إذا كانت هناك قطعة تحدت الزمن ولم تفقد قيمتها، فهي التنورة بكل أشكالها، وإن كانت المستقيمة بشكلها البسيط الأكثر شعبية والأكثر مقاومة لتغيرات الزمن. فهي تناسب امرأة تريد إبراز أنوثتها، مثل كيم كاردشيان، كما تناسب امرأة مهنية تريد فرض نفسها في العمل بكفاءتها وجديتها. لم تتزحزح عن مكانتها منذ أول ظهور لها في بداية القرن الماضي رغم ما شهده عالم الموضة من تغيرات كثيرة. قد تتراجع للوراء قليلاً لكنها أبداً لا تغيب، وهذا ما يجعلها شاهدة على الكثير من النقلات الاجتماعية والثقافية.
ارتبطت منذ ظهورها بالأنوثة، ومع الوقت تطورت لتشمل الرومانسية ثم العملية ثم القوة، إلى حد القول إنها كانت ولا تزال بمثابة الزي الرسمي للمرأة أياً كان عمرها وذوقها ومركزها.
تقول «قِصتها» إنها بدأت صدفة في عام 1908 مع إديث هارت، أول امرأة تحلق في السماء وتقود طائرة جوية. فحتى لا تطير تنورتها الطويلة والواسعة في الهواء فتُعرقل حركتها، ربطتها بحبل حول الكاحل. وتزعم القِصة أن هذه الحادثة هي التي أوحت للمصمم الفرنسي بول بواريه، أهم مصمم في تلك الفترة، تقصيرها إلى نصف الساق وإعطائها شكلها المستقيم. انطلق من فكرة أن تكون عملية بحيث لا تزحزحها من مكانها نسمة أو هواء أو حتى عاصفة. وسواء كانت هذه القصة صحيحة أم من وحي الخيال، فإن المؤكد أن التصميم شهد إقبالاً من قبل المرأة في العشرينات، لا سيما أنها كانت الحقبة التي شهدت بداية ثورتها على المتعارف عليه وزُرعت فيها بذرة الحركة النسوية كما نعرفها اليوم. وربما تكون المرأة قد تبنتها لهذا السبب: فقط من باب التمرد. ما يُشجع على هذا الاعتقاد بأن التصميم لم يكن عملياً محرراً لحركتها كما كانت تُطالب. فإلى جانب أنها كانت مستقيمة وضيقة كانت أيضاً من دون فتحات أو طيات، ما كان يجعل خطوات لابستها قصيرة جداً ومشيتها متسارعة، وهو ما جسدته مشية مارلين مونرو «الكاريكاتورية» بتصور اليوم. أما التنورة المستقيمة، كما نعرفها اليوم فقد وُلدت خلال الحرب العالمية الثانية، وهو ما جسدته أفلام هوليوود في الأربعينات وبداية الخمسينات. ثم جاء الإسباني كريستوبال بالنسياغا ليمنحها خطوطاً هندسية تتتبع تضاريس الجسم من دون أن تُبرزه بشكل فج. كان تصوره فنياً أقرب إلى النحت. كوكو شانيل كان لها أيضاً تأثير على تطور هذه القطعة، حيث جعلتها جزءاً لا يتجزأ م تايور التويد الأيقوني. صبت فيها الكثير من العملية والأناقة، وكانت ترفض أن تظهر من تحتها الركبة. ومع ذلك يمكن القول إنها لم تكتسب مكانتها كقطعة مفعمة بالأنوثة والرومانسية سوى في عام 1954 على يد كريستيان ديور، حين أطلق مجموعة تُشبه حرف» H وهو الاسم الذي أطلقه عليها. كانت مستقيمة كسابقاتها، لكن بتصميم يُبرز ضمور الخصر ويُعطي الانطباع بأن صاحبتها أطول مما هي عليه. بين ليلة وضحاها أصبحت هذه التنورة نجمة الخمسينات وبداية الستينات. لم تكن مثيرة بقدر ما كانت تعكس مظهراً راقياً. صحيح أنها كانت توحي بالإغراء عندما تلبسها نجمات هوليوود، مثل غرايس كيلي ومارلين مونرو وصوفيا لورين وغيرهن، إلا أنها كانت أيضاً تضج بالعملية عندما تلبسها موظفة عادية أو امرأة عادية مثل أودري هيبورن أو دوريس داي. في حالة الفئة الأخيرة، كن يُفضلنها بطية من الخلف تساعدهن على المشي بسهولة وبخطوات واسعة، الأمر الذي أدخلها أماكن العمل أيضاً. بدأت المرأة تنسقها مع جاكيت مفصل أو مع قميص من القطن أو كنزة، على طريقة أودري هيبورن آنذاك وميغان ماركل حاليا.
لكن هذا لا يعني أنها فقدت عنصر الإغراء تماماً، فهي لا تزال تُستعمل لإبراز الأنوثة، وهو ما تلعب عليه حالياً الأخوات كاردشيان، من خلال اعتمادها بخامات جريئة تلتصق على الجسم وتُبرز كل تضاريسه مثل الجلد اللامع أو المطاط.
الجميل أنها، بفضل بيوت أزياء كبيرة مثل «برادا» و«غوتشي» و«فندي» و«إيرديم» وغيرها، قفزت إلى الواجهة في المواسم الأخيرة، بشكل عصري جداً، جعلها تكتسب لقب قطعة كل المواسم والمناسبات بلا منازع. الفضل يعود إلى أن تصميمها لم يعد ضيقاً لا لسبب سوى إبراز تضاريس الجسم، كما أن خاماتها أصبحت متنوعة تموه على الكثير من العيوب.
همسات
- للتخفيف من رسميتها، وهو ما ارتبطت في فترة من الفترات بسبب إقبال السكرتيرات وسيدات الأعمال عليها، يمكن اختيارها بألوان فاتحة أو نقشات متضاربة. وطبعاً إذا كانت مزينة بالريش أو الخرز أو أحجار الكريستال فهذا عز الطلب، كما طرحتها دار «بيربري». لكن في هذه الحالة يُفضل عدم ارتدائها مع كعب عالٍ جداً في النهار. يفضل في المقابل تنسيقها مع حذاء بكعب متوسط أو باليرينا أو حتى حذاء مستوحى من تصميم رجالي أو «رياضي».
- تأتي التنورة المستقيمة حالياً بعدة أطوال. في عروض «برادا» وفندي» و«غوتشي» جاءت بطول «الميدي» الذي يغطي نصف الساق، وبتصميم بسيط للغاية لعبت فيه الأقمشة الدور الأهم. كما طرحتها بيوت أخرى فوق الركبة مباشرة من دون أن تفقد جمالها. يُفضل تجنب القصيرة جداً.
- تنورة من الجلد من القطع التي تعتبرها الأنيقات أساسية في خزاناتهن. فهي لا تعترف بزمن حسبما أكدته إطلالة أنجلينا جولي سابقاً وميغان ماركل بعد زواجها، في كلتا الحالتين كانت تضج بالرقي والأناقة الكلاسيكية، خصوصاً عندما يتم تنسيقها مع قميص من القطن نهاراً والحرير مساء.
- إذا كنت ترين أنها تقيد حركتك، اختاريها بقماش مرن مثل الصوف على أن تنسقيها مع كنزة أو أي قطعة فوقية من القماش نفسها.