ميشال بارنييه رئيس الحكومة الفرنسية الجديد... هل يكون الرجل المعجزة الذي ينقذ عهد ماكرون؟

وسط تضارب مصالح «الإليزيه» والكتل... وتحديات الاقتصاد

يقدّم بارنييه نفسه على أنه رجل ينتمي إلى اليمين لكن ليس اليمين البورجوازي القومي المتعصّب بل اليمين الاجتماعي
يقدّم بارنييه نفسه على أنه رجل ينتمي إلى اليمين لكن ليس اليمين البورجوازي القومي المتعصّب بل اليمين الاجتماعي
TT

ميشال بارنييه رئيس الحكومة الفرنسية الجديد... هل يكون الرجل المعجزة الذي ينقذ عهد ماكرون؟

يقدّم بارنييه نفسه على أنه رجل ينتمي إلى اليمين لكن ليس اليمين البورجوازي القومي المتعصّب بل اليمين الاجتماعي
يقدّم بارنييه نفسه على أنه رجل ينتمي إلى اليمين لكن ليس اليمين البورجوازي القومي المتعصّب بل اليمين الاجتماعي

بعد 25 سنة أمضاها ميشال بارنييه في بروكسل (1999 – 2021) مفوضاً أوروبياً متنقلاً في مناصب عديدة، منها مسؤول عن السوق الأوروبية الداخلية ونائب لرئيس المفوضية، ثم مفاوض عن الاتحاد الأوروبي مع بريطانيا إبان عملية «البريكست» (الخروج من الاتحاد) البالغة التعقيد التي طالت 6 سنوات، كان حلم بارنييه مزدوجاً: أن يتوّج مسيرته الأوروبية بأن ينتخب رئيساً للمفوضية، حيث يحل محل الألمانية أورسولا فون دير لاين، التي فازت بولاية ثانية العام الحالي، أو أن ينتخب رئيساً للجمهورية الفرنسية. غير أن حلمه المزدوج خاب مرتين. في المرة الأولى، قال لـ«الشرق الأوسط»، خلال محادثة جانبية بمناسبة اجتماعية حصلت في قصر الإليزيه، إنه «لا يتمتع بدعم من السلطات الفرنسية»، مشيراً بذلك إلى الرئيس إيمانويل ماكرون. وحلّت الخيبة الثانية عام 2021 عندما كان بارنييه يسعى للترشح عن اليمين الجمهوري الفرنسي التقليدي لرئاسة الجمهورية. لكن أعضاء الحزب فضّلوا عليه فاليري بيكريس، رئيسة منطقة باريس (إيل دو فرانس)، التي خرجت من الدورة الأولى بحصولها على 4.78 % فقط من أصوات الناخبين، وهي أسوأ نتيجة حصل عليها مرشح يميني منذ إطلاق الجنرال شارل ديغول «الجمهورية الخامسة» عام 1958.

بعد خيبتي رئاسة المفوضية الأوروبية ورئاسة الجمهورية الفرنسية، ومسيرة سياسي تربو على 50 سنة، وجد ميشال بارنييه (73 سنة) رئيس الحكومة الفرنسية الجديد نفسه سياسياً متقاعداً.

وحقاً، لم يكن الرجل يتوقع أن يُستدعى لترؤس الحكومة بعد الانتخابات البرلمانية التي شهدت تصدّر «الجبهة الشعبية الجديدة» التي تضم أحزاب اليسار و«الخضر»، وحصول اليمين المتطرف ممثلاً بحزب «التجمع الوطني» الذي تتزعمه مارين لوبن، على مجموعة نيابية كبرى، وخصوصاً تراجع معسكر الرئيس إيمانويل ماكرون.

الديغولي القديم

خلال الأيام الأخيرة التي أعقبت تعيينه في مهمته الجديدة، حلا لبارنييه أن يُذكّر بانطلاق التزامه السياسي عندما كان يافعاً - في سن الرابعة عشرة - متأثراً بدعوات الجنرال شارل ديغول، بطل فرنسا الحرة، وفكره وسياسته.

كذلك، يقدّم بارنييه نفسه على أنه رجل ينتمي إلى اليمين، لكن ليس اليمين البورجوازي القومي المتعصّب، بل اليمين الاجتماعي. ويؤكد تأثره بوالدته دونيز دوران، حيث حرص في أول تصريحاته، بعد تسميته، على التذكير بالتزامها السياسي اليساري، وحدبها الاجتماعي (مساعدة الضعفاء) وأنها لقّنته احترام الآخر والحوار والتسامح.

لقد كان لافتاً خلال عملية التسلم والتسليم، أن بارنييه ردّ على رئيس الوزراء المودّع غبريال أتال، الذي ألمح الى أنه «أصغر» رئيس للحكومة عرفته فرنسا (35 سنة)، بأن هذه الصفة «لا تدوم طويلاً». وذكّره بأنه شخصياً كان أصغر نائب دخل الندوة البرلمانية، وهو في سن الـ27 سنة.

والمفارقة هنا أن ماكرون عيّن في ولايته الثانية، التي بدأت ربيع عام 2022، أصغر رئيس حكومة (أتال)... والآن أيضاً أكبرهم سناً بشخص بارنييه. ثم إن الأخير كان تقلّد مناصب محلية، عندما كان على المقاعد الجامعية. وبعد تعيينه، ركزت الوسائل الإعلامية الفرنسية والأجنبية على مُراكمته خبراته السياسية وتمرّسه في المفاوضات المعقّدة، التي قيّض له أن يخوضها عندما شغل عدة مناصب وزارية في عهدي الرئيسين اليمينيين جاك شيراك (1995 ــ 2007) ونيكولا ساركوزي (2007 ــ 2012). وكان أبرزها اثنان: وزارة الخارجية، ولاحقاً وزارة الزراعة.

بارنييه... الدرّة النادرة

ما كان لميشال بارنييه أن يغدو رئيساً للحكومة لو جاءت نتائج الانتخابات الأخيرة مختلفة. فخلال السنوات السبع التي أمضاها ماكرون في قصر الإليزيه، عيّن 4 رؤساء حكومات، خامسهم بارنييه، إذ سبقه إدوار فيليب وجان كاستيكس وإليزابيت بورن وغبريال أتال، وكلهم كانوا منتمين إلى تياره السياسي، مع أن الأخيرين ما كانا متمتعين بالأكثرية المطلقة في البرلمان.

أما في حالة بارنييه، فإن الأمور جاءت مختلفة تماماً بسبب تشكّل 3 مجموعات نيابية. هي: «الجبهة الشعبية الجديدة» اليسارية ومجموعة الوسط الداعمة لماكرون و«التجمع الوطني» اليميني المتطرف. والحال أن أياً منها يرفض التعاون مع الآخرين.

رهان ماكرون الفاشل

رهان الرئيس الفرنسي كان على تفكيك تحالف اليسار عبر سحب الحزب الاشتراكي منه وتشكيل «جبهة جمهورية» تمتد من اليسار الاشتراكي (المعتدل) وصولاً إلى اليمين التقليدي (المعتدل)، وتكون كتلته المكوّنة من 166 نائباً بمثابة بيضة القبان، إلا أن هذا الرهان فشل.

وبعدما استبعد ماكرون نهائياً لوسي كاستيه، مرشحة اليسار و«الخضر»، بحجة أن أي حكومة ترأسها ستسقط في البرلمان لدى أول اختبار، بينما المطلوب «المحافظة على الاستقرار المؤسساتي»، جرّب مرشحاً اشتراكياً هو برنار كازنوف، وآخر هو كزافييه برتراند من حزب «اليمين الجمهوري» الحاصل على 47 نائباً، ثم تييري بوديه، رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي بصفته منبثقاً عن المجتمع المدني.

لكن الثلاثة سقطوا في امتحان الديمومة لأسباب سياسية وشخصية مختلفة يطول الخوض في تفسيرها.

الهدية المسمومة

كان ماكرون، الذي تنتهي ولايته الثانية في عام 2027، يبحث عن الرجل المنقذ لعهده من جهة، ولفرنسا من جهة ثانية، من الأزمة السياسية التي أفضت إليها الانتخابات التي أفرزت نتائجها وضعاً سياسياً بالغ التعقيد.

فهو من جهة، اعترف أخيراً بأن معسكره خسر الانتخابات. لكنه، في المقابل، لا يريد رئيساً للحكومة يفكّك ما سعى لبنائه خلال السنوات المنصرمة، متمسكاً باستمرار انتهاج سياسة ليبرالية اقتصادية مشجعة لاستقطاب الاستثمارات، ولا تتراجع عن الإصلاحات والقوانين التي أدخلها، ومنها تعديل سن التقاعد وقانون العمل والرعاية الاجتماعية، فضلاً عن قانون الهجرات.

أما الأهم من هذا وذاك، فهو أن ماكرون كان يبحث عن شخصية لا تواجه رفضاً تلقائياً، لكنها تستطيع التحاور مع الجميع بحيث لا تطرح الثقة به منذ لحظة تشكيل حكومته، فضلاً عن احترام صلاحيات الرئاسة التي يكفلها الدستور. ولأنه رئيس الحكومة العتيد لن يكون بالضرورة من معسكره، أراده ماكرون أن يكون ليناً و«دبلوماسياً» بحيث يسهل معه «التعايش» على رأس السلطة التنفيذية.

في عددها ليوم الأربعاء الماضي، كشفت صحيفة «لوموند» تفاصيل ما جرى، وما دفع ماكرون إلى تسمية بارنييه. إذ أفادت أن ألكسيس كوهلر، أمين عام الرئاسة، هو من زكّى ترشيح بارنييه، وكان صلة الوصل بينه وبين ماكرون قبل أن يستدعيه الأخير لأول لقاء معه في قصر الإليزيه.

لوبن وملف الهجرة

بيد أن العامل الحاسم الذي ثبّت اختيار بارنييه كان قبول مارين لوبن، زعيمة اليمين المتطرف، به رئيساً للحكومة. ذلك أنها ترى أنه لا خلافات شخصية بينه وبين حزبها من جهة، ولأن لديه، من جهة أخرى، مواقف تراها متجانسة ومتقاربة من مواقفها في مسائل يعدّها اليمين المتطرّف حيوية. ومن هذه المسائل: ملف الهجرة، وضرورة السيطرة على حدود البلاد الخارجية، وتأكيده احترام الجميع وانفتاحه على تعديل قانون التقاعد، وليس إلغاؤه، واستعداده للبحث في قانون انتخابي جديد يعتمد النسبية... الأمر الذي يلائم «التجمع الوطني» بعكس قانون الدائرة الصغرى ذي الدورتين المعمول به راهناً. ولو اعتمدت النسبية لكانت لوبن قد حصلت على الأكثرية المطلقة.

بناءً على هذه المعطيات، وعدت لوبن بألا يحجب «التجمع» الثقة عن بارنييه، بعكس جبهة اليسار. وللعلم، لو صوّت اليسار واليمين المتطرف معاً على سحب الثقة من رئيس الحكومة الجديد، فإنه سيسقط حكماً باعتبار أن لديهما 337 نائباً، أي بزيادة 48 نائباً عن العدد المطلوب لإسقاط الحكومة.

في المقابل، هذا الاختيار من ماكرون حوّل لوبن إلى «صانعة رؤساء الحكومات» الذين سيكونون كالخاتم في إصبعها، بحيث تكون قادرة على إسقاطه عندما ترى أن سياسة بارنييه لا تلائمها ولا تجاري مصالح حزبها. ومن هنا، جاء هجوم اليسار و«الخضر» على ماكرون واتهامه بـ«التواطؤ» مع لوبن.

تساؤلات مشروعة

هل سيكون بارنييه قادراً على الصمود رئيساً للحكومة؟

في حديثه المطوّل للقناة الأولى في التلفزيون الفرنسي، عرض بارنييه «فلسفة» حكمه الموعود وانفتاحه على الجميع، فهو يريد أن يدشن «عصراً جديداً» في طريقة الحكم، حيث «رئيس الجمهورية يرأس، والحكومة تحكم». والأهم من ذلك أنه نوّه بـ«القدرة على التفاوض، وجعل الناس يعملون معاً، ودأبه على احترام الجميع والإصغاء لما يقولونه».

وفي رسالة مباشرة إلى اليمين المتطرف، أكد أنه «سيحترم» الـ11 مليوناً الذين صوّتوا له في الدورة الأولى، رغم تأكيده أنه «لا شيء مشترك يجمعه باليمين المتطرف على صعيد الطروحات أو الآيديولوجيا». وإذ استبعد دخول وزراء من هذا الحزب في حكومته، أبدى استعداده للبحث في القانون الانتخابي، قائلاً: «لا خطوط حمراء» تمنعه من ذلك، غير أنه لم يلتزم بأي شيء محدد.

بالتالي، يريد بارنييه حكومة من مختلف الألوان، بما في ذلك اليسار. ولذا كثّف مشاوراته مع قادة الأحزاب والمجموعات البرلمانية. لكنه يواجه مجموعة تحديات لا تنحصر بالجوانب السياسية، بل أبرزها اقتصادي مالي. إذ يتعيّن على الحكومة أن ترفع إلى مكتب المجلس النيابي مشروع الميزانية لعام 2024، وأن تعمل على خفض العجز الذي وصل راهناً إلى 5.6 في المائة، بينما المعيار الأوروبي يتوقف عند عتبة 3 في المائة.

هذا، وسبق للاتحاد فتح تحقيق رسمي بخصوص مالية فرنسا، التي إن أرادت احترام المعايير، فعليها العثور على 110 مليارات يورو إضافية حتى عام 2027. وبالتوازي، تواجه فرنسا مشكلة ديونها التي تتجاوز 3000 مليار يورو، وخدمة الديون تطأ بقوة على ميزانيتها.

الملفان الصعبان

وعليه، ثمة ملفان يهددان بإسقاط بارنييه: الأول ميزانية الدولة، والثاني اقتراح إلغاء قانون التقاعد الذي أقره البرلمان العام الماضي بصعوبة بالغة رغم تعبئة نقابية وسياسية واسعة طالت شهوراً. والواقع أن اليمين المتطرف قدّم رسمياً اقتراح قانون لمكتب المجلس بهذا الشأن، علماً أن إسقاط قانون التقاعد هو أيضاً مطلب يساري بامتياز. وبالمناسبة، بارنييه ليس من أنصار المحافظة على القانون الذي يرفع سن التقاعد إلى 64 سنة فقط، بل سبق له اقتراح 65 سنة.

وبجانب التحديات الإضافية، التي سيواجهها رئيس الحكومة الجديد، ثمة ملفات الهجرة، والقدرة الشرائية، والخدمات العامة (كالمدارس والصحة)، وقبل ذلك كله إشعار المواطن أن صوته لم يذهب سدى، وأن تغييراً حصل في وجوه المسؤولين وفي السياسة المتبعة.

من هنا، تبدو الهدية التي قدّمها ماكرون لبارنييه «مسمّمة»، فهل ستساعد الأخير خبرته السياسية وكياسته على شغل منصبه الجيد، وتحقيق شيء ما من الوعود؟

الجواب في الآتي من الأيام.

فرنسا: سيناريوهات سياسية للمستقبل

ما زالت انتخابات الرئاسة الفرنسية بعيدة، إذ لن يحين أوانها إلا مع ربيع عام 2027. ولكن منذ اليوم، السكاكين السياسية مشحوذة، وأول المبادرين كان إدوار فيليب، رئيس الوزراء السابق ورئيس حزب «هورايزون» (آفاق) المنتمي إلى «المعسكر الرئاسي»، إلى جانب حزب الرئيس إيمانويل ماكرون «النهضة» أو «معاً من أجل الجمهورية» وحزب «الحركة الديمقراطية» الوسطي، الذي يرأسه السياسي المخضرم فرنسوا بايرو، أول الداعمين لماكرون، الذي يدين له بفوزه الأول في الانتخابات الرئاسية في عام 2017، بيد أن التركيبة السياسية اليوم، في ظل غياب أكثرية نيابية تدعم الحكومة، التي يجهد ميشال بارنييه لتشكيلها، تجعل كل السيناريوهات ممكنة، بما في ذلك لجوء ماكرون إلى حل المجلس النيابي مرة جديدة بحلول يونيو (حزيران) المقبل، أي بعد مرور سنة كاملة على حلّه للمرة الأولى، وهو ما ينص عليه الدستور. إقدام ماكرون على خطوة كهذه مرجح، لأن الأمر كان بيد الرئيس الفرنسي، الذي مارس حكماً عامودياً خلال 7 سنوات، حيث الحلّ والربط في القضايا، كبيرها وصغيرها. لكن الأمور تغيّرت اليوم بفعل هزيمة معسكره في الانتخابات النيابية الأخيرة واضطراره إلى تسمية رئيس للحكومة من خارج معسكره، وتحديداً من اليمين التقليدي، الممثل بحزب «اليمين الجمهوري» الذي لم ينفك، خلال السنوات السبع المنقضية، عن التنديد بسياسات حكوماته المتعاقبة. بيد أن مواقفه تغيّرت بعدما سُمي أحد أعضائه، ميشال بارنييه، لرئاسة الحكومة. وسارع الأخير إلى رسم «خارطة طريق» لكيفية تعامله مع رئيس للجمهورية ينزع للسيطرة، بتأكيده أن «الرئيس يرأس والحكومة تحكم».إحدى قواعد السياسة أن «الكلام شيء والممارسة شيء آخر». لذا، يرى محللون أن ماكرون لن يتردد بحلّ المجلس النيابي إذا وجد أن الأمور لا تسير لصالحه، وأن «إرثه» السياسي والاقتصادي مهدد. لكنّ ثمة خطراً آخر قد يكون محدقاً به، وعنوانه «هشاشة» الحكومة التي يجهد بارنييه لتشكيلها، والتي يمكن أن تسقط في البرلمان بسحب الثقة منها إذا رأى اليمين المتطرف أن مصلحته تكمن في سقوطها، أو أنها تنتهك «الخطوط الحمراء» التي رسمها. وليس سراً أن اليسار و«الخضر»، في إطار «الجبهة الشعبية الجديدة» عازمون عند أول فرصة على طرح الثقة بها، لأنهم يرون أساساً أن السلطة سرقت منهم، وأن بارنييه لا يتمتع بالشرعية لممارستها كونه يجيء من صفوف حزب حلّ في المرتبة الرابعة في الانتخابات الأخيرة، وليس له إلا 47 نائباً في البرلمان الجديد.إذا تحقق هذا السيناريو، فإن الأزمة السياسية ستتفاقم، لأن المعطيات الأساسية للتركيبة السياسية لن تتغير. وبالتالي سيجد الرئيس ماكرون نفسه أمام حائط مسدود، بحيث لن يكون من مخرج أمامه سوى الاستقالة، مع أنه أكد غير مرة أنه باقٍ في منصبه حتى آخر يوم من ولايته الثانية، ولن يتخلى عن مسؤولياته في أي ظرف كان. احتمال الاستقالة يبرر مسارعة إدوار فيليب، الذي استقبل ماكرون الخميس في إطار الاحتفال بتحرير مدينة لو هافر، بشمال البلاد، من الاحتلال النازي، إلى الإعلان رسمياً عن ترشحه للرئاسة، سواءً في أوانها العادي (عام 2027) أو إذا قُدّم موعدها بسبب استقالة ماكرون. وليس فيليب الوحيد الذي يتحضر لهذا الاحتمال. فرئيس الحكومة السابق غبريال أتال يرنو بدوره إلى احتلال هذا المنصب، وكان يراهن على مواصلة ممارسة السلطة لفترة أطول بحيث تكون الرافعة لتحقيق طموحاته الرئاسية، ولذا ظهرت شبه القطيعة مع ماكرون والأجواء الجليدية التي تطبع علاقاتهما. ويرأس أتال راهناً المجموعة النيابية المشكلة من الحزب الرئاسي. وبالطبع، ثمة مرشحون ثابتون، مثل جان لوك ميلونشون زعيم حزب «فرنسا الأبية» اليساري، ومارين لوبن زعيمة «التجمع الوطني» اليميني المتطرف، وكلاهما يترشحان للمرة الرابعة. ثم هناك لوران فوكييز وكزافييه برتراند، الأول رئيس حزب «اليمين الجمهوري»، والثاني أحد أعضائه، وكاد يصل إلى رئاسة الحكومة، لولا الفيتو الذي رفعته لوبن بوجهه.


مقالات ذات صلة

الكرملين... منتصف الطريق بين طهران وتل أبيب

حصاد الأسبوع قصف صاروخي إيراني على تل أبيب (رويترز)

الكرملين... منتصف الطريق بين طهران وتل أبيب

لم تنعكس اللهجة القوية التي أطلقها الكرملين ضد إسرائيل مباشرة بعد اندلاع الحرب الحالية، عملياً على التحركات الروسية. ولم يحمل التنديد الروسي بالهجوم الإسرائيلي

رائد جبر (موسكو)
حصاد الأسبوع مايك هاكابي

مايك هاكابي... سفير أميركا لدى إسرائيل «توراتي» ينكر وجود الشعب الفلسطيني

كان من الممكن لسفير الولايات المتحدة لدى إسرائيل، مايك هاكابي، أن يكون دبلوماسياً عادياً، بالكاد تحدث تصريحاته السياسية أثراً مهماً أو تلعب دوراً في كشف سياسات

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع الرئيس دونالد ترمب يقود حملة الجمهوريين ضد "قنون الرعاية الصحية"  - أوباما كير - (تلفزيون "آيه بي سي"

مواقف هاكابي نموذج لأميركا المحافظة الحالية

يؤمن مايك هاكابي بـ«التصميم الذكي» للوجود، ويرفض نظرية التطور الداروينية، كما ينكر خطر الاحتباس الحراري. عام 2004، نُقل عنه في برنامجه «أركنسو أسك»، وهو…

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
حصاد الأسبوع من جلسات القمة العربية في بغداد (رويترز)

متغيرات إقليمية تهدد أوزان الأحزاب في موسم الانتخابات العراقية

أدت مجموعة من القضايا في العراق إلى تسخين الأجواء باكراً مع تحضير القوى السياسية لخوض الانتخابات المقبلة. وهذه الانتخابات تبدو مصيرية على كل الصعد،

حمزة مصطفى (بغداد)
حصاد الأسبوع لي جاي ميونغ

لي جاي ميونغ... الرئيس الكوري الجنوبي أمام تحدي إنقاذ الديمقراطية ومعركة الفساد

بعد ثلاث سنوات من التعرّض للهزيمة، نجح لي جاي ميونغ، مرشح «الحزب الديمقراطي» لمنصب الرئاسة في كوريا الجنوبية، في الفوز بأرفع منصب في البلاد. ويأتي انتخاب لي،…

براكريتي غوبتا ( نيودلهي)

الكرملين... منتصف الطريق بين طهران وتل أبيب

قصف صاروخي إيراني على تل أبيب (رويترز)
قصف صاروخي إيراني على تل أبيب (رويترز)
TT

الكرملين... منتصف الطريق بين طهران وتل أبيب

قصف صاروخي إيراني على تل أبيب (رويترز)
قصف صاروخي إيراني على تل أبيب (رويترز)

لم تنعكس اللهجة القوية التي أطلقها الكرملين ضد إسرائيل مباشرة بعد اندلاع الحرب الحالية، عملياً على التحركات الروسية. ولم يحمل التنديد الروسي بالهجوم الإسرائيلي على إيران، وعدّه انتهاكاً فظاً للقانون الدولي و«مرفوضاً بشكل قاطع»، انحيازاً لـ«الشريك الإيراني» في المواجهة القائمة، قد تكون له تبعات ملموسة، بقدر ما جاء تأكيداً لمواقف موسكو السابقة الرافضة لـ«السيناريو العسكري» لتسوية الخلاف حول البرنامج النووي الإيراني. لكن بدا أن الكرملين كان يتوقع هذا التطور، وأعد له العدة، على الرغم من تحذيراته المتكررة من «عواقب وخيمة» للحل العسكري، للتعامل مع الواقع الجديد في الشرق الأوسط.

الرئيس فلاديمير بوتين كان الزعيم الوحيد الذي سارع فور اندلاع الحرب، إلى إجراء اتصالين مع كل من بنيامين نتنياهو ومسعود بزشكيان، ما أوضح أن موسكو فضّلت الوقوف في منتصف الطريق بين الطرفين. وبرز هذا تماماً عبر تأكيد بوتين أن تسوية الصراع القائم لا بد أن يقوم على إيجاد «توازن» واضح بين ضمان حق إيران في استخدامات الطاقة النووية للأغراض السلمية من جانب، وضمان مصالح إسرائيل وحقها في ألا تتعرّض لتهديد. وهذه اللهجة لم تكن مستخدمة كثيراً لدى الكرملين خلال السنوات الاخيرة.

لقد راوحت ردود الفعل الروسية على الضربات الإسرائيلية ضد إيران، بين «القلق» من تداعيات الحدث بعد «انهيار الجهود السلمية لتسوية الملف النووي»، وتحميل إسرائيل المسؤولية عن تداعيات «رفع مستوى المخاطر» وجرّ المنطقة إلى صراع مفتوح. وسارعت أوساط في موسكو لوضع «سيناريوهات» محتملة بينها انزلاق الوضع في المنطقة نحو «مواجهة شاملة» ترمي بآثارها على بلدان الشرق الأوسط.

بيان موسكو

أصدرت الخارجية الروسية بياناً شديد اللهجة أدان التحرك العسكري الإسرائيلي، وعدّه مخالفة «وانتهاكاً فظاً لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي». واتهمت موسكو إسرائيل بأنها «اتخذت قراراً واعياً لزيادة تصعيد التوترات ورفع مستوى المخاطر. ولقد تكرّرت التحذيرات من خطورة المغامرات العسكرية التي تهدد الاستقرار والأمن في المنطقة. وتقع مسؤولية جميع عواقب هذا الاستفزاز على عاتق القيادة الإسرائيلية».

لكن هذه اللهجة الانتقادية القوية من موسكو، التي تعزّزت بعد يومين بإدانة ما وصفه الكرملين بـ«إحجام إسرائيل عن العودة إلى المسار السياسي» ترافقت مع اتهام موسكو الدول الغربية بأنها «تتحمل جزءاً من المسؤولية عن التصعيد»، لكونها أثارت «الهستيريا المعادية لإيران في مجلس محافظي الوكالة» الذي كان قد تبنى قراراً يدين طهران قبل يومين فقط من وقوع الهجوم الإسرائيلي. وبدا جلياً أن موسكو تعمل بسرعة على بلورة موقفٍ تبني على أساسه خطواتها اللاحقة.

لا مساعدة عسكرية لطهران

السؤال الأول الذي تردد بشأن موقف الكرملين، ركّز على مدى جدية احتمال أن تتدخل موسكو عسكرياً لصالح إيران، وبخاصة في إطار «التعامل بالمثل» مع المساعدات المهمة التي قدمتها طهران لموسكو في الحرب الأوكرانية.

لكن بدا منذ اللحظة الأولى أن هذا الأمر ليس مطروحاً أصلاً ضمن حسابات الكرملين، كما أنه لا يوجد أساس قانوني لهذا التدخل. فاتفاق «الشراكة الاستراتيجية الشاملة» المُبرم مع إيران في بداية العام، لا ينص على بند حول الدفاع المشترك، خلافاً لاتفاقية مماثلة وقعتها موسكو مع كوريا الشمالية العام الماضي وانعكست نتائجها عملياً في أوكرانيا.

صحيح أن الاتفاقية تؤكد «تعزيز التعاون في كل المجالات بما في ذلك العسكرية منها»، لكنها لا تلزم الطرفين بالتدخل في حال وقع اعتداء على أحدهما، مكتفية بإشارة إلى أنه «في حال تعرض أي طرف لعدوان خارجي فإن الطرف الآخر يلتزم بعدم مساعدة الأطراف المعتدية».

هذا لا يقلل بطبيعة الحال من أهمية الشريك الإيراني لموسكو في عدد من الملفات الكبرى التي تربط الطرفين، لكن الكرملين بدا أنه تحسّب لهذا «السيناريو» مُسبقاً، وخلافاً لتوقعات كثيرة تردّدت في أثناء صياغة النسخة النهائية من الاتفاقية، تجنّب أي إشارة فيها إلى موضوع الدفاع المشترك.

الاتصالات مع واشنطن

النقطة الثانية المهمة هنا، أن الحرب المشتعلة سببت حقاً نوعاً من الحرج للكرملين، وأظهرته عاجزاً عن الدفاع عن حلفائه، لكنها في المقابل فتحت فرصاً جديدة لموسكو لتعزيز موقفها مع الولايات المتحدة ومحاولة جني مكاسب من التطورات. فقبل أسبوع واحد من اندلاع الحرب أجرى الرئيسان الروسي والأميركي مكالمة هاتفية مطوّلة ركزت على الوضع حول إيران، إلى جانب تطورات الملف الأوكراني. واتضح بعد ذلك مباشرةً أن موسكو وواشنطن توصلتا إلى رأي متفق عليه: لا ينبغي لطهران امتلاك أسلحة نووية!

طبعاً، هنا ظهر إغراء كبير لإطلاق تكهنات مثيرة، تصب في إطار صفقة محتملة: «ترمب أعطى أوكرانيا لبوتين مقابل إيران».

لكن الأمر ليس بهذه البساطة. ليس فقط لأن سيطرة واشنطن على الوضع حول أوكرانيا محدودة بعض الشئ، بل كما أظهرت مفاوضات واشنطن وكييف حول المعادن النادرة، فإن أوكرانيا تدافع عن مصالحها الأساسية في كل الأحوال.

ثانياً، هناك أيضاً دول أوروبية لها موقفها الخاص ويمكنها التأثير في الصراع، وخاصة على الموقف الأميركي.

وهناك أمر ثالث أهم بكثير. فمن تابع الوضع بدقة يتذكر جيداً أن موسكو، قبل ترمب وقبل بدء الحرب الأوكرانية، كانت تعارض امتلاك إيران الأسلحة النووية. لذا لم تحدث أي تحولات جوهرية في موقف الكرملين من هذه القضية، ما يدحض الكلام عن صفقة «أوكرانيا مقابل إيران».

مع هذا ـ مجرد مناقشة الموضوع الإيراني خلال مفاوضات بوتين - ترمب أمر جدير بالاهتمام. إذ أوحى أن واشنطن ربما كانت أقرب إلى التعامل مع وساطة روسية في هذا الملف، انطلاقاً - كما يقول خبراء روس - من أن ترمب «يفضل التوصل إلى خيارات على شن عمل عسكري واسع قد لا يمكن التكهن بنتائجه»، مع أنه يبدي حزماً لفظياً تجاه طهران.

ولكن لم يمر وقت طويل بعد ذلك حتى اتضح أن ترمب شارك، وفق تعليقات خبراء روس وغربيين، في عملية تضليل استراتيجي لطهران. وأن الاتصالات التي أجراها وإبداءه قدراً من التعاطف مع فكرة الوساطة الروسية كانت جزءاً من ذلك التضليل.

أولويات الكرملين

صحيح أن روسيا أعلنت أكثر من مرة في السابق رفض امتلاك إيران أسلحة نووية، لكنها دافعت طوال سنوات عن حق طهران في تطوير استخدام الطاقة الذرية للأغراض الذرية من دون إظهار حساسية - خلافاً للغرب - تجاه مخاطر تحوّل البرنامج السلمي الإيراني إلى برنامج عسكري في وقت قصير نسبياً.

الموقف الروسي هذا بدا مستنداً ليس إلى مخاوف من جانب إيران نفسها بل إلى استراتيجية تقوم على رفض توسيع «النادي النووي» قبل وضع ضوابط وآليات للرقابة وتفاهمات جديدة مع الدول النووية الكبرى حول الانتشار وضبط التسلح. بعبارة أخرى تعارض موسكو فكرة إطلاق «فوضى نووية» أكثر من أن تكون معارضة لحق إيران بامتلاك السلاح النووي.

واللافت وجود تيارين أو رأيين لدى الأوساط المقربة من الكرملين في هذا الشأن: الأول يرى علناً إيران شريكاً استراتيجياً لموسكو، وهذه الشراكة أظهرت مستوى جديتها في المواجهة الراهنة بين موسكو والغرب، وعليه، فتعزيز قدرات إيران لا يخيف موسكو. والثاني يحذّر من ظهور جار نووي جديد لروسيا، متقلب الأهواء نوعاً ما، قد تتغير معالم سياسته الخارجية بناء على صفقات مع الغرب.

وعليه، فاحتمال إبرام اتفاق نووي جديد بين طهران وواشنطن لم يكن السيناريو الأمثل للكرملين. ومع ذلك، فإن الفشل التام للمفاوضات أمرٌ خطير أيضاً، لأن السيناريو العسكري سيؤدي حتماً إلى زعزعة استقرار إيران، وربما الوضع في عموم جوار روسيا. ومن ثمّ، تمثّل السيناريو الأمثل لموسكو في تجنب الحل العسكري وترك طهران تخوض مفاوضات طويلة الأمد من دون أي نتائج حقيقية، أو الانخراط بشكل مباشر في المفاوضات للحصول على مكاسب مهمة في حال أمكن التوصل إلى صفقة.

اتفاق «الشراكة الاستراتيجية الشاملة» بين روسيا وإيران لا ينص على الدفاع المشترك

فرص الوساطة الروسية

قبل اندلاع الحرب، كان المزاج السائد في موسكو أن الإيرانيين والأميركيين بحاجة حالياً لمشاركة روسيا. تحتاج طهران إلى وسطاء لزيادة فرص تنفيذ الاتفاق واستبعاد احتمال انسحاب ترمب، أو الرئيس الأميركي المقبل منه مجدداً خلال بضع سنوات. لذا، من مصلحة إيران إشراك أكبر عدد ممكن من الأطراف في الاتفاق: الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والصين، وروسيا، بالإضافة إلى الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية.

طهران تحتاج أيضاً إلى وسطاء كمصادر للمراقبين. وإذا اقتصر الاتفاق على الأميركيين فقط، فسيتعين منحهم حق الوصول لمراقبة المنشآت النووية الإيرانية. وواشنطن تحتاج إلى مشاركة روسيا لحل المسائل الفنية. وكانت روسيا، في الاتفاق السابق، من وافق على تسلّم الوقود النووي المستهلك من إيران، وهو ما لم يكن المشاركون الآخرون مستعدين للقيام به.

موسكو رأت أنه في إطار أي اتفاق سيتوجّب على إيران التخلص من فائض اليورانيوم. وبدا أن روسيا الطرف الوحيد المؤهل لتولّي هذه المهمة: أولاً، لامتلاكها القدرات التقنية اللازمة لقبوله ومعالجته. ثانياً، لأنها الخيار الذي تُصرّ عليه طهران. وفي النهاية، سيكون أسهل بكثير لإيران استعادة اليورانيوم المخصب من روسيا إذا انسحبت واشنطن من الاتفاق مجدداً.

موسكو لم تغير أولوياتها تجاه هذا الموضوع مع اندلاع الحرب، بل عادت لطرح وساطتها بشكل ملحّ وأكثر من مرة عبر اتصالات أجراها بوتين مع عدد من قادة العالم. لكن المشكلة في عرض الوساطة الروسي افتقاره إلى آليات عملية، وإلى رغبة إسرائيل - والغرب عموماً - بالتعامل مع جهود موسكو. والأهم من هذين السببين، أن العرض يتناقض جوهرياً مع أهداف تل أبيب وواشنطن من هذه الحرب.

أيضاً، فضلاً عن اعتراض عدد من الدول الأوروبية على فكرة الوساطة الروسية، فإن الرئيس ترمب أيضاً نصح بوتين في مكالمة هاتفية «بأن يولي اهتماماً أكبر لتسوية الصراع في أوكرانيا بدلاً من عرض جهوده للتوسط بين إيران وإسرائيل». وللعلم، الأخيرة تجاهلت أصلا كل دعوات بوتين لبذل جهود للوساطة.

نقطة أخرى مهمة تضعف عرض الوساطة الروسية، هي أنه يقوم على فكرة العودة إلى التفاوض لتسوية الملف النووي، بينما الأحداث على الأرض تشير إلى انتقال واشنطن وتل أبيب إلى الحسم العسكري وتقويض البرنامج الإيراني كله.

سياسياً، يسعى الكرملين، إلى تجنيب إيران مصير التفكك أو تحضير الوضع الداخلي لتغيير جذري، بعد إضعاف السلطات الإيرانية واستهداف القيادات الأساسية أمنياً وعسكرياً، وهذا أيضاً أمر لا يحظى بقبول من جانب تل أبيب وواشنطن.

بوتين يحصد مكاسب

إن ضعف فرص الكرملين في التوسّط لإنهاء القتال لا يمنع الرئيس الروسي من تسريع وتيرة جني مكاسب بسبب اندلاع هذه الحرب. وهنا يقول خبراء إن احتمالات التفاوض على اتفاق ينهي الحرب وتقبل بموجبه إيران قيوداً أكثر صرامة على برنامجها النووي، تبدو ضئيلة للغاية بعد الهجمات الإسرائيلية. ولكن إذا استؤنفت المحادثات، قد يبرز عرض روسيا كعنصر محوري في أي اتفاق.

مع هذا، المكاسب الأهم لموسكو تتحقّق بالفعل في أوكرانيا حالياً. إذ تواصل القوات الروسية تقدمها على عدد من الجبهات، وتنفذ عملياً خطتها لإنشاء منطقة عازلة على طول الشريط الحدودي وداخل العمق الأوكراني من سومي إلى خاركيف. وعملياً، تكرّس موسكو - التي تتأهب حالياً لاستكمال جولات التفاوض المباشر مع أوكرانيا - واقعاً ميدانياً جديداً يعزز موقفها ويضعف مجالات المناورة الأوكرانية ويضع كييف أمام شرط القبول بتنازلات إقليمية مؤلمة لتحقيق السلام.

وبالفعل، استغلت موسكو انصراف الاهتمام الدولي إلى جبهات القتال الإسرائيلية الإيرانية لتوسيع هجماتها العسكرية بشكل نشط. ويُجادل بعض المعلقين في موسكو بأن المواجهة في الشرق الأوسط أسفرت عن تشتيت انتباه الغرب وموارده على الأرجح عن الحرب في أوكرانيا، وتُسهّل على روسيا تحقيق أهدافها الميدانية.

أيضاً، استفادت موسكو من المزاج السياسي الأميركي الحالي، في تكريس عزلة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عن واشنطن، وحسم موضوع المساعدات العسكرية الأميركية المحتملة لكييف. وتبين ذلك عبر إلغاء لقاء يجمع زيلينسكي بترمب على هامش «قمة السبعة الكبار» في كندا أخيراً. ورأت موسكو ان إلغاء اللقاء يعكس تحولاً مهماً لدى واشنطن.

في أي حال، يرى دبلوماسيون بارزون أن التطوّرات الجارية ستدفع الرئيس ترمب إلى تعزيز تقاربه مع موسكو. كذلك، يرجّح مراقبون أن تؤدي الهجمات الإسرائيلية إلى ارتفاع أسعار النفط العالمية، وستُساهم في إثراء روسيا وسط أزمتها الاقتصادية.

وعلى صعيد متصل، يتوقع مراقبون أنه مهما كانت نتائج هذه الحرب، في حال لم تسفر عن تقويض النظام الإيراني، سيتكرس واقع في إيران يخدم مصالح موسكو، لجهة بقاء «الحليف» مقرباً من موسكو وتقليص فرص الانفتاح على الغرب.

وللعلم، عملت موسكو بقوة على توظيف الحرب القائمة لخدمة سرديتها عن المواجهة مع الغرب. وبرزت تعليقات لمحللين مقرّبين من الكرملين حول أن الحرب الإيرانية الإسرائيلية أظهرت أن امتلاك قدرات الردع النووي أفضل ضمان ضد محاولات «تحفيز» العمليات الداخلية بالقوة العسكرية الخارجية.