انتهى «أسبوع الموضة الرجالي» لربيع وصيف 2024 في باريس، مُخلّفاً أصداءً مُدوية عن التغييرات التي طرأت على ثقافة الموضة ومشهدها. ما أكده «الأسبوع» مرة أخرى أن العاصمة الفرنسية لا تزال أهم حلبة مبارزة يتنافس فيها المصممون وبيوت الأزياء الكبيرة على أدوار البطولة على أمل الحصول على نصيب الأسد من كعكة السوق.
من بين التغييرات التي أثارت الجدل، تركيز هذه العروض على الجانب الترفيهي. وليس أدل على هذا من عرض «لوي فويتون» الذي قدم فيه مدير الإبداع في قسمها الرجالي، الموسيقي فاريل ويليامز، عرضاً أقرب إلى مهرجان موسيقى. كان ضيوفه من الموسيقيين العالميين من أمثال بيونسي وجاي زي وغيرهما، وينافس، من حيث العدد، عشاق الموضة والعاملين فيها.
لم يكن هناك أيضاً مجال للخطأ فيما يخص الأزياء، والتالي عكست بدورها كل ما توفره ميزانية دار «لوي فويتون» الضخمة من بذخ من ناحية الخامات والتفاصيل. هناك حقيبة يد مثلاً من جلد التمساح، مرصعة عند المشبك وفي بعض الأجزاء بالألماس بسعر يقدر بنحو مليون يورو؛ الأمر الذي يشير إلى أن الدار تنوي استرداد ما صرفته بشكل أو بآخر. فكل شيء محسوب، من البدلات المفصلة؛ إلى الكنزات التي لم يخلُ بعضها من شعار الدار حفاظاً على شريحة معينة من الزبائن تريد استعراض أسلوبها عبر «اللوغوهات». على الرغم من أن الأزياء لم تفتقد الأناقة؛ فإنها افتقدت الجديد، والعنصر المبهر في العرض كان الموسيقى وعدد النجوم.
المصمم الفرنسي الشاب جاكوموس أيضاً لعب على نغمة الإبهار. فعرضه واحد من أكثر العروض تشويقاً وترقُّباً؛ لأنه أكد طوال المواسم الأخيرة على قدرة عجيبة على خلق صور تلهب الخيال وصفحات «إنستغرام» على حد سواء. في مرة اختار شواطئ برمال ذهبية تتخايل فيها العارضات على صوت تلاطم الأمواج خلفيةً، ومرة حقول اللافندر... وغيرها من الصور التي تعلق في الذهن ولا تتركه إلا بعد عرضه التالي.
لم يختلف الأمر هذا الأسبوع. أقامه في حدائق «فيرساي» ليشكل القصر المهيب والنهر الذي يجري تحت أقدامه، خلفية رائعة لأزياء رومانسية، لكنها لم تكن لتثير كل هذا الإعجاب والتغطيات لولا البهارات التي وظفها بشكل ذكي، مثل وصول الضيوف على مراكب بمظلات شمسية باللون الأبيض، وظهور العارضة كيندل جينر بـ«تشوكر» يستحضر الأميرة الراحلة ديانا، من دون أن ننسى نوعية الحضور من أمثال مونيكا بيلوتشي وإيفا لانغوريا وديفيد وفكتوريا بيكام... وأمثالهم.
في الجانب الآخر كان عرض دار «هيرميس» الذي ركّز على الأزياء وفنية التصاميم أولاً وأخيراً.
فيرونيك نيشانيان، مصممة دار «هيرميس» قدمت اقتراحات متنوعة لربيع وصيف 2024 على طبق شهي ومتنوع للغاية. على الرغم من أنه طبق بنكهة شبابية، فإن أهم مكوناته كانت بجودة عالية وترف لا يُعلى. هذا عدا القصات الواسعة التي حررت الجسم من كل القيود.
عدد القطع المنفصلة جاء يخاطب كل الأذواق، وشمل قمصاناً من الحرير الممزوج بالقطن، وكنزات من الكشمير المغزول بشكل خفيف، وسترات «بلايزر» واسعة. تصف الدار التشكيلة بأنها «ناعمة وخفيفة الظل مثل نسمة صيف رغم أنها بتفصيل هندسي». لكن كان واضحاً أن هذا التفصيل الهندسي خضع لعملية خففت من وزنه وأضفت عليه روحاً شبابية.
في لقاء سابق مع «الشرق الأوسط»، صرحت فيرونيك أن «دار (هيرميس)، قائمة على ساقين: واحدة تمثل التقاليد والحرفية، والثانية الابتكار والتطوير. وهذا ما حدّد هذه التشكيلة؛ من تفصيلها الدقيق، إلى اختيار ألوانها الهادئة. إذا كان هناك مأخذ وحيد عليها، فربما يكون إغراقها في «الشبابية» بالنظر إلى البناطيل التي تميز أغلبها بالقِصَر وتستقر فوق الكاحل أو بالكاد تلامسه، وهو ما قد يُفسِره البعض بتجاهل شريحة من الرجال تميل إلى الكلاسيكية.
ورغم أن هذا القِصَر ليس جديداً في عالم الرجل وظهر في مواسم سابقة، فإنه شتان ما بين الحالتين. في السابق كان تقصيره يعتمد على طيّه لمن أراد. أما الآن، فانتفى هذا الخيار وأصبح هذا الطول جزءاً من التصميم؛ وبالتالي مفروضاً على زبون «هيرميس».
الميزة في هذه الإطلالة أن الحذاء أخذ حقه وبرز أكثر، لهذا يجب؛ إذا كانت النية ارتداء هذا الطول، الاهتمام بالحذاء في جزء من الإطلالة وليس بوصفه مجرد إكسسوار مكمل لها. ومع ذلك؛ فلا بد من القول إن ما يُحسب لفيرونيك نيشانيان أنها لا تسبح مع التيار، فتاريخها مع الدار لأكثر من 3 عقود يجعلها من أهل البيت، لها كلمتها ورؤيتها الفنية التي تحترم رموز وتاريخ الدار. من هذا المنظور، تفضل، وفق قولها، أن تُفسح للرجل المجال لكي يعبر عن نفسه عبر مظهره... «فأجمل ما في الموضة أنه يمكن أن يتبنى أي أسلوب يريده على شرط أن يلبسه بطريقته وبثقة».