الفنجان في وجدان السعوديين ليس مجرد أداة لتناول القهوة، بل هو جزء من الموروث بكل ما يحمله من عادات وطقوس ونقوش لافتة، وهو ما تفطّن إليه الفنان السعودي فيصل عبد اللطيف، ليترجم ذلك في أعمال رقمية «ديجيتال آرت» يقدمها حالياً في معرضه الفردي الأول «فنجان»، المقام في مركز المدينة للفنون بالمدينة المنورة.
يتحدث فيصل عبد اللطيف لـ«الشرق الأوسط» عن قصة ذلك قائلاً: «الفنجان هو شيء أصيل وله إرث غني في عاداتنا وتقاليدنا وذكرياتنا، ومن هنا جاءت فكرة المعرض، الذي كنت أتساءل فيه عن خصوصية الفنجان ومدى القدرة على إخراجه بشكل فني جديد، ومن هذه الشرارة شكّلت 11 لوحة في المعرض، ضمن 5 أعمال رئيسية».
دلالات القهوة الـ4
يشير الفنان إلى أن أول عمل في المعرض، الذي يتضمن 4 لوحات تتحدث عن عادات استخدام الفنجان في الثقافة السعودية، يسلط الضوء على دلالات فناجين القهوة الـ4، فالأول فنجان (الهيف) حين يتذوق صانع القهوة مذاقها، والثاني فنجان (الضيف) الذي يُصب للترحيب بالضيف ويشربه من باب المجاملة، والثالث فنجان (الكيف) حين تروق القهوة للضيف، والأخير فنجان (السيف) حين يشربه الضيف يكون على أهبة الاستعداد للمشاركة في الحرب، ما يعني أنه معهم على الحلوة والمرّة، للتعبير عن دلالة فنجان القهوة في توثيق العلاقات.
ورغم عمق هذه المضامين المرتبطة بالموروث الثقافي، فإن فيصل عبد اللطيف حاول التعبير عنها بسلاسة، قائلاً: «تجسّدت هذه المضامين في 4 لوحات شكّلت في مجملها عملاً واحداً باستخدام تقنيات الديجيتال آرت؛ حيث ميّزت الفنجان في كل لوحة بلون أحمر في مستوى معين وفي زاوية محددة».
«تفرّد»
وفي عمل آخر في المعرض سمّاه الفنان «تفرّد»، أظهر فنجان القهوة بطريقة 3D بحيث يبدو خلف الفنجان الواحد طقماً من الفناجين المصفوفة وفق النمط المقلوب، وبسؤاله عن فكرة ذلك يقول: «رغم شكل الفنجان وانحناءاته المتعارف عليها فإننا لا نستطيع استخدامه إلا في القهوة، فمن المستحيل أن نشرب به الشاي أو العصير أو الماء ونحوه، وهنا يكمن تفرّده».
ويشير فيصل إلى أن أعمال المعرض ظلت متراكمة لديه لمدة تقارب العامين، ما بين الفكرة والاسكتش والتنفيذ؛ حيث تطلب الأمر وقتاً طويلاً لاختزال كل هذه المعاني في قالب فني حديث، مبيناً أنه استند كثيراً إلى ذكرياته مع فنجان القهوة، باعتبار أن عادات ومناسبات تناوله تشغل حيزاً كبيراً في ذاكرة معظم السعوديين.
موروث غني
بالسؤال عن حضور الموروث الشعبي في الفن الرقمي، يقول فيصل عبد اللطيف: «لدينا موروث غني وخصب وممتلئ بالكنوز، لكننا مع الأسف لم نستغله بالطريقة الأنسب، مع توسع الأدوات الرقمية الضخمة التي تقدم منتجات فنية كبيرة من حول العالم، إلا أننا في معظم الأحيان نأخذ هذه الأدوات بثقافتها المرتبطة بها، بينما لدينا ثقافة قوية نستطيع تجسيدها بالفنون الرقمية».
وأشار الفنان إلى أن معرض «فنجان» لم تكن فيه نقطة حبر واحدة عدا في الطباعة فقط؛ حيث إن جميع الأعمال والاسكتشات واللمسات النهائية لها تمت عبر التقنيات الحديثة، وهنا يقول: «يبدو التحدي في كيفية وضع كل ذلك بطريقة سلسة ومن دون تطويع مُفتعل للتقنية، كي لا تظهر الأعمال بشكل مُبالغ فيه».
يستقبل المعرض زواره بالتساؤل التالي: «الفنجان هو إرث غني بالعادات والتقاليد، ينقل لنا ثقافة الكرم والضيافة التي توارثتها الأجيال، ليكون أساس اليوم في جميع المناسبات والمحافل.. فماذا لو حضر في صالات الفنون؟». إذ يحاول الفنان فيصل عبد اللطيف الإجابة عن هذا السؤال في فنون مبتكرة داخل المعرض الذي يستمر إلى نهاية شهر يونيو (حزيران) الجاري.