بعدما نجت من جرعة زائدة في الماضي، تحضّر إيلينا جرعةً من الهيروين داخل قاعة «سالا» لتعاطي المخدرات بصورة آمنة في مكسيكالي شمال المكسيك، التي ترمي إلى حماية المدمنين من الويلات التي قد تصيبهم جراء تناول جرعات زائدة من الفنتانيل.
منذ أن نجت من مصير أسود اقتربت منه، تخشى إيلينا من وجود هذا الأفيون الصناعي الذي يفتك بكثيرين في الولايات المتحدة، على الجانب الآخر من الحدود.
في قاعة «سالا»، يمكنها اختبار المخدرات التي تشتريها في الشارع، لمعرفة ما تستخدمه. وقد تلقت تطمينات بأن نتيجة الاختبار على الفنتانيل إيجابية، كما كان متوقعاً.
ويقول سعيد سليم، منسق منظمة «فيرتر» غير الحكومية التي أنشأت «سالا» في عام 2018 لحماية متعاطي المخدرات، إنّ «الاختبارات جميعها إيجابية».
وتروي إيلينا، بوجهٍ تبدو آثار الإدمان واضحة عليه، كيف نجت بصعوبة من جرعة زائدة، وذلك بُعيد حقنها بجرعتها المعتادة من الهيروين، وهو مخدر تتعاطاه منذ 20 عاماً.
وتقول: «لقد أعطوني أمبولة»، في إشارة إلى قارورة النالوكسون، وهو ترياق يمكن أن يوقف مؤقتاً آثار المخدرات الأفيونية.
من خلال ارتياد قاعة «سالا»، وهي غرفة رائدة في أميركا اللاتينية للاستهلاك المنخفض المخاطر للمخدرات، خفضت إيلينا، التي تكسب لقمة عيشها من خلال العمل المنزلي، جرعتها اليومية إلى النصف.
تفتح هذه القاعة أبوابها للمشردين أو عاملي الجنس، وترحب بهم بحرارة. وتمنحهم المنظمة غير الحكومية مجموعات أدوات لمنع انتقال عدوى التهاب الكبد أو فيروس نقص المناعة البشرية.
جرعات زائدة
يقول ريكاردو (59 عاماً): «أشعر بأنني لا أزال إنساناً».
على غرار إيلينا، هذا البائع المتجول الذي يتعاطى الهيروين منذ 26 عاماً، وهو أحد الناجين من الفنتانيل.
ويقول: «عندما استبدلنا مزيجاً من الفنتانيل بالهيروين، تعرضت لجرعة زائدة نجوتُ منها بفضل الله».
ويصف الفنتانيل بأنه «يخدرك» و«يتركك نائماً عملياً».
في مكسيكالي، على الحدود مع الولايات المتحدة، تسجل الشرطة ما بين 3 و6 حالات وفاة لدى مدمني مخدرات مفترضين يومياً، بحسب المسؤول المحلي كارلوس روميرو.
ووفق روميرو: «غالباً ما يحصل ذلك بسبب الجرعات الزائدة»، لافتاً إلى أن «انتشار الفنتانيل ازداد كثيراً في المدينة».
وتمثل الجرعات الزائدة ما يصل إلى 25 في المائة من حالات الطوارئ، كما يقول خوليو بوينروسترو، منسق الصليب الأحمر. ويؤكد أن النالوكسون «ينقذ الأرواح».
من جهتها، تشرح غلوريا بوينتي، الفنيّة في قسم الطوارئ بالصليب الأحمر، أنه «من دون النالوكسون، يكون خروج المريض من الأزمة بطيئاً».
وفي غياب الوصول المنتظم إلى هذا الدواء، يطرق الطاقم الطبي وعناصر الإطفاء والشرطة باب منظمة «فيرتر»، التي تستورد النالوكسون من الولايات المتحدة، حيث يباع من دون وصفة طبية.
وقد انتقد الرئيس المكسيكي، لوبيز أوبرادور، بيع النالوكسون من دون وصفة طبية في الولايات المتحدة، قائلاً: «بدلاً من معالجة الأمور في العمق، نكتفي باستخدام مسكّنات».
ويشكّل الفنتانيل، وهو في الأصل مسكّن للألم متاح للاستخدام الطبي في الولايات المتحدة، موضع خلاف جديد بين واشنطن ومكسيكو.
وتدّعي واشنطن أن الكارتلات المكسيكية تهيمن على إنتاج هذه المادة وتهريبها. من جانبه، يشير الرئيس المكسيكي إلى أن المكونات الكيماوية للفنتانيل مستوردة من الصين.
وأعلنت مكسيكو، الأسبوع الماضي، اتفاقية مع الصين وكوريا الجنوبية لمكافحة تهريب الفنتانيل.
وما مجموعه 67 في المائة من 107375 حالة وفاة بسبب الجرعة الزائدة في الولايات المتحدة في عام 2021 كانت مرتبطة بتعاطي «مواد أفيونية صناعية»، وفق «إدارة مكافحة المخدرات» الأميركية.
ويُعد الفنتانيل القاتل الأول للأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 50 عاماً، أكثر من أي سبب آخر، «بما في ذلك أمراض القلب والسرطان والقتل والانتحار وأنواع الحوادث الأخرى»، على ما جاء في موقع «إدارة مكافحة المخدرات». وهذه المادة «أقوى بنحو 100 مرة من المورفين و50 مرة أقوى من الهيروين بوصفها مسكّناً».
وقالت آن ميلغرام، مديرة «إدارة مكافحة المخدرات»، إن «الفنتانيل هو أكبر تهديد مخدرات قاتل واجهته أمتنا على الإطلاق».