{داعش}... «خلافة» تموت وتنظيم على قيد الحياة

الانعطاف التاريخي نحو التوحش ظاهرة تتجاوز التعصب الديني

مسلح يحمل علم «داعش» في وسط الموصل قبل طرد الإرهابيين منها (رويترز)
مسلح يحمل علم «داعش» في وسط الموصل قبل طرد الإرهابيين منها (رويترز)
TT

{داعش}... «خلافة» تموت وتنظيم على قيد الحياة

مسلح يحمل علم «داعش» في وسط الموصل قبل طرد الإرهابيين منها (رويترز)
مسلح يحمل علم «داعش» في وسط الموصل قبل طرد الإرهابيين منها (رويترز)

تثير الهزائم المتتالية التي تلقاها تنظيم داعش تبايناً واضحاً بين الباحثين والمتخصصين الغربيين بخصوص مستقبل التنظيم وطبيعة تحولاته الداخلية بعد فقدان «داعش» المحتمل لقائده أبو بكر البغدادي، وعاصمة دولته بالعراق. ويعد عالم السياسة الفرنسي فرنسوا بورغا، مدير الأبحاث في «معهد البحوث والدراسات حول العالم العربي والإسلامي» في «إيكس أون بروفانس»، وأحد أبرز الخبراء المتابعين للمسار التاريخي للتنظيم المتوحش؛ أن الهزيمة القاسية للتنظيم بالموصل، لا تعني نهاية «داعش»، لأن الأسباب السياسية التي أنتجت التنظيم ما زالت قائمة.
في واقع الأمر، توجد 3 عوامل سياسية تجعل من «داعش» تنظيما قادرا على الاستمرار والتجدد، وإعادة بناء المشروعية الوجودية في زمن قياسي. العامل الأول تمثله ظاهرة الاستعمار والاستعمار الجديد بالشرق الأوسط، التي تحول دون تراجع «المتطرفين»، وتنظيماتهم المتعددة، لأن نتائجها على الجغرافيا الاجتماعية العربية في الشرق الأوسط، أنتجت خليطا من الإسلام السياسي والحركات الإرهابية.
وفي هذا السياق، يشير بورغا في كتابه «رايات سُود: صعود تنظيم داعش» الصادر سنة 2016، إلى أن جذور «داعش» تعود لطبيعة السياسة الدولية بالمنطقة، إضافة للعامل المحلي. فمنذ إطلاق السلطات الأردنية سنة 1999 سراح «أبو مصعب الزرقاوي»، تطور الأمر ليجد المجتمع الدولي نفسه أمام «حماسة هذا الرجل، والأخطاء الاستراتيجية للرئيسين بوش وأوباما أفضت إلى أن ترفع راية (داعش) على مناطق واسعة من العراق وسوريا.
وبناء على ذلك، يؤكد فرنسوا بورغا، مدير أبحاث في «المركز الوطني الفرنسي للبحوث العلمية»، أن «جميع النظريات التفسيرية للحركات المتشددة، التي لا تأخذ بعين الاعتبار الآثار المترتّبة على علاقات الهيمنة بين الشمال والجنوب، تعد غير فعّالة، لأنها تركّز المسؤولية على فاعل العنف، دون التساؤل أو الدعوة إلى التساؤل بمنهجية عن الظروف التي أنتجت هذا الفاعل.
من جهته، تماشى الباحث بـ«مركز بروكينغز» شادي حميد، مع هذا التفسير لاستمرارية توالد الظاهرة الإرهابية بالشرق الأوسط؛ ففي مقالة له بعنوان: «هل الإسلام دين استثنائي؟» نشرت بمجلة «ذي أتلنتك» الأميركية، بتاريخ 11 - 9 – 2016، نبه شادي حميد إلى أنه «لا يمكن فهم الصراعات الحالية في الشرق الأوسط، دون العودة إلى عام 1924؛ من أجل الوصول إلى نظام سياسي شرعي بدرجات مختلفة، وربما كان ظهور (داعش) آخر تلك المحاولات التي أخفقت في الإجابة عن السؤال الأساسي».
وفي ما يخص العامل الثاني، يرى الخبير الفرنسي أن الانعطاف التاريخي نحو التوحش الحاصل اليوم، هو ظاهرة تتجاوز التعصب الديني، لكنها في الوقت نفسه وليدة أزمة سياسية، عنوانها الأبرز حاليا «المعضلة السورية». فالنظام السياسي السوري بقيادة الأسد، يعد الخميرة الأساسية لتوالد فطريات التوحش الداعشي، ذلك أن «صعود (داعش) بلا جدال كان مراداً من قبل استراتيجية النظام، وكانت ولادته على هذا النحو، بكل وضوح، بمساعدة متعددة الطرق قامت بها مختلف دوائره التابعة له. ذلك معطى لا جدال فيه، فقد فعل بشار الأسد منذ أيام الأزمة الأولى كل شيء كي تتمكن هذه الفزّاعة من لعب دورها بأكبر قدر من السرعة والإذهال إزاء الرأي العام الدولي من جهة، ثم بعد ذلك إزاء السكان الذين يديرهم (داعش)» من جهة أخرى.
أما العامل الثالث فهو فرعي وثانوي، فالتعصب ليس وليد الظاهرة الإرهابية، بل العاملان المشار إليهما أعلاه. ولهذا يعده بورغا البعد الإيديولوجي المقدس، والمعجم الديني القادم من ظرف «داعش»، مجرد عامل مساعد؛ لكن هذه «القراءة الأكثر شيوعا، ليس في الغرب فحسب، لظاهرة (الجهادية)، تتمثّل في اعتبار الجهاديين (متعصّبين)، وهذا ما يشكل وسيلة لإنكار أن العملية التي أنتجت هؤلاء (المتعصّبين) هي، في الواقع، سياسوية»؛ رغم أن تجربة الجزائر بشمال أفريقيا، وتجربة العراق وسوريا حاليا تثبت أن الأزمات السياسية هي التي تخلق الإرهاب وتنعش جغرافية انتشار التنظيمات الإرهابية.

«داعش» يستمر في العراق
وبناء على ما تقدم، فإن الأزمة السياسية الحالية التي تعصف بالعراق وسوريا، هي التي تفسر وجود سيطرة تنظيم داعش على بعض المناطق التي يعدها ولايات تابعة لدولته المزعومة رغم الهزيمة النكراء التي مني بها في عاصمة «خلافته المعلنة». على المستوى العملي، لا يزال تنظيم البغدادي موجودا في ولاية دجلة (شمالي وسط العراق) وولاية الفرات (غربي وسط العراق)، وولاية كركوك التي تتمتع بموقع استراتيجي ونشاط كبير للتنظيم حاليا، وتقع شمالي وسط العراق؛ وولاية الجزيرة (شمال غربي العراق) وهي منطقة يعاني فيها التنظيم من صعوبات كبيرة جراء الحصار وضعف القاعدة الشعبية للتنظيم بالمنطقة. واقعيا لا يسيطر تنظيم البغدادي الإرهابي في «ولاية الجزيرة»، إلا على مدينة تلعفر ونواحيها، فيما تعاني هذه السيطرة من حصار تفرضه «البيشمركة الكردية» شمالا، والجيش العراقي جنوبا وشرقا وغربا. وجراء هذه العزلة يعاني التنظيم في هذه المنطقة من صعوبات تنظيمية داخلية وصلت لدرجة إعلان جزء من مسلحي «داعش» تلعفر ولاية مستقلة عن «دولة الخلافة»؛ مما أدى إلى نشوب مواجهة مسلحة بين مقاتلي التنظيم الإرهابي يوم 14 يوليو (تموز) 2017 أسفرت عن 4 قتلى.
أما في ولاية كركوك، فالتنظيم كذلك يتمتع بوجود مهم في منطقة لها أهمية في الجغرافيا السياسية العراقية؛ حيث إن «داعش» يوجد على التماس مع «قوات البيشمركة الكردية»، من جهة الشمال؛ ولا تخفي هذه القوات رغبتها في التوسع على حساب المناطق الخاضعة لـ«داعش»، لأسباب سياسية، وهذا ما يجعل المواجهة بين الطرفين مستمرة، وتشهد تنسيقا بين الأكراد والولايات المتحدة الأميركية التي توفر الغطاء الجوي للبيشمركة. ورغم ذلك، فإن تنظيم البغدادي يعرف نشاطاً في مناطق الرياض والحويجة ودوكمات والرشاد، مستغلا بذلك الطموحات القبلية بالمنطقة، وقدرته الجيدة في إدارة الموارد بين السكان.
وعلى مستوى «ولاية الفرات»، تعد منطقتا القائم ورواة، محل نشاط مهماً للتنظيم لتوفر الموارد الفلاحية، كما أن الولاية منفتحة على سوريا حيث يتمتع التنظيم بحرية الحركة، مما يحافظ للمنطقة على نوع من التوازن والسيطرة الداعشية.

لماذا يستمر الإرهابيون؟
هذا الاستمرار على أرض العراق وسوريا رغم المواجهة الدولية والمحلية للإرهابيين، لا يعود لما يسميه عالم السياسيّة الفرنسي أوليفييه روا «أسلمة التعصب» وولادة «ظاهرة جيليّة عدميّة»، هدفها الانتقام من الآخر، بل إن الإرهاب والتنظيمات الإرهابية، باعتبارها ظاهرة خلقتها الأزمة السياسية، تتقوى باستمرار؛ نظرا لعامل معقد، يتلخص في استحالة فصل الأسباب الداخلية للتنظيمات، عن طبيعة السياسة الخارجية للدول الغربية بمنطقة الشرق الأوسط، حسبما يؤكد فرنسوا بورغا.
ولذلك يلاحظ المتخصص في التنظيمات الإرهابية أنها تخلق آليات جديدة للتكيف مع طبيعة تحولاتها الداخلية، كما تنوع من طرق مواجهتها مع القوى الغربية التي تعدها مستعمرة للمنطقة. وفي هذا السياق، تظهر التحركات الأخيرة لتنظيم داعش، أنه واع بقسوة الهزائم التي تلقاها في المعارك الأخيرة، وما صاحبها من فقدان قيادييه العسكريين والماليين وصولا لمزاعم مقتل زعيمه البغدادي؛ كما أن التنظيم يحاول «تجاوز» الصعوبات التي يعانيها بالعراق، ولذلك عمل على خلق مركز جديد بمدينة الميادين بمحافظة دير الزور السورية، حيث حرية الحركة والقدرة على رص الصفوف.
من جهة أخرى، يقاوم التنظيم بالرقة السورية، كما يستعد للمعركة المقبلة مع الجيش العراقي والتحالف الدولي، وستكون مدينة تلعفر وبمشاركة ميليشيات «الحشد الشعبي»، ولا يعرف لحد اليوم ما إذا كان التنظيم سيتشبث بالمدينة في حال الهجوم عليها؛ خصوصا أن القيادي البارز في التنظيم «أبو البراء الموصلى»، أكد أن ما وقع بالموصل هزيمة، فيما قالت مصادر أمنية عراقية إن عدد مقاتلي «داعش» بتلعفر، نقص إلى نحو 350 مقاتلا، وكان قبل معركة الموصل للتنظيم نحو ألف مقاتل بالمدينة.
عموما يمكن القول إن الخبراء والمتخصصين في الظاهرة الإرهابية متفقون على أن المعركة الدولية مع تنظيم البغدادي، تحقق هدفها تدريجيا بالتحطيم المستمر لخرافة صناعة «داعش» وقدرة التنظيم على الإمساك بالأرض وبناء الإدارة والمؤسسات. إلا أن هذه الهزائم المتوالية، كما يقول الباحث الأميركي المتخصص في الإرهاب «هارون.ي. زيلين» لن تؤدي «إلى القضاء على الجماعة، التي ستستمر في تشكيل تهديد من ناحية التمرد والإرهاب، لكنها ستزيل أي حجج قد يميل (الجهاديون) إلى تقديمها لتبرير استمرارية دولتهم؛ حتى لو كانت تلك الدولة عبارة عن مجرد صورة مضمحلة لكيانها السابق».
أما بالنسبة لعالم السياسة والخبير، فرنسوا بورغا، مدير الأبحاث في «معهد البحوث والدراسات حول العالم العربي والإسلامي» في «إيكس أون بروفانس»؛ فإن «ما حدث في الموصل هو أن العالم قدّم مفاتيح أبواب ركام مدن سنية إلى ميليشيات شيعية أو كردية، وبهذا الشكل فقد تمّ التأجيل زمنيا والتوزيع جغرافيا للمشكلات التي لم تقدر المنظومة الدّولية على حلها. في العراق، كما في سوريا وغيرها من الدّول المُشابهة لها، لطالما لم يتم بناء مُؤسّسات سياسية صلبة قادرة على معالجة الأسباب العميقة للتطرّف في الموصل. انتصرت القوة المُطلقة العمياء وفشلت السياسة».
وهذا الفشل يجعل من تنظيم داعش مظهرا بارزا للأزمة السياسة العامة التي تضرب العراق منذ سنة 2003، وسوريا بعد سنة 2011. وبالتالي، فإن عجز المؤسسات السياسية للدولتين، على تجاوز البنية الطائفية العنيفة، وضمان المشاركة السياسية للجميع وتحقيق المواطنة، وبناء ديمقراطية تشاركية؛ يجعل من فرص القضاء على الإرهاب شبه منعدمة، حسب ما يطرحه عالم السياسة والخبير في الظاهرة الإرهابية، فرنسوا بورغا.
* أستاذ زائر للعلوم السياسية
بجامعة محمد الخامس



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.