شراكة بوتين «الاستراتيجية» مع بيونغ يانغ توسّع المواجهة مع الغرب

أصغر من تحالف... وأكبر من اتفاق عسكري

المصفحة الرسمية بين الرئيسين فلاديمير بوتين وكيم جونغ أون في بيونغ يانغ (رويترز)
المصفحة الرسمية بين الرئيسين فلاديمير بوتين وكيم جونغ أون في بيونغ يانغ (رويترز)
TT

شراكة بوتين «الاستراتيجية» مع بيونغ يانغ توسّع المواجهة مع الغرب

المصفحة الرسمية بين الرئيسين فلاديمير بوتين وكيم جونغ أون في بيونغ يانغ (رويترز)
المصفحة الرسمية بين الرئيسين فلاديمير بوتين وكيم جونغ أون في بيونغ يانغ (رويترز)

قد تشكّل الزيارة «التاريخية»، كما وصفتها موسكو وبيونغ يانغ، للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى كوريا الشمالية، نقطة تحوّل رئيسية في الصراع المتفاقم بين روسيا والغرب. لقد نفّذ «سيد الكرملين» عملياً بعض تهديداته المعلنة على خلفية زيادة انخراط الغرب في الحرب الأوكرانية. ولم يعد الأمر يقتصر على التلويح بتسليح «خصوم الولايات المتحدة وحلفائها»، بل خيار وُضع على مسار التنفيذ وينتظر القرار السياسي في اللحظة المناسبة للكرملين. بيد أن الأمر الأكثر إثارة في مُخرجات زيارة بيونغ يانغ كمُن في إطلاق إشارة جدية بجهوزية الكرملين لتوسيع «رقعة المواجهة» الدائرة في أوكرانيا وحولها، لتشمل مناطق في العالم، مشتعلة بملفات ساخنة ومعقدة للغاية. ولذلك؛ كان طبيعياً أن تثير الزيارة ونتائجها قلقاً جدياً لدى الغرب. وأن تفتح أيضاً باباً واسعاً للنقاش حول رؤية الكرملين لملامح «العالم الجديد المتعدد الأقطاب» الذي لطالما روّج له بوتين، وآليات بناء تحالفاته في المنظومتين الإقليمية والدولية التي يسعى لتكريسها.

لعل العنوان الأبرز لزيارة الرئيس فلاديمير بوتين كوريا الشمالية تمثّل في توقيع اتفاقية «الشراكة الاستراتيجية الشاملة»، التي حملت في أحد بنودها تأكيداً مثيراً للغاية حول «الدفاع المشترك» ضد أخطار خارجية قد تهدّد البلدين أو أحدهما.

هذه الصيغة بحد ذاتها شكّلت مادة غنية للنقاش، وأساساً لزيادة مخاوف الغرب حيال سياسات بوتين الإقليمية.

وقبل الدخول في تفاصيل الاتفاق وآليات تطبيقه المحتملة، تجدر الإشارة إلى نقطتين فارقتين. النقطة الأولى هي أن الاتفاقية بشكلها الراهن تشكل استعادة مباشرة للإرث السوفياتي بكل ما يحمل هذا الأمر من رسائل وإشارات من جانب الكرملين حول مدى استعداده للمضي في صراعه القائم مع الغرب إلى أقصى مدى ممكن. ولذلك؛ يمكن ملاحظة أن الاتفاقية تشكل تطويراً مباشراً لـ«معاهدة الصداقة والمساعدة المتبادلة المُبرمة» بين «كوريا الديمقراطية والاتحاد السوفياتي» في العام 1961 في ذروة «الحرب الباردة».

والنقطة الثانية أن هذه أول اتفاقية من نوعها توقّعها روسيا المعاصرة خارج الإطار الجغرافي للفضاء السوفياتي السابق، بمعنى أنها خارج نطاق مجالها الحيوي وفضاء مصالحها المباشرة. وللعلم، كانت روسيا أبرمت اتفاقاً مماثلاً فقط مع حليفتها الأقرب بيلاروسيا، وكما أبرمت اتفاقات جماعية حملت المضمون نفسه في إطار «معاهدة الأمن الجماعي» مع بلدان سوفياتية سابقة، لكن هذه المعاهدة ظلت في غالب الأحيان حبراً على ورق. ولم تشهد تحركاً جماعياً «ضد خطر خارجي» على أحد بلدان المجموعة إلا في حالات محدودة للغاية.

بداية حقبة جديدة!

بناءً عليه؛ تكتسب الاتفاقية مع بيونغ يانغ أهمية إضافية. وهو ما دفع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون إلى إعلان بداية «حقبة جديدة». وقال بعد التوقيع إنه «تم الإعلان عن البداية الرسمية لعلاقات التحالف بين جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية والاتحاد الروسي؛ ما يمثل نقطة تحول رئيسية في تاريخ تطور العلاقات الكورية - الروسية».

الواقع، وفق قسطنطين أسمولوف، الباحث البارز في مركز الدراسات الكورية في معهد الصين وآسيا الحديثة التابع لأكاديمية العلوم الروسية، أن تسمية الاتفاقية بحد ذاتها تشير إلى ارتفاع كبير في مستوى العلاقات الثنائية. ورأى أن «الشراكة الاستراتيجية» تقفز بالعلاقات بين موسكو وبيونغ يانغ «خطوات عدة دفعة واحدة».

وهنا، لا بد من استعادة نص المعاهدة الأصلية التي طُوّرت؛ إذ نصّت المادة 1 من «معاهدة الصداقة والمساعدة المتبادلة» لعام 1961 على ما يلي: «إذا تعرض أحد الطرفين المتعاقدين لهجوم مسلح من قِبل أي دولة أو تحالف دول، وبالتالي وجد نفسه في حالة حرب، فإن الطرف المتعاقد الآخر يقدم على الفور المساعدة اللازمة. المساعدات العسكرية وغيرها من المساعدات بكل الوسائل المتاحة لها». وهكذا استُعير النص حرفياً تقريباً في الاتفاقية الجديدة مع إضافة نكهة معاصرة عبر الكلام عن التحديات الجديدة و«العدوان» المحتمل من خصوم الطرفين. وفي هذا الإطار تبرز إشكالية التعامل مع النص الموقع، وما إذا كان الهدف منه تطبيقاً عملياً أم توجيه رسائل تهديد لأطراف ثالثة.

هنا يقول بعض الخبراء الروس إنه «من الواضح أن السؤال الذي يطرح نفسه: مَن سيصف ما يشكّل عدواناً؟ على سبيل المثال، إذا قالت كوريا الشمالية إنها تعرّضت لهجوم، هل ينبغي لروسيا أن تتفق مع وجهة النظر هذه؟ أم يتوجب عليها أن تقيّم بنفسها أن هذا عدوان، وما إذا كان الوضع يتطلب تفعيل بند الدفاع المشترك؟».

رسالة إلى «الجيران»

الواضح أن الضمانات الأمنية التي قدّمتها روسيا لكوريا الشمالية تستهدف في المقام الأول أقرب جيرانها - اليابان وكوريا الجنوبية -، فضلاً عن حليفتهما الأكبر الولايات المتحدة. ولقد تجلى ذلك في خطاب بوتين، الذي ذكر فيه تحديداً توسيع البنية التحتية العسكرية الأميركية في شمال شرق آسيا، فضلاً عن زيادة حجم وكثافة التدريبات المشتركة مع كوريا الجنوبية واليابان. ووفقاً لخبراء، فإن «الإشارة الواضحة إلى خصوم الطرفين قد تدفع بيونغ يانغ نحو نشاط عسكري أكبر في المنطقة».

أسمولوف يضع تفسيره لأحكام الاتفاقية المُبرمة عبر الإشارة إلى احتمالات تطبيق أحكام المساعدة المتبادلة في سياق العملية العسكرية في أوكرانيا. ويقول: «من الناحية النظرية، دعونا نتخيّل موقفاً يقوم فيه الجانب الأوكراني مرة أخرى بقصف بيلغورود بطائرات قدّمتها الولايات المتحدة. يعلن الجانب الروسي أن هذا بالفعل هجوم على أراضيه، ويتجاوز حدود المنطقة العسكرية الشمالية، ويطلب المساعدة من كوريا الشمالية. أي أن الاتهامات الموجهة ضد موسكو وبيونغ يانغ حول تعاون عسكري في أوكرانيا ستتحول عملياً وقعاً سياسياً وعسكرياً جديداً».

ولكن في المقابل، ثمة من يقول إن مفهوم «المساعدة المتبادلة» أُدرِج في الاتفاقية بشكل غير واضح عمداً؛ بهدف توظيفه وفقاً للحاجة السياسية عند الضرورة.

الرئيسان الروسي والكوري الشمالي يتأهبان لتوقيع الاتفاقية الدفاعية (رويترز)

أداة ضغط سياسي

«إلى حد ما، يمكن اعتبار زيارة بوتين لبيونغ يانغ نفسها إحدى أدوات الضغط السياسي»، كما يقول روبرت وينستانلي تشيسترز، المحاضر في جامعة ليدز البريطانية. بمعنى أن أهمية الزيارة الحقيقية تتجلى في أبعادها من وجهة نظر جيوسياسية، أكثر من أن تكون محطة لإعلان تحالف عسكري. ولتوضيح هذه الفكرة يقول الباحث إن على الولايات المتحدة وحلفائها أن يأخذوا هذا العامل (الاتفاقية مع روسيا) في الاعتبار عند محاولاتهم لمواجهة بيونغ يانغ؛ الأمر الذي سيقلل من احتمالية الصدام العسكري مع كوريا الشمالية. وبذا يبدو التطور جزءاً من سياسة الردع للطرفين أكثر من أن يكون «تحالفاً عسكرياً واسع النطاق» بين روسيا وكوريا الشمالية.

وفي الوقت عينه، ووفقاً لخبراء روس، يُستبعَد أن يؤثر رفع مكانة علاقات بيونغ يانغ مع موسكو على علاقات الأولى مع بكين. وهنا يجب الأخذ في الاعتبار أن موسكو ما كانت لتقدم على خطوة كهذه من دون إبلاغ بكين. ويرجح خبراء أن يكون بوتين أبلغ الصينيين بنيته توقيع اتفاقية جديدة مع بيونغ يانغ إبان زيارته بكين في مايو (أيار). لكن هذا لا يعني أن الصين راضية تماماً عن وضع قد يؤجج التوتر أكثر في شبه الجزيرة الكورية. وهي ما زلت، وفقاً لخبراء، تفضل إدارة الملف عبر القوة الناعمة والدبلوماسية النشطة في مقابل الاندفاع الروسي «الساخن» في المواجهة القائمة مع الغرب.

عموماً، لا تزال الصين مُحتكِرة فعلياً مجال التعاون التجاري والاقتصادي مع كوريا الشمالية، مع محاولة موسكو تحقيق تكافؤ معين في هذا الشأن في المجال الأمني والعسكري. لكن التطور الأخير لا يعني أن بيونغ يانغ قد تنظر إلى روسيا كشريك أكثر أهمية من الصين. وبدلاً من ذلك، يُرجّح أن تستخدم كوريا الشمالية علاقتها مع روسيا لتحقيق التوازن وتوسيع قدراتها الاستراتيجية تجاه العلاقة مع الصين.

ملف العقوبات

الشق الثاني المهم للغاية في زيارة بوتين إلى كوريا الشمالية، تعلّق بملف العقوبات المفروضة على بيونغ يانغ. إذ تطرق بوتين بشكل منفصل لموضوع العقوبات التي تخضع لها كل من روسيا وكوريا الشمالية، مع الفارق أن الأخيرة لا تخضع فقط لعقوبات أحادية الجانب، بل لتدابير يفرضها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أيضاً.

"أول اتفاقية من نوعها توقّعها روسيا المعاصرة خارج الإطار الجغرافي للفضاء السوفياتي السابق"

لذا حمل تعهده بـ»إعادة النظر في النظام التقييدي غير المحدد المدة الذي فرضه مجلس الأمن الدولي تجاه بيونغ يانغ» أهمية خاصة. ثم أن هذا الموقف ارتبط بالحرب الأوكرانية بشكل مباشر، عبر إعلان بوتين إطلاق شارة البدء بتنشيط التعاون العسكري التقني مع كوريا الشمالية بعد اتهامه الدول الغربية بانتهاك الالتزامات الدولية فيما يتعلق بإمدادات محتملة لأسلحة بعيدة المدى وطائرات مقاتلة من طراز «إف - 16» إلى أوكرانيا.

لكن هذا الملف لا يقتصر على البُعد العسكري. وبجانب تصدير الأسلحة والمعدات العسكرية والتكنولوجيات ذات الاستخدام المزدوج ووقود الطائرات والصواريخ، فإن القرارات الدولية تحظر تزويد كوريا الشمالية بالغاز الطبيعي والمعادن والمعدات الصناعية والمركبات والسلع الفاخرة. كذلك يُحظر على هذا البلد تصدير الفحم والمأكولات البحرية والمنسوجات والأجهزة الكهربائية والخشب والموارد الطبيعية الأخرى، وعلى البنوك الكورية الشمالية فتح فروع أجنبية، وكان تم وضع حد لتوظيف العمال الكوريين الشماليين.

ماذا يمكن لروسيا أن تفعل في هذا الإطار؟

ظلت موسكو منذ بعض الوقت تضع عقبات أمام تشديد نظام العقوبات ضد بيونغ يانغ. وفي مايو 2022، منعت روسيا والصين مشروع قرار أعدته الولايات المتحدة بشأن فرض قيود جديدة رداً على اختبارات الصواريخ الباليستية المتكررة. وفي مارس (آذار) 2024، استخدمت موسكو حق النقض (الفيتو) ضد قرار لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لتمديد ولاية مجموعة من الخبراء الذين يراقبون الامتثال للعقوبات الدولية ضد كوريا الشمالية.

في المقابل، حتى بدعم من الصين، تظل روسيا عاجزة عن رفع العقوبات الدولية المفروضة على كوريا الديمقراطية. ففي ديسمبر (كانون الأول) 2019، قدّمت موسكو وبكين مشروع قرار إلى مجلس الأمن الدولي، يتضمن رفع الحظر على تصدير المأكولات البحرية والمنسوجات والتماثيل، وإعفاء مشاريع السكك الحديدية والطرق بين الكوريتين من العقوبات الأميركية، فضلاً عن رفع العقوبات الأميركية، وإنهاء حظر عمل الكوريين الشماليين في الخارج. ولكن في النهاية... لم تُطرح الوثيقة للتصويت. وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، قدمت روسيا والصين نسخة منقحة من القرار إلى أعضاء مجلس الأمن لكنهما فشلتا مجدداً في اعتماده. وهكذا، في ظل الحقائق الجيوسياسية الحالية، تظل فرص إقرار مثل هذه الوثيقة من قِبل بقية الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن، عملياً معدومة.

مع هذا، قد تجد موسكو بدائل. منها مثلاً، إعلان وقف مؤقت للامتثال لعقوبات معينة ضد كوريا الشمالية لأسباب إنسانية؛ وهو الأمر الذي ستنتقده حتماً الولايات المتحدة وحلفاؤها. وبمقدور موسكو أيضاً اللجوء إلى تفسير «مبتكر» للعقوبات - وفق مبدأ «ما ليس محظوراً فهو مسموح به».

بالإضافة إلى ذلك، قد ترفض روسيا الامتثال للقيود الدولية المفروضة على توظيف العمال الكوريين الشماليين وتوريد الموارد الطبيعية والمعدات إلى بيونغ يانغ. وهنا يشدد خبراء على أن «عبر هذه الإجراءات، تستطيع روسيا أن توضح للمجتمع الدولي أن العقوبات غير فعالة ليس فقط في سياق كوريا الشمالية، ولكن أيضاً بشكل عام».

موسكو وبيونغ يانغ وقَّعتا اتفاقية ممر جسر تومانايا الحدودي

> بالإضافة إلى الاتفاقية الاستراتيجية الجديدة، وقّعت موسكو وبيونغ يانغ خلال الزيارة اتفاقيتين لا تقلان أهمية، الأولى بشأن بناء جسر بري عبر نهر تومانايا الحدودي الذي يتدفق إلى بحر اليابان، والأخرى حول التعاون في مجال الرعاية الصحية والتعليم الطبي والتعليم الطبي. ولقد ورد ذكر تومانايا سابقاً في بيان مشترك عقب المفاوضات بين بوتين والرئيس الصيني شي جينبينغ في منتصف مايو (أيار)؛ إذ أكد الطرفان في حينها أنهما «سيواصلان، إلى جانب كوريا الديمقراطية تبادل وجهات النظر البنّاءة حول موضوع ملاحة السفن الصينية في الروافد السفلية».لزيادة حجم التجارة، يعد الاتفاق على بناء جسر طريق عبر تومانايا أمراً مهماً؛ نظراً لأن الأطراف في حاجة إلى تعزيز الروابط اللوجيستية، فحالياً يرتبط البلدان براً فقط بخطوط سكك الحديد التي تمر عبر «جسر الصداقة».ولتوضيح أهمية المشروع أكثر، يقول خبراء إن الصين وكوريا الشمالية (التي يبلغ اعتمادها التجاري على بكين بنسبة 95 في المائة) لديهما الآن 18 نقطة تفتيش. وتهتم الصين بالوصول إلى بحر اليابان، لكن تطوير الأراضي في هذه المنطقة يعتمد على القرارات السيادية لموسكو وبيونغ يانغ.كذلك، يشير بعض الخبراء إلى أن مشروع الجسر البري عبر نهر تومانايا العميق القابل للملاحة طُرح للمرة الأولى في تسعينات القرن الماضي. وفي حال شرع البلدان حالياً في التنفيذ العملي للمشروع بعد توافر الإرادة السياسية والظروف الدولية الملائمة لهما، فإن هذا المسار سيخلق وضعاً جديداً تماماً بالنسبة إلى حركة البضائع والتجارة، وستكون الصين قادرة على الإبحار مباشرة بسفنها التجارية إلى بحر اليابان؛ الأمر الذي سيكون أكثر ربحية.ويخلص خبراء إلى أنه من الناحية النظرية، يمكن للصينيين لاحقاً، الحصول على الحق في مثل هذه التحركات للسفن الحربية أيضاً؛ ما من شأنه تغيير الوضع الاستراتيجي الإقليمي بشكل كبير.


مقالات ذات صلة

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

حصاد الأسبوع الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد

وارف قميحة (بيروت)
حصاد الأسبوع صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في

راغدة بهنام (برلين)
حصاد الأسبوع  زارا فاغنكنيشت (رويترز)

وضع الليبراليين مُقلق في استطلاعات الرأي

يحلّ حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف راهناً في المركز الثاني في استطلاعات الرأي للانتخابات الألمانية المقبلة، وتصل درجة التأييد له إلى 18 في

حصاد الأسبوع روبيو play-circle 01:45

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل.

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

يعد نهج وزير الخارجية الأميركي المرشح ماركو روبيو في السياسة الخارجية بأنه «تدخلي» و«متشدد». ذلك أن روبيو دعم غزو العراق عام 2003، والتدخل العسكري في ليبيا،

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

دوما بوكو
دوما بوكو
TT

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

دوما بوكو
دوما بوكو

لا يختلف متابعو ملفات انتقال السلطة في أفريقيا، على أن العناد مفتاح سحري لشخصية المحامي والحقوقي اليساري دوما بوكو (54 سنة)، الذي أصبح رئيساً لبوتسوانا، إثر فوزه في الانتخابات الرئاسية بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. «عناد» الرئيس الجديد قاده، وعلى نحو مذهل، لإزاحة خصمه الرئيس السابق موكغويتسي ماسيسي ومن خلفه حزب قويّ هيمن على السلطة قرابة 6 عقود مرّت على استقلال بوتسوانا. ويبدو أن وعورة طريق بوكو إلى الانتصار لن تحجب حقيقة أن وديعة الفقر والفساد والبطالة و«تمرّد الاستخبارات»، التي خلفها سلفه ماسيسي، ستكون أخطر الألغام التي تعترض مهمة بوكو، الذي دشّن مع بلاده تداولاً غير مسبوق للسلطة، في بلد حبيسة جغرافياً، اقترن فيها الفقر مع إنتاج الماس.

إلى جانب «العناد في ساحة القتال» والتواضع المُقترن بالثقة في النفس، يبدو أن رهان الانتصار للفقراء والطبقات الدنيا هو المحرّك الرئيسي في المسارات المتوقعة للرئيس البوتسواني الجديد دوما بوكو. وبالفعل، لم يبالغ الرئيس المنتخب في أول تصريحاته لوسائل الإعلام عندما خاطب شعبه قائلاً: «أتعهد بأنني سأبذل قصارى جهدي وعندما أفشل وأخطئ، سأتطلع إليكم للحصول على التوجيه».

هذه الكلمات قوبلت باهتمام واسع من جانب مراقبين، بعد أداء بوكو (54 سنة) اليمين الدستورية أمام حشد من آلاف من الأشخاص في الاستاد الوطني بالعاصمة خابوروني، في مراسم حضرها قادة مدغشقر، وناميبيا، وزامبيا وزيمبابوي، وبدأت معها التساؤلات عن مستقبل بوتسوانا.

من هو دوما بوكو؟

وُلد دوما جديون بوكو عام 1969، في قرية ماهالابي الصغيرة التي تبعد 200 كلم عن العاصمة خابوروني، وترعرع وسط أسرة متواضعة، لكن اللافت أنه كان «يتمتع بثقة عالية في النفس واحترام أهله وذويه في طفولته وصباه»، وفق كلام لأقاربه لوسائل إعلام محلية. وهذه الصفات الإيجابية المبكرة، اقترنت لدى الرئيس الجديد بـ«إيمان عميق بالعدالة»، وفق عمته، وربما أكسبته هذه الصفات ثقة زملاء الدراسة الذين انتخبوه رئيساً لاتحاد الطلاب في المدرسة الثانوية.

أكاديمياً، درس بوكو القانون في جامعة بوتسوانا، لكنه - بعكس أقرانه اليساريين في العالم - كان منفتحاً على إكمال دراسته القانونية في الولايات المتحدة، وبالذات في كلية الحقوق بجامعة هارفارد العريقة، حيث تشربت ميوله اليسارية بـ«أفكار ديمقراطية» انعكست على مستقبله السياسي. أما عن المشوار المهني، فقد ذاع صيت بوكو بوصفه أحد ألمع محامين بوتسوانا.

مشوار التغيير

نقطة التحول في رحلة الرئيس الجديد باتجاه القصر الرئاسي، بدأت بتوليه زعامة حزب «جبهة بوتسوانا الوطنية» عام 2010.

يومذاك، كانت «الجبهة» تتمسك بأفكار شيوعية تلاشت مع أفول شمس الإمبراطورية السوفياتية، إلا أن بوكو بحنكته وواقعيته، مال بها نحو اشتراكية «يسار الوسط». ولم يتوقف طموح بوكو عند هذه النقطة، بل خطا خطوة غير مسبوقة بتشكيله ائتلاف «مظلة التغيير الديمقراطي» عام 2012، وهو تحالف من الأحزاب المعارضة للحكومة بينها «الجبهة». وأطلق بهذا الائتلاف عملياً «شرارة» التغيير بعد إحباط طويل من هزائم المعارضة أمام الحزب الديمقراطي البوتسواني، المحافظ،، الذي حكم البلاد منذ استقلالها عن بريطانيا عام 1966.

طوال 12 سنة، لعب المحامي اليساري الديمقراطي بوكو دوراً حاسماً في قيادة الائتلاف، ولم ييأس أو يستسلم أو يقدم تنازلات على الرغم من الهزائم التي لحقت بالائتلاف.

وفي غمار حملة الدعاية بانتخابات الرئاسة البوتسوانية الأخيرة، كان المحللون ووسائل الإعلام منشغلين بانعكاسات خلاف قديم بين الرئيس (السابق) ماسيسي وسلفه الرئيس الأسبق إيان خاما، في حين ركّز بوكو طوال حملته على استقطاب شرائح من الطبقات الدُّنيا في بلد يفترسه الفقر والبطالة، وشدّدت تعهدات حملته الانتخابية عن دفاع قوي عن الطبقات الاقتصادية الدنيا في المجتمع وتعاطف بالغ معها.

ووفق كلام الصحافي إنوسنت سيلاتلهوا لـ«هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي) كان بوكو «يناشد أنصاره الاقتراب من الناس والاستماع إلى شكاواهم». وبجانب أن أسلوب الرئيس الجديد - الذي استبعد الترشح لعضوية البرلمان) - كان «جذاباً وودوداً دائماً» مع الفقراء وطبقات الشباب، حسب سيلاتلهوا، فإن عاملاً آخر رجَّح كفّته وأوصله إلى سدة السلطة هو عودة الرئيس الأسبق خاما إلى بوتسوانا خلال سبتمبر (أيلول) الماضي من منفاه في جنوب أفريقيا، ليقود حملة إزاحة غريمه ماسيسي عبر صناديق الاقتراع.

انتصار مفاجئ

مع انقشاع غبار الحملات الانتخابية، لم يتوقع أكثر المتفائلين فوز ائتلاف بوكو اليساري «مظلة التغيير الديمقراطي» بالغالبية المطلقة في صناديق الاقتراع، وحصوله على 36 مقعداً برلماناً في انتخابات 30 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مقارنة بأربعة مقاعد فقط للحزب الديمقراطي. وبالتالي، وفق دستور بوتسوانا، يحق للحزب الذي يسيطر على البرلمان اختيار الرئيس وتشكيل حكومة جديدة. ولقد خاضت 6 أحزاب الانتخابات، وتقدم أربعة منها بمرشحين لرئاسة الجمهورية، في حين سعى ماسيسي لإعادة انتخابه لولاية ثانية رئيساً للدولة.

تكابد بوتسوانا التي يبلغ عدد سكانها 2.6 مليون نسمة

مستويات عالية جداً من البطالة نسبتها 27.6 % فضلاً

عن معدلات فقر تقترب نسبتها من 38 %

وبقدر ما كانت هذه الهزيمة صادمة للحزب الديمقراطي والرئيس السابق ماسيسي - الذي سارع بالاعتراف بالهزيمة في حفل التنصيب - فإنها فاجأت أيضاً بوكو نفسه، الذي اعترف بأنه فوجئ بالأرقام.

تعزيز العدالة الاجتماعية

لعل بين «أسرار» نجاح بوكو، التي رصدها ديفيد سيبودوبودو، المحلل السياسي والأستاذ في جامعة بوتسوانا، «بروزه زعيماً حريصة على تعزيز العدالة الاجتماعية». وفي مسار موازٍ رفعت أسهمه خبرته الحقوقية وخاصة حقوق قبيلة الباساروا (السان)، وهم السكان الأصليون في بوتسوانا، وفق موقع «أول أفريكا». هذا الأسبوع، دخلت وعود الرئيس الجديد محك التجربة في مواجهة مرحلة بلد يعاني مرحلة «شكوك اقتصادية»؛ إذ تكابد بوتسوانا التي يبلغ عدد سكانها 2.6 مليون نسمة، مستويات عالية جداً من البطالة تبلغ 27.6 في المائة، فضلاً عن معدلات فقر تقترب نسبتها من 38 في المائة، وفق أرقام رسمية واستطلاعات رأي. وخلص استطلاع حديث أجرته مؤسسة «أفروباروميتر» إلى أن البطالة هي مصدر القلق «الأكثر إلحاحاً» للمواطنين مقارنة بالقضايا الأخرى.

الأرقام السابقة تصطدم بوعود أعلنها بوكو برفع الراتب الأساسي وعلاوات الطلاب ومعاشات الشيخوخة، والاهتمام بشريحة الشباب، علماً بأن نحو 70 في المائة من سكان البلاد دون سن الـ35 سنة. ويتمثل التحدي الأكبر بتعهد الرئيس بـ«تنويع الاقتصاد» الذي يعتمد في 90 في المائة من صادراته على الماس. لذا؛ قال الباحث سيبودوبودو لموقع «أول أفريكا» شارحاً: «حكومة بوكو في حاجة إلى تحويل الاقتصاد بحيث يخلق فرص العمل، وهذا أمر صعب في خضم ركود سوق الماس، أكبر مصدر للدخل في البلاد». في المقابل، يرى المحلل السياسي ليسولي ماتشاشا أن الرئيس بوكو «شغوف بالمعرفة والتعليم، ولديه دائماً فهم جيد للشؤون والقضايا الداخلية الجارية في بوتسوانا... وكذلك فهو جاد في إصلاح البلاد».

... الدافع الحقوقي

وفي موازاة الهاجس الاقتصادي، يبدو أن الدافع الحقوقي سيشكل عنصراً مهماً في أجندة بوكو الرئاسية؛ إذ عبر في مقابلة مع «بي بي سي» عن عزمه منح إقامة مؤقَّتة وتصاريح عمل لآلاف المهاجرين الذين وصلوا خلال السنوات الأخيرة بشكل غير نظامي إلى البلاد من الجارة زيمبابوي. وفي معرض تبريره هذا القرار، أوضح بوكو: «إن المهاجرين يأتون من دون وثائق؛ ولذا فإنَّ حصولهم على الخدمات محدود، وما يفعلونه بعد ذلك هو العيش خارج القانون وارتكاب الجرائم». ثم تابع مستدركاً: «ما يجب علينا فعله هو تسوية أوضاعهم».

ترويض مديرية الاستخبارات

لكن، ربما تكون المهمة الأصعب للرئيس الجديد هي ترويض «مديرية الاستخبارات والأمن»، التي يرى البعض أنها تتعامل وكأنها «فوق القانون أو هي قانون في حد ذاتها».

وهنا يشير الباحث سيبودوبودو إلى تقارير تفيد بأن الاستخبارات عرقلت التحقيقات التي تجريها «مديرية مكافحة الفساد والجرائم الاقتصادية» في قضايا فساد، تتمثل في تربّح بعض أقارب الرئيس السابق من المناقصات الحكومية، وأنباء عن انخراط الجهاز الاستخباراتي في أدوار خارج نطاق صلاحياته، وتضارب عمله مع الشرطة ومديرية الفساد. «وبناءً على ذلك قد تبدو مهمة بوكو صعبة في إعادة ترتيب مؤسسات الدولية السيادية، علماً بأن (مديرية الاستخبارات والأمن) كانت مركز تناحر بين الرئيس السابق وسلفه إيان خاما، كما أن المؤسسات التي كان من المفترض أن توفر المساءلة، مثل (مديرية مكافحة الفساد) والسلطة القضائية، جرى إضعافها أو تعريضها للخطر في ظل صمت الرئيس السابق».أخيراً، من غير المستبعد أن يفرض سؤال محاكمات النظام السابق نفسه على أجندة أولويات الرئيس الجديد، وفق متابعين جيدي الاطلاع، مع الرئيس السابق الذي لم يتردد في الإقرار بهزيمته. بل، وأعلن، أثناء تسليم السلطة، مجدداً أن على حزبه «التعلم الآن كيف يكون أقلية معارضة».