كيف وطّدت المجوهرات الرفيعة علاقتها بالأزياء الراقية؟

بدأت منقذاً لأسبوع أصابه الهُزال بعد الأزمة الاقتصادية... وانتهت نداً

تقنية التريكو وكتافيات مصنوعة من الذهب الأبيض وأزرار وعُقد وإبر... بعض من الأشكال التي صاغتها المصممة كلير شوازن من الألماس والكريستال الصخري (بوشرون)
تقنية التريكو وكتافيات مصنوعة من الذهب الأبيض وأزرار وعُقد وإبر... بعض من الأشكال التي صاغتها المصممة كلير شوازن من الألماس والكريستال الصخري (بوشرون)
TT

كيف وطّدت المجوهرات الرفيعة علاقتها بالأزياء الراقية؟

تقنية التريكو وكتافيات مصنوعة من الذهب الأبيض وأزرار وعُقد وإبر... بعض من الأشكال التي صاغتها المصممة كلير شوازن من الألماس والكريستال الصخري (بوشرون)
تقنية التريكو وكتافيات مصنوعة من الذهب الأبيض وأزرار وعُقد وإبر... بعض من الأشكال التي صاغتها المصممة كلير شوازن من الألماس والكريستال الصخري (بوشرون)

منذ نحو عقد من الزمن أو أكثر بقليل، بدأت بيوت المجوهرات الرفيعة تتسلل إلى «أسبوع باريس» للـ«هوت كوتور»، حاملة معها نفائس تحاكي في تفردها وأسعارها ما يعرض في هذا الموسم من أزياء. لم يُرحب بها الجميع. بالنسبة إلى بعض المصممين، كان هذا الحضور اقتحاماً لمساحتهم الخاصة، وبالنسبة إلى وسائل الإعلام، أضاف عملاً يستنزف وقتهم... يتذمرون منه لكن لا يستطيعون مواجهته أو تجاهل أهميته.

بيد أن ما لا يعرفه كثير منا عن عملية التسلل هاته؛ أنها كانت في الحقيقة عملية إنقاذ لأسبوع بدأ يفقد ثقله ومن تم توازنه. بعد أزمة 2008، تعرض موسم الـ«هوت كوتور» إلى وعكة اقتصادية، أصابت برنامجه الرسمي بالهزال. لم يعد بإمكان كل المصممين صرف مبالغ باهظة لإقامة عروض ضخمة تُضاهي تلك التي تنظمها بيوت الأزياء الكبيرة، مثل «شانيل» و«ديور» فانسحبوا واكتفوا بمعارض صغيرة. ذهب البعض حينها إلى حد نعي هذا الخط والقول إنه يحتضر، في ظل تقلص عدد زبونات الولايات المتحدة الأميركية. لحسن الحظ أن دخول صناع المجوهرات على الخط، وظهور أسواق جديدة، فتحا الأبواب على مصاريعها أما زبونات من جيل شاب ساهمن في إنعاشه. الآن تُعد الأزياء والمجوهرات عنصران يكمل كل منهما الآخر؛ لا يمكن للأول إنكار جميل الثاني والعكس صحيح إذا أخذنا في الحسبان أن عالم المجوهرات هو الآخر استفاد... وجد الأرضية مُعبدة وجاهزة لاستعراض إبداعاته.

عقد على شكل ياقة مستوحاة من تاج صنعته دار «بوشرون» في العقد الأول من القرن العشرين... ويُعاد تقديمه من خلال عقد يُشبه الدانتيل مكوّن من الألماس والكريستال الصخري (بوشرون)

لم تستغرق العملية سوى بضعة مواسم، بدأت بعدها سوق الأزياء الراقية تنتعش، بل تحقق الأرباح بشكل غير مسبوق. في الموسم الأخير الذي شهدته باريس لربيع وصيف 2024، ضم البرنامج الرسمي ما لا يقل عن 29 دار أزياء. غير أن اللافت هذه المرة أن كثيراً من بيوت المجوهرات تخلفت عن الموعد. الأسباب مختلفة؛ منها ما هو استراحة، ومنها ما هو إعادة ترتيب أوراق وتحضير للموسم المقبل. من بين بيوت المجوهرات التي غابت، نذكر «فان كليف آند آربلز» و«شانيل» و«بولغاري»، بينما حرصت كل من «بوشرون» و«ديور» و«لويس فويتون» على المشاركة كالمعتاد، إلى جانب «كارتييه» و«شوميه» و«دي بيرز» و«ديفيد موريس»، التي اكتفت بعروض صغيرة على الهامش.

حرفي في مشغل «بوشرون» يُرصع قطعة ستستعمل لتزيين الأكتاف (بوشرون)

هناك أيضاً من يجعل السبب تحضيرهم لـ«أسبوع الساعات» الذي يقام سنوياً في جنيف تحت اسم «ووتشرز آند وونردز»؛ أي «ساعات وعجائب»، في شهر أبريل (نيسان) المقبل. أما باريس فسيوجدون فيها خلال موسم الصيف. فهذا هو الفصل المفضل لزبونات الأزياء الراقية... من ناحية، لوجودهن إما في سان تروبيه وبورتوفينو، وإما في موناكو وغيرها من منتجعات البحر المتوسط القريبة من باريس؛ ومن ناحية أخرى لأن دفء الصيف يُحفز على الشراء أكثر.

وبما أن تحركات صناع الموضة تُحددها تحركات السوق في الغالب، فإنهم انتبهوا إلى أن زبائنهم أدمنوا الانغماس في تجربة يستمتع بكل تفاصيلها على غرار ما تقدمه بيوت الأزياء الكبيرة في خط الـ«كروز» الذي يتوجه بهم إلى أماكن بعيدة. من هذا المنظور، لم يعد وجود صناع المجوهرات يقتصر على باريس، وبدل التقيد ببرنامج الأسبوع الرسمي للـ«هوت كوتور»، أصبحوا يأخذون زبائنهم المهمين إلى وجهات مختلفة. هدفهم أن تشمل المتعة جمال الأمكنة وفرادة التصاميم ونفائس الأحجار. دار «لويس فويتون» مثلاً أخذتهم إلى اليونان، و«كارتييه» إلى فلورنسا الإيطالية، و«فان كليف آند آبلز» إلى بحيرة كومو الإيطالية، و«ديور» إلى شنغهاي. تتغير الوجهات والهدف واحد؛ يتمثل في خلق تجارب تبقى محفورة في الذاكرة؛ لأنها تربط إبداعاتهم بقصص أو جذور تضفي عليها بُعداً لا يُقدر بثمن.

لكن المثير في أغلب المجموعات التي طُرحت في هذا الموسم، أنها لم تُدر ظهرها تماماً إلى «أسبوع باريس للأزياء». تركت خط الود مفتوحاً بأن جعلت الموضة مصدر إلهام، وهو ما ظهر في تقنيات تحاكي التطريز وجدل الضفائر والدانتيل، وأخرى تأخذ أشكالها من الأزرار والدبابيس وغيرها.

مجموعة «ديور ديليكا (Dior Délicat)»

في كل قطعة عبَرت فيكتوار دو كاستيلان عن الأنوثة مُتعدّدة الأوجه بالاعتماد على فنون التطريز والتخريم (ديور)

الربط بين الأزياء والمجوهرات ليس جديداً على دار تخصصت في الـ«هوت كوتور» وتعدّ مؤسسة ثقافية بالنسبة إلى الفرنسيين. تظهر خيوطها المتشابكة في كثير من المجموعات التي أبدعتها مصممتها الفنية فيكتوار دو كاستيلان. لم تختلف الصورة هذه المرة عما سبق. كان التطريز بكل أشكاله هو المحور الذي تدور عليه مجموعة «ديور ديليكا». تتماهى هنا رقّة النسيج المُخرّم مع الترصيع، فيكشف عن تركيبات هندسية معقدة يُعززها توهج الياقوت والزمرّد، والصفير الأزرق، والترمالين، والتنزانيت، إلى جانب الأوبال؛ الحجر المفضل لدى المصممة. لم تسافر «ديور» بمجموعتها خارج باريس. اختارت في المقابل قصراً يقع على الضفة الغربية من نهر السين مسرحاً لاحتضان 79 قطعة؛ 5 منها فريدة، تتضمن عقداً مرناً مصنوعاً من خيوط متعددة من الألماس تشبه تقاطعات مأخوذة من صور زخرفية.

بفضل رقّة وخفّة النسيج المُخرّم يبدو الترصيع كأنّه يتلاشى في الخلفية... ممّا يسمح للأحجار الكريمة بالكشف عن ألوانها الجريئة في تركيبات معقدة تعكس البراعة الحرفية التي تعتز بها الدار (ديور)

تقول فيكتوار دي كاستيلان إن «ديور ديليكا» تشكل نهجاً مختلفاً لعبت فيه «على عدم التماثل، لخلق نوع من التوازن». كل خيط أُبدع بحرص بحيث يبدو كما لو كان منعكساً على مرآة، وفي الوقت ذاته؛ فإنه لا يشبه أياً من الخطوط المجاورة له من اليمين أو اليسار.

مجموعة «بوشرون» Power Of Couture

كانت كلير شوازن؛ المصممة الفنية لدار «بوشرون»، أكثر من غاص في عالم الأزياء والخياطة هذا الموسم. كانت لها مُبرراتها... فما لا يعرفه كثير منا هو أن مؤسس الدار فريديريك بوشرون، كان نجل تاجر منسوجات مختص في الحرير والدانتيل، وهو ما كان له تأثير كبير على نهجه في تصميم المجوهرات. عمل طوال القرن التاسع عشر على صياغة الذهب والأحجار بإلهام من الأزياء الراقية ورقة الأقمشة.

عقد مصوغ بتقنية التريكو وكتافيات مصنوعة من الذهب الأبيض المرصّع بالألماس يمكن تحويلهما إلى زوج من الأساور (بوشرون)

عن ذلك، تُعلّق كلير شوازن: «عندما نظرت إلى الأرشيف، رأيت كثيراً من مفردات الخياطة والأزياء الراقية لم يجر التعامل معها على الإطلاق بشكل مباشر، لذلك أردت ربط كل ذلك معاً». أطلقت على المجموعة اسم «Power Of Couture»؛ أي «قوة الخياطة»، الأمر الذي يفسر معادن رُوّضت لتأخذ شكل ياقات عالية أو ضفائر وأشرطة أو أربطة وأوسمة مثل تلك التي يتزين بها الملوك في المناسبات الاحتفالية.

من بين القطع التي صممتها في هذه المجموعة واحدة بعنوان «تريكو»؛ وهي قلادة مرنة من 5 صفوف تبدو كأنها خيوط محبوكة. ومثلما الحال مع باقي عناصر المجموعة المكونة من 24 قطعة، صُنعت هذه القلادة والسوار المطابق لها بالكامل من الكريستال الصخري والألماس والمعادن الثمينة.

قُطِعت كل بلورة وصُقلت بطريقة تستهدف ألا تكون الصورة النهائية لامعة، فيما تخللتها وصلات «شيفرون»، وهي النقشة الشهيرة في عالم الأقمشة المحبوكة، مرصعة بالألماس على أحبال من الننتول، وهي سبيكة خفيفة الوزن من التيتانيوم والنيكل اكتشفتها البحرية الأميركية. أما السمة الرئيسية للقلادة، فماسة بوزن قيراطين تتوسط دوائر من الكريستال الصخري وماسات مستديرة. استغرق صنع هذه القلادة 1070 ساعة، ويقدر ثمنها بـ1.6 مليون يورو؛ أي ما يعادل 1.7 مليون دولار.

عند تفكيك قطعة «نو» يمكن ارتداؤها على هيئة بروش أو سوار... ويمكن تركيب الألماسة المتدلية على حلقة (بوشرون)

هناك أيضاً طقم «نو»، الذي يأتي على شكل شريط معقود، وهو رمز من رموز الأزياء الراقية. ترجمته كلير بأسلوب هندسي متناغم بين نسيج الكريستال الصخري غير اللامع وبريق الألماس، حيث تحيط بقطع الكريستال وعددها 435 قطعة، أكثر من 4 قراريط من الألماس. عند تفكيكها، يمكن ارتداء الشريط مع القلادة على هيئة بروش أو سوار، ويمكن تركيب الألماسة المتدلية على حلقة. هذه التفاصيل تُبرر سعرها البالغ 1.9 مليون يورو.

«كارتييه» - «لو فوياج روكومانسيه»

قلادة «ميراجيو» تتمحور حول خط من الياقوت السريلانكي تُزين جوانبه زخارف من الياقوت والزمرّد والعقيق (كارتييه)

كانت تيمة دار «كارتييه» هي السفر والطبيعة، لكن لم تخل من التفاتات إلى فنون الأزياء، بألوانها المتوهجة والتي تتضارب في تناغم، بما فيها القطع ذات الأشكال غير المتناظرة. لم يكن سلاح «كارتييه» الأحجار الكريمة في أصفى حالاتها فقط؛ بل أيضاً الألوان المتوهجة مزجتها في القطعة الواحدة لتخلق لوحة فنية، الأمر الذي جعل الفرق بين هذه المجموعة وغيرها أنها لا تحتاج إلى أن تساير الموضة، فهي تضج بأناقة يمكن أن ترتقي، في ثانية، بأي قطعة أزياء مهما كانت بساطتها ورتابة لونها. قلادة «ميراجيو»، مثلاً، تتمحور حول خط من الياقوت السريلانكي تدور في فلكه جميع المكونات الأخرى، مثل زخارف من الياقوت والزمرّد تبدو كأنها شبكة متناظرة تستحضر نمط ريش الطاووس الملوّن.

وفي سياق متصل بعالم الأزياء والأناقة، كشفت «كارتييه» أيضاً عن عقد «سبينا»، المؤلف من نسيج شبكي من الياقوت والألماس. يضم ياقوتة «سيلان» تزن أكثر عن 29 قيراطاً. ويعدّ هذا العقد إضافة إلى مجموعة «لو فوياج روكومانسيه» التي طرحته في مايو (أيار)، ويمكن وضعه أيضاً على هيئة تاج بوضع الياقوتة لأعلى.

مجموعة «شانيل» Lion Solaire

قلادة مرصعة بالماس يتوسطها رأس أسد بكل قوته ومهابته (شانيل)

لكن ربما تبقى «شانيل» أكثر المُتعلقين بعالم الأزياء وفنونه. في أغلب مجموعاتها الخاصة بالمجوهرات الرفيعة يعود حرفيوها إلى المنبع، وتحديداً إلى الـ«هوت كوتور» يستقون منهم أشكالاً تحاكي الأزياء، أقمشة وحياكة وحبكة. في العام الماضي أتحفتنا الدار بمجموعة مستوحاة من التويد، القماش الذي يرتبط بها، وهذا العام، أتحفتنا بمجموعة أطلقت عليها Lion Solaire de CHANEL. قالت إنه برج الآنسة شانيل، مما يجعله رمزاً قوياً من مفردات الدار. دخل أول مرة قسم المجوهرات في عام 2012 من خلال قلادة Constellation du Lion، التي أصبحت اليوم واحدة من أهم قطع المجوهرات الراقية المحفوظة ضمن تراث شانيل وفي عامي 2013 و2018، تم تخصيص مجموعات المجوهرات الراقية Sous le Signe du Lion وL’esprit du Lion بالكامل له. وفي عام 2024، يظهر مرة أخرى في مجموعة Lion Solaire de CHANEL، من خلال خمس قطع جديدة؛ قلادة وخاتمين وزوجين من الأقراط.


مقالات ذات صلة

المحلات الشعبية تستعين بالنجوم لاستقطاب الزبائن

لمسات الموضة تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)

المحلات الشعبية تستعين بالنجوم لاستقطاب الزبائن

لم يعد تعاون المشاهير يقتصر على الترويج والظهور في المناسبات بل يشمل حالياً تصميم الأزياء

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة الملك تشارلز الثالث يتوسط أمير قطر الشيخ تميم بن حمد وزوجته الشيخة جواهر والأمير ويليام وكاثرين ميدلتون (رويترز)

اختيار أميرة ويلز له... مواكبة للموضة أم لفتة دبلوماسية للعلم القطري؟

لا يختلف اثنان أن الإقبال على درجة الأحمر «العنابي» تحديداً زاد بشكل لافت هذا الموسم.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة دخول ماريا مصممةَ أزياءٍ إلى دار جواهر بادرة رحبت بها أوساط الموضة (بولغاري)

ماريا كاترانتزو تستوحي من حمامات كاراكالا مجموعة «كالا»

لم تستغرق كاترانتزو طويلاً لتتأكد أن حمامات كاراكالا وزهرة الكالا بشكلها العجيب نبعان يمكن أن تنهل منهما.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة الأميرة المغربية لالة حسناء تتوسط الشيخة المياسة بنت حمد آل ثاني وتانيا فاريس والفائزين بجوائز 2024 (خاص)

7 فائزين بجوائز «فاشن تراست آرابيا» ومراكش ثامنهم

على الرغم من عدم فوز أي مغربي أو مغربية بأي جائزة هذا العام، فإن مراكش كانت على رأس الفائزين.

جميلة حلفيشي (مراكش)
لمسات الموضة ناعومي كامبل في أكثر من عقد من المجموعة (بولغري)

كيف ألهمت أنابيب نقل الغاز «بولغري»؟

احتفلت «بولغري» مؤخراً بطرح نسخ جديدة من مجموعة «توبوغاس» عادت فيها إلى البدايات.

«الشرق الأوسط» (لندن)

المحلات الشعبية تستعين بالنجوم لاستقطاب الزبائن

تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)
تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)
TT

المحلات الشعبية تستعين بالنجوم لاستقطاب الزبائن

تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)
تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)

إذا كنتِ مداومة على التسوق في محلات «زارا» لأسعارها ونوعية ما تطرحه، فإنكِ قد تتفاجئين أن تعاونها الأخير مع العارضة البريطانية المخضرمة كايت موس سيُكلَفكِ أكثر مما تعودت عليه. فهناك معطف قصير على شكل جاكيت من الجلد مثلاً يقدر سعره بـ999 دولاراً أميركياً، هذا عدا عن قطع أخرى تتراوح بين الـ200 و300 دولار.

تفوح من تصاميم كايت موس رائحة السبعينات (زارا)

ليست هذه المرة الأولى التي تخوض فيها كايت موس تجربة التصميم. كانت لها تجربة سابقة مع محلات «توب شوب» في بداية الألفية. لكنها المرة الأولى التي تتعاون فيها مع «زارا». ويبدو أن تعاون المحلات مع المشاهير سيزيد سخونة بالنظر إلى التحركات التي نتابعها منذ أكثر من عقد من الزمن. فعندما عيَنت دار «لوي فويتون» المنتج والمغني والفنان فاريل ويليامز مديراً إبداعياً لخطها الرجالي في شهر فبراير (شباط) من عام 2023، خلفاً لمصممها الراحل فرجيل أبلو؛ كان الخبر مثيراً للجدل والإعجاب في الوقت ذاته. الجدل لأنه لا يتمتع بأي مؤهلات أكاديمية؛ كونه لم يدرس فنون التصميم وتقنياته في معهد خاص ولا تدرب على يد مصمم مخضرم، والإعجاب لشجاعة هذه الخطوة، لا سيما أن دار «لوي فويتون» هي الدجاجة التي تبيض ذهباً لمجموعة «إل في إم إتش».

فاريل ويليامز مع فريق عمله يُحيّي ضيوفه بعد عرضه لربيع وصيف 2024 (أ.ف.ب)

بتعيينه مديراً إبداعياً بشكل رسمي، وصلت التعاونات بين بيوت الأزياء الكبيرة والنجوم المؤثرين إلى درجة غير مسبوقة. السبب الرئيسي بالنسبة لمجموعة «إل في إم إتش» أن جاذبية فاريل تكمن في نجوميته وعدد متابعيه والمعجبين بأسلوبه ونجاحه. فهي تتمتع بماكينة ضخمة وفريق عمل محترف يمكنها أن تُسخِرهما له، لتحقيق المطلوب.

صفقة «لوي فويتون» وفاريل ويليامز ليست الأولى وإن كانت الأكثر جرأة. سبقتها علاقة ناجحة بدأت في عام 2003 بين لاعب كرة السلة الأميركي الشهير مايكل جوردان وشركة «نايكي» أثمرت عدة منتجات لا تزال تثير الرغبة فيها وتحقق إيرادات عالية إلى الآن.

كان من الطبيعي أن تلفت هذه التعاونات شركات أخرى وأيضاً المحلات الشعبية، التي تعاني منذ فترة ركوداً، وتشجعها على خوض التجربة ذاتها. أملها أن تعمَّ الفائدة على الجميع: تحقق لها الأرباح باستقطاب شرائح أكبر من الزبائن، وطبعاً مردوداً مادياً لا يستهان به تحصل عليه النجمات أو عارضات الأزياء المتعاونات، فيما يفوز المستهلك بأزياء وإكسسوارات لا تفتقر للأناقة بأسعار متاحة للغالبية.

الجديد في هذه التعاونات أنها تطورت بشكل كبير. لم يعد يقتصر دور النجم فيها على أنه وجه يُمثلها، أو الظهور في حملات ترويجية، بل أصبح جزءاً من عملية الإبداع، بغضّ النظر عن إنْ كان يُتقن استعمال المقص والإبرة أم لا. المهم أن يكون له أسلوب مميز، ورؤية خاصة يُدلي بها لفريق عمل محترف يقوم بترجمتها على أرض الواقع. أما الأهم فهو أن تكون له شعبية في مجال تخصصه. حتى الآن يُعد التعاون بين شركة «نايكي» ولاعب السلة الشهير مايكل جوردان، الأنجح منذ عام 2003، ليصبح نموذجاً تحتذي به بقية العلامات التجارية والنجوم في الوقت ذاته. معظم النجوم حالياً يحلمون بتحقيق ما حققه جوردان، بعد أن أصبح رجل أعمال من الطراز الأول.

من تصاميم فكتوريا بيكهام لمحلات «مانغو»... (مانغو)

المغنية ريهانا مثلاً تعاونت مع شركة «بوما». وقَّعت عقداً لمدة خمس سنوات جُدِّد العام الماضي، نظراً إلى النقلة التي حققتها للشركة الألمانية. فالشركة كانت تمر بمشكلات لسنوات وبدأ وهجها يخفت، لتأتي ريهانا وترد لها سحرها وأهميتها الثقافية في السوق العالمية.

المغنية ريتا أورا، أيضاً تطرح منذ بضعة مواسم، تصاميم باسمها لمحلات «بريمارك» الشعبية. هذا عدا عن التعاونات السنوية التي بدأتها محلات «إتش آند إم» مع مصممين كبار منذ أكثر من عقد ولم يخفت وهجها لحد الآن. بالعكس لا تزال تحقق للمتاجر السويدية الأرباح. محلات «مانغو» هي الأخرى اتَّبعت هذا التقليد وبدأت التعاون مع أسماء مهمة مثل فيكتوريا بيكهام، التي طرحت في شهر أبريل (نيسان) الماضي تشكيلة تحمل بصماتها، تزامناً مع مرور 40 عاماً على إطلاقها. قبلها، تعاونت العلامة مع كل من SIMONMILLER وكاميل شاريير وبيرنيل تيسبايك.

سترة مخملية مع كنزة من الحرير بياقة على شكل ربطة عنق مزيَّنة بالكشاكش وبنطلون واسع من الدنيم (ماركس آند سبنسر)

سيينا ميلر و«ماركس آند سبنسر»

من هذا المنظور، لم يكن إعلان متاجر «ماركس آند سبنسر» عن تعاونها الثاني مع سيينا ميلر، الممثلة البريطانية وأيقونة الموضة، جديداً أو مفاجئاً. مثل كايت موس، تشتهر بأسلوبها الخاص الذي عشقته مجلات الموضة وتداولته بشكل كبير منذ بداية ظهورها. فهي واحدة ممن كان لهن تأثير في نشر أسلوب «البوهو» في بداية الألفية، كما أن تشكيلتها الأولى في بداية العام الحالي، حققت نجاحاً شجع على إعادة الكرَّة.

فستان طويل من الساتان المزيَّن بثنيات عند محيط الخصر يسهم في نحت الجسم (ماركس آند سبنسر)

موسم الأعياد والحفلات

بينما تزامن طرح تشكيلة «مانغو + فيكتوريا بيكهام» مع مرور 40 عاماً على انطلاقة العلامة، فإن توقيت التشكيلة الثانية لسيينا ميلر التي طُرحت في الأسواق في الأسبوع الأول من شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، أيضاً له دلالته، بحكم أننا على أبواب نهاية العام. فهذه تحتاج إلى أزياء وإكسسوارات أنيقة للحفلات. لم يكن الأمر صعباً على سيينا. فإلى جانب أنها تتمتع بأسلوب شخصي متميِز، فإنها تعرف كيف تحتفل بكل المناسبات بحكم شخصيتها المتفتحة على الحياة الاجتماعية.

وتعليقاً على هذا الموضوع، أعربت الممثلة عن سعادتها بالنجاح الذي حققته قائلةً: «أحببت العمل على التشكيلة الأولى ويملؤني الحماس لخوض التجربة مرة أخرى. فالتشكيلة الثانية تتسم بطابع مفعم بالمرح والأجواء الاحتفالية، إذ تضم قطعاً أنيقة بخطوط واضحة وأخرى مزينة بالفرو الاصطناعي، بالإضافة إلى فساتين الحفلات والتصاميم المزينة بالطبعات والنقشات الجريئة والإكسسوارات التي يسهل تنسيق بعضها مع بعض، إلى جانب سراويل الدنيم المفضلة لديّ التي تأتي ضمن لونين مختلفين».

فستان ماركس سهرة طويل من الحرير بأطراف مزينة بالدانتيل (ماركس آند سبنسر)

دمج بين الفينتاج والبوهو

تشمل التشكيلة وهي مخصصة للحفلات 23 قطعة، تستمد إلهامها من أسلوب سيينا الخاص في التنسيق إضافةً إلى أزياء مزينة بالترتر استوحتها من قطع «فينتاج» تمتلكها وجمَعتها عبر السنوات من أسواق «بورتوبيلو» في لندن، استعملت فيها هنا أقمشة كلاسيكية بملمس فاخر. لكن معظمها يتسم بقصَّات انسيابية تستحضر أسلوب «البوهو» الذي اشتهرت به.

مثلاً يبرز فستان طويل من الحرير ومزيَّن بأطراف من الدانتيل من بين القطع المفضلة لدى سيينا، في إشارةٍ إلى ميلها إلى كل ما هو «فينتاج»، كما يبرز فستانٌ بقصة قصيرة مزين بنقشة الشيفرون والترتر اللامع، وهو تصميمٌ يجسد تأثرها بأزياء الشخصية الخيالية التي ابتكرها المغني الراحل ديفيد بوي باسم «زيجي ستاردست» في ذلك الوقت.

طُرحت مجموعة من الإكسسوارات بألوان متنوعة لتكمل الأزياء وتضفي إطلالة متناسقة على صاحبتها (ماركس آند سبنسر)

إلى جانب الفساتين المنسابة، لم يتم تجاهُل شريحة تميل إلى دمج القطع المنفصلة بأسلوب يتماشى مع ذوقها وحياتها. لهؤلاء طُرحت مجموعة من الإكسسوارات والقطع المخصصة للحفلات، مثل كنزة من الدانتيل وبنطلونات واسعة بالأبيض والأسود، هذا عدا عن السترات المفصلة وقمصان الحرير التي يمكن تنسيقها بسهولة لحضور أي مناسبة مع أحذية وصنادل من الساتان بألوان شهية.

أرقام المبيعات تقول إن الإقبال على تشكيلات أيقونات الموضة جيد، بدليل أن ما طرحته كايت موس لمحلات «زارا» منذ أسابيع يشهد إقبالاً مدهشاً؛ كونه يتزامن أيضاً مع قرب حلول أعياد رأس السنة. ما نجحت فيه موس وميلر أنهما ركَزا على بيع أسلوبهما الخاص. رائحة السبعينات والـ«بوهو» يفوح منها، إلا أنها تتوجه إلى شابة في مقتبل العمر، سواء تعلق الأمر بفستان سهرة طويل أو جاكيت «توكسيدو» أو بنطلون واسع أو حذاء من الجلد.

رغم ما لهذه التعاونات من إيجابيات على كل الأطراف إلا أنها لا تخلو من بعض المطبات، عندما يكون النجم مثيراً للجدل. ليس أدلَّ على هذا من علاقة «أديداس» وعلامة «ييزي» لكيني ويست وما تعرضت له من هجوم بسبب تصريحات هذا الأخير، واتهامه بمعاداة السامية. لكن بالنسبة إلى ريهانا وفيكتوريا بيكهام وسيينا ميلر وكايت موس ومثيلاتهن، فإن الأمر مضمون، لعدم وجود أي تصريحات سياسية لهن أو مواقف قد تثير حفيظة أحد. كل اهتمامهن منصبٌّ على الأناقة وبيع الجمال.