أسبوع باريس للأزياء الراقية الأخير و«موسم الهجرة إلى الشرق»

بالموسيقى ودغدغة المشاعر والذكريات... تغنَّى المصممون بهويتهم وعُروبتهم

توجّه ستيفان رولان إلى الشرق والمغرب مستعيراً ألوانه من الصحراء وقبائل الطوارق (إ.ب.أ)
توجّه ستيفان رولان إلى الشرق والمغرب مستعيراً ألوانه من الصحراء وقبائل الطوارق (إ.ب.أ)
TT

أسبوع باريس للأزياء الراقية الأخير و«موسم الهجرة إلى الشرق»

توجّه ستيفان رولان إلى الشرق والمغرب مستعيراً ألوانه من الصحراء وقبائل الطوارق (إ.ب.أ)
توجّه ستيفان رولان إلى الشرق والمغرب مستعيراً ألوانه من الصحراء وقبائل الطوارق (إ.ب.أ)

هل هي نوستالجيا إلى زمن يبدو جميلاً مقارنة بالواقع؟ أم هو حنين لذكريات الصبا والبراءة؟ أم هي بحث عن الهوية ورغبة في تعزيز الانتماء للبلد الأم؟ أسئلة كثيرة أثارت الانتباه في موسم «الهوت كوتور» لربيع وصيف 2024. أخذت هذه الـ«نوستالجيا» وجوهاً متنوعة، لكنها تصب في النبع نفسه، ألا وهو الشرق والمغرب الأقصى.

توغّل ستيفان رولان جنوب المغرب إلى أفريفيا ليأخذ من الطوارق اللون الأزرق (ستيفان رولان)

اللافت فيها أنها لم تداعب مخيلة العرب فحسب، بل أيضاً مخيلة عدد من المصممين الأجانب، نهلوا من هذا النبع متوغلين في عُمق الصحراء الأفريقية أحياناً، مثل ستيفان رولان الذي يبدو وكأنه يتقفى أثر الراحل إيف سان لوران في مراكش والصحراء، مستعيراً ألوان الكثبان الذهبية والأزرق اللذين تشتهر بهما قبائل الطوارق، وكذلك حدائق ماجوريل التي ترتبط بالراحل سان لوران وبيته في مراكش. المصممة ديليك حنيف هي الأخرى صوّبت أنظارها نحو الشرق وتحديداً تركيا، مسقط رأسها؛ لتأخذ من تاريخها وتراثها، مفردات مزجتها بأسلوب أندلسي - مغربي. وكانت النتيجة قِطعاً تستوحي خطوطها من القفطان المغربي وتطريزاته نسقتها مع طرابيش الدراويش والسلاطين.

عادت ديليك حنيف إلى جذورها التركية لتستمد منها قفاطين وطرابيش مبتكرة (ديليك حنيف)

بيد أن هذه النوستالجيا ظهرت أكثر في عروض المصممين العرب. إيلي صعب توجّه إلى مراكش وجورج حبيقة إلى بيروت الستينات، وزهير مراد إلى لبنان في عهدها الفينيقي، وسارة الشرايبي إلى جبال الأطلس، وهكذا. هذه الأخيرة أطلقت على تشكيلتها عنوان «الأرض» لتؤكد لنا أهمية التمسك بالجذور. وعن غير قصد سلّطت الضوء على موجة تشهدها أوروبا حالياً تتمثل في شبه هجرة عكسية لجيل وُلد في المهجر، لكن ظل معلَّقاً لا يعرف أين يُرسخ أقدامه ويحلم بأرض أجداده.

الفرق بين المصممين الأجانب والعرب، أنه بينما يستند هؤلاء إلى المخيلة ونظرتها الرومانسية إلى الشرق، فإن العرب يتكئون على ذكريات الطفولة والشباب وتاريخ حافل من البطولات. والمقصود هنا، أن هذه العلاقة شخصية أكثر. ما يلفت النظر فيها أنها تؤكد أن المصممين العرب تحديداً اتفقوا أخيراً أن يتفقوا، من خلال تخاطر الأفكار ولقاء المشاعر. المتتبع لمسيرتهم منذ ثمانينات القرن الماضي إلى عهد قريب، يلفته أنهم خرجوا هذه المرة عن السيناريو الذي بدأوا به رحلتهم إلى العالمية. حينها كانوا يركزون على لغة الغرب في تصاميمهم وعروضهم على حد سواء. كانت هذه اللغة مفروضة عليهم؛ حتى ينجحوا في التواصل مع الآخر، ويقنعوه بمهاراتهم في وقت كانت في المنطقة العربية تستهلك أكثر مما تُنتج أو تُبدع.

المصمم السعودي العالمي محمد آشي شرح هذه النقطة في أحد لقاءاته السابقة مع الـ«الشرق الأوسط» قائلاً إنه كان متحفِظاً بعض الشيء عندما كان الأمر يتعلق بالخوض في جذوره. كان الدافع رغبةً تسكن أي مصمم في بداياته، في أن يفرض اسمه في الساحة العالمية. يشرح: «النظرة العامة إلى المصممين العرب آنذاك لم تكن تُشجع على فتح هذا الباب والخوض فيه بإسهاب».

من عرض محمد آشي (أ.ف.ب)

لكن شتان بين الأمس واليوم. فقد تغيَّر المشهد تماماً في السنوات القليلة الأخيرة. هناك اعتزاز بالهوية اجتاح العالم العربي ككل. انفتاح المملكة العربية السعودية كان له دور مهم في فرض منطقة الشرق الأوسط كقوة لا يستهان بها على المستوى العالمي. كل المصممين وبيوت الأزياء العالمية تتمنى رضاها وتتودد إليها. المغرب الأقصى هو الآخر يشهد حركة ديناميكية ملموسة تجعل المهاجرين الذين غادروه إلى أوروبا في الستينات والسبعينات بحثاً عن فرص العمل وحياة أفضل، يفكرون جدياً في العودة. ازدواجية المعايير السياسية والمصاعب الاقتصادية والاجتماعية في أوروبا وتنامي السياسات الشعبوية قضت على أحلامهم وجعلتهم يعيدون التفكير في مفهوم الهوية والانتماء بمنظور جديد.

استعان ستيفان رولان بالعازف إبراهيم معلوف ليرافق ببوقه العارضات ويثير المشاعر (إ.ب.أ)

سواء كان السبب هذا أو ذاك أو مجرد تخاطر أفكار في اللاوعي، فإن المصممين العرب ترجموا هذه الموجة في أسبوع باريس للأزياء الراقية الأخير، بعروض تستدعي العاطفة والاعتزاز بالهوية. استعملوا كل العناصر التي من شأنها أن تحقق ذلك، وعلى رأسها الموسيقى. فهي أكثر ما ينجح في نقل المشاعر وتعزيز مشاعر «النوستالجيا». حتى ستيفان رولان، الذي يحب أن يصف نفسه بالمصمم المستشرق، استعان بالعازف إبراهيم معلوف ليرافق ببوقه العارضات على منصة «صحراوية». أما المصممة المغربية سارة الشرايبي، فاستعانت بصوت المغنية التونسية آمال المثلوثي، وجورج حبيقة بكل من فيروز وأم كلثوم.

بتسريحاتهن الكلاسيكية والمنمقة وماكياجهن المستوحى من الستينات أراد جورج حبيقة أن يستحضر بيروت أيام البساطة والسلام (جورج حبيقة)

يقول المصمم جورج حبيقة عن تشكيلته: إنها «الأولى من نوعها بالنسبة لي... لأنها مستلهمة من العالم العربي. حرصت فيها على أن أُبرز كل ما يكتنزه عالمنا من جمال وثقافة وحب وإنسانية تلمسها في كل بلد عربي تزوره». يعود حبيقة بمخيلته إلى بيروت في الخمسينات والستينات والسبعينات، عندما كانت الحياة هنية وبسيطة. يستيقظ العرب على صوت فيروز وينامون على صوت «الست» أم كلثوم. كان هناك تفاؤل بالمستقبل، وهو ما جسده المصمم في خطوط عصرية محددة على الجسم وألوان متوهجة وتفاصيل أنيقة ومُبهجة مثل الورود التي ترتبط بالمنطقة وطاولة لعب الزهر وغيرها. تخايلت بها العارضات على نغمات أغنية «اعطني الناي لأغني» لفيروز، ثم أغنية «ألف ليلة وليلة» لأم كلثوم. بتسريحاتهن الكلاسيكية والمنمقة وماكياجهن المستوحى من الستينات يُخلفن الانطباع بأنهن متوجهات إلى حفلة، وما أكثر الحفلات في ذلك الوقت. فالستينات كانت حقبة فارقة بالنسبة للمرأة. انطلقت فيها شرارة تحررها ودخولها ميادين عمل كانت حكراً على الرجل. هذه الحركات النسوية العالمية لم تؤثر على اهتمام المرأة العربية بأناقتها.

الأنسجة التقليدية ذات الطابع الشرقي التي تستعمل في السجاد أو على الكنبات كانت أيضاً حاضرة في عرض جورج حبيقة (جورج حبيقة)

هذه الروح التواقة للحياة، بكل أشكالها، لم تظهر في ألوان تتباين بين الأحمر، والأخضر، والوردي، والبنفسجي والأزرق فحسب، بل امتدت إلى إكسسوارات مبتكرة مثل أقراط أذن على شكل فنجان قهوة، في إشارة إلى أهمية قهوة الصباح العربية في المشرق. لتعزيز هذه الصورة، استعمل بقاياها التي تترسب في قعر الفنجان في نقشات وزخارف طبعت بعض القطع. الأنسجة التقليدية ذات الطابع الشرقي التي تستعمل في السجاد أو على الكنبات كانت أيضاً حاضرة في تنورات بشراشيب مطبوعة بالورود وصور الحلي العربية والهندسة المعمارية.

بالنسبة للمصممة سارة الشرايبي، فإن لا شيء يشد الإنسان إلى الأرض ويجعله يلتحم بها أكثر من مأساة طبيعية. الزلزال الذي تعرّض له المغرب في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي أظهر معادن الناس وأحيا روح الانتماء. فبقدر ما زعزع الزلزال جبال الأطلس، بقدر ما أيقظ روح الوطنية والإنسانية. لهذا لم تحلم الشرايبي ولم تشطح بخيالها إلى السماء أو النجوم أو الموتيفات الهندسية التي غلبت على تصاميمها من قبل. اختارت في المقابل «الأرض» لتكون تيمتها وعنواناً لثالث مشاركة لها كضيفة في أسبوع «الأزياء الراقية» الباريسي.

في تشكيلتها «الأرض» تستعير المصممة سارة الشرايبي مفرداتها من الحِرف التقليدية واعتزازها بهويتها المغربية (أ.ف.ب)

أرادت أن يُعبّر كل ما في العرض عن «ارتباط المرء بوطنه الأم... ألوانه، ترابه وروائحه» وفق قولها. تشققات هذه الأرض ومنحنياتها، إلى جانب ألوان مدينة مراكش الحمراء وألوان الرمال والكثبان والأزرق المطفي كانت العناصر التي لعبت عليها، من دون أن تتجاهل الحِرف اليدوية التي حمّلتها بمخزون غني من التقاليد أضفت عليها المصممة لمساتها العصرية. مثل جورج حبيقة وستيفان رولان وآخرين استعملت الموسيقى لتُخرج إلى السطح كل العواطف الجياشة التي كانت تعتمل بداخلها وهدفها أن تصيب الحضور بعدواها. وهذا ما حدث فعلاً وهم يستمعون إلى صوت الفنانة التونسية آمال المثلوثي وهي تصدح على الخلفية، فتزيد من درامية الحدث.

عاد زهير مراد في تشكيلته إلى الحضارة الفينيقية ليستحضر لنا صور نساء قويات مثل عشتروت وأليسار وتانيت (زهير مراد)

هذا الاحتفال بالصمود وروح المقاومة امتدت خيوطه إلى عرض زهير مراد، مع اختلاف في التفاصيل وأسلوب السرد. لم يحصُر المصمم نفسه في التاريخ القريب. بل توغّل إلى الحضارة الفينيقية ليستحضر لنا صور نساء مثل عشتروت وأليسار وتانيت. جسّد قوتهن من خلال الكثير من البريق والمعادن التي صاغها على شكل دروع تغطي كل الجسم تارة أحياناً. وفي حين كانت الصورة العامة لمحاربات يقاومن القُبح بالجمال والفوضى بالأناقة، فإن الحبكة السردية، ركّزت على الشغف الفينيقي بالبحر، حيث حاول المصمم اكتشاف «خبرة شعب قديم من الملاحين التجار، كانت مهمتهم تنصبّ على استكشاف العالم»، وفق ما جاء في البيان الصحافي.

كانت مدينة صور هي الوجهة التي تخيَّلها. استعار منها زخرفات معدنية بتدرجات ألوان الزجاج القزحي، وهي مادة شرح أنها اكتُشفت بحسب الأسطورة، من بين بقايا حريق اندلع ليلاً على رمال صور «هذه المدينة التي صمدت لمدة سبعة أشهر في وجه حصار الإسكندر الأكبر، وباتت ترمز إلى لبنان المعاصر، حيث الجمال هو عمل من أعمال المقاومة والصمود».

كل ما في تشكيلة زهير مراد كان مشدوداً إلى الجذور... بالسلاسل (زهير مراد)

وهكذا تناغمت في تشكيلته الثنيات وطيات الأقمشة مع زخرفات بأسلوب الأرابيسك طرزت على الموسلين والكريب واللوريكس البراق لتخلق تماوجاً يستحضر حركة البحار وتمايل السفن. كانت القطع عصرية بتفصيلها وخطوطها المحددة تخاطب كل لغات العالم، لكن التفاصيل التي قد تظهر في فستان مستوحى من الكيمونو مصنوع من الساتان العاجي بأطراف مزينة ببلورات تشبه رذاذ البحر، أو في فستان على شكل عباءة وآخر مزين بنقشات من فن الفسيفساء، فشدّت التشكيلة ككل إلى الجذور... بالسلاسل.


مقالات ذات صلة

الملك تشارلز الثالث يُدخل الموضة قصر «سانت جيمس»

لمسات الموضة ريكاردو ستيفانيللي يستعرض النتائج الأولى المتعلقة بمفهوم «الاستدامة البشرية» (برونيللو كوتشينللي)

الملك تشارلز الثالث يُدخل الموضة قصر «سانت جيمس»

اهتمام الملك تشارلز الثالث بالموضة، وبكل ما يتعلق بالبيئة، أمر يعرفه الجميع منذ أن كان ولياً للعهد.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الجينز لا يزال يتصدر منصات الموضة العالمية مثل عرض «ليبرتين» خلال أسبوع نيويورك الأخير (إ.ب.أ)

5 قطع لن تخسري إذا استثمرتِ فيها حالياً

مهما تغيرت المواسم والأذواق، هناك قطع من الموضة تتحدى الزمن وتعتبر بمثابة استثمار سعره فيه.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة في توديع جمهورها بلاس فيغاس أبدعت أديل غناء وإطلالة (كلوي)

المغنية أديل تُودّع لاس فيغاس بفستان من «كلوي»

اختتمت نجمة البوب البريطانية أديل سلسلة حفلاتها الموسيقية في لاس فيغاس، نيفادا، بالدموع. كانت آخِر ليلة لها على خشبة مسرح «الكولوسيوم» بقصر سيزار في لاس فيغاس،…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة حوَّلت «لورو بيانا» الواجهات إلى احتفالية بإرثها وحرفييها وأيضاً بالثقافة البريطانية التي تمثلها معلمة مثل «هارودز» (لورو بيانا)

«لورو بيانا» تحتل واجهات «هارودز» لتحتفل بمئويتها وإرثها

مع اقتراب نهاية كل عام، تتسابق المتاجر والمحلات الكبيرة على التفنن في رسم وتزيين واجهاتها لجذب أكبر نسبة من المتسوقين إلى أحضانها.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق في عقدها الثامن اختار إريك جدّته «مانيكان» تعرض تصاميمه (حساب المُصمّم على إنستغرام)

إريك ماتيو ريتر وجدّته هدى زيادة... جيلان يلتقيان على أجنحة الموضة

معاً؛ زوّدا عالم الأزياء بلمسة سبّاقة لم يشهدها العالم العربي من قبل. التناغُم بينهما لوّن عالم الموضة في لبنان بنفحة الأصالة والشباب.

فيفيان حداد (بيروت)

الرياض تشهد عناق النجوم ببريق الترتر واللؤلؤ

سيلين ديون وإيلي صعب وعلاقة عمرها 25 عاماً (رويترز)
سيلين ديون وإيلي صعب وعلاقة عمرها 25 عاماً (رويترز)
TT

الرياض تشهد عناق النجوم ببريق الترتر واللؤلؤ

سيلين ديون وإيلي صعب وعلاقة عمرها 25 عاماً (رويترز)
سيلين ديون وإيلي صعب وعلاقة عمرها 25 عاماً (رويترز)

بعد عام تقريباً من التحضيرات، حلت ليلة 13 نوفمبر (تشرين الثاني). ليلة وعد إيلي صعب أن تكون استثنائية ووفى بالوعد. كانت ليلة التقى فيها الإبداع بكل وفنونه، وتنافس فيها بريق النجوم من أمثال مونيكا بيلوتشي، وسيلين ديون، وجينفر لوبيز، وهالي بيري ويسرا، وغيرهن مع لمعان الترتر والخرز واللؤلؤ. 300 قطعة مطرزة أو مرصعة بالأحجار، يبدو أن المصمم تعمد اختيارها ليرسل رسالة إلى عالم الموضة أن ما بدأه منذ 45 عاماً وكان صادماً لهم، أصبح مدرسة ومنهجاً يقلدونه لينالوا رضا النساء في الشرق الأوسط.

من عرض إيلي صعب في الرياض (رويترز)

لقاء الموضة بالموسيقى

كان من المتوقع أن تكون ليلة خاصة بالموضة، فهذه أولاً وأخيراً ليلة خاصة بإيلي صعب، لكنها تعدت ذلك بكثير، أبهجت الأرواح وغذَّت الحواس وأشبعت الفضول، حيث تخللتها عروض فنية ووصلات موسيقية راقصة لسيلين ديون، وجينفر لوبيز، ونانسي عجرم، وعمرو دياب وكاميلا كابيلو. غنت لوبيز ورقصت وكأنها شابة في العشرينات، ثم نانسي عجرم وعمرو دياب، واختتمت سيلين ديون الفعالية بثلاث أغنيات من أشهر أغانيها وهي تتفاعل مع الحضور بحماس. لم تقف وعكتها الصحية التي لا تزال آثارها ظاهرة عليها مبرراً لعدم المشاركة في الاحتفال بمصمم تُكنّ له كل الحب والاحترام. فإيلي صعب صديق قبل أن يكون مصمم أزياء تتعامل معه، كما قالت. يؤكد إيلي الأمر في لقاء جانبي، قائلاً: «إنها علاقة عمرها 25 عاماً».

وهذا ما جعل الحفل أشبه بأغنية حب.

هالي بيري وهي تلبس فستان الأوسكار الأيقوني نفسه الذي ارتدته عام 2002 (خاص)

هالي بيري التي ظهرت في أول العرض بالفستان الأيقوني الذي ظهرت به في عام 2002 وهي تتسلم جائزة الأوسكار بوصفها أول ممثلة سمراء، دمعت عيناها قبل العرض، وهي تعترف بأن هذه أول مرة لها في الرياض وأول مرة تقابل فيها المصمم، رغم أنها تتعامل معه منذ عقود. وأضافت أنه لم يكن من الممكن ألا تحضر المناسبة؛ نظراً للعلاقة التي تربطهما ببعض ولو عن بُعد.

يؤكد إيلي عمق هذه العلاقة الإنسانية قائلاً: «علاقتي بهالي بيري لم تبدأ في عام 2002، بل في عام 1994، حين كانت ممثلة صاعدة لا يعرفها المصممون». وأضاف ضاحكاً: «لا أنكر أن ظهورها بذلك الفستان شكَّل نقلة مهمة في مسيرتي. ويمكنني القول إنه كان فستاناً جلب الحظ لنا نحن الاثنين. فيما يخصني، فإن ظهورها به وسَّع قاعدة جمهوري لتشمل الإنسان العادي؛ إذ إنها أدخلتني ثقافة الشارع بعد أن كنت معروفاً بين النخبة أكثر». غني عن القول أن كل النجمات المشاركات من سيلين وجينفر لوبيز إلى نانسي عجرم من زبوناته المخلصات. 80 في المائة من الأزياء التي كانت تظهر بها سيلين ديون مثلاً في حفلات لاس فيغاس من تصميمه.

عرض مطرَّز بالحب والترتر

بدأ عرض الأزياء بدخول هالي بيري وهي تلبس فستان الأوسكار الأيقوني نفسه. لم يتغير تأثيره. لا يزال أنيقاً ومبتكراً وكأنه من الموسم الحالي. تلته مجموعة تقدر بـ300 قطعة، أكثر من 70 في المائة منها جديدة لخريف وشتاء 2025 ونسبة أخرى من الأرشيف، لكنها كلها كانت تلمع تطريزاً وترصيعاً إما بالترتر والخرز أو اللؤلؤ. فالتطريز لغة أتقنها جيداً وباعها للعالم. استهجنها المصممون في البداية، وهو ما كان يمكن أن يُحبط أي مصمم صاعد يحلم بأن يحفر لنفسه مكانة بين الكبار، إلا أنه ظل صامداً ومتحدياً. هذا التحدي كان واضحاً في اختياراته لليلته «1001 موسم من إيلي صعب» أيضاً بالنظر إلى كمية البريق فيها.

ساهمت في تنسيق العرض كارين روتفيلد، رئيسة تحرير مجلة «فوغ» النسخة الفرنسية سابقاً، والمعروفة بنظرتها الفنية الجريئة. كان واضحاً أنها تُقدّر أهمية ما كان مطلوباً منها. فهذه احتفالية يجب أن تعكس نجاحات مسيرة عمرها 45 عاماً لمصمم وضع صناعة الموضة العربية على الخريطة العالمية. اختير لها عنوان «1001 موسم من إيلي صعب» لتستعرض قوة المصمم الإبداعية والسردية. قال إنه استوحى تفاصيلها من عالم ألف ليلة وليلة. لكن حرص أن تكون اندماجاً بين التراث العربي والابتكار العصري. فكل تصميم كانت له قصة أو يسجل لمرحلة كان لها أثر على مسيرته، وبالتالي فإن تقسيم العرض إلى مجموعات متنوعة لم يكن لمجرد إعطاء كل نجمة مساحة للغناء والأداء. كل واحدة منهم عبَّرت عن امرأة تصورها إيلي في مرحلة من المراحل.

جينفر لوبيز أضفت الشباب والحيوية على العرض (خاص)

جينفر لوبيز التي ظهرت بمجموعة من أزيائه وهي ترقص وتقفز وكأنها شابة في العشرينات، كانت تمثل اهتمامه بمنح المرأة حرية الحركة، بينما كانت نانسي عجرم بفستانها الكلاسيكي المرصع بالكامل، تعبّر عن جذور المصمم اللبناني وفهمه لذوق المرأة العربية ككل، ورغبتها في أزياء مبهرة.

أما المغنية كاميلا كابيلو فجسدت شابة في مقتبل العمر ونجح في استقطابها بتقديمه أزياء مطعَّمة ببعض الجرأة تعكس ذوق بنات جيلها من دون أن تخرج عن النص الذي كتبه لوالدتها. كانت سيلين ديون، مسك الختام، وجسَّدت الأيقونة التي تمثل جانبه الإبداعي وتلك الأزياء التي لا تعترف بزمان أو مكان.

حب للرياض

بعد انتهاء العرض، وركض الضيوف إلى الكواليس لتقديم التحية والتبريكات، تتوقع أن يبدو منهكاً، لكنه كان عكس ذلك تماماً. يوزع الابتسامات على الجميع، يكرر لكل من يسأله أن أكثر ما أسعده، إلى جانب ما شعر به من حب الحضور والنجوم له، أنه أثبت للعالم «أن المنطقة العربية قادرة على التميز والإبداع، وأن ما تم تقديمه كان في المستوى الذي نحلم به جميعاً ونستحقه».

وأضاف: «أنا ممتن لهذه الفرصة التي أتاحت لي أن أبرهن للعالم أن منطقتنا خصبة ومعطاءة، وفي الوقت ذاته أن أعبّر عن حبي للرياض. فأنا لم أنس أبداً فضل زبونات السعودية عليّ عندما كنت مصمماً مبتدئاً لا يعرفني أحد. كان إمكانهن التعامل مع أي مصمم عالمي، لكن ثقتهن في كانت دافعاً قوياً لاستمراري».

سيلين ديون أداء مبهر وأناقة متألقة (خاص)

أسأله إن كان يخطر بباله وهو في البدايات، في عام 1982، أن يصبح هو نفسه أيقونة وقدوة، أو يحلم بأنه سيدخل كتب الموضة بوصفه أول مصمم من المنطقة يضع صناعة الموضة العربية على خريطة الموضة العالمية؟ لا يجيب بالكلام، لكن نظرة السعادة التي كانت تزغرد في عيونه كانت أبلغ من أي جواب، وعندما أقول له إنه مصمم محظوظ بالنظر إلى حب الناس له، يضحك ويقول من دون تردد نعم أشعر فعلاً أني محظوظ.