مواقع تصوير «بالدم»... مزارات سياحية في «البترون» اللبنانية

استوديوهات صنعها التاريخ وسحر الطبيعة

خلال التصوير في أحد بيوت البترون القديمة (الشركة المنتجة)
خلال التصوير في أحد بيوت البترون القديمة (الشركة المنتجة)
TT

 مواقع تصوير «بالدم»... مزارات سياحية في «البترون» اللبنانية

خلال التصوير في أحد بيوت البترون القديمة (الشركة المنتجة)
خلال التصوير في أحد بيوت البترون القديمة (الشركة المنتجة)

«وينك يا روميوووو؟ وينك يا جانيت؟ طلّوا علينا»، يصرخ الشاب الواقف تحت شرفة بَطلَي مسلسل «بالدم» في بلدة البترون الشمالية وهو يضحك، آملاً أن يظهر أحدهما ويلوّح له بيده أو يسقي على الأقل الزهور، كما يفعل في العادة. وعماد الذي عبّر لـ«الشرق الأوسط» عن سعادته وهو يكتشف عن الحي الذي صوِّر فيه المسلسل الشهير، ويتعرّف على بيوت أبطاله، هو واحد من زوار كثر يتدفقون على البلدة، ويتقصّدون البحث عن أماكن باتت جزءاً من سهراتهم التلفزيونية خلال رمضان، وهم يتابعون أحداث «بالدم» المشوّقة.

الحارة الشعبية بمحاذاة المرفأ حيث يبدو دكان المختار مغلقاً (الشرق الأوسط)

وكما تحوّلت بلدة «دوما» الجبلية في شمال لبنان مزاراً للسياح بعد تصوير فيلم «هلأ لوين» للمخرجة نادين لبكي، صارت البترون البحرية محبَّبة للمتابعين بعد أن اكتشفوا أن مسلسل «بالدم» الذي يحظى بأكبر نسب مشاهدة قد صُوِّر هنا.

اختار المخرج فيليب أسمر موقعين أساسين في البلدة، حصر فيهما تصوير غالبية المشاهد، ممّا يُسهِّل مهمة الفضوليين الذين يأتون، لتتّبع أثر أبطالهم، واقتفاء خطاهم.

الموقع الأول شعبي، على مرفأ البترون، حيث المكان الذي تجلس فيه عدلا (سينتيا كرم) مع دميتها التي استعاضت بها عن ابنها المفقود «غدي»، وهناك نرى القوارب وشباك الصيادين وسلالهم. وعلى مبعدة خطوات، دكان المختار الذي أصبح مغلقاً، وبجانبه بقايا لأحجار وأكياس ومخلفات مهملة. ومقابل الدكان الركن الذي كان يفترش فيه بائع الخضار في المسلسل بضاعته، والممر الذي يؤدي إلى بيت حنين (ماريلين نعمان).

جانب من الحي (الشرق الأوسط)

لم يعمد فريق التصوير إلى تنظيف المكان أو ترتيبه، أو إزالة أي مخلفات بلاستيكية أو حجرية مرمية على الطريق، قبل التصوير. تقول ريتا التي تسكن هنا: «تركوا كل شيء على ما هو عليه، وفهمنا حين شاهدنا المسلسل، أنهم يريدون الاحتفاظ بالروح الشعبية للحي».

دكان «جانيت» يستعد لأن يصبح مطعماً وقد افتُتحت فيه ورشة بعد انتهاء التصوير (الشرق الأوسط)

كان المارة يعبرون غير عابئين، إذ لا شيء يستدعي التوقف هنا، بيد أنهم الآن يأتون باحثين، متشوِّقين لاكتشاف التفاصيل، ويتبادلون فيما بينهم الأحاديث عن المشاهد التي لا تزال عالقة في أذهانهم. ويحوز دكان المختار اهتمام الزوار، الذين يُصرُّون على النظر إلى داخله عبر الزجاج المغلق، ليكتشفوا أنه أُفرغ من أثاثه بالكامل بعد التصوير.

بائعة إكسسوارات حرفية، تفرش بسطتها قريباً من دكان المختار، أخبرتنا أنها كانت هنا طوال فترة التصوير، وأن فريق العمل كان حريصاً على أن يبقى كل شيء على حاله، وألا يتسبَّب بأي إزعاج للأهالي. وشرحت البائعة الشابة التي لم ترد ذكر اسمها: «عرضت عليهم أن أُخلي مكاني، لكنهم رفضوا». مؤكدةً أنهم كانوا فقط يغلقون الطريق لفترة وجيزة، لحظات التصوير، ومن ثَم يعود كل شيء إلى حاله». وتشرح أن العمل انتهى من مدة قصيرة جداً، وتُثني على الممثلين الذين صوَّروا مشاهدهم في البرد القارس وتحت المطر. بل كانوا يُنهون عملهم بسرعة، وينتقلون إلى طرابلس، لتصوير أحداث الملهى الليلي هناك.

منزل حماة غالية «فدوى» بشرفته الجميلة (الشرق الأوسط)

وحين نسألها عن باقي الأماكن التي تم التصوير فيها، تقول: «عدة خطوات إلى الأمام وتجدون بيت الدكتورة آسيا، والدَّرج الذي يتكرَّر مشهد نزولها منه وصعودها إلى بيتها».

هذه المنطقة الشعبية الجميلة على مرفأ البترون فيها مطاعم السَّمك وفنادق استُخدم جانب صغير منها ببراعة مدهشة. ولم يحتج المخرج، الذي له عين ثاقبة، إلا إلى بعض الإضافات القليلة ليحوِّل مساحة صغيرة جداً على البحر، إلى عالم، ومكان مثاليين لتصوير أحداث قصته.

وبينما نتحدث مع البائعة، وقد انضم ابنها إلينا، تمرُّ بقربنا البجعة سوسن التي تظهر في المسلسل كإحدى شخصياته اللافتة. ومن الطريف «أن هذه البجعة تعيش في البترون. وأحبَّ فريق العمل إضافتها إلى المسلسل»، حسب البائعة. هي من الطيور التي تعبر سماء البلدة، وصادف أن كانت جريحة، فاهتمّ بها أهل الحي وطبَّبوها وأطعموها، وصاروا يقصُّون ريشها لتبقى معهم. وبعد ذلك، نبت ريشها واستعادت حريتها، فطارت بيد أنها عادت، ولا تريد المغادرة. وهي دائمة التجوال على المرفأ. وقد أصبح الزوار يعرفونها ويبحثون عنها، لأنها الأثر الحي الوحيد من المسلسل الذي يمكن التقاط الصور معه.

مرفأ البترون ومراكب الصيادين التي كانت ضمن مشاهد المسلسل (الشرق الأوسط)

البترون بلدة تمارس غوايتها على السياح خصوصاً في فصل الصيف، حيث يرتادون شواطئها ومقاهيها. وتحوَّلت في السنوات الأخيرة إلى وجهة لا تُفوَّت بعد بيروت. وأتى تصوير «بالدم»، مع القسط الذي ناله من النجاح، ليشكِّل حافزاً إضافياً لزيارة البلدة. لكن أهالي البترون لا يهتمون، ويعدُّونها مسألة عابرة. «هي فورة، تنتهي بانتهاء عرض المسلسل، ليعود كل شيء إلى حاله»، تقول صاحبة أحد المقاهي.

الأمر قد لا يكون كذلك. فموقع التصوير الثاني الذي اختير للمسلسل هو بقرب بيت المغترب، الذي أُنجز في البترون على النَّمط الهندسي العتيق وصار تجمعاً سياحياً مهماً، ومركزاً لأنشطة على مدار العام.

مقابل مدخل بيت المغترب، نكتشف البيت الجميل ببوابته الحديدية وأدراجه الأنيقة الذي تسكنه غالية (ماغي غصن)، مع زوجها (بديع أبو شقرا) وابنتيها.

الدَّرَج الشهير المؤدي إلى بيت «الدكتورة آسيا» (الشرق الأوسط)

وفي حين يحيط الزوار في المنزل ويصوِّرون جوانبه، وصل أحد سكان البيت الأصليين وتسلَّل من البوابة وصعد الدرج، كأنه يذكِّرنا أن التصوير قد انتهى، والممثلون قد غادروا، وعلينا أن ننصرف. حقاً يختلط العام بالخاص، والتمثيل بالواقع في البترون، ومنازل السكان بديكورات التصوير.

خطوات من بيت غالية، يوجد منزل والدها روميو (رفيق علي أحمد) ووالدتها جانيت (جوليا قصّار) بشرفتها البيضاء. وتحتها دكان جانيت الذي أصبح فارغاً هو الآخر، وثمَّة ورشة في داخله استعداداً لتحويله إلى مطعم. ملاصق له بيت حماة غالية، فدوى (نوال كامل) وفي الطابق الأرضي منه حيث يسكن ابنها وليد (باسم مغنية) مع زوجته ليان (رولا بقسماتي).

رفيق علي أحمد وجوليا قصّار في موقع التصوير (الشركة المنتجة)

تنتبه وأنت تتجوَّل، كم أن البترون هي بالفعل استوديو طبيعي للتصوير. يكفي أن يأتي مخرج ويختار الموقع ويفتح كاميرته ليسجِّل مشاهد ساحرة. كل شيء جاهز، من المعمار التقليدي القديم بقناطره ونوافذه الخشبية وأبوابه الحديدية، إلى الأزقة المزدانة بالأشجار والشرفات العابقة بالزهور، إلى شاطئ البحر بمداه الأزرق. وقد أدرك المخرج الفذ فيليب أسمر، وهو يطوِّع «الاسكريبت» العبقري للكاتبة نادين جابر، أن المكان بسحره، قادر على أن يمنحه مفاتيح الصورة وجماليتها. هكذا بدل أن يُسقِط ما يريد على المشاهد، ترك البترون تُغْني المسلسل بما فيها من عفوية، وألوان، وأسلوب عيش، وبهاء.


مقالات ذات صلة

النسخة العاشرة من «ليلة الأفكار»... جسور فكرية بين لبنان وفرنسا

يوميات الشرق وزيرة الثقافة السابقة في فرنسا ريما عبد الملك (المركز الثقافي الفرنسي)

النسخة العاشرة من «ليلة الأفكار»... جسور فكرية بين لبنان وفرنسا

النسخة العاشرة من «ليلة الأفكار» في بيروت تُشكّل منصة حوارية وثقافية فريدة تجمع فنانين ومفكرين من لبنان وفرنسا لمناقشة تحديات العالم المعاصر.

يوميات الشرق أحياناً قد يتحول عمل الشخص إلى «قاتل صامت» (رويترز)

نصائح لمنع تحول عملك إلى «قاتل صامت»

أحياناً قد يتحول عمل الشخص إلى «قاتل صامت»، حيث يؤثر سلباً على صحته ويصيبه بمجموعة من الأمراض المهددة للحياة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق المايسترو اللبناني أندريه الحاج (أندريه الحاج)

أندريه الحاج لـ«الشرق الأوسط»: الموسيقى خالدة وذاكرتنا الفنية تستحق التكريم

يُبدي الحاج أسفه لخسارة لبنان عدداً كبيراً من الموسيقيين الشباب بسبب الهجرة، ويقول: «لا تجوز الاستهانة بالموضوع إطلاقاً، فهؤلاء هم مستقبل الموسيقى اللبنانية».

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق الفنان غوتز فاليان (غيتي)

غوتز فاليان... الديناصور الأخير في غابة السينما اليدوية

على مدار أكثر من 30 عاماً، ظلَّ الفنان النمساوي المولد، يعتاش من رسم بوسترات الأفلام الضخمة يدوياً، لتزيِّن أعرق دور العرض السينمائية في العاصمة برلين.

«الشرق الأوسط» (برلين)
يوميات الشرق مشاهير تلطَّخت أيديهم بالدماء... أبرز الجرائم في سجلَّات النجوميَّة

مشاهير تلطَّخت أيديهم بالدماء... أبرز الجرائم في سجلَّات النجوميَّة

إلى جانب النجوم ومحبة الجماهير، في سجلَّات المشاهير نقاطٌ سوداء بعضها ملطَّخ بالدم. فمن أبرز هؤلاء الذين خسروا نجوميَّتهم بسبب جرائم ارتكبوها؟

كريستين حبيب (بيروت)

قائمة «كوندي ناست ترافيلر» لأفضل الفنادق والمطاعم والسفن السياحية في الشرق الأوسط لعام 2025

بركة سباحة جميلة في دار طنطورة (الشرق الأوسط)
بركة سباحة جميلة في دار طنطورة (الشرق الأوسط)
TT

قائمة «كوندي ناست ترافيلر» لأفضل الفنادق والمطاعم والسفن السياحية في الشرق الأوسط لعام 2025

بركة سباحة جميلة في دار طنطورة (الشرق الأوسط)
بركة سباحة جميلة في دار طنطورة (الشرق الأوسط)

كشفت «كوندي ناست ترافيلر» عن قائمتها السنوية التاسعة والعشرين المرتقبة، التي تحتفي بأفضل الفنادق والمنتجعات والمطاعم والسفن السياحية الجديدة حول العالم.

يُبرز هذا الدليل الشامل، الذي جمعته الإصدارات العالمية الثمانية لمجلة «كوندي ناست ترافيلر»، بما في ذلك إصدار الشرق الأوسط، أبرز افتتاحات قطاع الضيافة خلال العام الماضي، مُقدماً للقراء مجموعة مُلهمة من الأماكن التي تُشكل مستقبل السفر.

فندق دار طنطورة ذا هاوس (الشرق الأوسط)

وتُعزز قائمة هذا العام مكانة الشرق الأوسط بوصفها قوة سياحية عالمية؛ حيث تضم العديد من الوجهات الإقليمية المتميزة في المنطقة العربية.

من بين أبرز معالم الشرق الأوسط المدرجة في قائمة الأفضل لعام 2025 (2025 هوت ليست):

نجوما في السعودية (الشرق الأوسط)

فندق دار طنطورة ذا هاوس، العلا، المملكة العربية السعودية - مشروع ترميم آسر على ضوء الشموع بقيادة المهندسة المعمارية المصرية شهيرة فهمي، يُعيد الحياة إلى واحة العلا العريقة.

نجوما، محمية ريتز كارلتون، جزر أمهات، المملكة العربية السعودية - ملاذ منعزل مُضاء بالنجوم على البحر الأحمر، يمزج بين الطبيعة البكر والحياة الفاخرة.

ديلانو في دبي (الشرق الأوسط)

ديلانو دبي، جزيرة بلوواترز، الإمارات العربية المتحدة - إعادة تصور جريئة وعصرية لمشهد الضيافة في دبي.

رويال منصور الدار البيضاء، المغرب - معلم جديد مبهر يمزج بين سحر فن الآرت ديكو والتراث المغربي.

فندق رويال منصور في المغرب (تصوير: سيريل روبن)

بالإضافة إلى إنجازاتها الفندقية، تفخر المنطقة بالابتكار في مجال الطهي؛ حيث حاز مطعم سفرة مريم، المطعم الفلسطيني في دبي، مكانة مرموقة بين أفضل المطاعم الجديدة في العالم.

وانضمت السفينة السياحية المصرية أماليليا، وهي سفينة سياحية نيلية فاخرة تديرها شركة «أما ووتروايز»، إلى القائمة المرموقة لأفضل السفن السياحية الجديدة.

وصرحت سيلينا دينمان، رئيسة المحتوى التحريري لـ«كوندي ناست ترافيلر الشرق الأوسط»: «يواصل الشرق الأوسط إعادة تعريف مستقبل السفر من خلال مزيج من الضيافة الاستثنائية والثقافة والابتكار. ومن المثير للغاية أن نرى وجهات إقليمية لا يتم تمثيلها فحسب، بل يتم الاحتفاء بها عالمياً من خلال شبكة (كوندي ناست ترافيلر) العالمية التابعة لمجموعة (كوندي ناست) الإعلامية العالمية. ومع ترحيب منطقتنا بمزيد من الفنادق والمطاعم والتجارب العالمية، نتطلع إلى سرد هذه القصص بالتفاصيل الدقيقة والشغف والأصالة التي تستحقها».

لطالما كانت قائمة «كوندي ناست ترافيلر» المميزة مرجعاً موثوقاً به للمسافرين المميزين، ويضع اختيار هذا العام معياراً جديداً لما هو ممكن في مجال السفر العالمي والإقليمي. من ملاذات صحراوية رومانسية، ومنتجعات البحر الأحمر الرائدة، إلى أساطير حضرية مُعاد ابتكارها وتجارب طهي حميمة، تُلهم أحدث الوجهات في الشرق الأوسط شغف السفر والاستكشاف على حد سواء.