نصابون يبيعون دليل السفر من تأليف الذكاء الاصطناعي

نصب واحتيال من نوع جديد يطولان عالم السياحة

نصب واحتيال يطال تأليف الكتب الخاصة بالسفر (شاترستوك)
نصب واحتيال يطال تأليف الكتب الخاصة بالسفر (شاترستوك)
TT

نصابون يبيعون دليل السفر من تأليف الذكاء الاصطناعي

نصب واحتيال يطال تأليف الكتب الخاصة بالسفر (شاترستوك)
نصب واحتيال يطال تأليف الكتب الخاصة بالسفر (شاترستوك)

في مارس (آذار) الماضي كانت تخطط إيمي كولسكي لرحلة إلى فرنسا، فهي مسافرة دولية ذات خبرة تعيش في مقاطعة باكس بولاية بنسلفانيا، قامت بزيارة موقع أمازون، وكتبت بعض كلمات البحث: السفر، دليل إرشادي، فرنسا. ظهرت عناوين لمجموعة من العلامات التجارية الموثوق بها بالقرب من أعلى الصفحة مثل لونلي بلانيت وغيرها. وكان من بين نتائج البحث أيضا «دليل السفر الفرنسي» الأعلى تصنيفا، لمايك ستيفز، وهو مؤلف مشهور في مجال السفر، بحسب صفحته على موقع أمازون.

نصب واحتيال يطال تأليف الكتب الخاصة بالسفر (شاترستوك)

قالت كولسكي، (53 عاما): «تأثرت على الفور بكل التقييمات المذهلة»، مشيرة إلى ما رأته في ذلك الوقت: تقييمات عالمية وأكثر من 100 تقييم بخمس نجوم. ووعد الدليل بخطط سير الرحلات، والتوصيات من السكان المحليين. كما لفت سعر الكتاب - 16.99 دولار، مقارنة بـ25.49 دولار لكتاب ريك ستفيز عن فرنسا - انتباه كولسكي، فطلبت بسرعة نسخة مطبوعة بواسطة خدمة أمازون وفق الطلب.

عندما وصلت نسخة الكتاب، أصيبت السيدة كولسكي بخيبة أمل بسبب وصفاته الغامضة، والنصوص المتكررة، وعدم وجود خطط لمسارات الرحلات. وقالت: «يبدو أن المؤلف ولج إلى الإنترنت فورا، ونسخ مجموعة كاملة من المعلومات من ويكيبيديا وألصقها في كتابه». فأرجعت الكتاب إلى أمازون، وتركت تقييما لاذعا من نجمة واحدة فقط.

رغم أنها لم تدرك الأمر في حينه، فقد وقعت كولسكي ضحية لشكل جديد من الاحتيال في السفر، وهو عبارة عن أدلة إرشادية رديئة للغاية يبدو أنها جُمعت بمساعدة الذكاء الاصطناعي التوليدي، ونُشرت ذاتيا، ثم دُعمت بمراجعات وهمية، تلك التي انتشرت في الأشهر الأخيرة على موقع أمازون.

هذه الكتب هي نتاج لمزيج مثير من الأدوات الحديثة: تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي يمكنها إنتاج نصوص وصور مزيفة، ومواقع الويب التي تحتوي على مجموعة لا نهائية من الصور والرسومات، ومنصات النشر الذاتي - مثل «كيندل للنشر المباشر» في أمازون - مع عدد طفيف من الضمانات ضد استخدام الذكاء الاصطناعي، والقدرة على طلب وشراء ونشر مراجعات وهمية على الإنترنت، التي تتعارض مع سياسات أمازون، وربما تواجه عما قريب قدرا متزايدا من الرقابة من جانب لجنة التجارة الفيدرالية.

سمح استخدام هذه الأدوات جنبا إلى جنب للكتب بالارتفاع مقتربة من قمة نتائج البحث في أمازون وفي بعض الأحيان كسب التأييد من موقع أمازون مثل «دليل السفر الأول إلى ألاسكا».

موقع أمازون يبيع دليل السفر يعتمد بمعلوماته على الذكاء الاصطناعي (شاترستوك)

على سبيل المثال، أسفر بحث أجرته شركة أمازون مؤخرا عن عبارة «دليل السفر لباريس عام 2023» عن عشرات من الأدلة التي تحمل هذا العنوان الدقيق. ويتباهى أحدهما، الذي يُدرج مؤلفه تحت اسم ستيوارت هارتلي، بنحو غير أخلاقي بأنه «كل ما تحتاج إلى معرفته قبل التخطيط لرحلة إلى باريس». لا يحتوي الكتاب على أي معلومات إضافية عن المؤلف أو الناشر. كما أنه لا يحتوي أي صور أو خرائط، رغم أن العديد من منافسيه لديهم أعمال فنية وصور فوتوغرافية مما يمكن تعقبه بسهولة إلى مواقع تخزين الصور. وقد ظهر أكثر من 10 كتب إرشادية أخرى منسوبة إلى ستيوارت هارتلي على موقع أمازون في الأشهر الأخيرة، التي تعتمد على التصميم نفسه المعتاد والمتكرر مع استخدام لغة ترويجية مماثلة.

وجدت صحيفة «نيويورك تايمز» أيضا كتبا مماثلة حول مجموعة أوسع بكثير من المواضيع، بما في ذلك الطهي، والبرمجة، والبستنة، والأعمال التجارية، والحرف اليدوية، والطب، والدين والرياضيات، فضلا عن كتب المساعدة الذاتية، والروايات، من بين العديد من الفئات الأخرى.

رفضت أمازون الإجابة عن سلسلة من الأسئلة المفصلة بشأن الكتب. وفي بيان جاء عبر البريد الإلكتروني، قال المتحدث باسم الشركة، إن أمازون تباشر تقييم التقنيات الناشئة باستمرار. وأضاف: «يجب على كل الناشرين في المتجر الالتزام بالتوجيهات الإرشادية المتعلقة بالمحتوى. إننا نستثمر كثيرا من الوقت والموارد لضمان اتباع المبادئ التوجيهية وإزالة الكتب التي لا تلتزم بها».

نشرت صحيفة التايمز 35 فقرة من كتاب مايك ستيفز باستخدام كاشف الذكاء الاصطناعي من موقع (Originality.ai). ويعمل هذا الكاشف على تحليل ملايين السجلات المعروف بأنها صُنعت بواسطة الذكاء الاصطناعي وملايين السجلات التي أنشأها البشر، وتعلم التعرف على الاختلافات بين الاثنين، وفقا لما ذكره مؤسس الشركة جوناثان غيلهام.

يحدد الكاشف درجة تتراوح بين 0 و100، بناء على النسبة المئوية لفرصة أن نموذج التعلم الآلي يعتقد أن المحتوى كان مولدا بالذكاء الاصطناعي. سجلت جميع الفقرات الـ35 المذكورة 100 درجة كاملة، ما يعني أنها أنتجت بواسطة الذكاء الاصطناعي بصورة شبه مؤكدة.

تزعم الشركة أن نسخة الكاشف المستخدم من قبل صحيفة التايمز يلتقط أكثر من 99 في المائة من فقرات الذكاء الاصطناعي، ويخطئ في النص البشري للذكاء الاصطناعي في أقل من 1.6 في المائة من الاختبارات.

حددت صحيفة التايمز واختبرت 64 دليلا إرشاديا آخر منسقة بشكل قابل للمقارنة، معظمها مع ما لا يقل عن 50 تقييما على الأقل على أمازون، وكانت النتائج متشابهة بشكل لافت للنظر. من بين 190 فقرة جرى اختبارها بواسطة موقع (Originality.ai)، سجل 166 نقطة 100. و12 فقط سجل تحت 75. وعلى سبيل المقارنة، فإن درجات المقاطع من العلامات التجارية المعروفة للسفر مثل ريك ستفيس، فودور، فرومر، ولونلي بلانيت، كانت جميعها تقريبا أقل من 10، ما يعني أنه لم تكن هناك أي فرصة تقريبا لكتابتها من قبل مولدات الذكاء الاصطناعي.

يتفق خبراء الذكاء الاصطناعي بشكل عام على أن الذكاء الاصطناعي التوليدي يمكن أن يكون مفيدا للمؤلفين إذا استخدم لتعزيز معرفتهم الخاصة. وقد وجد داربي رولينز، مؤسس شركة «مؤلف الذكاء الاصطناعي»، وهي شركة تساعد الناس والشركات على الاستفادة من الذكاء الاصطناعي التوليدي لتحسين سير العمل لديهم وتنمية أعمالهم، أن الكتيبات الإرشادية المُشار إليها «بدائية للغاية».

لكنه كان يستطيع أن يتخيل كتبا إرشادية جيدة أنتجت بمساعدة الذكاء الاصطناعي. وقال: «الذكاء الاصطناعي سوف يعزز ويوسع نطاق ما أنتم بارعون بالفعل في عمله». وأضاف: «إذا كنت مؤلفا جيدا بالفعل وكنت خبيرا بالفعل في السفر إلى أوروبا، فإنك تجلب عندئذ الخبرات ووجهات النظر والرؤى إلى الطاولة. سوف تكون قادرا على استخدام الذكاء الاصطناعي للمساعدة في تنظيم أفكارك ومساعدتك على تخليق الأشياء بصورة أسرع».

كان «ستيفز» الحقيقي أقل تأكيدا بشأن مزايا استخدام الذكاء الاصطناعي. وقال: «لا أعرف إلى أين يتجه الذكاء الاصطناعي، لكنني أعرف فقط ما الذي يُشكل دليلا إرشاديا جيدا. وأعتقد أنه لا بد أن تكون عالما بالأمر حتى تؤلف دليلا جيدا».

وافقت كولسكي، التي تعرضت للخداع بواسطة كتاب مايك ستيفز. وبعد إعادة الكتاب الأول، اختارت بدلا من ذلك علامة تجارية موثوقا بها.

ثم قالت: «انتهى بي الأمر لشراء ريك ستيفز».

* خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

السياحة المغربية تشهد نمواً قوياً... 15.9 مليون سائح في 11 شهراً

الاقتصاد سياح صينيون يزورون مسجد الحسن الثاني في الدار البيضاء (رويترز)

السياحة المغربية تشهد نمواً قوياً... 15.9 مليون سائح في 11 شهراً

أعلنت وزارة السياحة المغربية، الاثنين، أن عدد السياح الذين زاروا المغرب منذ بداية العام وحتى نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) بلغ 15.9 مليون سائح.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
سفر وسياحة من بين الأدوات التي استخدمها المجرمون في قتل ضحاياهم (متحف الجريمة)

«متحف الجريمة» في لندن... لأصحاب القلوب القوية

من براميل الأسيد التي استخدمها القاتل جون جورج هاي لتذويب ضحاياه والتي تعرف باسم Acid Bath «مغطس الأسيد» إلى الملابس الداخلية لـ«روز ويست».

عادل عبد الرحمن (لندن)
يوميات الشرق آلاف الحقائب التي خسرتها شركات الطيران في متجر الأمتعة بألاباما (سي إن إن)

المسافرون الأميركيون يفقدون ملايين الحقائب كل عام

داخل المساحة التي تبلغ 50 ألف قدم مربع، وإلى مدى لا ترى العين نهايته، تمتد صفوف من الملابس والأحذية والكتب والإلكترونيات، وغيرها من الأشياء المستخرجة من…

«الشرق الأوسط» (لندن)
سفر وسياحة «ساحة تيفولي» في كوبنهاغن (الشرق الأوسط)

دليلك إلى أجمل أضواء وزينة أعياد الميلاد ورأس السنة حول العالم

زينة أعياد الميلاد ورأس السنة لها سحرها. يعشقها الصغار والكبار، ينتظرونها كل سنة بفارغ الصبر. البعض يسافر من بلد إلى آخر، فقط من أجل رؤية زينة العيد.

جوسلين إيليا (لندن)

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)
TT

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)

«إن أعدنا لك المقاهي القديمة، فمن يُعِد لك الرفاق؟» بهذه العبارة التي تحمل في طياتها حنيناً عميقاً لماضٍ تليد، استهل محمود النامليتي، مالك أحد أقدم المقاهي الشعبية في قلب سوق المنامة، حديثه عن شغف البحرينيين بتراثهم العريق وارتباطهم العاطفي بجذورهم.

فور دخولك بوابة البحرين، والتجول في أزقة السوق العتيقة، حيث تمتزج رائحة القهوة بنكهة الذكريات، تبدو حكايات الأجداد حاضرة في كل زاوية، ويتأكد لك أن الموروث الثقافي ليس مجرد معلم من بين المعالم القديمة، بل روح متجددة تتوارثها الأجيال على مدى عقود.

«مقهى النامليتي» يُعدُّ أيقونة تاريخية ومعلماً شعبياً يُجسّد أصالة البحرين، حيث يقع في قلب سوق المنامة القديمة، نابضاً بروح الماضي وعراقة المكان، مالكه، محمود النامليتي، يحرص على الوجود يومياً، مرحباً بالزبائن بابتسامة دافئة وأسلوب يفيض بكرم الضيافة البحرينية التي تُدهش الزوار بحفاوتها وتميّزها.

مجموعة من الزوار قدموا من دولة الكويت حرصوا على زيارة مقهى النامليتي في سوق المنامة القديمة (الشرق الأوسط)

يؤكد النامليتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن سوق المنامة القديمة، الذي يمتد عمره لأكثر من 150 عاماً، يُعد شاهداً حيّاً على تاريخ البحرين وإرثها العريق، حيث تحتضن أزقته العديد من المقاهي الشعبية التي تروي حكايات الأجيال وتُبقي على جذور الهوية البحرينية متأصلة، ويُدلل على أهمية هذا الإرث بالمقولة الشعبية «اللي ما له أول ما له تالي».

عندما سألناه عن المقهى وبداياته، ارتسمت على وجهه ابتسامة وأجاب قائلاً: «مقهى النامليتي تأسس قبل نحو 85 عاماً، وخلال تلك المسيرة أُغلق وأُعيد فتحه 3 مرات تقريباً».

محمود النامليتي مالك المقهى يوجد باستمرار للترحيب بالزبائن بكل بشاشة (الشرق الأوسط)

وأضاف: «في الستينات، كان المقهى مركزاً ثقافياً واجتماعياً، تُوزع فيه المناهج الدراسية القادمة من العراق، والكويت، ومصر، وكان يشكل ملتقى للسكان من مختلف مناطق البلاد، كما أتذكر كيف كان الزبائن يشترون جريدة واحدة فقط، ويتناوبون على قراءتها واحداً تلو الآخر، لم تكن هناك إمكانية لأن يشتري كل شخص جريدة خاصة به، فكانوا يتشاركونها».

وتضم سوق المنامة القديمة، التي تعد واحدة من أقدم الأسواق في الخليج عدة مقاه ومطاعم وأسواق مخصصة قديمة مثل: مثل سوق الطووايش، والبهارات، والحلويات، والأغنام، والطيور، واللحوم، والذهب، والفضة، والساعات وغيرها.

وبينما كان صوت كوكب الشرق أم كلثوم يصدح في أرجاء المكان، استرسل النامليتي بقوله: «الناس تأتي إلى هنا لترتاح، واحتساء استكانة شاي، أو لتجربة أكلات شعبية مثل البليلة والخبيصة وغيرها، الزوار الذين يأتون إلى البحرين غالباً لا يبحثون عن الأماكن الحديثة، فهي موجودة في كل مكان، بل يتوقون لاكتشاف الأماكن الشعبية، تلك التي تحمل روح البلد، مثل المقاهي القديمة، والمطاعم البسيطة، والجلسات التراثية، والمحلات التقليدية».

جانب من السوق القديم (الشرق الاوسط)

في الماضي، كانت المقاهي الشعبية - كما يروي محمود النامليتي - تشكل متنفساً رئيسياً لأهل الخليج والبحرين على وجه الخصوص، في زمن خالٍ من السينما والتلفزيون والإنترنت والهواتف المحمولة. وأضاف: «كانت تلك المقاهي مركزاً للقاء الشعراء والمثقفين والأدباء، حيث يملأون المكان بحواراتهم ونقاشاتهم حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية».

عندما سألناه عن سر تمسكه بالمقهى العتيق، رغم اتجاه الكثيرين للتخلي عن مقاهي آبائهم لصالح محلات حديثة تواكب متطلبات العصر، أجاب بثقة: «تمسكنا بالمقهى هو حفاظ على ماضينا وماضي آبائنا وأجدادنا، ولإبراز هذه الجوانب للآخرين، الناس اليوم يشتاقون للمقاهي والمجالس القديمة، للسيارات الكلاسيكية، المباني التراثية، الأنتيك، وحتى الأشرطة القديمة، هذه الأشياء ليست مجرد ذكريات، بل هي هوية نحرص على إبقائها حية للأجيال المقبلة».

يحرص العديد من الزوار والدبلوماسيين على زيارة الأماكن التراثية والشعبية في البحرين (الشرق الأوسط)

اليوم، يشهد الإقبال على المقاهي الشعبية ازدياداً لافتاً من الشباب من الجنسين، كما يوضح محمود النامليتي، مشيراً إلى أن بعضهم يتخذ من هذه الأماكن العريقة موضوعاً لأبحاثهم الجامعية، مما يعكس اهتمامهم بالتراث وتوثيقه أكاديمياً.

وأضاف: «كما يحرص العديد من السفراء المعتمدين لدى المنامة على زيارة المقهى باستمرار، للتعرف عن قرب على تراث البحرين العريق وأسواقها الشعبية».