منحنيات أصولية
منحنيات أصولية
لا يظهر المتطرف تطرفه مرة واحدة، بل يحاول عبر أقنعة متعددة جذب وتجنيد مستهدفيه، وهكذا يطرح نفسه داعية رسالياً لإصلاح العالم والأمة، كما يطرح ما يؤمن به حلا خلاصيا موعودا لكل مشكلات الحياة الخاصة والعامة، ولكن بعض التأمل يكشف زيف وأزمات ما يدعو إليه.
في منتصف شهر أغسطس (آب) الماضي هدد تنظيم القاعدة بتعطيل القطارات السكك الحديدية في بريطانيا باعتبارها الهدف التالي الذي يسعى إلى تنفيذه وحث مؤيديه على القيام به، انطلاقاً من أنه سوف يتسبب في خسائر فادحة للأرواح، ويثير الهلع والخوف بين المسافرين والركاب. التحذير القاعدي المتقدم طرح على مائدة النقاش علامة استفهام هل يعود تنظيم «القاعدة» من جديد بعد نحو ست عشرة سنة من إعلان الولايات المتحدة الأميركية الحرب عليه؟ عدة عوامل تدفع في طريق هذه القراءة، في المقدمة منها التراجع الكبير الذي شهده تنظيم داعش على الأرض عطفا على ازدياد حضور طالبان في أفغانستان.
تشير مجموعة من الأحداث والوقائع منذ مارس (آذار) 2017، إلى عودة فعلية وقوية «لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي». فعلى عكس التفكك الذي أصاب «خلافة البغدادي» بالعراق وسوريا، جمع الزعيم التاريخي الطارقي إياد أغ غالي، الخميس 2 مارس 2017، في وحدة اندماجية، كلّا من «جماعة أنصار الدين» و«جبهة تحرير ماسينا» و«إمارة منطقة الصحراء الكبرى» و«تنظيم المرابطين»، في تنظيم جديد باسم «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين».
إن انتقال ثقافة الكراهية والتطرف الداعشي من مناطق النزاع إلى بقاع العالم الأخرى، وتكثيف الأنشطة الإرهابية في الدول الأوروبية في الآونة الأخيرة، أدى إلى ظهور منتجات ثقافية ودرامية تتطرق إلى قضايا الإرهاب.
تأتي الوقائع على عكس مضامين وأهداف الأضداد الأصولية وجماعات التطرف العنيف، سنية وشيعية على السواء، ففي النهاية المصلحة مقدمة على سواها.
في أوائل التسعينات من القرن الماضي عاشت غالبية الدول العربية أزمة كبرى أثرت تأثيراً واضحاً على مقدرات الأمن القومي فيها، عرفت الأزمة بأنها «إشكالية أو سيناريو» العائدين من أفغانستان، أولئك الذين خلفتهم من ورائها الحرب ضد الاتحاد السوفياتي هناك.
أحد أهم الأسئلة المطروحة مؤخرا على الساحة الفكرية هو ذاك المتعلق بالعلاقة بين القارة الأوروبية وبين الإسلام كدين والمسلمين كأتباع لهذا الدين، وهي علاقة في حقيقة الأمر تعود إلى قرون طويلة مضت، نعم ربما لم تكن بأكملها سخاء رخاء، لكن بنوع أو آخر شهدت نوعا من أنواع التعاون والتعايش. والآن يتساءل المراقبون هل العمليات الإرهابية الأخيرة عطفا على تنامي الأصوليات الراديكالية سوف تشكل عقبة وقطعاً على طريق التعايش المشترك أم أوروبا التنوير والتسامح، سوف يقدر لها القفز فوق هذا الحاجز واعتباره جملة اعتراضية لا أكثر في علاقة تزيد عن الألف عام. في هذه القراءة التحليلية، نحاول أن نطوف مع القضية الملحة وذلك
إنقسم الخوارج لأكثر من عشرين فرقة، أكل بعضها بعضاً، وأخرجت كل فرقة مغالية من يزايد عليها أكثر من غلوائها وصار تعبير «غلاة الغلاة» بشيرا بنهاية الغلاة، لكن آذان الغلو لا تسمعه أو تستمع لنذيره عليهم. كان الانقسام والتشظي والخلاف الحاد والواسع أوضح في خطابات جماعات التطرف، والتطرف العنيف من سواه، وكان سبابهم فيما بينهم أقدح وأفظع من انتقادات مغايريهم وآخريهم من التيارات المدنية أو النقدية دائما.
من نوستالجيا وحنين الزمن الجميل إلى الشكوى المستمرة والمتصاعدة من انحطاط أخلاق الناس عما سبق في الماضي القريب الذي عايشوه أو سمعوا عنه وانتشار مشاعر التكاره والتنابذ والتشفي والعنف العشوائي والمتوحش، ينطرح سؤال الأخلاق وقيم وآداب السلوك التي يفترض أن ترفدها الصحوات والمؤسسات والحركات الدينية بالخصوص، كما ترفدها وتزيد منها الصحوات الإبداعية، الأدبية والفنية. أهملت خطابات التشدد والتطرف المعاصرة في العالم الإسلامي باباً واسعاً من تراثه، وهو باب آداب السلوك والأخلاق، الذي ألَّف فيه المتكلمون والفلاسفة كما ألف فيه المؤدبون والمتصوفة وغيرهم، وأنتج فيه المسلمون مطورين ما ترجموه إيجابيّاً عن الشرق (ا
والثابت أنه أخيراً نَحَتْ العنصرية الأميركية طريقاً مغايراً تجاه غير البيض والمهاجرين، كما نمت باطراد الجماعاتُ اليمينية العنصرية، لا سيما ذات التوجهات النازية منها، وجاءت رئاسة دونالد ترمب لتفتح الباب واسعاً أمام طروحات «أميركا أولاً»، التي اعتبرها الكثيرون داخل أميركا وخارجها رجع صدى لـ«ألمانيا فوق الجميع». في ظل هذه الخلفية المبسطة هل يمكن للمرء أن يفهم أبعاد ما جرى في مدينة تشارلوتسفيل بولاية فيرجينيا؟ صباح السبت الثاني عشر من أغسطس (آب) الحالي.
من جديد يستهدف الإرهاب والإرهابيون بعض المواقع والمواضع في أوروبا، وهذا ما رأيناه الأسبوع الماضي في فرنسا، وزعم «داعش» أنه كان وراء إصابة ستة جنود فرنسيين في حادثة «دهس» بإحدى الضواحي الباريسية...
في كتابه التاريخي: «فن الحرب»، يختصر المفكر العسكري الصيني سن تزو كل فلسفته حول فنون واستراتيجيات القتال أثناء الحروب في عبارة واحدة: «التفوق الأعظم هو كسر مقاومة العدو دون أي قتال».
توظف جماعات التطرف والتعصب الكثير من القيم السائدة - صحيحة أو خاطئة - للبناء والتأسيس عليها في تجنيد المتطرفين، فتشتغل في أوساط الجاليات المسلمة أزمة ازدواجية الهوية واللغة ورؤية العالم، كما توظف انتشار ثقافة الكراهية والتمييز والنظرة الطائفية وازدراء الآخر والصراعات السياسية والدولية وخطاب الأزمة في المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة لذات الغرض، من تأجيج توجهات التشدد والخلاص والخروج وما شابه. لا تؤثر هذه القيم السلبية في العوام فقط، بل قد تؤثر في الخطابات الأعلى فقهاً وعلماً وفكراً أحياناً، مرحِّبَةً وتابعة لما يطلبه الجمهور وما يصادف شعبيتها، فتتردد بكائيات الماضي وترفع لواءات النصر والصراع الأ
تثير الهزائم المتتالية التي تلقاها تنظيم داعش تبايناً واضحاً بين الباحثين والمتخصصين الغربيين بخصوص مستقبل التنظيم وطبيعة تحولاته الداخلية بعد فقدان «داعش» المحتمل لقائده أبو بكر البغدادي، وعاصمة دولته بالعراق.
إن التجربة هي أكثر العوامل الفاعلة والمؤثرة في سقوط آيديولوجيا التطرف العنيف وجاذبيتها، فبها تسقط الوعود والتأويلات الخاطئة للدين في مرآة الواقع والمجتمع والأمة.
يبدو وكأن مواجهة الإرهاب والأصولية مسألة سوف تمتد إلى آماد، ما يجعل التفكير في آليات جديدة للمواجهة والمجابهة فرضاً وليس نافلة، لا سيما أن مشهد الإرهاب العالمي في أواخر العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، بات مختلفاً كل الاختلاف عن نظيره في أوائل القرن نفسه، والدليل على ذلك هو أن ما جرى في سبتمبر (أيلول) 2001 في كل من واشنطن ونيويورك إنما كان نتاجاً لتنظيم عنقودي تراتبي له قيادة وقمة تعطي التعليقات لمن هم في درجات التنظيم الأسفل ليقوموا بالمهام المشؤومة الموكلة إليهم. غير أن العمليات الإرهابية الأخيرة التي جرت في أوروبا تحديداً، إنما كانت نتاجاً وإفرازاً لتواصل شبكات الإرهابيين بعضهم ببعض د
قبل أيام معدودات كانت القيادة العراقية تعلن تحرير مدينة الموصل تماماً من سيطرة «داعش»، إذ لم يبقَ أي حي يسيطر عليه التنظيم، ولم يعد أمام مسلحيه أي خيار سوى الاستسلام. ومع النجاح الكبير لتحرير الموصل، تتبقى معركة الرقة التي يتهيأ لها العالم برمته ومع ذلك تبقى علامة الاستفهام... هل هذا يعني القضاء على «داعش» نهائياً؟ ويرى كبير الباحثين في معهد الاستشراق الروسي فلاديمير سوفتيكوف، أن «تحرير الموصل نجاح كبير نعم، لكن (داعش) احتفظ بمفارز قتالية انتشرت وتفرقت بعد حصار الموصل، وهذه المفارز تنتقل إلى سوريا وتنتقل بعد تحرير الرقة إلى مناطق أخرى».
رغم الانتصار الكبير في الموصل، يصبح الحذر وبقاء هواجس الخطر من تنظيم الدولة «داعش» الأخطر في تاريخ الإرهاب العالمي منذ ظهوره، لعدد من الأسباب وخلاصة التجارب السابقة معه، نحددها فيما يلي: قدرة الإرهاب على التكيف: ترفد هواجس الخطر المستمرة من «داعش» من قدرته على التكيف والتمرين والمراوغة، رغم سقوط مهده في الموصل، واستعادة دولته فيها من جديد في 10 يونيو (حزيران) سنة 2013. تتجلى هذه القدرة على التكيف وتوظيف السياقات من تاريخ «داعش»، أو «القاعدة» في العراق سابقاً، مع مدينة الموصل والعراق، حيث استطاع التنظيم استعادة حياته ودولته فيها عام 2013 ثم خلافته من الشام بعد ذلك بعام، في يونيو سنة 2014، وقد ك
رويداً رويداً ينكشف زيف المعادلة غير الأخلاقية التي تحكم توجهات البعض في الغرب جهة الإسلام والمسلمين، ذلك أنها معادلة غير عادلة بالمطلق لا سيما، أنها تحمل بين طرفيها تناقضاً واضحاً وفاضحاً فكل اعتداء ينسب للمسلمين أو تعرض فيه الحياة البشرية أو الممتلكات الشخصية للخطر، مهما علا شأن الأمر والتهديد أو انخفض، وحتى لو لم يكن حقيقة، بل شبه حقيقية أو زعم باطل، هو بالضرورة والحتمية التاريخية ضرب من ضروب «الإرهاب الإسلامي». وفي المقابل، فإن أي تهديد يتأتى من الرجل الأبيض لا يمكن تجاوز وصفه إلى حد أبعد من فكرة «العمل الجنائي الفردي»، الذي لا يهدد نمط الحياة الغربية أو يختصم من الأمن والسلم الدوليين. نها
يحتّم انحسار النفوذ الداعشي في كل من الموصل والرقّة، وبدء انهيار التنظيم النظر إلى ما بعد ذلك، وما سيؤول إليه مصير المقاتلين الأجانب الذين قد يستحيل أعداد منهم إلى قنابل موقوتة قد تتفجر في مكانٍ ووقتٍ مباغت.
لا تكتفي الدعاية الأصولية بصناعة الهالة والأقنعة اللامعة لأمرائها وشيوخها وممارساتها فقط بل سوقت كل ما يدعم آيديولوجيتها، وهمشت وأقصت كل ما ينقدها أو ينتقدها، وأخذت بذهنية انتقائية عشوائية تنتقي من خطاب حتى من يعارضها ما يفيدها، فأسلمت في نقد الحداثة كثيراً من أدبيات مدرسة ما بعد الحداثة ومدرسة ما بعد الاستعمار وبعض آراء تشومسكي، وكثيراً من أدبيات اليسار في نقد الرأسمالية والعكس أيضاً، حيث تظل هي بلا برنامج واضح محسوم في الجانبين. لكن يظل انبثاق وإثمار الفكرية الأصولية من تربة الانغلاق والتعصب وانعزال الهوية المأزومة، والنظرة التآمرية والخطباء الشعبويين الباحثين عن دور وعن تأثير في أمة تتلقى س
تشكل منطقة الساحل والصحراء واحدة من المناطق الجيوسياسية الدولية التي تشهد صراعاً مريراً بين المجموعات الإرهابية من جهة؛ ودول المنطقة مدعومة بالقوى الدولية الكبرى من جهة ثانية.
تختنق، ربما حتى تحتضر، كل دعوة إصلاحية أو ديمقراطية في سبيل الحداثة والتحديث والتقدم الإنساني وسط دخان وسياقات الخطر الأصولي والإرهابي، وما يستتبعه من خطورة الوضع الأمني وصعود العمليات التطرف العنيف، بل قد تتراجع القيم الحداثية والإنسانية أمام هذا الخطر مؤقتا أو دائما.
ازدهر «داعش» منذ بدايته من خلال تفوقه على غيره من التنظيمات في استغلال الفضاء الإلكتروني لشن حملات إعلامية تنشر رسائله وأهدافه بلغات مختلفة وأساليب متنوعة من بث مرئي وتسجيل صوتي وتصاريح إعلامية وتواصل مباشر مع الآخرين، وقد تفاوتت تلك الرسائل حسب الجهة المستقطبة وأغوت الكثير نتيجة إثارتهم لحس المغامرة في البعض أو الزج باسم الدين للآخرين، ليتم بذلك استقطاب وتجنيد قدر كبير من الأشخاص دون الحاجة للتواصل وجها لوجه، ليس فقط عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي تميز «داعش» بالتغلغل فيها كمنصة «تويتر» و«فيسبوك»، وإنما امتداداً إلى غرف المحادثات وبرامج كـ«تيليغرام» واستخدام الرسائل المشفرة.
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة