تعرف على ثاني أكبر مدينة حضرية في العالم... دلهي

مأهولة بالسكان منذ 600 عام قبل الميلاد وتقارن بروما وإسطنبول والقاهرة

مقبرة همايون (شاترستوك)
مقبرة همايون (شاترستوك)
TT

تعرف على ثاني أكبر مدينة حضرية في العالم... دلهي

مقبرة همايون (شاترستوك)
مقبرة همايون (شاترستوك)

تعدُّ العاصمة الهندية، دلهي، مدينة شديدة الضخامة - تحديداً، ثاني أكبر منطقة حضرية في العالم، بعد طوكيو - ولأنها كانت مأهولة بالسكان بشكل مستمر منذ نحو 600 عام قبل الميلاد، فإن تراثها لا يمكن مقارنته سوى بعدد محدود للغاية من المدن، مثل روما أو إسطنبول أو القاهرة.

جرى بناء دلهي على أنقاض سبع مدن قديمة، ولديها الكثير من المزارات. وتهيمن الآثار القديمة والمساجد والأسواق والحصون على أهم مناطق الجذب في دلهي. في الواقع، من الصعب السير أكثر من بضع بنايات في دلهي دون أن تتعثر في موقع تاريخي آخر أو كنز قديم.

وسعياً لمساعدتك على تحقيق أقصى استفادة من وقتك في دلهي، إليك اختيارنا لأفضل الأشياء التي يمكنك رؤيتها والقيام بها داخل العاصمة الهندية الجذابة والمزدحمة. يمكن أن تطغى المدينة بسهولة على المعالم السياحية المذهلة، لذلك إليك اختيارنا لأفضل السبل لقضاء وقتك في دلهي الجذابة.

القلعة الحمراء في دلهي (شاترستوك)

استكشف تاريخ دلهي

شكلت دلهي قلب الإمبراطورية المغولية السابقة، وتحتضن المدينة كثيراً من المعالم التاريخية التي تقف بمثابة شواهد على ماضي المدينة المجيد.

تعد القلعة الحمراء واحدة من المعالم الأكثر شهرة في دلهي، ويرجع تاريخ بنائها إلى عام 1638 من قبل الإمبراطور المغولي شاه جاهان. وجرى بناء القلعة من الحجر الرملي الأحمر، وتتمتع بتاريخ غني، وجرت الاستعانة بها بوصفها مقر إقامة أباطرة المغول منذ نحو 200 عام. واليوم، تعدُّ القلعة الحمراء أحد مواقع التراث العالمي لليونيسكو، وتجذب ملايين الزوار سنوياً.

إضافة لذلك، يعدُّ «قطب منار» أحد مواقع التراث العالمي التابعة لليونيسكو، وواحداً من أطول المآذن في العالم. جرى بناء «قطب منار» من طرف سلطنة دلهي في القرن الثاني عشر، وهو مصنوع من الحجر الرملي الأحمر والرخام. يبلغ ارتفاع المئذنة 73 متراً، وتتألف من خمسة طوابق متميزة، لكل منها شرفة. وتزدان جدران وأعمدة المنار بنقوش بالخط البارسو ـ النجاري والخط العربي.

يمكنك كذلك زيارة «مسجد الجامع» أحد أكبر المساجد على مستوى الهند ويقع في الجزء القديم من دلهي. يعود تاريخ البناء إلى القرن السابع عشر على يد الإمبراطور المغولي شاه جاهان، وهو مصنوع من الحجر الرملي الأحمر والرخام الأبيض. يتسع المسجد لأكثر من 25 ألف شخص، ويعدُّ مكاناً رائعاً للتعرف على ثقافة وتاريخ دلهي.

وفي سياق متصل، تعدُّ مقبرة همايون، أول مقبرة داخل حديقة يجري بناؤها في الهند تكريماً للإمبراطور المغولي همايون. وتشتهر المقبرة بهندستها المعمارية الرائعة، المصممة على الطراز الهندي الإسلامي. واستغرق بناء المقبرة نفسها أكثر من 8 أعوام، وتقع داخل حديقة مترامية الأطراف تمتد على مساحة 30 فداناً، ويطلق عليها «شار باغ». ويضم المكان العديد من المقابر الأخرى، منها مقابر تضم رفات العديد من أباطرة المغول الآخرين.

استكشاف دلهي على دراجة

لضمان معايشة تجربة مختلفة في دلهي، انزل إلى الشوارع على دراجة هوائية، وانغمس في الألوان والروائح والأصوات والأذواق المختلفة. تنظم شركة «دلهي باي سايكل»، التي أسسها صحافي هولندي (الهولنديون معروفون بحبهم لركوب الدراجات)، مجموعة من جولات الدراجات عبر أرجاء المدينة. وتتضمن هذه الجولات جولات عبر أجزاء مختلفة من دلهي القديمة ونيودلهي، حتى يتمكن الزائر من استكشاف زوايا مختلفة من المدينة. وستحتاج إلى الاستيقاظ باكراً، لأن العديد من الجولات تبدأ في الصباح الباكر لتجنب حركة المرور في المدينة.

أكبر سوق للتوابل في آسيا

إذا كنت من محبي الطهي، فلا بد من زيارة سوق التوابل التي تعود إلى عصر المغول في القرن السابع عشر. ومثلما هو متوقع من أي سوق للتوابل، تعد سوق التوابل «خاري باولي» بمثابة سوق قادرة على تحفيز الحواس المختلفة. بالإضافة إلى الألوان النابضة بالحياة لكل ظل ولون يمكن تخيله، يمكنك كذلك أن تتوقع هجمات من روائح نفاذة من جميع الزوايا على مستقبلاتك الشمية - ولا تفاجأ إذا عانيت فجأة من نوبة عطس مفاجئة أو اثنتين. بخلاف التوابل التي تحمل اسمها، هناك كذلك الكثير من الفواكه المجففة والأعشاب والمكسرات والشاي والحبوب والأرز والمعكرونة، مما يعني أن السوق تضم ما يناسب كل الأذواق.

يعود تاريخ سوق التوابل الشهير في دلهي إلى عام 1650 عندما قامت ببنائه إحدى الزوجات الخمس للإمبراطور المغولي شاه جاهان. اليوم، يجري تشغيل بعض المتاجر على أيدي أصحاب المتاجر من الجيل العاشر والحادي عشر وحتى الثاني عشر من أحفاد الملاك الأوائل للمتاجر. بالإضافة إلى كونه وجهة شهيرة لتجار التوابل وعشاق الطعام، تُعدُّ السوق معلماً ثقافياً وتاريخياً رائعاً تحيطه أمثلة مذهلة للهندسة المعمارية في عصر المغول، بما في ذلك القلعة الحمراء والمسجد الجامع، مما يقدم لمحة فريدة عن التاريخ النابض بالحياة وثقافة دلهي.

فن شارع مستعمرة لودهي

لمحبي فنون الشوارع، يعد أول معرض فني عام في الهواء الطلق في الهند، منطقة لودهي للفنون، وهو مكان تجب زيارته. وأصبحت الجدران الفارغة على طول الشوارع هنا بمثابة لوحات فنية للفنانين من الهند ومن جميع أنحاء العالم.

تضم المنطقة أكثر من 65 لوحة جدارية مذهلة لفنانين وطنيين ودوليين. ويضيف مهرجان لودهي الشتوي السنوي إلى حيوية وإرث هذا المكان، حيث تقام مختلف فنون الشارع مثل الموسيقى والرقص.

خلال رئاسة الهند لمجموعة العشرين، زينت جداريتان مذهلتان المنطقة الفنية لفناني الشوارع، من إبداع باولا دلفين من المكسيك وأندا راس من ماليزيا. وبصرف النظر عن تجميل الشوارع، أظهرت الأعمال الرائعة كذلك قوة فن الشارع في تشكيل عقول الناس ورصد تعقيدات الحياة اليومية.

تجربة الأماكن المسكونة في دلهي

إذا كنت من الباحثين عن الإثارة وتميل للتجارب الخارقة للطبيعة، فإن دلهي المكان المناسب للذهاب إليه. تواصل مع هيئة السياحة في دلهي التي تنظم جولات في عدد من الأماكن المسكونة، بجانب أماكن مسكونة أخرى يديرها صائدو الأشباح على نحو خاص. يمكن للمرء أن يختار زيارة «أغراسين كي باولي»، بئر الملح الذي جرى إخلاؤه الآن، ويعتقد السكان المحليون أنه مسكون بأشباح. وبالمثل، يعتقد الكثيرون أن منطقة «كانتون دلهي» يسكنها شبح يظهر في ملابس بيضاء. مكان آخر غريب للزيارة في دلهي هو «مقبرة لوثيان»، التي يقال عادة إنها تسكنها روح الجنرال الإنجليزي الذي تحمل المقبرة اسمه، الذي انتحر بعد أن اكتشف أن المرأة الهندية التي أحبها تزوجت من رجل آخر.

ومن بين وجهات الرعب الشهيرة في دلهي كذلك «بهولي بهاتياري كا محل»، نزل صيد مهجور في كارول باغ، ويعود تاريخ بنائه إلى القرن الرابع عشر على يد فيروز شاه تغلق، وثمة اعتقاد سائد اليوم أنه مسكون. ومع نمو صور الحياة البرية فوق المبنى المدمر، يبرز هذا النزل بوصفه أحد الأماكن المخيفة في دلهي، التي يتعين على جميع محبي الرعب زيارتها.

مقبرة همايون (شاترستوك)

أكبر مستشفى للطيور في العالم

يعد معبد جاين واحداً من أقدم وأجمل المعابد من نوعها في دلهي، ويحتوي على لوحات جدارية تعود إلى 100 عام ماضية، بجانب مستشفى كامل مخصص يتولى علاج 15 ألف طائر جريح سنوياً. المكان غارق في الأساطير. وتنتشر أقاويل أنه عندما حظر الإمبراطور المغولي الموسيقى في المعبد، استمرت الجدران في إصدار قرع الطبول من تلقاء نفسها.

تشامبا غالي

من التجارب الأخرى الغريبة التي بمقدورك معايشتها في دلهي، زيارة تشامبا غالي، الذي يوفر أجواءً خلابة، ويضم مقاهي منزلية صغيرة ومعارض فنية والعديد من المتاجر الصغيرة الجذابة. وتجذب العديد من متاجر الحرف اليدوية خبراء الفن إلى المكان. وداخل المكان، تجري إقامة حفلات موسيقية وجلسات شعرية، يحاوطها سحر الريف. بالتأكيد هذا واحد من الأماكن الفريدة في دلهي التي يتعين على الجميع عدم تفويت زيارتها.

دلهي ثاني أكبر مدينة مأهولة بالسكان (شاترستوك)

عروض مسائية داخل مملكة الأحلام

لقضاء ليلة لا تُنسى، خاصة إذا كنت تقيم في ضواحي جورجاون بالقرب من نيودلهي، توجه إلى متنزه مملكة الأحلام الخيالي، حيث يجري تنظيم عروض فنية وثقافية وتراثية، إضافة إلى فعاليات على صلة بالحرف اليدوية والمأكولات والفنون المسرحية في أجواء حالمة.

وهناك عرضان مثيران للإعجاب من إنتاج «بوليوود» على المسرح: «زنغورة» (أكبر عرض مسرحي موسيقي في بوليوود على الإطلاق) و«جومرو» (كوميديا موسيقية حديثة).

أما إذا كنت من عشاق الطعام، فإن «كلتشر غولي» في مملكة الأحلام يتيح لك فرصة نادرة لتذوق المأكولات الرائعة في جميع الولايات الرئيسية في الهند.

مراسم تغيير الحرس

يمكنك مشاهدة مراسم تغيير الحرس في قصر دلهي الرئاسي، أحد أقدم التقاليد العسكرية في الهند. ويمكنك الاستمتاع بهذا الاستعراض الذي لا يُنسى، مع ظهور نخبة الحرس الشخصي للرئيس على ظهور الخيل وفرقة الجيش النحاسية بكامل عدتها.

ويعدُّ احتفال تغيير الحرس واحداً من العديد من الاحتفالات المماثلة التي تقام حول العالم (أشهرها في قصر باكنغهام بلندن).

كابوتار بازي (رياضة سباق الحمام)

«كابوتار بازي» سباق تقليدي لقدرة الحمام على الطيران بسرعة، ابتكره المغول منذ قرون، وما يزال رياضة تحظى بشعبية كبيرة في دلهي حتى يومنا هذا.

وداخل دلهي القديمة، يجري تنظيم السباق على نحو أكثر فخامة وتقليدية. ويعكف نحو 500 شخص في دلهي القديمة على تدريب الحمام على هذه الرياضة. وفي إطار السباق، يطير الحمام عكس الريح ويعود عبر الطريق نفسه، وفي النهاية يتم إعلان الفائز الذي يطير إلى أبعد مسافة.

تبدأ السباقات في الساعات الأولى من النهار وتنتهي في المساء. وإذا لم تكن قد رأيت واحداً من قبل، فقد يكون هذا حدثاً مثيراً لمعايشته.

الغولف

ربما لا تعرف ذلك، لكن دلهي مدينة تضم عدداً مدهشاً من نوادي الغولف رفيعة المستوى. وتوجد بها ملاعب غولف عالمية الطراز، صممها أمثال نيكلاوس وبالمر ونورمان. بدءاً من أفضل مرافق التدريب والأندية المرموقة وحتى أفضل اللاعبين وأكبر البطولات، فإن حلبة الغولف في العاصمة تضم كل شيء. بجانب ذلك، فإن معظم لاعبي الغولف ونوادي الغولف يرحبون باللاعبين الجدد.

يمكن الوصول بسهولة إلى معظم نوادي الغولف، والنادي التقليدي على هذا الصعيد نادي دلهي للغولف، المشهور بمناظره الجميلة وموقعه المركزي.

لودهي عنوان محبي الفنون (شاترستوك)

رحلة هليكوبتر في دلهي

يمكنك اكتشاف مناطق الجذب الرئيسية في دلهي من الجو في جولة بالمروحية، للاستمتاع بالمناظر الخلابة، بينما تعاين المدينة من عنان السماء. يمكنك الاستمتاع بمنظر بانورامي للعاصمة، والتقاط صور جوية مذهلة من الأعلى. انغمس في هذه التجربة الفريدة من نوعها وشاهد قوة عاصمة الهند من منظور مختلف تماماً.

اغتنم هذه الفرصة المذهلة لاستكشاف المدينة على ارتفاع 1000 - 1500 قدم والتمتع بمشاهدة أشهر معالم دلهي، بينما تغمرها أشعة الشمس الساطعة من داخل طائرة هليكوبتر.


مقالات ذات صلة

السعودية تستقطب شركات طيران وتفتح مسارات جديدة في 2024

الاقتصاد صورة لوزيرة السياحة البحرينية فاطمة الصيرفي مع مسؤولي برنامج الربط الجوي السعودي خلال مؤتمر مسارات العالم (الشرق الأوسط) play-circle 00:46

السعودية تستقطب شركات طيران وتفتح مسارات جديدة في 2024

تحدّث الرئيس التنفيذي لبرنامج الربط الجوي السعودي، ماجد خان، لـ«الشرق الأوسط»، عن نجاح البرنامج، هذا العام، في جذب 12 شركة طيران.

بندر مسلم (المنامة)
يوميات الشرق الرياض تستضيف أكبر الفعاليات الترفيهية الشتوية في العالم (الشرق الأوسط)

1000 فعالية سياحية يشهدها «شتاء السعودية» لخَلْق تجارب لا تُنسى

تتيح منصة «روح السعودية» للسياح والزوار الراغبين في معلومات إضافية عن برنامج هذا العام، الاطّلاع على العروض والباقات والخصومات الخاصة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
سفر وسياحة نافورة بحيرة لومان الاشهر في المدينة (شاترستوك)

جنيف... أناقة بالخط العريض

هل تعلم بأن أكثر من %40 من سكان مدينة جنيف هم من غير السويسريين؟ والسبب هو أن هذه المدينة تضم العديد من المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة والصليب الأحمر.

جوسلين إيليا (جنيف)
سفر وسياحة مشهد الغروب يؤكد استثنائية التجربة البصرية (حساب «C-Lounge» في «فيسبوك»)

مغيب الشمس من سطوح بيروت... استثنائية التجربة البصرية

تحلو الجلسة المُطلَّة على مشهد يُبهج النفس ويهدِّئ همَّ الأيام. في بيروت، تتعدَّد الأماكن المشرفة على العاصمة ببحرها ومبانيها وأفقها البعيد حيث تتوارى الشمس

فاطمة عبد الله (بيروت)
الاقتصاد يقوم عدد من مقدمي طلبات التأشيرات في مركز التأشيرات بالرياض بإكمال إجراءات طلباتهم (الشرق الأوسط)

نمو طلبات تأشيرات «شنغن» في السعودية بنسبة 23 % هذا العام

كشفت شركة «في إف إس غلوبال» عن أن الطلب على تأشيرات «شنغن» في السعودية شهد نمواً ملحوظاً بنسبة 23 في المائة هذا العام.

فتح الرحمن يوسف (الرياض)

جنوب سردينيا القسم الجميل والمهمل في إيطاليا

جزيرة نائية تسكنها نسبة قليلة من الإيطاليين (نيويورك تايمز)
جزيرة نائية تسكنها نسبة قليلة من الإيطاليين (نيويورك تايمز)
TT

جنوب سردينيا القسم الجميل والمهمل في إيطاليا

جزيرة نائية تسكنها نسبة قليلة من الإيطاليين (نيويورك تايمز)
جزيرة نائية تسكنها نسبة قليلة من الإيطاليين (نيويورك تايمز)

كان الضجيج نادراً في جنوب سردينيا منذ مدة طويلة، يقول البعض ربما منذ انحدار الحضارة النوراجية من العصر البرونزي في المنطقة. ومع ذلك، في ثاني أكبر جزيرة إيطالية، حيث تفوق الأغنام عدد السكان إلى حد كبير، هناك طاقة جديدة لا لبس فيها في «كالياري»، عاصمة البحر الأبيض المتوسط الصغيرة، والريف المحيط بها.

تشتهر سردينيا بطبيعتها وشواطئها الجميلة (نيويورك تايمز)

يقول المؤرخ المحلي فينتورينو فارغييو، بينما كنا نشاهد احتفال الأزياء الشعبية السنوي في سانت إفيزيو في المدينة: «لقد اعتدنا أن نعدّ أنفسنا ريفيين، معزولين في هذه الجزيرة النائية. لكن سكان سردينيا بدأوا يدركون أن ثقافتنا لها قيمة حقيقية بالنسبة إلينا وللأجانب».

في كالياري، هناك زيادة في الفخر، إلى جانب موجة من التنمية الجديدة، أغلبها يهدف إلى زيادة الأعداد المتزايدة بالفعل من السياح. في حي مارينا الذي يتغيّر بسرعة، وهو معقل سابق لصيادي الأسماك، صار اليوم مزيجاً نابضاً بالحياة من المهاجرين والمقيمين منذ مدة طويلة، سوف يُنشئ متنزه، جرى تصميمه من قبل المهندس المعماري «ستيفانو بويري»، حديقة مورّقة على طول الواجهة البحرية. سوف يوصل خط قطار خفيف المارينا بضواحي كالياري، ويجري إنشاء ميناء جديد، من المتوقع أن يكون عام 2026 لنقل سفن الرحلات البحرية بعيداً، ما يسمح للسفن الشراعية بالرسو (وإنفاق الأموال) في وسط كالياري.

«لاي» من أشهر الأجبان في جنوب سردينيا (نيويورك تايمز)

بالنسبة إلى كالياري والجنوب الذي يمتد على طول ساحل رملي أبيض وبحر أزرق من الشواطئ الخلابة يمكن أن يثبت المد السياحي إما أنه مدمر وإما أنه نعمة للمنطقة التي تعاني من نقص الفرص. منذ عقود مضت، أصبحت «كوستا إزميرالدا» في شمال سردينيا ملعباً ومنتجعاً للأثرياء مثل ميلانو على البحر الأبيض المتوسط التي ترمز إلى كيفية استعمار السياح لمنطقة ما.

جبن محلي الصنع في سردينيا (نيويورك تايمز)

لكن هل يمكن إنشاء صورة أكثر انسجاماً من السفر في الجنوب؟ مع السياحة المفرطة التي أصبحت الآن لعنة عديد من المواقع الإيطالية، زرت المنطقة وسألت السكان المحليين: ما الذي قد يشكّل مستقبلاً أفضل؟

قال سامويلي موسكاس، أحد مؤسسي «سابوريس»، وهو مطعم خلاّب ومقهى في مارينا: «هذه المدينة تتطوّر لتناسب السياح». يتميّز المطعم بمظهر باريسي رائع، ولكنه يقدّم قائمة طعام محلية وزواراً محليين، وهو واحد من كثير من المطاعم الحضرية في كالياري التي تنافس تلك الموجودة في المدن الإيطالية الكبرى. قدّم لي موسكاس الذي بدأ رحلته في «سابوري دي سردينيا»، وهو متجر قريب للأغذية، الذي كان يضم «سابوريس» وجاره القريب «بيبيت»؛ طبقاً من الهليون البري من شمال سردينيا، وأشار إلى أنني كنت الشخص الوحيد غير السرديني في غرفة الطعام. ثم قال: «لقد أنشأنا هذا المكان لمجتمعنا. ونرحّب بالسياح أيضاً، لكننا نريد منهم أن ينغمسوا في ثقافتنا، في مكان خاص بنا».

مقارنة بالمدن الإيطالية الأخرى، قد تبدو المواقع الثقافية في كالياري قليلة بعض الشيء، رغم أن المتحف الأثري يحتوي على مجموعة رائعة من القطع الأثرية النوراجية والفينيقية والرومانية القديمة في سردينيا، بما في ذلك الرماة النوراجيون المنحوتون على الحجر، والمعروفون باسم عمالقة «مونتي براما». وفي أماكن أخرى، هناك مواقع مثل «غياردينو سونورو»، وهو تركيب خارجي من منحوتات حجرية لصنع الموسيقى من قِبل الفنان المحلي «بينوكيو سيولا»، وكاتدرائية الباروك مع قبوها المقوّس المغطى بالبلاط الذي يُصوّر ما يقرب من 200 قديس.

جزيرة نائية تسكنها نسبة قليلة من الإيطاليين (نيويورك تايمز)

إنها مدينة يكون الاستمتاع بها بشكل أفضل من خلال التجول. يُعدّ شاطئ «بويتو» الذي يمتد لمسافة أميال مكاناً رائعاً للخروج في كالياري خلال الطقس الدافئ، مع نوادي الشاطئ ومطاعم المأكولات البحرية الكلاسيكية مثل مطعم «ريستورانتي كالاموسكا» على حافة الماء. تتجمع طيور الفلامنغو الوردية، وهي أكثر سكان المدينة تقديراً، بالقرب من مسطحات «مولينتارغيوس» الملحية. يتدفق السياح والسكان المحليون على حد سواء إلى حصن سانت ريمي، أفضل نقطة مراقبة في هذه المدينة ذات التلال المتحدرة. وفي وقت مبكر من المساء، تمتلئ ساحة «غيتانو أورو» بالشباب الذين يتجمعون حول بار «فينيريا فيلانوفا»، ويتوجهون لتناول العشاء في المطاعم الكلاسيكية مثل مطعم «تراتوريا ليليكو»، الذي يرجع تاريخه إلى عام 1938، أو أحد مطاعم الجيل الجديد مثل «ريتروبانكو»، و«وسابوريس».

في الوقت الحالي، لا تزال كالياري تبدو وكأنها مدينة تنتمي إلى سكانها، على عكس فلورنسا أو البندقية أو غيرهما من المدن التي يكتظ بها السياح. قال جوزيبي دي مارتيني، المدير العام لمطعم «ريتروبانكو»: «لكننا نريد زيادة الزوار هنا». وأضاف: «يجب أن تصبح كالياري عاصمة البحر الأبيض المتوسط».

يُعد جبن «لاي» سبباً كافياً لزيارة المنطقة. ففي «سينوس»، ورشته الصغيرة، يتبع تقليداً سردينياً قديماً لصنع الأجبان الطبيعية باستخدام الحليب الطازج من الأغنام التي تملكها عائلته. ويقول: «يُصبح الطعام المصنوع بطريقة واعية وسيلة لنقل الثقافة»، بينما كنا غارقين حتى مرافقنا في الحليب الساخن، ونسكب اللبن الرائب في وعاء نحاسي مسخن بالنار. يمكن للضيوف زيارة المتجر لتذوق أجبانه العتيقة الرائعة أو، كما فعلت، تجربة صناعتها بأنفسهم.

في منطقة «سولسيس» المجاورة، واجهت تفسيراً آخر لـ«سردينيا»، حيث يتم الجمع بين الحرف التقليدية والتصميم المعاصر بلا خجل. «بريتزايدا» هي الاستوديو الإبداعي لكل من «إيفانو أتزوري» و«كاير تشينڨن»، وهما مهاجران من كاليفورنيا وميلانو، يصممان وينتجان الأثاث مع الحرفيين المحليين. هذا الربيع، افتتح الثنائي «لوكسي بيا»، وهي مجموعة من بيوت الضيافة الحجرية المحيطة بها أشجار الزيتون والحقول الخضراء. أعادا بناء المساكن وفقاً للأسلوب التقليدي للمنطقة وملأوها بأسرّة «بريتزايدا» ذات الإطارات الخشبية المنحوتة المذهلة، وطاولات جانبية من الفلين المنحوت، وغير ذلك من القطع المعاصرة المصنوعة يدوياً.

طبيعة جميلة في واحدة من أكبر جزر إيطاليا (نيويورك تايمز)

لاحقاً، استقللت دراجة كهربائية للوصول إلى «تومبي دي جيغانتي»، وهو موقع «نوراجيكي» مع مسارات المشي لمسافات طويلة تطل على التلال المشجرة. تقع شواطئ الأحلام «بورتو بينو»، و«سو بورتو دي سو تريغو»، و«إيس سوليناس» في البحر الأبيض المتوسط على مسافة قصيرة بالسيارة، وكذلك مجتمع الصيد الغني بالتاريخ في جزيرة «سانت أنتيوكو»، المتصلة بالجزيرة الرئيسية عبر جسر بري رفيع.

في أعماق «سولسيس»، وهي منطقة معروفة بأعمال التعدين السابقة، وعلى طول الساحل الجنوبي الغربي، افتُتح «لو ديون بيسيناس» في مايو (أيار)، بوصفه فندقاً فخماً في مستودع سابق للتعدين، وهي محاولة طموحة لتحويل منطقة فارغة الآن من الصناعة إلى وجهة ذات طابع طبيعي. أصبحت الحديقة المحيطة جزءاً من درب المشي «سانتا باربرا»، باتباع المسارات التي كان يسير عليها عمال المناجم ذهاباً وإياباً من العمل. لكن موطن الجذب الحقيقي هو العزلة الرائعة للفندق وشاطئه المواجه للغروب، والمدعوم بشكل كبير ببعض أطول الكثبان الرملية في أوروبا «ربما الجزء الأكثر عزلة من ساحل سردينيا»، كما قالت المالكة «مارسيلا تيتوني»، التي قضت 10 سنوات في تجديد الفندق: «ما أفضل طريقة لإحيائه سوى من خلال الزوار وهذا العمل المفعم بالمحبة؟».

* خدمة «نيويورك تايمز»