في المطبخ الهندي، هناك كنز من الوصفات التقليدية التي تجمع بين النكهات والمكونات بطرق فريدة وممتعة. إحدى جواهر المطبخ الهندي هي المربى، الكلمة المشتقة من اللغة العربية. المربى، هي أحد الأطعمة الفائقة التي تُصنع من خلال حفظ الفواكه أو الخضراوات في الشراب السكري. عندما تقترن بالحلاوة الطبيعية للعسل، فإنها تخلق طعماً رائعاً للغاية يثير براعم التذوق. تأتي المربى بشعبية هائلة في الكثير من مناطق جنوب القوقاز وآسيا الوسطى وجنوب آسيا والشرق الأوسط، والمربى عادة ما تُجهز بالفواكه والسكر والتوابل.
الفواكه والخضراوات الشائعة التي تستخدم في صناعة المربى هي التفاح والمشمش والتوت الهندي والمانغو والجزر والبرقوق والتين والسفرجل والبطيخ الشتوي وحتى الخيزران.
تحتل المربى موضعاً مميزاً في الثقافة الهندية. وغالباً ما تُقدم كبادرة حُسن ضيافة للضيوف، وهي طعام شهير خلال المناسبات الاحتفالية. كما أن إعداد المربى يعد تقليداً عريقاً تتوارثه الأجيال، ويعكس تراث الطهي الغني للبلاد.
تجد المربى مكانها تقريباً في كل مطبخ هندي، مع إرثٍ غني يفسر رحلتها مباشرة من مطابخ العرب إلى موائد الطعام في الهند.
ما هي المربى؟
إيجازاً للقول، فإن المربى عبارة عن طعام محفوظ حلو المذاق ومصنوع في المقام الأول من الفواكه والخضراوات المنقوعة في التوابل والسكريات.
تُضاف التوابل والمنكهات مثل ماء الورد كلمسة نهائية. والنتيجة النهائية، سواءً قُدمت جافة أو مع شراب، هي طعم لذيذ يقع في مكانٍ ما بين المربى والحلوى. في حين أن اختيار الفواكه يمكن أن يتراوح بين التفاح والأناناس ويمكن أن يمتد إلى الخضراوات مثل الجزر، فإن الأنواع الأكثر شعبية من المربى هي المانغو والتوت الهندي.
يقول ديراج ماثور، رئيس الطهاة في فندق «راديسون بلو»، دلهي: «أهم شيءٍ يجب أخذه في الحسبان عند صنع المربى هو نسبة السكر والخل، ثم إضافة التوابل مثل الكالونجي (بذور البصل)، وصلصة مُوتي (بذور الشمر) والدلتشيني (القرفة). كما ينبغي أيضاً إبقاء المربى مغموسة في شراب السكر أو العسل في حاوية محكمة الغلق، بعد إبقائها في ضوء الشمس لمدة ثلاثة أيام».
تعقب رحلة المربى
أساس وصفة المربى هو السكر، وبالتالي، لتتبع تاريخ الطبق، من الضروري أن نفهم من أين بدأت معالجة السكر أول الأمر.
تقول القصة إن شبه القارة الهندية المكان الأول؛ حيث أنتج السكر لأول مرة من القصب. اكتُشف الضغط على نبات قصب السكر لاستخراج العصارة ثم البلورة من خلال الغلي نحو عام 350 ميلادية، في حين كانت سلالة غوبتا لا تزال في الحكم.
ومنذ ذلك الحين، وبعد تأمين السكر، كانت التجارة والصادرات هي التي أدت في النهاية إلى أن تصبح المربى سمةً شعبية.
يقول التاريخ إنه عندما غزا الحاكم الفارسي داريوس الهند، أخذ قصب السكر إلى بلاد فارس، حيث شوهدت أولى حالات صنع المربى.
عندما وجد العرب في بلاد فارس هذا الفن، بدأوا في استكشافه وتحديد الطرق الأخرى التي يُمكنهم استخدامها لطهي الأشياء بالسكر، وبالتالي الحفاظ عليها لفترة طويلة. كانوا يسمون الفاكهة المحفوظة «أنبيجات»، وفي نهاية المطاف، أصبحوا يطلقون عليها «مربى».
ومع ذلك، فإن الطبق له ارتباط بالمغول ووصولهم إلى شبه القارة الهندية.
يحتوي كتاب «حوليات مطبخ الخلفاء» من القرن العاشر، الذي كتبه ابن سيار الوراق، على فصل عن إعداد المربيات والجواريشنات، ووصفات للمربى المصنوعة من الزنجبيل والتمر والخيار المضلع والليمون.
يُقال إنه عندما أتى المغول إلى الهند سنة 1526 من أجزاء مختلفة من آسيا الوسطى، إلى جانب جلب ثقافتهم وتراثهم، جلبوا أيضاً طبق المربى الحلو، الذي سرعان ما صار رمزاً للملكية، إذ إن شبه القارة الهندية كان لها فاكهتها وتوابلها الخاصة، وكانت المنتجات المحلية تُستعمل طبيعياً لصنع هذه الأطعمة المحفوظة.
أنوثي فيشال هي كاتبة صحافية وكاتبة عن الغذاء تقول: «من الأمثلة التي تسلط الضوء على ذلك، عندما دعا دولت خان لودهي، حاكم لاهور، بابور، لمقاتلة إبراهيم لودهي، سلطان دلهي، وأرسل دولت خان إلى بابور جرةً من المانغو نصف الناضجة المحفوظة في الشراب، لم يقبل بابور هذه المبادرة فحسب، وإنما امتدح الصحن أيضاً»، وتذكر مقتطفاتٍ من أرشيف التاريخ تقول: «إنها غير ناضجة، فهي تصنع بهارات ممتازة، لكنها محفوظة جيداً في الشراب أيضاً».
تُذكر المربى في مقتطفات من كتابات الطبيب والرحالة الفرنسي فرانسيس بيرنير، الذي أمضى ما يقرب من عقدٍ من الزمان في الهند، وتحديداً البنغال، إذ يقول: «من بين الفواكه الأخرى، يحتفظون بالأترج الكبير، كما هو الحال في أوروبا، بجذور دقيقة معينة يبلغ طولها طول نبات السارساباريلا. والأمبا، والأناناس، ثمرتان شائعتان من ثمار الهند، وكذلك برقوق الميروبالان الصغير الممتاز، والليمون والزنجبيل».
الهند التي لا تبالي بتاريخ منشأ المربى، تُحبها للغاية. أفضل جزءٍ منها أن طعمها ليس الشيء الوحيد الذي يجعلها رائجة في كل بيت. وفقاً لأيورفيدا، حيث إن التوت الهندي غني بالفيتامينات (إيه، وسي، وإي) وهو جرعة صحية في كل ملعقة.
طريقة إعداد المربى هي أن محتوى الألياف من الفواكه أو الخضراوات المستخدمة لا يزال سليماً، ما يجعله مساعداً رائعاً في عملية الهضم. وعند مزجه بالسكر والعسل، يقال إنه يساعد على تخفيف التهاب المعدة.
يقدم الشيف الشهير عالمياً سانجيف كابور وصفةً أشهر وأصح لمربى التوت الهندي، ويقول: «إن التوت الهندي، الذي يعد الآن طعاماً فائقاً، غني بفيتامين (سي) ويحتوي على ألياف لمكافحة أمراض الجهاز الهضمي، ومجموعة من المعادن الشحيحة التي تعد عناصر غذائية لا تُقدر بثمن. في طب الأيورفيدا (الطب الهندي القديم)، تجلب الفواكه الكثير من الفوائد للنساء الحوامل كمصدرٍ للتغذية. من الواضح أن صناعة المربى من التوت الهندي (الأملا) كانت طريقة لجعل الفاكهة أكثر استساغة».
المكونات:
التوت الهندي (الأملا) أو عنب الثعلب - 1 كيلوغرام
السكر / العسل - نصف كيلوغرام
بذور الهيل الخضراء المطحونة - 1 ملعقة صغيرة
الزعفران - 1 ملعقة صغيرة
اللوز مقشراً ومقطعاً - 10 :15 لوزة
الطريقة:
الخطوة 1: ضع التوت الهندي في مقلاة، وأضف كوبين من الماء، وقم بالتغطية والطهي على نارٍ منخفضة لمدة تتراوح بين 10 و15 دقيقة حتى يصبح التوت طرياً وتنخفض كمية الماء إلى النصف.
الخطوة 2: إزالة البذور ووضعها جانباً.
الخطوة 3: تسخين السكر مع 6 أكواب من الماء في مقلاة سميكة القاع، وإعداد شراب السكر حتى يكون خفيف القوام.
الخطوة 4: أضف التوت المطهي مع سائل الطهي واستمر في التقليب.
الخطوة 5: أضف بذور الهيل الخضراء المطحونة والزعفران، واستمر في الطهي من دون تغطية على حرارة منخفضة حتى يصبح المزيج سميكاً وشفافاً.
الخطوة 6: يجب أن يكون الشراب الآن سميك القوام. أضف اللوز وقلب برفق. اترك الخليط ليبرد ثم خزنه في جِرارٍ محكمة الغلق.
الواقع أن بعض تقاليد المربى التي ما زلنا نجدها في البلاد، مثل حلوى الزنجبيل في أندرا براديش، تُذكرنا إلى حدٍّ كبير بحلوى آسيا الوسطى. ومع ذلك، كان لشبه القارة الهندية الفواكه والتوابل الخاصة بها، وكان من الطبيعي أن تُستخدم المنتجات المحلية في صنع هذه الأطعمة المحفوظة.
ربما تكون مربى التفاح من ولاية هيماشال في جبال الهيمالايا، والمانغو من غوجارات هي المربيات الثلاث الأكثر شعبية في الهند.
مربى الخيزران (الغريبة) لها فوائد صحية هائلة. وهي توفر الحماية من أمراض القلب، إذا كنت تتناولها بانتظام.
كما أكد زاهر علي، وهو طبيب أيورفيدي، أن تناول مربى الخيزران سوف يعالج مشكلات هضم المعدة. وبصرف النظر عن ذلك، فإنها تساعد أيضاً في الحد من السمنة. وتساعد على تنظيف الدم، وتقليل الكوليسترول، والسيطرة على ضغط الدم. كما أنها مفيدة أيضاً لمرضى السكري، والأشخاص الذين يعانون من مشكلات في القلب.
المربى المصنوعة من الخيزران قادرة على قتل ديدان المعدة وتعزيز المناعة. كما يُقلل استهلاك هذه المربى من التعب فضلاً عن الحساسية التي تسببها التمارين الرياضية الشاقة.
لذا، اجعل هذا الطعام الفائق جزءاً مُهماً من نمط حياتك الصحي.