كلير شوازن مصممة «بوشرون» تعيد النظر في دور المجوهرات الرفيعة

مواد غريبة وتقنيات غير مسبوقة أضفت عليها المرح والشقاوة والمرونة

كلير شوازن المديرة الإبداعية في دار «بوشرون»
كلير شوازن المديرة الإبداعية في دار «بوشرون»
TT

كلير شوازن مصممة «بوشرون» تعيد النظر في دور المجوهرات الرفيعة

كلير شوازن المديرة الإبداعية في دار «بوشرون»
كلير شوازن المديرة الإبداعية في دار «بوشرون»

عندما قدَّمت كلير شوازن، المديرة الإبداعية في دار «بوشرون»، مجموعتها من المجوهرات الرفيعة أمام مجموعة من وسائل الإعلام العالمية، في بداية شهر يوليو (تموز) الحالي ببلاس فاندوم، علَّق أحدهم مازحاً «على بوشرون أن يعزلوك ويحجروا عليك دائماً إذا كان هذا هو تأثير الحجْر الصحي عليك». أثار تعليقه العفوي هذا موجة من الضحك من جميع الحضور وهم يهزُّون رؤوسهم مؤيدين له.

سبب تعليقه لا يعود فحسب إلى إجماع ضمني على أن كلير شوازن ارتقت بهذه المجموعة إلى مرحلة غير مسبوقة في صناعة المجوهرات الرفيعة، بل أكثر؛ لأنها صممتها في فترة مظلمة من تاريخ الإنسانية؛ ألا وهي فترة الحجر الصحي. «عندما كانت حالة من الكآبة والقلق تسود العالم، وكان الكل خائفاً ومتوجساً، كنت أقاوم السقوط في هاوية الإحباط. أردت أن أُدخل على نفسي وعلى من حولي بعض التفاؤل والمرح. كان متنفسي أن أبحث عن أفكار تتمرد هي الأخرى على ما هو متوارث بعدم التقيد بالتقاليد والأدوار المكتوبة للمجوهرات ودورها. كنت أريدها أن تتمتع بنكهة شقاوة ومرح».

خاتم من الراتينج والتيتانيوم والذهب الأبيض مرصّع بالماس والياقوت الأصفر والكريستال الصخري (بوشرون)

كانت كل قطعة تقريباً تجيب على أسئلة راودت المصممة عن ماهية دور المجوهرات في عصرنا الحالي. هل يجب أن تقتصر على كونها عقداً أم أقراطاً أم سواراً أم خاتماً؟ الجواب، بالنسبة لها، أن المجوهرات مثل الحياة أكبر من هذا بكثير.

لا تخفى أن فكرة المجموعة كانت «مشروعاً جامحاً، فأنْ تصمم جوهرات راقية ومتحرّرة من تقاليد متوارثة لها احترامها وتقديرها، وفي الوقت نفسه مفعمة بالمرح والشقاوة، ليس سهلاً يمكن تقبله بسرعة». لكن بالنظر إلى وجوه الحضور، وما كان يرتسم عليها من اندهاش وانبهار، فإن تقبل ما طرحته لن يكون صعباً ما دامت الإمكانيات تسمح.

عقد من مادة الهايسيرام بألوان الأزرق والأبيض والأسود في مزيج أنيق من السيراميك وطلاء اللكّ (بوشرون)

كانت العملية بالنسبة للمصممة بمثابة رحلة عادت فيها إلى شقاوة المراهقة وأحلام الصبا، الأمر الذي يفسّر ولادة أشكال غريبة في عالم المجوهرات الرفيعة مثل الكُرات، والمكعّبات وخطوط تستحضر فنّ البوب في حقبة السبعينيات، وأشكال أخرى استلهمتها من الرسوم المتحرّكة استعانت فيها بخُدع بصرية وتقنيات عالية لتطويعها.

وبقدر ما جاءت المجموعة مبتكرة وعجيبة، حتى في أكثر أشكالها غرابة، كانت تشي بحقيقة لا مَهرب منها؛ أنها موجهة لامرأة تتمتع بروح النكتة وحب الحياة، والأهم من هذا بإمكانيات عالية تسمح لها بأن تربط شعرها بقطعة مجوهرات عوض شريط من قماش، وأن تُلصق جيوباً من الماس والأحجار الكريمة على زي من الصوف أو الحرير. هذا عدا عن عقود من لآلئ ضخمة تبدو مثل فقاعات الصابون تغطّي مساحة الصدر بأكملها، وأخرى مثل رسوم عابثة دبّت فيها الحياة فجأة لتفتح أحاديث ممتعة عن تاريخ دار ممتد إلى 165 عاماً.

تنوعت التصميمات وأدوارها والنتيجة واحدة: ابتكار وإبداع (بوشرون)

اختارت كلير لهذه المجموعة عنوان «أكثر يعني أكثر (More is More)»، وهو ما يؤكد سخاءها في كل شيء؛ الألوان النابضة والحرية، أو بالأحرى «البطاقة البيضاء» التي مُنحت لها، لتطلق العنان لخيالها وترسم خطاً جديداً لدور المجوهرات الرفيعة. من دون أن ننسى طبعاً البحث عن تقنيات كانت تحدياً لصانعيها، وفي الوقت نفسه منحتهم فرصة لإخراج أفضل ما لديهم من مهارات في فترة كان فيها العالم مُغلقاً وأشياء كثيرة غير متاحة. من أبرز ما أتحفتنا به «بوشرون» قطعة لربط الشعر بطول 29 سنتيمتراً استُوحيت من ربطة عنق بألوان الأحمر والأسود والأبيض.

شريط من الماس والأحجار الكريمة لربط الشعر مستوحى من ربطة العنق (بوشرون)

تبدو من بعيد وكأنها من قماش، تقترب منها فتكتشف أن هذا كان بيت القصيد بالنسبة لكلير شوازن: أن تجعلها مرنة مثل القماش وخدعة بصرية تثير الفضول. لتحقيق مرادها استعملت فيها الذهب الأبيض ورصَّعته بالماس، في حين صنعت الجزء الأحمر من الأسيتات؛ وهو عنصر يفضِّله صُناع النظارات لوزنه شبه المنعدم، وما يوفّره من درجة لونية أقرب ما تكون إلى لون الصودا المميّز. ليس هذا فحسب، بل استعملت في الشريط أيضاً عنصر الماغنسيوم؛ كونه خفيفاً مثل الألومنيوم بنسبة 30 في المائة، وبكثافة أخفّ عشر مرّات من الذهب. تشرح كلير أن «هذه المادة تتطلّب مهارة وخفّة من الحرفيين، إذ جرى تشكيل الشرائط الرقيقة لهذا الشريط، كل على حدة، ثم صُبغت باللون الأسود قبل تثبيتها بعناية». وتُتابع أن هذه القطعة وحدها تشكلت من 200 عنصر استلزم صنعها بشكل منفصل، قبل تجميعها بما يضمن مرونة القطعة النهائية.

خاتم مرصّع بالماس من الراتينج والتيتانيوم (بوشرون)

توالت الابتكارات وكل من في القاعة فاغر فاه، وهم يُنصتون كيف صممت كلير ستّة خواتم خفيفة الوزن؛ 4 منها ذات أحجام غير عادية، يمكن استعمالها أيضاً كأربطة شعر بفضل تركيبة هندسية وتقنية تتحدّى قوانين المجوهرات الراقية.

استُعمل فيها طلاء اللكّ بألوان الأسود والأبيض والأحمر والأزرق، وتتمركز فوق كل خاتم كرة صفراء من الماس والياقوت مستندة إلى حجر من الكريستال الصخري، ومكعّب من الذهب الأبيض، يؤطّرها التيتانيوم والراتنج.

خاتم من الراتينج والتيتانيوم مرصّع بأمّ اللؤلؤ والتسافوريت ومزيّن بطلاء اللكّ (بوشرون)

منها أيضاً ما هو مصنوع من زجاج مورانو الإيطالي يلمع بلون أزرق جرى نقشه بدقة على شكل مُكعَّب، وخاتم من الراتينج بإصبعين تتمركز فوقه كرة من الكريستال الصخري منحوتة بدقّة، وتتميز بتبطين من الماس الأصفر، بينما يظهر من قلبها ياقوت أصفر، ومن جانبها التيتانيوم الأسود ومكعّب ماسي.

الرغبة الجامحة التي سكنت المصممة كلير، خلال الجائحة، تجسدت أيضاً في قطعة أُطلقت عليها اسم «In the Pocket»؛ أي «في الجيب»، أرادتها أن تُشكِّل تحفة فنية بأبعادها الثلاثية.

صورة لقطعتين: في الجيب وتفاحة في اليوم (بوشرون)

تشرح أنها مرنة باستعمالات متنوعة، فعلى فستان أو كنزة أو تنورة، مهما كانت بساطتها، يمكن أن تلعب دور جيب عملي وأنيق في الوقت نفسه. استعمل في هذه القطعة الفنية عناصر التيتانيوم وتقنيات مغناطيسية جِدّ متطورة لتثبيتها على الجزء الخلفي للثوب بشكل خفي وقوي.


مقالات ذات صلة

ديمنا مديراً فنياً لدار «غوتشي»... هل ينجح في تلميعها؟

لمسات الموضة المصمم ديمنا عند تلقيه جائزة أحسن مصمم للأزياء الجاهزة في عام 2016 في لندن (أ.ف.ب)

ديمنا مديراً فنياً لدار «غوتشي»... هل ينجح في تلميعها؟

بعد قرابة 10 سنوات، سيغادر المصمم الجورجي ديمنا دار «بالنسياغا» لينضم إلى دار «غوتشي» ابتداءً من شهر يوليو (تموز) المقبل. كان الخبر مفاجئاً إلى حد ما. فرغم أن…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة اجتازت دوناتيلا العديد من الأزمات لكنها لم تصمد أمام قوة العاصفة الاقتصادية الأخيرة (أ.ف.ب)

دوناتيلا تتنحى عن منصبها في دار «فيرساتشي» وتسلم المشعل لداريو فيتالي

ابتداء من الشهر المقبل سيتسلم داريو فيتالي الإدارة الإبداعية لعلامة الأزياء الفاخرة «فيرساتشي» من دوناتيلا فيرساتشي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة ديمي مور وجين فوندا في حفل توزيع جائزة نقابة ممثلي الشاشة (رويترز)

ديمي مور وجين فوندا... قصة إدمان على التجميل كلّلها «الزمن» بالنجاح

اللقطة التي جمعت ديمي مور وجين فوندا، تؤكد أنه برغم فارق 25 سنة بينهما، فإن ما يجمعهما أكبر من مجرد رقم. هوسهما في مرحلة من حياتهما بالتجميل أمر معروف ومسجل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة من إبداعات شيمينا كامالي مصممة دار «كلوي»... (أ.ف.ب)

الفراء الاصطناعي يعود لعروض الأزياء أعلى نعومة وفخامة

لا تستغني عنه الموضة ولا المرأة المقتدرة، مهما تصاعدت نسبة مناهضي استعمالاته وتهديداتهم.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة حتى عندما تكون الأزياء مفصلة بالمليمتر تتمتع بعنصر الراحة والحشمة (لورو بيانا)

مجموعة «لورو بيانا» الرمضانية تفوح بنكهة استشراق لذيذة

تشكيلة «لورو بيانا» الرمضانية تبذل جهداً في إرساء مفهوم معاصر لهذا الاستشراق مبني على دراسة السوق لا على المخيلة وحدها.

«الشرق الأوسط» (لندن)

ديمنا مديراً فنياً لدار «غوتشي»... هل ينجح في تلميعها؟

المصمم ديمنا عند تلقيه جائزة أحسن مصمم للأزياء الجاهزة في عام 2016 في لندن (أ.ف.ب)
المصمم ديمنا عند تلقيه جائزة أحسن مصمم للأزياء الجاهزة في عام 2016 في لندن (أ.ف.ب)
TT

ديمنا مديراً فنياً لدار «غوتشي»... هل ينجح في تلميعها؟

المصمم ديمنا عند تلقيه جائزة أحسن مصمم للأزياء الجاهزة في عام 2016 في لندن (أ.ف.ب)
المصمم ديمنا عند تلقيه جائزة أحسن مصمم للأزياء الجاهزة في عام 2016 في لندن (أ.ف.ب)

بعد قرابة 10 سنوات، سيغادر المصمم الجورجي ديمنا دار «بالنسياغا» لينضم إلى دار «غوتشي» ابتداءً من شهر يوليو (تموز) المقبل. كان الخبر مفاجئاً إلى حد ما. فرغم أن البحث عن مصمم جديد للدار الإيطالية لم يكن خفياً على أحد، فإن أسماء أخرى كانت مطروحة لهذه الوظيفة من بينها ماريا غراتسيا كيوري، المديرة الفنية للمجموعات النسائية لدى «ديور»، وهادي سليمان الذي غادر حديثاً دار «سيلين» للأزياء. أما ديمنا فبالكاد ذُكر اسمه لتولي هذه المهمة.

هل سينجح ديمنا فيما فشل فيه آخرون قبله في دار«غوتشي»؟ (أ.ف.ب)

وكانت مجموعة «كيرينغ» المالكة «لغوتشي» و«سان لوران» وغيرهما، عقدت الآمال قبله على ساباتو دي سارنو لكي يغيِّر اتجاهها ويأخذها إلى مكان آمن في وقت تعرف فيه صناعة الموضة تحديات عدة. لكن رغم كل المحاولات والدعم الذي تلقاه فإنه لم يحقق النتائج المطلوبة. وهكذا غادر «غوتشي» في فبراير (شباط) بعد عامين فقط من العمل فيها.

وقال الرئيس التنفيذي لـ«كيرينغ» فرنسوا هنري بينو، في البيان الصحافي الذي تم نشره للإعلان عن الخبر، إنّ «ما أنجزه ديمنا لعالم الموضة ككل، ولبالنسياغا والمجموعة كان هائلاً»، مؤكداً أنّ «قوته الإبداعية هي ما تحتاج إليه غوتشي الآن».

أدخل أسلوب الشارع و«السبور» في عروضه بشكل ذكي (بالنسياغا)

لا يخفى على أحد ما يعنيه. فـ«غوتشي» كانت حتى عام 2023 الماسة التي تزيِّن تاج المجموعة. تحقق نحو نصف عائدات شركة «كيرينغ» وثُلثي أرباحها التشغيلية. وشهدت تحديداً عصراً ذهبياً في عهد أليساندرو ميكيلي بين 2015 و2019، إذ ارتفعت عائداتها 3 مرات. لمس أسلوبه الصارخ، بأن الكثير قليل، في تلك الفترة وتراً حساساً لدى شريحة كبيرة من الشباب. وفي عام 2022، تجاوزت مبيعات «غوتشي» عتبة 10 مليارات يورو (10.84 مليار دولار)، مدفوعة بتصاميمه اللافتة بجرأة ألوانها وتناقضاتها الغريبة. لكن كل هذا السحر تلاشى في عام 2023 وبدأت الدار تعاني من تباطؤ في أدائها وتُكبِد الشركة الأم «كيرينغ» خسارات جمة تمثلت في انخفاض صافي أرباحها بنسبة 62 في المائة في عام 2024. انخفاض مبيعات «غوتشي» وحدها بلغ نسبة 23 في المائة، أي نحو 7.65 مليار يورو (8.29 مليار دولار).

استطاع ديمنا تحقيق نجاحات كثيرة لـ«بالنسياغا» خلال سنواته فيها رغم كل ما يثيره من جدل أحياناً (بالنسياغا)

وهذا ما يجعل «تعيين ديمنا في منصب المدير الفني بمثابة محفز مثالي لبث الديناميكية الإبداعية في غوتشي». وفق ما صرَّحت به فرانشيسكا بيليتيني، نائبة المدير العام لـ«كيرينغ» والمسؤولة عن تطوير الدار.

وُلد ديمنا غفاساليا في جورجيا عام 1981 وتخلى عن كنيته غفاساليا سنة 2021 ليشتهر باسمه الأول فقط. عندما التحق بـ«بالنسياغا» خاض عالم الموضة وغيَّر كثيراً من ملامحها ما بين معجب ومستنكر. لكن أكثر ما اشتهر به هو ارتقاؤه بقطع بسيطة جداً لم يكن يتصور دخولها عالم الـ«هوت كوتور» مثل الـ«تي شيرت» وأحذية بأشكال غريبة أقرب إلى القبح منها إلى الجمال، مثل إضافته كعوباً عالية على أحذية الكروكس. لكن النتائج المالية كانت في صالحه، إذ تجاوزت عائدات الدار مليار يورو.

ووفقاً لتقديرات المحللين، تضاعفت مبيعات «بالنسياغا» 4 مرات تقريباً خلال السنوات الخمس الأولى من توليه منصبه لتتجاوز 1.5 مليار يورو في عام 2021. هذه النجاحات شفعت له كبوات كبيرة، مثل حملته الإعلانية التي تضم أطفالاً يرتدون أكسسوارات مستوحاة من السادية الماسوشية، وما أثارته من جدل واستنكار اضطره للاعتذار.

رغم الظاهر من جنوح وجنون أبقى على التفصيل أساساً للدار احتراماً لمؤسسها (بالنسياغا)

ويندرج تعيينه مديراً فنياً لـ«غوتشي» ضمن سلسلة عمليات الانتقال الواسعة التي تهز عالم الموضة منذ أشهر. فصناعة الموضة ليست بخير، والآمال كلها معقودة حالياً على مَن يعيد ترسيخ مكانتها كواحدة من أكبر العلامات التجارية، وهو الأمر الذي لن يتأتى سوى بإشعال جذوة الرغبة في منتجاتها من جديد. ومن المتوقع أن تتواصل الإعلانات عن تعيينات جديدة، إذ لا تزال دارا «سيلين» و«فندي» من دون مديرين فنيين، بعد مغادرة الفرنسي هادي سليمان والبريطاني كيم جونز. كما لا يزال البريطاني جون غاليانو يبحث عن بيت جديد بعد أن غادر «ميزون مارجيلا» في ديسمبر (كانون الأول) بعدما عمل فيها مدى 10 سنوات.