تحمله صورها من تفاصيل حياتيّة تلاشى الكثير منها في الوقت الحاضر.

تتحدث هديل لـ«الشرق الأوسط» عن قصتها، قائلة: «بدأ الأمر في اجتماع عائلي كان أهلي خلاله يتصفحون صورهم القديمة التي تعود لفترة الثمانينات، وشدني جمال هذه الصور بكل ما تحويه من تفاصيل لافتة خاصة في الأزياء وطرق تصفيف الشعر وديكور المنازل، وكذلك أجواء الأعراس والمناسبات في تلك الفترة، وهذا ما ألهمني للبدء في استخدام الذكاء الاصطناعي لإيصال الأحاسيس والذكريات المرتبطة بذلك الزمن».

وأرجعت السبب في غياب هذه النوعية من الصور، إلى طبيعة ثقافة المجتمع السعودي التي كانت تتحفظ على الصور الخاصة ولا تشاركها أو تعرضها للآخرين، مضيفة: «حاولت أن أجعل كل صورة صنعتها تعكس تجربة معينة». وأشارت إلى إحدى الصور التي نفذتها لعروس في يوم زفافها من فترة الثمانينات، والتي تقول عنها: «هذه الصورة عكست من خلالها صورة حقيقية لوالدتي في يوم زواجها، حيث تأثرت حينها بجمال فستانها وتسريحة شعرها والتاج الذي تم وضعه فوق رأسها، وكان تقليداً دارجاً آنذاك... حيث حاولت إيصال هذه التفاصيل، ولحسن الحظ لقيت هذه الصورة رواجاً كبيراً، لم أكن أتوقعه».

تظهر أعمال المصورة هديل محمد أناقة السعوديات في فترة الثمانينات (الشرق الأوسط)

ملامح الثمانينات

وما يبدو لافتاً هو أن هديل لم تعش في تلك الفترة فعلياً؛ إذ كشفت أنها عاشت طفولتها في فترة التسعينات، ما يعني أنها لم تدرك تفاصيل عقد الثمانينات الذي تركز عليه اليوم في أعمالها، لكنها أكدت أن كل ذلك استلهمته من ألبومات الصور الخاصة بعائلتها. وبسؤالها عن أكثر ما شدها لتلك الفترة، تجيب: «في الثمانينات كانت هناك فخامة واضحة في نمط الحياة، ومعظم الأشياء مستوردة من الدول الأوروبية، ولم تكن هناك منتجات مقلّدة أو رديئة، وكذلك كانت هناك بساطة واضحة، وعدم تكلّف».

صورة تحاكي ديكور منازل السعوديين قبل أربعة عقود حيث كان يميل للطابع الكلاسيكي (الشرق الأوسط)

وتتابع: «في الثمانينات كان هناك ترابط أسري كبير مقارنة بالوقت الحالي، حيث المناسبات الاجتماعية والروابط العائلية تظهر في صور تلك الفترة، خاصة في الاحتفالات والمناسبات، مما أثّر بدوره عليّ، وحاولت عكسه في أعمالي، علماً أن كثيراً من أبناء الجيل الجديد لم يعش هذه التفاصيل العائلية بنفس النمط السائد في تلك الفترة».

البحث عن المعنى

ولا يقتصر الأمر على الصور فقط، بل يمتد إلى الأغاني القديمة التي تربطها هديل مع الصور في عدة مقاطع، موضحة أنها اختارت أغنيات تذكرها بطفولتها وتلك التي كانت تسمعها والدتها ونساء عائلتها، مضيفة: «حاولت أن أدمجها مع الصور كي أنقل التجربة بشكل كامل»، لافتة إلى أن كثيراً من متابعيها هم من المهتمين بالديكور والأزياء، ممن يحاولون الاستلهام من تفاصيل الثمانينات الثريّة بصرياً.

نمط المناسبات الاجتماعية في الماضي يُلهم المصورة هديل محمد (الشرق الأوسط)

وفيما يتعلق بتفاعل الناس مع أعمالها، تقول هديل: «هذه الصور ليست مجرّدة، بل تتضمن معنى وأحاسيس، وهو ما ألمسه من خلال التعليقات التي تصل إليّ ممن عاشوا في عقدَي الثمانينات والتسعينات، وهذا جعل صفحاتي تتحوّل إلى ما يشبه التجمّع لمعاصري تلك الحقبة، يتفاعلون فيها مع تلك الأعمال، ولا يقتصر الأمر على السعودية فقط، فهناك متابعون من الخليج ومصر ولبنان والمغرب وغيرها من الدول».

الذكاء الاصطناعي

هديل محمد الحاصلة على شهادة في التصوير الفوتوغرافي من لندن ولديها مهارة عالية في تحرير الصور، تؤكد أن هذا ساعدها كثيراً في الاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي، وتضيف: «أحب الصور، وأحب أن أرى الجمال في كل شيء، وأقدر الفن كثيراً». وتتابع: «تصل إليّ تعليقات ترى أن صوري ذات دقة عالية إلى درجة صعوبة التأكد مما إذا كانت حقيقية أم لا، وهذا بالطبع نتيجة المجهود الكبير الذي أبذله على الصور، فالذكاء الاصطناعي لا تتجاوز نسبته 50 في المائة من أعمالي، والبقية هي أمور أعدلها بالصور، إلى أن أصل لنتيجة مُرضية».

تحاول صور هديل محاكاة الأزياء البراقة التي راجت في الثمانينات (الشرق الأوسط)

في ختام حديثها تكشف هديل أنها حين بدأت نشر أعمالها في منصات التواصل الاجتماعي في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حرصت على دمج الصور مع التكنولوجيا، بطريقة تعكس أفكارها ومشاعرها وتجاربها التي تحاول إيصالها للمشاهدين، لخلق حالة من التواصل الفني، ترغب أن تلمسه في تفاعلهم مع هذه الصور.