معرض «المدار»... وصلُ مقتنيات الفنون الإسلامية بروابطها الزمكانية

ترسيخ دور السعودية بالامتداد التاريخي لهذه الكنوز

سجادة أثرية تتوسط العرض في قاعة «المدار» (واس)
سجادة أثرية تتوسط العرض في قاعة «المدار» (واس)
TT

معرض «المدار»... وصلُ مقتنيات الفنون الإسلامية بروابطها الزمكانية

سجادة أثرية تتوسط العرض في قاعة «المدار» (واس)
سجادة أثرية تتوسط العرض في قاعة «المدار» (واس)

جذب جناح «المدار»، الذي أقيم ضمن «بينالي الفنون الإسلامية» بجدة، والذي اختتم فعالياته الشهر الماضي، اهتمام الزوار بما ضمَّه من قِطع أثرية وفنية نادرة مستمدة من مجموعات خاصة ومقتنيات متاحف عربية وعالمية. وضمَّت القاعة أكثر من 260 عملاً وقطعة فنية وأثرية مثَّلت احتفاء بماضي الفنون الإسلامية وحاضرها، بما يحاكي فكرة الإيمان والمعرفة، والرحلة الزمنية للقطع، والمؤسّسات والشخصيات خلف تأسيسها والاحتفاظ بتلك الكنوز.

منبر أثري من بين المعروضات (واس)

وأقيم «المدار» تحت رعاية وزارة الثقافة، ومؤسسة «بينالي الدرعية»، ومن المقرّر تنظيمه بشكل دائم ومصاحب لجميع الدورات المقبلة من «بينالي الفنون الإسلامية»، التي ستسعى إلى استقطاب مؤسّسات وأفراد جدد من العالم في كل دورة.

ألقى المعرض الضوء على قِطع ومقتنيات ثمينة اختزلت مدى تأثير الفنون الإسلامية في مشهد التعبير الفني العالمي، عُرض عدد منها للجمهور، للمرة الأولى؛ علماً بأنه استوحى أفكاره من اسمه، فدارت معروضاته في مدار متّسق عَكَس، بشكل تصويري، تعزيز تطوير الفنون الإسلامية والارتقاء بمكانتها.

في هذا السياق، رأى مساعد وزير الثقافة ونائب رئيس مجلس أمناء «مؤسسة بينالي الدرعية» راكان بن إبراهيم الطوق، أن المعرض «مثّل حجر الأساس للإرث الذي نسعى إلى تأسيسه لكل من (بينالي الفنون الإسلامية)، و(مؤسسة بينالي الدرعية)، في إطار تركيز وزير الثقافة الأمير بدر بن فرحان، وضمن مهمتنا الأساسية، للارتقاء بالذائقة الفنية، وترسيخ دور المملكة العربية السعودية في جمع مختلف الأصوات ووجهات النظر العالمية حول الفنون الإسلامية».

بدورها، شدّدت الرئيسة التنفيذية لـ«مؤسسة بينالي الدرعية» آية البكري، على الحرص على أن يقدّم المعرض للزوار «تجربة زمكانية تنتقل بهم عبر الأزمان والمناطق الجغرافية التي كان لها تأثير واضح في تطور الفنون الإسلامية»، مؤكدة التطلع إلى «تعزيز التعاون ورفع مستوى الوعي باتساع نطاق الفنون الإسلامية وامتدادها التاريخي».

جانب من معروضات قاعة «المدار» (واس)

وتصدَّر مشهد المعرض، في نسخته الأولى، أكثر من 100 قطعة من مقتنيات مجموعة آل الصباح الكويتية، و«دار الآثار الإسلامية»؛ تكريماً لمؤسّسها الراحل الشيخ ناصر الصباح، أحد أبرز روّاد عالم جمع الفنون الإسلامية، مما أتاح للزوار فرصة تأمل قطع أثرية تعكس امتداد الحضارة الإسلامية، بدءاً من الأمويين، وانتهاء بالمغول.

وشملت مقتنيات آل الصباح صحيفة مزدوجة من مخطوطة قرآنية من زمن العباسيين، إلى خنجر وغمد تقليدي من زمن ملوك المغول، وقطع شطرنج من الدولة العباسية منحوتة من الكريستال الصخري، وغيرها.

قِطع شطرنج من الدولة العباسية منحوتة من الكريستال الصخري (الشرق الأوسط)

وأدخل المعرض زواره في رحلة نحو فضاءات عالمية أرحب، بدأت بمخطوطات عتيقة من «معهد أحمد بابا للتعليم العالي والبحث الإسلامي» في تمبكتو، وصور فوتوغرافية للشاعرين بازومانا سيسوكو، وبابا سيسوكو، من مجموعة الصور المملوكة لـ«معهد العلوم الإنسانية» في باماكو. في حين عكست معروضات «معهد التراث الوطني» بتونس التنوع الثقافي للإرث الإسلامي.

كذلك عُرضت لوحة من خشبَي الأبنوس والساج، صُنعت للحاكم المملوكي أبي النصر سيف الدين الأشرف قايتباي في القاهرة، ولوحة رخامية ثُمانية الأضلاع مزخرفة من بين معروضات أخرى من «متحف الفنون الإسلامية» في العاصمة المصرية.

ومن المعروضات أيضاً مقتنيات من مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي «إثراء»، بعنوان «رحلة تفاهم: إعادة تقييم الثقافة البصرية الإسلامية في ضوء أبحاث الجمهور في إثراء»، وهي المعروضات الوحيدة في «المدار»، التي شملت الأعمال الفنية التاريخية والمعاصرة. كذلك شارك الزوار في تجربة الواقع الافتراضي الفريدة، التي نقلتهم مباشرة إلى المسجد الحرام في مكة المكرمة.

من جهتها، أثنت مديرة متحف «إثراء» فرح أبو شليح على الالتزام «بتمثيل علاقة المملكة الأصيلة بالإسلام من خلال الاحتفاء بالتراث الإسلامي. وقد خصّص (إثراء) المساحة والموارد لدراسة الثقافة البصرية الإسلامية والحفاظ عليها وعرضها، بما يقدم فرصاً لربط الفن الإسلامي بالشعوب والمناطق والمجتمعات».

إضافة إلى ما سبق، عُرضت مقتنيات متنوعة من دول «مجلس التعاون الخليجي»، كما وجّه المتحف الوطني لسلطنة عُمان دعوته لزوار «المدار»، لتجربة مفهوم الجمال الذي شكّله التراث الإسلامي العُماني.

جانب من معروضات قاعة «المدار» (الشرق الأوسط)

كما تأمَّل الزوار مجموعات مختارة من «مؤسسة تنمية الفن والثقافة» في طشقند - أوزباكستان، كما شملت المعروضات من «المتحف الوطني للفنون» في باكو - أذربيجان، مجموعة من سجاد الصلاة المنسوج من صوف مدينة قوبا القوقازية، من القرن التاسع عشر، ومخطوطة من القرن الثالث عشر لقصيدة «ورقة وكلشاه» للشاعر والأديب الفارسي عيوقي.


مقالات ذات صلة

«حكمة المصريين» تتجلّى في معرض للفنان ناثان دوس

يوميات الشرق جانب من أعمال الفنان (الشرق الأوسط)

«حكمة المصريين» تتجلّى في معرض للفنان ناثان دوس

اختار النحات المصري ناثان دوس لمعرضه الأحدث اسماً دالاً على الحكمة والفهم في الحضارة المصرية القديمة، وإن كان «سيشميت» بدا لفظاً غريباً على الواقع المصري.

محمد الكفراوي (القاهرة)
عالم الاعمال شركة «ديڤوتيه» تعلن مشاركتها في النسخة الثامنة من مؤتمر ومعرض «سعودي ديرم»

شركة «ديڤوتيه» تعلن مشاركتها في النسخة الثامنة من مؤتمر ومعرض «سعودي ديرم»

أعلنت شركة «ديڤوتيه (Devoté)» عن مشاركتها «البارزة في النسخة الثامنة من مؤتمر ومعرض (سعودي ديرم)

يوميات الشرق اختيار سلطنة عمان «ضيف شرف» الدورة الـ56 من معرض القاهرة للكتاب (وزارة الثقافة المصرية)

«الثقافة المصرية» تراهن على الذكاء الاصطناعي في «القاهرة للكتاب»

تحت شعار «اقرأ… في البدء كان الكلمة» تنطلق فعاليات الدورة الـ56 من معرض القاهرة الدولي للكتاب في 23 من شهر يناير الحالي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
ثقافة وفنون «القاهرة للكتاب 2025»: «دورة استثنائية» بمشاركة 1345 ناشراً

«القاهرة للكتاب 2025»: «دورة استثنائية» بمشاركة 1345 ناشراً

تم الإعلان عن إطلاق «منصة كتب رقمية» بالتعاون مع وزارة الاتصالات وهي تستهدف «إتاحة الوصول إلى مجموعة واسعة من الكتب الثقافية والتراثية»

رشا أحمد (القاهرة)
يوميات الشرق لوحات المعرض يستعيد بها الفنان رضا خليل ذكريات صباه (الشرق الأوسط)

«سينما ترسو»... يستعيد ملامح أفلام المُهمشين والبسطاء

معرض «سينما ترسو» يتضمن أفكاراً عدّة مستوحاة من سينما المهمشين والبسطاء تستدعي الذكريات والبهجة

محمد عجم (القاهرة )

السنة الأمازيغية 2975... احتفاء بالجذور وحفاظ على التقاليد

نساء أمازيغيات يرتدين ملابس تقليدية يشاركن في احتفال بمناسبة الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة 2975 في الرباط 14 يناير 2025 (إ.ب.أ)
نساء أمازيغيات يرتدين ملابس تقليدية يشاركن في احتفال بمناسبة الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة 2975 في الرباط 14 يناير 2025 (إ.ب.أ)
TT

السنة الأمازيغية 2975... احتفاء بالجذور وحفاظ على التقاليد

نساء أمازيغيات يرتدين ملابس تقليدية يشاركن في احتفال بمناسبة الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة 2975 في الرباط 14 يناير 2025 (إ.ب.أ)
نساء أمازيغيات يرتدين ملابس تقليدية يشاركن في احتفال بمناسبة الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة 2975 في الرباط 14 يناير 2025 (إ.ب.أ)

يحتفل الأمازيغ حول العالم وخاصة في المغرب العربي بعيد رأس السنة الأمازيغية في 12 أو 13 من يناير (كانون الثاني)، التي توافق عام 2975 بالتقويم الأمازيغي. ويطلق على العيد اسم «يناير»، وتحمل الاحتفالات به معاني متوارثة للتأكيد على التمسك بالأرض والاعتزاز بخيراتها.

وتتميز الاحتفالات بطقوس وتقاليد متنوعة توارثها شعب الأمازيغ لأجيال عديدة، في أجواء عائلية ومليئة بالفعاليات الثقافية والفنية.

وينتشر الاحتفال ﺑ«يناير» بشكل خاص في دول المغرب والجزائر وتونس وليبيا والنيجر ومالي وسيوة بمصر.

أمازيغ يحتفلون بالعام الجديد من التقويم الأمازيغي في الرباط بالمغرب 13 يناير 2023 (رويترز)

جذور الاحتفال

يعود تاريخ الاحتفال برأس السنة الأمازيغية إلى العصور القديمة، وهو متجذر في الحكايات الشعبية والأساطير في شمال أفريقيا، ويمثل الرابطة بين الأمازيغ والأرض التي يعيشون عليها، فضلاً عن ثروة الأرض وكرمها. ومن ثمّ فإن يناير هو احتفال بالطبيعة والحياة الزراعية والبعث والوفرة.

ويرتبط الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة بأصل تقويمي نشأ قبل التاريخ، يعكس تنظيم الحياة وفق دورات الفصول.

وفي الآونة الأخيرة، اكتسب الاحتفال برأس السنة الأمازيغية أهمية إضافية كوسيلة للحفاظ على الهوية الثقافية الأمازيغية حية.

ومصطلح «يناير» هو أيضاً الاسم الذي يُطلق على الشهر الأول من التقويم الأمازيغي.

خلال احتفال لأمازيغ جزائريين برأس السنة الأمازيغية الجديدة «يناير» في ولاية تيزي وزو شرق العاصمة الجزائر (رويترز)

متى رأس السنة الأمازيغية؟

إن المساء الذي يسبق يناير (رأس السنة الأمازيغية) هو مناسبة تعرف باسم «باب السَنَة» عند القبائل في الجزائر أو «عيد سوغاس» عند الجماعات الأمازيغية في المغرب. ويصادف هذا الحدث يوم 12 يناير ويمثل بداية الاحتفالات في الجزائر، كما تبدأ جماعات أمازيغية في المغرب وأماكن أخرى احتفالاتها في 13 يناير.

يبدأ التقويم الزراعي للأمازيغ في 13 يناير وهو مستوحى من التقويم اليولياني الذي كان مهيمناً في شمال أفريقيا خلال أيام الحكم الروماني.

يمثل يناير أيضاً بداية فترة مدتها 20 يوماً تُعرف باسم «الليالي السود»، التي تمثل واحدة من أبرد أوقات السنة.

أمازيغ جزائريون يحتفلون بعيد رأس السنة الأمازيغية 2975 في قرية الساحل جنوب تيزي وزو شرقي العاصمة الجزائر 12 يناير 2025 (إ.ب.أ)

ما التقويم الأمازيغي؟

بدأ التقويم الأمازيغي في اتخاذ شكل رسمي في الستينات عندما قررت الأكاديمية البربرية، وهي جمعية ثقافية أمازيغية مقرها باريس، البدء في حساب السنوات الأمازيغية من عام 950 قبل الميلاد. تم اختيار التاريخ ليتوافق مع صعود الفرعون شيشنق الأول إلى عرش مصر.

وشيشنق كان أمازيغياً، وهو أحد أبرز الشخصيات الأمازيغية في تاريخ شمال أفريقيا القديم. بالنسبة للأمازيغ، يرمز هذا التاريخ إلى القوة والسلطة.

رجال أمازيغ يرتدون ملابس تقليدية يقدمون الطعام خلال احتفال بمناسبة الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة 2975 في الرباط 14 يناير 2025 (إ.ب.أ)

كيف تستعد لرأس السنة الأمازيغية؟

تتركز احتفالات يناير على التجمعات العائلية والاستمتاع بالموسيقى المبهجة. تستعد معظم العائلات لهذا اليوم من خلال إعداد وليمة من الأطعمة التقليدية مع قيام الأمهات بتحضير الترتيبات الخاصة بالوجبة.

كما أصبح من المعتاد ارتداء الملابس التقليدية الأمازيغية والمجوهرات خصيصاً لهذه المناسبة.

وتماشياً مع معاني العيد المرتبطة بالتجديد والثروة والحياة، أصبح يناير مناسبة لأحداث مهمة لدى السكان مثل حفلات الزفاف والختان وقص شعر الطفل لأول مرة.

يحتفل الأمازيغ في جميع أنحاء منطقة المغرب العربي وكذلك أجزاء من مصر بعيد «يناير» أو رأس السنة الأمازيغية (أ.ف.ب)

ما الذي ترمز إليه الاحتفالات؟

يتعلق الاحتفال بيوم يناير بالعيش في وئام مع الطبيعة على الرغم من قدرتها على خلق ظروف تهدد الحياة، مثل الأمطار الغزيرة والبرد والتهديد الدائم بالمجاعة. وفي مواجهة هذه المصاعب، كان الأمازيغ القدماء يقدسون الطبيعة.

تغيرت المعتقدات الدينية مع وصول اليهودية والمسيحية والإسلام لاحقاً إلى شمال أفريقيا، لكن الاحتفال ظل قائماً.

تقول الأسطورة إن من يحتفل بيوم يناير سيقضي بقية العام دون أن يقلق بشأن المجاعة أو الفقر.

نساء يحضّرن طعاماً تقليدياً لعيد رأس السنة الأمازيغية (أ.ف.ب)

يتم التعبير عن وفرة الثروة من خلال طهي الكسكس مع سبعة خضراوات وسبعة توابل مختلفة.

في الماضي، كان على كل فرد من أفراد الأسرة أن يأكل دجاجة بمفرده للتأكد من شبعه في يوم يناير. وترمز البطن الممتلئة في يناير إلى الامتلاء والرخاء لمدة عام كامل.

ومن التقاليد أيضاً أن تأخذ النساء بعض الفتات وتتركه بالخارج للحشرات والطيور، وهي لفتة رمزية للتأكد من عدم جوع أي كائن حي في العيد.