{داعش}... «خلافة» تموت وتنظيم على قيد الحياة

الانعطاف التاريخي نحو التوحش ظاهرة تتجاوز التعصب الديني

مسلح يحمل علم «داعش» في وسط الموصل قبل طرد الإرهابيين منها (رويترز)
مسلح يحمل علم «داعش» في وسط الموصل قبل طرد الإرهابيين منها (رويترز)
TT

{داعش}... «خلافة» تموت وتنظيم على قيد الحياة

مسلح يحمل علم «داعش» في وسط الموصل قبل طرد الإرهابيين منها (رويترز)
مسلح يحمل علم «داعش» في وسط الموصل قبل طرد الإرهابيين منها (رويترز)

تثير الهزائم المتتالية التي تلقاها تنظيم داعش تبايناً واضحاً بين الباحثين والمتخصصين الغربيين بخصوص مستقبل التنظيم وطبيعة تحولاته الداخلية بعد فقدان «داعش» المحتمل لقائده أبو بكر البغدادي، وعاصمة دولته بالعراق. ويعد عالم السياسة الفرنسي فرنسوا بورغا، مدير الأبحاث في «معهد البحوث والدراسات حول العالم العربي والإسلامي» في «إيكس أون بروفانس»، وأحد أبرز الخبراء المتابعين للمسار التاريخي للتنظيم المتوحش؛ أن الهزيمة القاسية للتنظيم بالموصل، لا تعني نهاية «داعش»، لأن الأسباب السياسية التي أنتجت التنظيم ما زالت قائمة.
في واقع الأمر، توجد 3 عوامل سياسية تجعل من «داعش» تنظيما قادرا على الاستمرار والتجدد، وإعادة بناء المشروعية الوجودية في زمن قياسي. العامل الأول تمثله ظاهرة الاستعمار والاستعمار الجديد بالشرق الأوسط، التي تحول دون تراجع «المتطرفين»، وتنظيماتهم المتعددة، لأن نتائجها على الجغرافيا الاجتماعية العربية في الشرق الأوسط، أنتجت خليطا من الإسلام السياسي والحركات الإرهابية.
وفي هذا السياق، يشير بورغا في كتابه «رايات سُود: صعود تنظيم داعش» الصادر سنة 2016، إلى أن جذور «داعش» تعود لطبيعة السياسة الدولية بالمنطقة، إضافة للعامل المحلي. فمنذ إطلاق السلطات الأردنية سنة 1999 سراح «أبو مصعب الزرقاوي»، تطور الأمر ليجد المجتمع الدولي نفسه أمام «حماسة هذا الرجل، والأخطاء الاستراتيجية للرئيسين بوش وأوباما أفضت إلى أن ترفع راية (داعش) على مناطق واسعة من العراق وسوريا.
وبناء على ذلك، يؤكد فرنسوا بورغا، مدير أبحاث في «المركز الوطني الفرنسي للبحوث العلمية»، أن «جميع النظريات التفسيرية للحركات المتشددة، التي لا تأخذ بعين الاعتبار الآثار المترتّبة على علاقات الهيمنة بين الشمال والجنوب، تعد غير فعّالة، لأنها تركّز المسؤولية على فاعل العنف، دون التساؤل أو الدعوة إلى التساؤل بمنهجية عن الظروف التي أنتجت هذا الفاعل.
من جهته، تماشى الباحث بـ«مركز بروكينغز» شادي حميد، مع هذا التفسير لاستمرارية توالد الظاهرة الإرهابية بالشرق الأوسط؛ ففي مقالة له بعنوان: «هل الإسلام دين استثنائي؟» نشرت بمجلة «ذي أتلنتك» الأميركية، بتاريخ 11 - 9 – 2016، نبه شادي حميد إلى أنه «لا يمكن فهم الصراعات الحالية في الشرق الأوسط، دون العودة إلى عام 1924؛ من أجل الوصول إلى نظام سياسي شرعي بدرجات مختلفة، وربما كان ظهور (داعش) آخر تلك المحاولات التي أخفقت في الإجابة عن السؤال الأساسي».
وفي ما يخص العامل الثاني، يرى الخبير الفرنسي أن الانعطاف التاريخي نحو التوحش الحاصل اليوم، هو ظاهرة تتجاوز التعصب الديني، لكنها في الوقت نفسه وليدة أزمة سياسية، عنوانها الأبرز حاليا «المعضلة السورية». فالنظام السياسي السوري بقيادة الأسد، يعد الخميرة الأساسية لتوالد فطريات التوحش الداعشي، ذلك أن «صعود (داعش) بلا جدال كان مراداً من قبل استراتيجية النظام، وكانت ولادته على هذا النحو، بكل وضوح، بمساعدة متعددة الطرق قامت بها مختلف دوائره التابعة له. ذلك معطى لا جدال فيه، فقد فعل بشار الأسد منذ أيام الأزمة الأولى كل شيء كي تتمكن هذه الفزّاعة من لعب دورها بأكبر قدر من السرعة والإذهال إزاء الرأي العام الدولي من جهة، ثم بعد ذلك إزاء السكان الذين يديرهم (داعش)» من جهة أخرى.
أما العامل الثالث فهو فرعي وثانوي، فالتعصب ليس وليد الظاهرة الإرهابية، بل العاملان المشار إليهما أعلاه. ولهذا يعده بورغا البعد الإيديولوجي المقدس، والمعجم الديني القادم من ظرف «داعش»، مجرد عامل مساعد؛ لكن هذه «القراءة الأكثر شيوعا، ليس في الغرب فحسب، لظاهرة (الجهادية)، تتمثّل في اعتبار الجهاديين (متعصّبين)، وهذا ما يشكل وسيلة لإنكار أن العملية التي أنتجت هؤلاء (المتعصّبين) هي، في الواقع، سياسوية»؛ رغم أن تجربة الجزائر بشمال أفريقيا، وتجربة العراق وسوريا حاليا تثبت أن الأزمات السياسية هي التي تخلق الإرهاب وتنعش جغرافية انتشار التنظيمات الإرهابية.

«داعش» يستمر في العراق
وبناء على ما تقدم، فإن الأزمة السياسية الحالية التي تعصف بالعراق وسوريا، هي التي تفسر وجود سيطرة تنظيم داعش على بعض المناطق التي يعدها ولايات تابعة لدولته المزعومة رغم الهزيمة النكراء التي مني بها في عاصمة «خلافته المعلنة». على المستوى العملي، لا يزال تنظيم البغدادي موجودا في ولاية دجلة (شمالي وسط العراق) وولاية الفرات (غربي وسط العراق)، وولاية كركوك التي تتمتع بموقع استراتيجي ونشاط كبير للتنظيم حاليا، وتقع شمالي وسط العراق؛ وولاية الجزيرة (شمال غربي العراق) وهي منطقة يعاني فيها التنظيم من صعوبات كبيرة جراء الحصار وضعف القاعدة الشعبية للتنظيم بالمنطقة. واقعيا لا يسيطر تنظيم البغدادي الإرهابي في «ولاية الجزيرة»، إلا على مدينة تلعفر ونواحيها، فيما تعاني هذه السيطرة من حصار تفرضه «البيشمركة الكردية» شمالا، والجيش العراقي جنوبا وشرقا وغربا. وجراء هذه العزلة يعاني التنظيم في هذه المنطقة من صعوبات تنظيمية داخلية وصلت لدرجة إعلان جزء من مسلحي «داعش» تلعفر ولاية مستقلة عن «دولة الخلافة»؛ مما أدى إلى نشوب مواجهة مسلحة بين مقاتلي التنظيم الإرهابي يوم 14 يوليو (تموز) 2017 أسفرت عن 4 قتلى.
أما في ولاية كركوك، فالتنظيم كذلك يتمتع بوجود مهم في منطقة لها أهمية في الجغرافيا السياسية العراقية؛ حيث إن «داعش» يوجد على التماس مع «قوات البيشمركة الكردية»، من جهة الشمال؛ ولا تخفي هذه القوات رغبتها في التوسع على حساب المناطق الخاضعة لـ«داعش»، لأسباب سياسية، وهذا ما يجعل المواجهة بين الطرفين مستمرة، وتشهد تنسيقا بين الأكراد والولايات المتحدة الأميركية التي توفر الغطاء الجوي للبيشمركة. ورغم ذلك، فإن تنظيم البغدادي يعرف نشاطاً في مناطق الرياض والحويجة ودوكمات والرشاد، مستغلا بذلك الطموحات القبلية بالمنطقة، وقدرته الجيدة في إدارة الموارد بين السكان.
وعلى مستوى «ولاية الفرات»، تعد منطقتا القائم ورواة، محل نشاط مهماً للتنظيم لتوفر الموارد الفلاحية، كما أن الولاية منفتحة على سوريا حيث يتمتع التنظيم بحرية الحركة، مما يحافظ للمنطقة على نوع من التوازن والسيطرة الداعشية.

لماذا يستمر الإرهابيون؟
هذا الاستمرار على أرض العراق وسوريا رغم المواجهة الدولية والمحلية للإرهابيين، لا يعود لما يسميه عالم السياسيّة الفرنسي أوليفييه روا «أسلمة التعصب» وولادة «ظاهرة جيليّة عدميّة»، هدفها الانتقام من الآخر، بل إن الإرهاب والتنظيمات الإرهابية، باعتبارها ظاهرة خلقتها الأزمة السياسية، تتقوى باستمرار؛ نظرا لعامل معقد، يتلخص في استحالة فصل الأسباب الداخلية للتنظيمات، عن طبيعة السياسة الخارجية للدول الغربية بمنطقة الشرق الأوسط، حسبما يؤكد فرنسوا بورغا.
ولذلك يلاحظ المتخصص في التنظيمات الإرهابية أنها تخلق آليات جديدة للتكيف مع طبيعة تحولاتها الداخلية، كما تنوع من طرق مواجهتها مع القوى الغربية التي تعدها مستعمرة للمنطقة. وفي هذا السياق، تظهر التحركات الأخيرة لتنظيم داعش، أنه واع بقسوة الهزائم التي تلقاها في المعارك الأخيرة، وما صاحبها من فقدان قيادييه العسكريين والماليين وصولا لمزاعم مقتل زعيمه البغدادي؛ كما أن التنظيم يحاول «تجاوز» الصعوبات التي يعانيها بالعراق، ولذلك عمل على خلق مركز جديد بمدينة الميادين بمحافظة دير الزور السورية، حيث حرية الحركة والقدرة على رص الصفوف.
من جهة أخرى، يقاوم التنظيم بالرقة السورية، كما يستعد للمعركة المقبلة مع الجيش العراقي والتحالف الدولي، وستكون مدينة تلعفر وبمشاركة ميليشيات «الحشد الشعبي»، ولا يعرف لحد اليوم ما إذا كان التنظيم سيتشبث بالمدينة في حال الهجوم عليها؛ خصوصا أن القيادي البارز في التنظيم «أبو البراء الموصلى»، أكد أن ما وقع بالموصل هزيمة، فيما قالت مصادر أمنية عراقية إن عدد مقاتلي «داعش» بتلعفر، نقص إلى نحو 350 مقاتلا، وكان قبل معركة الموصل للتنظيم نحو ألف مقاتل بالمدينة.
عموما يمكن القول إن الخبراء والمتخصصين في الظاهرة الإرهابية متفقون على أن المعركة الدولية مع تنظيم البغدادي، تحقق هدفها تدريجيا بالتحطيم المستمر لخرافة صناعة «داعش» وقدرة التنظيم على الإمساك بالأرض وبناء الإدارة والمؤسسات. إلا أن هذه الهزائم المتوالية، كما يقول الباحث الأميركي المتخصص في الإرهاب «هارون.ي. زيلين» لن تؤدي «إلى القضاء على الجماعة، التي ستستمر في تشكيل تهديد من ناحية التمرد والإرهاب، لكنها ستزيل أي حجج قد يميل (الجهاديون) إلى تقديمها لتبرير استمرارية دولتهم؛ حتى لو كانت تلك الدولة عبارة عن مجرد صورة مضمحلة لكيانها السابق».
أما بالنسبة لعالم السياسة والخبير، فرنسوا بورغا، مدير الأبحاث في «معهد البحوث والدراسات حول العالم العربي والإسلامي» في «إيكس أون بروفانس»؛ فإن «ما حدث في الموصل هو أن العالم قدّم مفاتيح أبواب ركام مدن سنية إلى ميليشيات شيعية أو كردية، وبهذا الشكل فقد تمّ التأجيل زمنيا والتوزيع جغرافيا للمشكلات التي لم تقدر المنظومة الدّولية على حلها. في العراق، كما في سوريا وغيرها من الدّول المُشابهة لها، لطالما لم يتم بناء مُؤسّسات سياسية صلبة قادرة على معالجة الأسباب العميقة للتطرّف في الموصل. انتصرت القوة المُطلقة العمياء وفشلت السياسة».
وهذا الفشل يجعل من تنظيم داعش مظهرا بارزا للأزمة السياسة العامة التي تضرب العراق منذ سنة 2003، وسوريا بعد سنة 2011. وبالتالي، فإن عجز المؤسسات السياسية للدولتين، على تجاوز البنية الطائفية العنيفة، وضمان المشاركة السياسية للجميع وتحقيق المواطنة، وبناء ديمقراطية تشاركية؛ يجعل من فرص القضاء على الإرهاب شبه منعدمة، حسب ما يطرحه عالم السياسة والخبير في الظاهرة الإرهابية، فرنسوا بورغا.
* أستاذ زائر للعلوم السياسية
بجامعة محمد الخامس



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».