تشير مجموعة من الأحداث والوقائع منذ مارس (آذار) 2017، إلى عودة فعلية وقوية «لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي». فعلى عكس التفكك الذي أصاب «خلافة البغدادي» بالعراق وسوريا، جمع الزعيم التاريخي الطارقي إياد أغ غالي، الخميس 2 مارس 2017، في وحدة اندماجية، كلّا من «جماعة أنصار الدين» و«جبهة تحرير ماسينا» و«إمارة منطقة الصحراء الكبرى» و«تنظيم المرابطين»، في تنظيم جديد باسم «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين». واختارت وثيقة الإعلان رؤية تنظيم القاعدة وقدمت البيعة لقيادة التنظيم أيمن الظواهري؛ وأكدت على الوفاء لأمير القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي أبو مصعب عبد الودود، وأمير حركة طالبان الملا هيبة الله.
مباشرة بعد هذا الإعلان، نفذ التنظيم الجديد سلسلة من الهجمات بكل من الجزائر ومالي وبوركينافاسو، والنيجر. فقد أعلنت «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين»، تبنيها لأول عملية، عبر الجناح الإعلامي للتنظيم «مؤسسة الزلاقة»، التي أوضحت أن الهجوم الذي تعرضت له قاعدة بوليسكي العسكرية المالية قرب الحدود مع بوركينافاسو، يوم الأحد 5 مارس 2017 قام به مقاتلون من الجماعة الجديدة. وأكد الجيش المالي الخبر، موضحا أن الهجوم أسفر عن مقتل 11 من عناصره، ومتهما جماعة «أنصار الإسلام في بوركينافاسو» التي يقودها «ملام إبراهيم جيكو»، بالوقوف وراء هذا العمل الإرهابي.
وفي يوم الاثنين 14 أغسطس (آب) 2017، قام التنظيم الإرهابي الجديد بالهجوم على مطعم تركي، بالعاصمة البوركينية واغادوغو ، وقتل مهاجمون من عناصر «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين» 18 شخصا. وبعد ذلك، شن التنظيم التابع لـ«القاعدة» هجوما على قوات الأمم المتحدة يوم الثلاثاء 15 أغسطس 2017، أسفر عن مقتل سبعة أشخاص، بينهم خمسة من حراس بعثتها لحفظ السلام في مالي «المينسما»؛ كما أصاب ستة من القبعات الزرق في هجوم آخر على المقر العام للبعثة في مدينة تمبكتو التاريخية.
وتأتي الهجمات الإرهابية الأخيرة ببرشلونة الإسبانية، والتي خلفت 15 قتيلا ونحو 100 جريح لتعيد ملف «قاعدة المغرب الإسلامي» لواجهة الاهتمام الدولي من جديد؛ في سياق دولي مشغول بخطورة الإرهاب والهجرة السرية على أمن واستقرار الدول الأوروبية ودول البحر الأبيض المتوسط، وبخاصة أمام فشل بعض دول الساحل في السيطرة على أراضيها وكذا الحرب الأهلية في ليبيا.
وفي الوقت الذي سارع كثير من المحللين لاتهام تنظيم البغدادي في الوقوف وراء عملية الدهس الأخيرة بناءً على ما أورده تنظيم داعش من تبني للعملية عبر وكالته «دابق». لم يتبين إلى اليوم بشكل حاسم الانتماء التنظيمي إلى الشباب الذين نفذوا وخططوا للهجوم؛ كما لم يصدر عن إسبانيا والمغرب باعتبارهما الدولتين المعنيتين بالعملية اتهام رسمي لـ«داعش». ومما يزيد من شرعية التساؤل عن الخلفية الفكرية والتنظيمية للإرهابيين، اكتشاف ارتباطهم بخلية مغربية، وتمكن الأمن المغربي من إلقاء القبض على مشاركين في العملية الأخيرة على التراب المغربي، أحدهما يبلغ من العمر 28 عاما وعاش في برشلونة 12 سنة، واعتُقل في مدينة الناظور القريبة من مدينة مليلية المحتلة من إسبانيا.
أكثر من ذلك، تبين أن بصمات تنظيم «القاعدة» حاضرة بقوة في العمل الهمجي الأخير. فالهجوم الذي كان وراءه 15 فردا من أصول مغربية، تبين فيما بعد أن لهم سوابق تنظيمية مع القاعدة. حيث كشفت صحيفة «آ بـس» عن تقرير سري للشرطة القضائية الإسبانية يميل بناء على معلومات، إلى احتمال كون اعتداء برشلونة هو سلسلة من أعمال وراءها إرهابيون لهم ارتباط بتنظيم أيمن الظواهري.
وذهب التقرير إلى الربط بين الأحداث الأخيرة واعتداء 16 مايو (أيار) 2003 التي شهدتها مدينة الدار البيضاء المغربية. وأشار التقرير إلى انتماء أحد المشاركين في الهجوم الأخير الإمام عبد الباقي إلى «القاعدة»، وكان ذلك وراء طلب المحققين الإسبان من القضاء التنصت على هاتف الإمام منذ (2005)؛ للتأكد من ارتباطه بتنظيمين إرهابيين، هما «أنصار الإسلام» و«الجماعة الإسلامية المغربية المقاتلة»، المتهمة بكونها من يقف وراء اعتداء 11 مارس بمدريد 2004، واعتداء 16 مايو بالدار البيضاء المغربية 2003.
في هذا السياق، يعتبر أستاذ الدراسات العربية والإسلامية في جامعة أليكانتي، إجناثيو ألباريث أوسوريو، أن برشلونة ونواحيها، ظلت حاضرة في التاريخ الإرهابي لـ«القاعدة». وذكر أن أحد الاجتماعات التحضيرية استعدادا لهجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) لعام 2001 بأميركا تم في كاتالونيا. كما عاد لطريقة تنفيذ الهجوم الإرهابي العنيف بمدريد عام 2004 الذي خلّف 192 قتيلا، وفرار منفذي هذه الهجمة إلى بلدة سانتا كولوما دي جرامانيت القريبة من برشلونة؛ ومن هنا يمكن اعتبار هذه المدينة إحدى البؤر الرئيسية القديمة للإرهاب في أوروبا، القريبة من جغرافية تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي».
ويبدو أن هناك عوامل مساعدة على العودة القوية، نذكر منها: أولا، التراجع الكبير الذي أصاب تنظيم داعش وتبخر حلم «الخلافة» على أرض العراق وسوريا. وثانيا استغلال «القاعدة بالمغرب الإسلامي» للتركيز الدولي على محاربة «داعش» في منطقة الشرق الأوسط، وتعقد الوضع القبلي والإثني بدول الساحل والصحراء، وكذلك فشل الدولة الليبية وغرقها في حرب أهلية معقدة، لا يبدو أنها ستحل قريبا.
ثالثا، تسويق «القاعدة» نفسها في السنوات الثلاثة الماضية باعتبارها منظمة معتدلة وغير متوحشة، وأن هدفها في المغرب الإسلامي هو الدفاع عن المسلمين ومحاربة الصليبيين الغزاة المستعمرين.
رابعا، كون تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» أكد في مناسبات عدة، أنه لا شرعية لتنظيم داعش وزعيمه أبي بكر البغدادي بشمال أفريقيا ودول الساحل. وسبق لأمير منطقة الصحراء الكبرى بتنظيم «قاعدة المغرب الإسلامي»، جمال عكاشة (يحيى أبو الهمام)، أن أكد في مقابلة حصرية لموقع «وكالة الأخبار» الموريتانية المستقلة، أن علاقة القاعدة بجماعة أبي الوليد الصحراوي التي حاولت الانشقاق عن «القاعدة» في 13 مايو 2015، ومبايعة تنظيم الدولة لا تزال «حتى الآن علاقة عادية وعلى اتصال معها».
خامسا، ورغم ما عاشه التنظيم من مصاعب ناتجة من خلافات تنظيمية طيلة سنتي 2015 و2016. وكذلك قوة المواجهات مع التحالف الدولي بقيادة فرنسا؛ فإنه يمكن التأكيد اليوم، أن التنظيم استعاد كثيرا من قوته التنظيمية، وتوسع من حيث حاضنته القبلية والاجتماعية، سواء في ليبيا أو جنوب الجزائر أو مالي وتونس والشرق الموريتاني، وأن زعامة إياد أغ غالي، تعني نهاية عصر الانشقاقات.
وهذه الظروف ستساعد التنظيم على الاستفادة من مئات الدواعش المغاربة والتونسيين الذين عادوا من العراق وسوريا. وبخاصة بعد إعلان جماعة أنصار الشريعة الليبية حل نفسها يوم السبت 27 مايو 2017؛ الشيء الذي يعني موت تنظيم داعش بشمال أفريقيا، وانتصارا كبيرا لآيديولوجية تنظيم «القاعدة»، على أشرس منافس له منذ التأسيس على يد أسامة بن لادن.
وكان تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» وهو المعروف اختصارا بـ«AQMI»، أول تنظيم إرهابي عالمي بشمال أفريقيا ودول الساحل. ظهر بقوة على إثر الحرب الأهلية الجزائرية في تسعينات القرن الماضي. ورغم وجود الجماعة المتشددة والمسلحة منذ 1982 التي أسسها «مصطفى بويعلي» على التراب الجزائري؛ فقد عاشت المجموعات الإرهابية الجزائرية نوعا من الفوضى والتناحر، ليأخذ تاريخ الإرهاب بالمنطقة مسارا آخر بعد انشقاق «الجماعة السلفية للدعوة والقتال» عن الجماعة الإسلامية المسلحة في الجزائر، وانضمامها إلى تنظيم القاعدة عام 2003 بعد تقديم البيعة للزعيم أسامة بن لادن. ومنذ ذلك التاريخ ظهر اسم «تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» ليعرف به فرع التنظيم بشمال أفريقيا ودول الساحل والصحراء.
ويبدو أن الحرب الأهلية التي تعيشها اليوم ليبيا، والنزاعات التي تمزق دولة مالي، تجعل من تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، الوجهة المفضلة لجيل جديد من الإرهابيين بشمال أفريقيا ودول الساحل. ويمكن القول: إن التنظيم استعاد كثيرا من قوته وقدرته على الاندماج التنظيمي والتوسع الجغرافي، حيث وصلت عملياته كلا من بوركينافاسو، وتشاد، والنيجر، وليبيا، وتونس والجزائر... كما أن تنظيماته الممتدة بين الصومال ونيجيريا تعرف تواصلا وتعاونا متزايدا وفقا لتقارير استخباراتية وخبراء غربيين.
وهذا يعني أن قدرة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي بعد الوحدة الاندماجية التي قادها إياد أغ غالي بين فصائله الأربع القوية بشمال أفريقيا ودول الساحل، ستشكل منعطفا في تاريخ التنظيم وقدرته على المواجهة، والوصول للتراب الأوروبي.
* أستاذ زائر للعلوم السياسية جامعة محمد الخامس