يجذب البحر الأحمر في مصر هواة الصيد من جميع أنحاء العالم، بالنظر إلى طول سواحله الممتدة لمئات الكيلومترات، وطبيعته المتنوعة التي تميز كل منطقة عن غيرها في الصيد، فضلاً عن أنواع أسماكه المتعددة والنادرة.
ولا تخلو رحلات الصيد من أجواء ترفيهية مميزة، بالنظر إلى طبيعة المنتجعات السياحية المنتشرة هناك، الأمر الذي يجذب الهواة والمحترفين معاً، وراغبي الاستمتاع بتجربة جديدة وسط مياه البحر الفيروزية.
ولكل موقع بالبحر الأحمر مواسمه الخاصة، فهناك مناطق للأسماك يُغلَق بعضها أمام الصيد الترفيهي لأسابيع، من أجل تقليل تأثير عمليات الصيد على النظام البيئي، بينما تنتظم الرحلات الترفيهية بشكل مستمر، ما لم تكن هناك عوامل جوية تعيق الصيد.
ويتم تنظيم رحلات الصيد الترفيهي عادة عبر وسطاء، يكونون مسؤولين عن استئجار المركب وتجهيزه مع القائمين عليه، مع تحديد مدة الرحلة التي تبدأ من 10 ساعات، تنطلق عادة في الثامنة صباحاً وحتى السادسة مساءً، لهواة صيد الأسماك الصغيرة، أو تستمر لمدة 24 ساعة مع قضاء الليلة على المركب.
بينما تُعد رحلات الـ36 والـ48 ساعة هي الأكثر إقبالاً وتنظيماً في غالبية المواقع؛ لأنها تمنح الوقت للراغبين في الصيد لتجميع حصيلة جيدة من الأسماك برحلتهم، مع التحرك في أكثر من موقع بالمركب التي تتسع في المتوسط لنحو 8 أفراد، غير قائدها ومساعديه من البحارة الذين يقدمون الخدمات خلال الرحلة، ويقومون بأعمال صيد أيضاً في أوقات فراغهم.
وتنطلق رحلات الصيد من مواقع عدة، تبدأ من خليج السويس شمال البحر الأحمر، وتمتد حتى حلايب جنوباً، وتصل بعضها إلى 5 أيام في عرض البحر، وهي رحلات تستهدف الصيد الغزير من أعماق كبيرة، وعادة ما تكون الأسماك الأكبر حجماً هي المستهدفة من هذه الرحلات.
ورغم أن منطقة الزعفرانة التي تبعد عن القاهرة نحو 220 كيلومتراً، تعدُّ من المناطق التي توجد بها الأسماك متوسطة الوزن نسبياً، فإنها تعد الأكثر إقبالاً من هواة الصيد لقربها من العاصمة، ولكثرة الرحلات التي تُنظَّم فيها بشكل شبه يومي تقريباً، ولكن هذه الرحلات تكون عرضة للتغيير حال تغير مؤشرات رحلات الصيد عبر تطبيق «ويند فندر» وتحديثاته المستمرة التي تشير إلى توقعات ارتفاع الموج ومدى ملاءمة الطقس لأعمال الصيد في المنطقة.
ينقسم تنظيم الرحلات بين منظمين يقومون بحجز المركب وتجميع الراغبين في الصيد، سواء عبر مجموعات خاصة بمواقع التواصل الاجتماعي، أو بين أصدقاء يفضلون استئجار المركب وترتيب الرحلة بمفردهم، مع ترتيب التواصل مع قائد المركب وإبلاغه بالمواعيد المقترحة للصيد. وفي هذه الحالة، يكون المستأجرون مسؤولين عن كافة التفاصيل الخاصة بالإعاشة في أثناء مدة الرحلة.
ولا يوجد موعد محدد لانطلاق الرحلات، فالرحلات الاعتيادية تنطلق في حدود الثامنة صباحاً، أما الرحلات «المقلوبة» فتنطلق في حدود الرابعة أو الخامسة مساءً، وهي الرحلات التي تستهدف قضاء وقت أطول ليلاً في البحر، وتكون مفضلة لدى كثيرين، مع وجود فرصة يراها البعض مضاعفة؛ خصوصاً في رحلات الـ36 ساعة لتجميع حصيلة أكبر من الأسماك.
الاستعداد للقيام بهذه الرحلة مع الأصدقاء يتطلب ترتيبات مسبقة وتجهيزات مرتبطة بشراء كميات من المياه العذبة لاصطحابها، بجانب مأكولات لتجهيزها على المركب، مثل علب الجبن والمخبوزات والبيض، مروراً بالمشروبات والألبان، مع الحرص على اصطحاب «آيس بوكس» لكل فرد ليجمع فيه حصيلة الرحلة.
من ضمن مراحل الاستعدادات الضرورية للرحلة، مرحلة تجهيز «العدة» التي تختلف حسب الهدف من الصيد وطريقته، بين صيد «التسقيط» على أعماق قصيرة أو متوسطة، والذي يتطلب أثقالاً وسنوناً متنوعة، حسب العمق وطبيعة المكان، مروراً بصيد الجر خلال حركة المركب الذي يستخدم ماكينات أكثر قوة وصلابة مزودة بـ«رابيلات» صناعية، لاستهداف أسماك الدراج، وتُستخدم أيضاً لصيد أنواع الكاليماري.
تبدأ رحلة الصيد منذ تحرك المركب، عبر إلقاء السنارات لصيد الجر خلال تحرك المركب إلى وجهتها الأولى، بينما يبلِّغ قائد المركب أصحاب الصنارات قبل التوقف بوقت قصير لجمع الخيط، تمهيداً لرسو المركب في وجهتها الأولى.
تتسم ماكينات صيد الجر عادة بصوت صفارة عندما تنجح «الرابيلا» في الإيقاع بالسمك كبير الحجم المستهدف، وبمجرد سماع قائد المركب صوت الصفارة، يبدأ في التهدئة والتوقف بشكل تدريجي، بما يسمح ببدء مناورة لاستخراج السمكة بشكل تدريجي، وهو الأمر الذي يستغرق بعض الوقت، ويحمل احتمالات الإخفاق وهروب السمكة، حال عدم التعامل معها بشكل صحيح.
من خلال الأجهزة المستخدمة في الاستشعار ومتابعة الأعماق، يختار قائد المركب الوجهة الأولى للرسو، ليبدأ الصيد بالتسقيط، مع البدء في محاولة تشجيع السمك على الاقتراب من المركب عبر الوقوف بشكل كامل، والبدء فيما تُسمَّى «الزفارة» عبر إلقاء طعوم متعددة في محيط المركب، في محاولة لتجميع الأسماك.
ويعدُّ الجمبري الطازج والطُّعوم الطبيعية -مثل الباغة والسبيط- من أفضل الخيارات لجذب الأسماك، بينما تُعد المناطق القريبة من براميل استخراج الغاز والنفط من الأماكن التي يستهدفها عدد ليس بالقليل من الهواة في رحلاتهم.
وتتنوع الأسماك التي يتم اصطيادها حسب مواسمها، ما بين: الحفار، والدريني، والحريد، والشخرم، والباغة، بجانب الشعور والتونة، بينما تتم إعادة بعض الأسماك السامة التي تعيش في المنطقة إلى البحر بشكل سريع فور اصطيادها، ومن أبرزها سمكة الأرنب.