«القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»... عودة مثيرة لتنظيم متماسك

على عكس التفكك الذي أصاب تنظيم «البغدادي» في العراق وسوريا

«القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»... عودة مثيرة لتنظيم متماسك
TT

«القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»... عودة مثيرة لتنظيم متماسك

«القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»... عودة مثيرة لتنظيم متماسك

تشير مجموعة من الأحداث والوقائع منذ مارس (آذار) 2017، إلى عودة فعلية وقوية «لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي». فعلى عكس التفكك الذي أصاب «خلافة البغدادي» بالعراق وسوريا، جمع الزعيم التاريخي الطارقي إياد أغ غالي، الخميس 2 مارس 2017، في وحدة اندماجية، كلّا من «جماعة أنصار الدين» و«جبهة تحرير ماسينا» و«إمارة منطقة الصحراء الكبرى» و«تنظيم المرابطين»، في تنظيم جديد باسم «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين». واختارت وثيقة الإعلان رؤية تنظيم القاعدة وقدمت البيعة لقيادة التنظيم أيمن الظواهري؛ وأكدت على الوفاء لأمير القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي أبو مصعب عبد الودود، وأمير حركة طالبان الملا هيبة الله.

مباشرة بعد هذا الإعلان، نفذ التنظيم الجديد سلسلة من الهجمات بكل من الجزائر ومالي وبوركينافاسو، والنيجر. فقد أعلنت «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين»، تبنيها لأول عملية، عبر الجناح الإعلامي للتنظيم «مؤسسة الزلاقة»، التي أوضحت أن الهجوم الذي تعرضت له قاعدة بوليسكي العسكرية المالية قرب الحدود مع بوركينافاسو، يوم الأحد 5 مارس 2017 قام به مقاتلون من الجماعة الجديدة. وأكد الجيش المالي الخبر، موضحا أن الهجوم أسفر عن مقتل 11 من عناصره، ومتهما جماعة «أنصار الإسلام في بوركينافاسو» التي يقودها «ملام إبراهيم جيكو»، بالوقوف وراء هذا العمل الإرهابي.
وفي يوم الاثنين 14 أغسطس (آب) 2017، قام التنظيم الإرهابي الجديد بالهجوم على مطعم تركي، بالعاصمة البوركينية واغادوغو ، وقتل مهاجمون من عناصر «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين» 18 شخصا. وبعد ذلك، شن التنظيم التابع لـ«القاعدة» هجوما على قوات الأمم المتحدة يوم الثلاثاء 15 أغسطس 2017، أسفر عن مقتل سبعة أشخاص، بينهم خمسة من حراس بعثتها لحفظ السلام في مالي «المينسما»؛ كما أصاب ستة من القبعات الزرق في هجوم آخر على المقر العام للبعثة في مدينة تمبكتو التاريخية.
وتأتي الهجمات الإرهابية الأخيرة ببرشلونة الإسبانية، والتي خلفت 15 قتيلا ونحو 100 جريح لتعيد ملف «قاعدة المغرب الإسلامي» لواجهة الاهتمام الدولي من جديد؛ في سياق دولي مشغول بخطورة الإرهاب والهجرة السرية على أمن واستقرار الدول الأوروبية ودول البحر الأبيض المتوسط، وبخاصة أمام فشل بعض دول الساحل في السيطرة على أراضيها وكذا الحرب الأهلية في ليبيا.
وفي الوقت الذي سارع كثير من المحللين لاتهام تنظيم البغدادي في الوقوف وراء عملية الدهس الأخيرة بناءً على ما أورده تنظيم داعش من تبني للعملية عبر وكالته «دابق». لم يتبين إلى اليوم بشكل حاسم الانتماء التنظيمي إلى الشباب الذين نفذوا وخططوا للهجوم؛ كما لم يصدر عن إسبانيا والمغرب باعتبارهما الدولتين المعنيتين بالعملية اتهام رسمي لـ«داعش». ومما يزيد من شرعية التساؤل عن الخلفية الفكرية والتنظيمية للإرهابيين، اكتشاف ارتباطهم بخلية مغربية، وتمكن الأمن المغربي من إلقاء القبض على مشاركين في العملية الأخيرة على التراب المغربي، أحدهما يبلغ من العمر 28 عاما وعاش في برشلونة 12 سنة، واعتُقل في مدينة الناظور القريبة من مدينة مليلية المحتلة من إسبانيا.
أكثر من ذلك، تبين أن بصمات تنظيم «القاعدة» حاضرة بقوة في العمل الهمجي الأخير. فالهجوم الذي كان وراءه 15 فردا من أصول مغربية، تبين فيما بعد أن لهم سوابق تنظيمية مع القاعدة. حيث كشفت صحيفة «آ بـس» عن تقرير سري للشرطة القضائية الإسبانية يميل بناء على معلومات، إلى احتمال كون اعتداء برشلونة هو سلسلة من أعمال وراءها إرهابيون لهم ارتباط بتنظيم أيمن الظواهري.
وذهب التقرير إلى الربط بين الأحداث الأخيرة واعتداء 16 مايو (أيار) 2003 التي شهدتها مدينة الدار البيضاء المغربية. وأشار التقرير إلى انتماء أحد المشاركين في الهجوم الأخير الإمام عبد الباقي إلى «القاعدة»، وكان ذلك وراء طلب المحققين الإسبان من القضاء التنصت على هاتف الإمام منذ (2005)؛ للتأكد من ارتباطه بتنظيمين إرهابيين، هما «أنصار الإسلام» و«الجماعة الإسلامية المغربية المقاتلة»، المتهمة بكونها من يقف وراء اعتداء 11 مارس بمدريد 2004، واعتداء 16 مايو بالدار البيضاء المغربية 2003.
في هذا السياق، يعتبر أستاذ الدراسات العربية والإسلامية في جامعة أليكانتي، إجناثيو ألباريث أوسوريو، أن برشلونة ونواحيها، ظلت حاضرة في التاريخ الإرهابي لـ«القاعدة». وذكر أن أحد الاجتماعات التحضيرية استعدادا لهجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) لعام 2001 بأميركا تم في كاتالونيا. كما عاد لطريقة تنفيذ الهجوم الإرهابي العنيف بمدريد عام 2004 الذي خلّف 192 قتيلا، وفرار منفذي هذه الهجمة إلى بلدة سانتا كولوما دي جرامانيت القريبة من برشلونة؛ ومن هنا يمكن اعتبار هذه المدينة إحدى البؤر الرئيسية القديمة للإرهاب في أوروبا، القريبة من جغرافية تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي».
ويبدو أن هناك عوامل مساعدة على العودة القوية، نذكر منها: أولا، التراجع الكبير الذي أصاب تنظيم داعش وتبخر حلم «الخلافة» على أرض العراق وسوريا. وثانيا استغلال «القاعدة بالمغرب الإسلامي» للتركيز الدولي على محاربة «داعش» في منطقة الشرق الأوسط، وتعقد الوضع القبلي والإثني بدول الساحل والصحراء، وكذلك فشل الدولة الليبية وغرقها في حرب أهلية معقدة، لا يبدو أنها ستحل قريبا.
ثالثا، تسويق «القاعدة» نفسها في السنوات الثلاثة الماضية باعتبارها منظمة معتدلة وغير متوحشة، وأن هدفها في المغرب الإسلامي هو الدفاع عن المسلمين ومحاربة الصليبيين الغزاة المستعمرين.
رابعا، كون تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» أكد في مناسبات عدة، أنه لا شرعية لتنظيم داعش وزعيمه أبي بكر البغدادي بشمال أفريقيا ودول الساحل. وسبق لأمير منطقة الصحراء الكبرى بتنظيم «قاعدة المغرب الإسلامي»، جمال عكاشة (يحيى أبو الهمام)، أن أكد في مقابلة حصرية لموقع «وكالة الأخبار» الموريتانية المستقلة، أن علاقة القاعدة بجماعة أبي الوليد الصحراوي التي حاولت الانشقاق عن «القاعدة» في 13 مايو 2015، ومبايعة تنظيم الدولة لا تزال «حتى الآن علاقة عادية وعلى اتصال معها».
خامسا، ورغم ما عاشه التنظيم من مصاعب ناتجة من خلافات تنظيمية طيلة سنتي 2015 و2016. وكذلك قوة المواجهات مع التحالف الدولي بقيادة فرنسا؛ فإنه يمكن التأكيد اليوم، أن التنظيم استعاد كثيرا من قوته التنظيمية، وتوسع من حيث حاضنته القبلية والاجتماعية، سواء في ليبيا أو جنوب الجزائر أو مالي وتونس والشرق الموريتاني، وأن زعامة إياد أغ غالي، تعني نهاية عصر الانشقاقات.
وهذه الظروف ستساعد التنظيم على الاستفادة من مئات الدواعش المغاربة والتونسيين الذين عادوا من العراق وسوريا. وبخاصة بعد إعلان جماعة أنصار الشريعة الليبية حل نفسها يوم السبت 27 مايو 2017؛ الشيء الذي يعني موت تنظيم داعش بشمال أفريقيا، وانتصارا كبيرا لآيديولوجية تنظيم «القاعدة»، على أشرس منافس له منذ التأسيس على يد أسامة بن لادن.
وكان تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» وهو المعروف اختصارا بـ«AQMI»، أول تنظيم إرهابي عالمي بشمال أفريقيا ودول الساحل. ظهر بقوة على إثر الحرب الأهلية الجزائرية في تسعينات القرن الماضي. ورغم وجود الجماعة المتشددة والمسلحة منذ 1982 التي أسسها «مصطفى بويعلي» على التراب الجزائري؛ فقد عاشت المجموعات الإرهابية الجزائرية نوعا من الفوضى والتناحر، ليأخذ تاريخ الإرهاب بالمنطقة مسارا آخر بعد انشقاق «الجماعة السلفية للدعوة والقتال» عن الجماعة الإسلامية المسلحة في الجزائر، وانضمامها إلى تنظيم القاعدة عام 2003 بعد تقديم البيعة للزعيم أسامة بن لادن. ومنذ ذلك التاريخ ظهر اسم «تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» ليعرف به فرع التنظيم بشمال أفريقيا ودول الساحل والصحراء.
ويبدو أن الحرب الأهلية التي تعيشها اليوم ليبيا، والنزاعات التي تمزق دولة مالي، تجعل من تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، الوجهة المفضلة لجيل جديد من الإرهابيين بشمال أفريقيا ودول الساحل. ويمكن القول: إن التنظيم استعاد كثيرا من قوته وقدرته على الاندماج التنظيمي والتوسع الجغرافي، حيث وصلت عملياته كلا من بوركينافاسو، وتشاد، والنيجر، وليبيا، وتونس والجزائر... كما أن تنظيماته الممتدة بين الصومال ونيجيريا تعرف تواصلا وتعاونا متزايدا وفقا لتقارير استخباراتية وخبراء غربيين.
وهذا يعني أن قدرة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي بعد الوحدة الاندماجية التي قادها إياد أغ غالي بين فصائله الأربع القوية بشمال أفريقيا ودول الساحل، ستشكل منعطفا في تاريخ التنظيم وقدرته على المواجهة، والوصول للتراب الأوروبي.

* أستاذ زائر للعلوم السياسية جامعة محمد الخامس


مقالات ذات صلة

تركيا تحذر من جرّ العراق إلى «دوامة العنف»

شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال اجتماع لجنة التخطيط بالبرلمان التركي (الخارجية التركية)

تركيا تحذر من جرّ العراق إلى «دوامة العنف»

حذرت تركيا من جرّ العراق إلى «دوامة العنف» في منطقة الشرق الأوسط، في حين رجحت «انفراجة قريبة» في ملف تصدير النفط من إقليم كردستان.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
آسيا صورة أرشيفية لهجوم سابق في كابول (رويترز)

مقتل 10 أشخاص في هجوم على مزار صوفي بأفغانستان

قتل 10 مصلين عندما فتح رجل النار على مزار صوفي في ولاية بغلان في شمال شرقي أفغانستان، وفق ما أفاد الناطق باسم وزارة الداخلية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية أكراد يرفعون صور أوجلان في مظاهرة للمطالبة بكسر عزلته (رويترز)

تركيا: أوجلان إلى العزلة مجدداً بعد جدل حول إدماجه في حل المشكلة الكردية

فرضت السلطات التركية عزلة جديدة على زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان بعد دعوة رئيس حزب «الحركة القومية» دولت بهشلي للسماح له بالحديث بالبرلمان

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
الخليج يضطلع «اعتدال» بمهام منها رصد وتحليل المحتوى المتعاطف مع الفكر المتطرف (الشرق الأوسط)

«اعتدال» يرصد أسباب مهاجمة «الفكر المتطرف» الدول المستقرّة

أوضح «المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرّف (اعتدال)» أن استقرار الدول «يفيد التفرغ والتركيز على التنمية؛ خدمة لمصالح الناس الواقعية».

غازي الحارثي (الرياض)
أفريقيا جنود نيجيريون مع جنود من القوة الإقليمية المختلطة لمحاربة «بوكو حرام» (صحافة محلية)

​نيجيريا... مقتل 5 جنود وأكثر من 50 إرهابياً

سبق أن أعلن عدد من كبار قادة الجيش بنيجيريا انتصارات كاسحة في مواجهة خطر «بوكو حرام»

الشيخ محمد (نواكشوط)

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».