الأردن... رئيس لا يجامل في مواجهة مجلس نواب برؤوس حامية

قراءة في تشكيلة الحكومة الأردنية الجديدة

تشكيلة الحكومة الأردنية الجديدة بحضور الملك عبدالله الثاني (وكالة الأنباء الأردنية بترا)
تشكيلة الحكومة الأردنية الجديدة بحضور الملك عبدالله الثاني (وكالة الأنباء الأردنية بترا)
TT

الأردن... رئيس لا يجامل في مواجهة مجلس نواب برؤوس حامية

تشكيلة الحكومة الأردنية الجديدة بحضور الملك عبدالله الثاني (وكالة الأنباء الأردنية بترا)
تشكيلة الحكومة الأردنية الجديدة بحضور الملك عبدالله الثاني (وكالة الأنباء الأردنية بترا)

لم يُفسّر أحد «قلة اكتراث» الشارع الأردني أمام حدثين مهمين على المستوى المحلي: إذ بعد نتائج الانتخابات النيابية التي أُجريت في العاشر من سبتمبر (أيلول) الحالي وجاءت نتائجها بعكس جميع التوقعات الرسمية، تشكلت حكومة جديدة مُشبعة بمفارقات عدة، بدءاً من اختيار الرئيس، وليس انتهاءً بخريطة التشكيل سياسياً وديموغرافياً وجغرافياً. وحقاً، لم ينشغل أحد سوى الإعلام ونخبه السياسية ببث تحليلات متناقضة بين التبشير ونقص التفاؤل بالمرحلة. إذ يُعتقد وسط النخب أن جبهة المواجهة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية مقبلة، لا سيما وأن اختيار الفريق الوزاري سبق انعقاد مجلس الأمة ليصادر معه طموحات النواب الحزبيين بأن يكون لهم تأثير في اختيار الوزراء من بوابة «المشاورات» - التي درجت أحياناً ويعتبرها البعض «شكلية»، - الأمر الذي قلّص مساحات نفوذ الأحزاب الطامحة أمام منتسبيها والرأي العام.

اختيار جعفر حسّان رئيساً للحكومة الأردنية الجديدة كان مفاجأة لم تتوقعها الأوساط السياسية؛ كونه «رجل ظل مؤثراً» في صناعة القرارات السياسية والاقتصادية خلف الكواليس، وذلك من خلال خدمته في فترتين مديراً للمكتب الخاص للعاهل الأردني (الفترة الأولى من 2014 - 2018، والفترة الثانية من عام (2021 - 2024)، بل، حتى وهو وزير في 6 حكومات، عُرف عنه زهده الإعلامي.

المقربون من حسّان يصفونه بأنه حاد الطباع، وإن خفتت هذه الصفة إبّان خدمته الأخيرة بالقصر الملكي. وهو منتظم بالعمل لساعات طويلة لدرجة يرهق معها مَن حوله، ثم أنه محسوب على نخب الاقتصاد أكثر من نخب السياسة، وقريب من تيار ينتمي إلى فكرة الإصلاحات الشاملة في البلاد، وهو التيار الذي أثّر بحسّان خلال فترته الثانية في خدمة الملك عبد الله الثاني.

أشبه بـ«تعديل موسّع»

لم تأتِ حكومة جعفر حسّان التي أدت اليمين الدستورية يوم 18 سبتمبر (أيلول) الحالي بأسماء من خارج صندوق الخيارات التقليدية؛ ما دفع بعض النقاد إلى اعتبار التشكيل أشبه بـ«تعديل موسع» على حكومة بشر الخصاونة، التي استقالت غداة إعلان النتائج النهائية لانتخابات أعضاء مجلس النواب في الجريدة الرسمية. ويأتي ذلك انسجاماً من أعراف أردنية تتعلق بمشاورات مراكز القرار المدنية والأمنية، وحسابات الجغرافيا والمحاصصة.

ولقد تحصّنت حكومة حسّان في تشكيلتها الجديدة بخبرات بيروقراطية وخبرات نيابية ونقابيّة سابقة تأهباً لـ«المواجهة المرتقبة» مع مجلس النواب الذي سيتعامل مع استحقاقين دستوريين في مطلع عهده، هما: مناقشة البيان الحكومي والتصويت على الثقة، واستحقاق مناقشة وإقرار قانون الموازنة العامة المُثقل بأرقام العجز وارتفاع سقوف خدمة المديونية الخارجية والداخلية. وكذلك سيتعامل مع مطالبات نيابية موسمية تُطالب بإلغاء معاهدة السلام مع إسرائيل، ومطالب اقتصادية لم يعد بإمكان الحكومات الاستجابة لها في ظل تنامي أرقام المديونية العامة وعجز الموازنة. وفضلاً عن هذا وذاك، فإن الرئيس الجديد المعروف عنه اقتصاده في المجاملة سيواجه بنواب عُرف عنهم الإسراف في المطالبات الخدمية.

من جهة ثانية، جاء احتفاظ حسّان بحقائب لعدد من الأصدقاء المقربين منه - وهو واقع استقرت عليه الأعراف السياسية في البلاد من حيث الاستعانة بالمعارف والثقات في اختيار الوزراء - فإنه لم يستطع تجاوز أسماء خلال الـ48 ساعة الماضية التي سبقت إعلان تشكيلة فريقه الوزاري، ولقد خصّ في تشكيلته ثلاثة أحزاب فقط من التي نجحت في الانتخابات الأخيرة.

قراءات أولية يصعب التنبؤ بنتائجها

استدعى جعفر حسّان من الخبرات النيابية السابقة كلاً من: المحامي عبد المنعم العودات، رئيس مجلس النواب الأسبق ورئيس اللجنة القانونية لدورات عدة، ليكون وزيراً للشؤون السياسية والبرلمانية، وخالد البكار، النائب السابق لدورات عدة وعضو مجلس الأعيان وزيراً للعمل، وخير أبو صعيليك، النائب السابق لدورات عدة ورئيس لجنة الاقتصاد والاستثمار في مجلس النواب لدورات عدة وزير دولة لتطوير القطاع العام. كذلك استعان حسّان بمصطفى الرواشدة، عضو مجلس الأعيان وأول نقيب لنقابة المعلمين (المُعطل عملها بموجب قرار قضائي) في البلاد وزيراً للثقافة، والنائب السابق يزن شديفات وزيراً للشباب.

جرى استدعاء هؤلاء في مواجهة مجلس النواب الجديد، بكتله الحزبية الوازنة التي تتقدّمها كتلة حزب «جبهة العمل الإسلامي»، كتلة «المعارضة الحرجة» الممثلة بـ31 مقعداً، إلا أن ما ينقصهم في خبرة العمل الحكومي، قد يعوّضه الوزير العائد والمحسوب على تيار البيروقراط الرسمي المهندس وليد المصري الذي عيّن وزيراً للإدارة المحلية. وكان المصري قد خدم رئيساً لبلدية إربد الكبرى، ثاني أكبر بلديات المملكة، ثم وزيراً في حكومات متعاقبة، ولقد نجح في تفريق جبهات المعارضة النيابية في ملفات عدة أيام مشاركته في حكومات عبد الله النسور، وهاني الملقي وعمر الرزاز خلال السنوات بين 2013 و2019.

وبين الخطوات المهمة كان الإبقاء على أيمن الصفدي، الوزير الأكثر شعبية في الحكومة السابقة بسبب تصريحاته القاسية تجاه العدوان الإسرائيلي على غزة وموقفه المعادي لحكومة اليمين المتطرف الإسرائيلية، نائباً للرئيس ووزيراً للخارجية، وأيضاً الاستعانة بعضو مجلس الأعيان محمد المومني صاحب لقب «أطول وزراء الإعلام بقاءً»؛ إذ عمل وزيراً خلال السنوات (2013 - 2018) مسجلاً حضوراً لافتاً في عدد من الأحداث الأمنية والسياسية التي عاشتها البلاد، ومعروف عنه دقة تصريحاته، ودبلوماسيته العالية في الإجابة عن أسئلة الصحافيين.

الأحزاب في البرلمان

وكما سبقت الإشارة، جاءت تشكيلة حكومة الرئيس حسّان كـ«أمر واقع» وفق موعد تكليفه، لتتجاوز فكرة المشاورات النيابية الحزبية غير المُلزمة؛ الأمر الذي ترك ظلالاً على فرص تشكيل حكومة «توافقات حزبية». وهذا ما يؤيده مناصرو فكرة منع «حرق المراحل»؛ إذ من المبكّر الذهاب لهذا الخيار في ظل غياب غالبية حزبية مؤثرة نيابياً. وبين المفارقات الرقمية والمحاصصات التقليدية ما يلي:

أولاً- توزّعت جغرافيا اختيار الفريق الحكومي تبعاً للتقاليد المحلية، فحظي شمال المملكة بحصة وازنة من الحقائب، وتمثل الجنوب بخمس حقائب وزارية، وكان للوسط حصة أعلى في الحقائب مما كان له في الحكومة السابقة، وذلك لصالح محافظتي العاصمة والبلقاء، في حين بقيت أرقام «كوتات» الشركس والمسيحيين من دون ارتفاع. وتَسقط هذه الحسابات إلا من جلسات النميمة السياسية في البلاد، بيد أنها لن تؤثر في ارتفاع منسوب النقاش المجتمعي بسبب ابتعاد الأردنيين عن سجالات المحاصصة والجهوية إذا كان أداء الفريق الوزاري جاداً في حل الأزمات الاقتصادية المتراكمة.

ثانياً - انخفض عدد النساء في الحكومة الجديدة إلى 5 سيدات، ولقد توزّعن على وزارات السياحة التي أسندت إلى لينا عناب، والتخطيط والتعاون الدولي لزينة طوقان، والتنمية الاجتماعية لوفاء بني مصطفى، والنقل لوسام التهتموني. وبقيت نانسي نمروقة في الحكومة الجديدة، لكن كوزيرة الدولة للشؤون الخارجية بعدما كانت تشغل حقيبة وزارة الدولة للشؤون القانونية في الحكومة السابقة. وفي المقابل، خرجت من الحكومة وزيرة الاستثمار خلود السقّاف، ووزيرة العمل ناديا الروابدة، ووزيرة الثقافة هيفاء النجار.

ثالثاً - أبقت الحكومة الجديدة على وزراء الخارجية أيمن الصفدي، والتربية والتعليم والتعليم العالي عزمي محافظة، ووزير الداخلية مازن الفراية، ووزير الأشغال ماهر أبو السمن، ووزير المياه رائد أبو السعود، والزراعة خالد حنيفات، والطاقة صالح الخرابشة، والأوقاف محمد الخلايلة، والصحة فراس الهواري، والبيئة خالد الردايدة، إضافة إلى الوزيرات الخمس. في حين انتقلت وزارة الإدارة المحلية من الوزير المخضرم توفيق كريشان إلى وليد المصري، والاتصال الحكومي من مهند مبيّضين إلى محمد المومني، ووزارة المالية من محمد العسعس لأمينها العام عبد الحكيم الشبلي، ووزارة الدولة للشؤون القانونية من نانسي نمروقة إلى فياض القضاة رئيس ديوان التشريع والرأي، ووزارة الدولة لشؤون رئاسة الوزراء من إبراهيم الجازي إلى عبد الله العدوان، ووزارة الدولة من وجيه عزايزة إلى أحمد العبادي، ووزارة الدولة للشؤون الاقتصادية من ناصر شريدة إلى مهند شحادة، ووزارة الاقتصاد الرقمي والريادة من أحمد الهناندة إلى سامي سميرات، والشؤون البرلمانية من حديثة الخريشا إلى عبد المنعم العودات، والعمل من ناديا الروابدة إلى خالد البكار، ووزارة الثقافة من هيفاء النجار إلى مصطفى الرواشدة، ووزارة الصناعة والتجارة من يوسف الشمالي إلى يعرب القضاة.

هذا، وبدلاً من وزير العدل أحمد زيادات دخل الفريق الحكومي بسام التلهوني - وهو الذي غادر ومعه وزير الداخلية السابق سمير مبيضين بتعديل طارئ من حكومة بشر الخصاونة بسبب مخالفتهما شروط وقواعد السلامة العامة المتبعة أثناء انتشار فيروس «كوفيد - 19» -، كما عاد إلى الحكومة وزيراً للاستثمار مثنّى الغرايبة بعد مغادرة خلود السقاف، وللعلم سبق للغرايبة العمل في حكومة عمر الرزاز (2018 - 2020)، وكان قبلها حراكياً نشطاً خلال سنوات الربيع الأردني. ولقد عادت السفيرة الأردنية لدى اليابان لينا عناب إلى موقعها وزيرة للسياحة بدلاً من مكرم القيسي، ويذكر أنها كانت قد استقالت من حكومة الرزاز، ومعها وزير التربية والتعليم عزمي محافظة، بعد فاجعة وفاة 22 طالباً وطالبة في البحر الميت بسبب الظروف الجوية ومخالفة تعليمات الرحلات المدرسية شتاء عام 2019.

جبهات حكومية مزدحمة المعارك

بناءً على ما سبق؛ من المتوقع أن يكون لحزب «جبهة العمل الإسلامي» (الذراع السياسية لجماعة «الإخوان المسلمين» غير المرخّصة في البلاد) فرصة لتحقيق مزيد من الشعبية من خلال مقاعده الـ31 في مجلس النواب العشرين؛ إذ يعتقد أن نواب الحزب سيسعون لتسجيل المواقف مسلحين بملَكة الخطابة ومتجهّزين بقراءات سابقة وتحضير جيد لجداول أعمال الجلسات النيابية الرقابية والتشريعية.

وبالفعل، بدأ استثمار الحزب مبكّراً في حصد الإعجاب الشعبي من خلال مطالباته بمواقف تصعيدية ضد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ودعوته إلى النزول للشارع بهتافات «تزايد» على الموقف الرسمي الذي حظي باحترام النخب السياسية بعد تقدّمه على عدد من المواقف العربية والدولية، ويتوقع أن يواصل نواب الحركة الإسلامية حصد المزيد من الشعبية على حساب موقع الحكومة المحاصرة بمحدّدات لا يمكن تجاوزها. ومن ثم، يتوقّع مراقبون أن تكون «عقدة المواجهة» المنتظرة بين نواب الحركة الإسلامية والحكومة هي مسألة نقابة المعلمين التي جمّد القضاء أعمالها منذ عام 2018، وجرى توقيف نقيبها وأعضاء من مجلسها، وهذا النقيب هو اليوم نائب فاز عن مقاعد الدائرة الحزبية المخصصة للأحزاب، وهو شخصية شاغبت كثيراً في ملف نقابة المعلمين وتعرّضت للتوقيف مرات عدة.

الإسلاميون... ومفاجأة الرسميين

> جاءت نتائج الانتخابات الأخيرة «صادمة» لمراكز القرار السياسي في الأردن، وبالأخص بعد الكشف عن «زيف» بعض الدراسات والاستطلاعات التي أجرتها مؤسسات مجتمع مدني روّجت لقراءات داخلية تتعارض مع الواقع الذي ظهرت عليه النتائج النهائية. وكانت هذه قد أشارت إلى «محدودية» أصوات الحركة الإسلامية، وتنامي فرص أحزاب محسوبة على الخط الرسمي. لكن نتيجة كتلة حزب «جبهة العمل الإسلامي» جاءت بما لم يتوقعه أحد في أعقاب حصول مرشحيها على أكثر من 450 ألف صوت من أصل 1.65 مليون من المقترعين. ومقابل ذلك، جاءت نتائج أحزاب «الميثاق» 93680 ألف صوت، و«إرادة» 75121، والحزب الوطني الإسلامي 87519، و«تقدم» 61199، وهذه النتائج على مستوى الدائرة العامة المخصصة للأحزاب. من ناحية أخرى، بعيداً عن التلاوم بين «عرّابي العملية الانتخابية»، فإن قانون الانتخاب الذي أجريت بموجبه الانتخابات الأخيرة صعد بالجميع على الشجرة، فأمام حقيقة النتائج، فإن أي تعديل على القانون سيكون بمثابة «رِدة» على برنامج التحديث السياسي. وإذا بقي القانون على حاله، فإنه من المقرّر ارتفاع أرقام المقاعد الحزبية في البرلمان المقبل بنسبة 50 في المائة؛ وهو ما سيعني زيادة ضمنية لمقاعد الإسلاميين في المجلس المقبل، وهذا تحدٍ أمام «الدولة العميقة» التي تبحث عن تعدّدية متقاربة الأثر والدور والتنظيم. والحقيقة أن الإسلاميين كانوا مُدركين لحقيقة أرقامهم. فأي قانون انتخاب بصوتين: واحد لدائرة محلية حدودها الإدارية ضيقة وواحد آخر للدائرة العامة (الوطنية) المخصّصة للأحزاب... يعني مضاعفة حصصهم في عدد المقاعد. وهذا مع الوضع في الحسبان أن «مطبخ» إدارة العملية الانتخابية لدى الحركة الإسلامية، ابتعد تماماً عن مزاحمة مرشحيه في الدوائر المحلية، وركّز على «خزّانه التصويتي» في معاقله التاريخية. وهكذا حصل في الدوائر المحلية على 14 مقعداً في عشر دوائر محلية ترشّحوا عنها، وفي الدائرة العامة حصل على 17 مقعداً، مستفيداً من أصوات مجّانية حصل عليها من المحافظات ودوائر البدو المُغلقة ذات الصبغة العشائرية التي كانت تُحسب تاريخياً على المؤسسة الرسمية.


مقالات ذات صلة

تصعيد جديد ضد «الإخوان» في الأردن

المشرق العربي العاصمة الأردنية عمّان (أ.ف.ب)

تصعيد جديد ضد «الإخوان» في الأردن

بحد أدنى من رد الفعل، أصدرت المحكمة الدستورية في الأردن الخميس حكماً بعدم دستورية قانون نقابة المعلمين الأردنيين.

محمد خير الرواشدة (عمان)
خاص صورة تعود لعام 2011 لمقار مكاتب لجماعة الإخوان في الأردن وذراعها السياسية حزب «جبهة العمل الإسلامي» في عمّان (أ.ف.ب)

خاص «الإخوان» في الأردن أمام مساءلة قانونية قد تطول قيادات الصف الأول

شهدت أزمة جماعة الإخوان المسلمين في الأردن تطورات جديدة مع توجيه القضاء تهماً للجماعة بارتكاب سلسلة تجاوزات قانونية ومالية.

محمد خير الرواشدة (عمّان)
المشرق العربي خلال إطلاع الوفد السوري الضيف على سير أعمال تشغيل ومراقبة مصادر المياه في مختلف محافظات المملكة (وزارة الري)

اجتماعات أردنية سورية لاستئناف التعاون المائي بين البلدين

ستعقد اللجنة الفنية الثنائية اجتماعات لمناقشة توزيع الحصص المائية بين الأردن وسوريا، بدعم من قيادتي البلدين.

محمد خير الرواشدة (عمّان)
خاص الأميرة ريم علي مؤسِّسة ورئيسة مهرجان عمّان السينمائي الدولي (إدارة المهرجان)

خاص الإنسانيّة في مواجهة القتل... مهرجان عمّان السينمائي بعيون رئيسته الأميرة ريم علي

في حوار خاص مع «الشرق الأوسط»، تحدّثت الأميرة ريم علي عن التحديات التي واجهت إقامة مهرجان عمّان السينمائي هذا العام، وعن الإصرار على الاستمرار رغم الصواريخ.

كريستين حبيب (عمّان)
شؤون إقليمية وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي (رويترز)

الصفدي: الوضع الكارثي في غزة يستدعي تحركاً دولياً فورياً لفرض إدخال المساعدات

قال وزير الخارجية الأردني إن «كارثية» الوضع الإنساني بغزة نتيجة استمرار الحرب الإسرائيلية ومنع إدخال المساعدات يستدعي تحركاً دولياً لفرض إدخال المساعدات.

«الشرق الأوسط» (عمّان)

الاتحاد الأوروبي أمام تحدي بناء استراتيجية دفاعية جديدة

مقر حلف شمال الأطلسي «ناتو» في بروكسل (آ ب)
مقر حلف شمال الأطلسي «ناتو» في بروكسل (آ ب)
TT

الاتحاد الأوروبي أمام تحدي بناء استراتيجية دفاعية جديدة

مقر حلف شمال الأطلسي «ناتو» في بروكسل (آ ب)
مقر حلف شمال الأطلسي «ناتو» في بروكسل (آ ب)

في خضم تصاعد غير مسبوق للتوترات الجيوسياسية وتزايد المخاوف الأمنية، تجد القارة الأوروبية نفسها أمام تحدٍ وجودي يفرض عليها إعادة تعريف أسس منظومتها الدفاعية. فبعد سنوات من الاعتماد على مظلّة حلف شمال الأطلسي (ناتو) والدعم الأميركي، دفعت تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترمب المتكررة حول إمكانية انسحاب الولايات المتحدة من الحلف، القادة الأوروبيين إلى استشعار الخطر الداهم. هذه التهديدات لم تعُد مجرد مناورات دبلوماسية، بل تحولت هاجساً استراتيجياً يدفع العواصم الأوروبية نحو سباق محموم لضمان أمنها القومي والجماعي، في مسعى حثيث نحو استقلالية دفاعية طال انتظارها.

منذ تأسيس حلف شمال الأطلسي (ناتو) عام 1949، لعبت الولايات المتحدة دور القائد الفعلي للحلف، ليس فقط من خلال المساهمة المالية والعسكرية الضخمة، بل من خلال توفير المظلة النووية والقيادة الاستراتيجية.

على مدى عقود، تحمَّلت واشنطن نحو 70 في المائة من إجمالي الإنفاق الدفاعي للحلف؛ ما جعلها القوة المهيمنة في صنع القرارات الأمنية الأوروبية. وحقاً، إبان الحرب الباردة، كانت المساهمة الأميركية واضحة وحاسمة؛ إذ نشرت واشنطن مئات الآلاف من جنودها في أوروبا، وأنشأت قواعد عسكرية استراتيجية في كل من ألمانيا وبريطانيا وإيطاليا، ووفّرت أنظمة دفاع صاروخي متطورة.

هذا الحضور العسكري الكثيف ما كان مجرد التزام دفاعي، بل كان أداة لضمان النفوذ الأميركي في القارة الأوروبية. إذ تشير الإحصائيات إلى أن الولايات المتحدة تنفق سنوياً نحو 750 مليار دولار على الدفاع، أي ما يمثل 3.5 في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي، مقارنة بمتوسط 1.6 في المائة للدول الأوروبية الأعضاء في «ناتو». وبالتالي، منح هذا التفاوت الصارخ في الإنفاق واشنطن نفوذاً هائلاً في تحديد أولويات الحلف واستراتيجياته. بيد أن الأمر لا يقتصر على الأرقام المطلقة. ذلك أن الولايات المتحدة تساهم بنحو 22 في المائة من الميزانية التشغيلية لـ«ناتو»، بينما تغطي ألمانيا وفرنسا وبريطانيا مجتمعة نحو 35 في المائة فقط؛ ما جعل هذا التوزيع غير المتكافئ للأعباء المالية محور انتقادات مستمرة من الإدارات الأميركية المتعاقبة.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع مارك روته أمين عام «ناتو» (آ ب)

من الحماية إلى المطالبة

منذ تولي دونالد ترمب سدّة الحكم في واشنطن فإنه لم يتأخر في توجيه سهام النقد لحلفائه الأوروبيين، متهماً إياهم بالتقاعس عن الوفاء بالتزاماتهم المالية تجاه «ناتو»، والاعتماد المفرط على الحماية الأميركية، بل والتطفل عليها، وفق تعبيره الصريح خلال حملته الانتخابية لعام 2024.

ثم مع عودته إلى البيت الأبيض، تصاعدت لهجته بشكل لافت، مطالباً الأوروبيين برفع إنفاقهم الدفاعي إلى 5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو سقف غير مسبوق يتجاوز حتى الإنفاق الأميركي نفسه. ولعل أبرز ما قاله ترمب في هذا السياق كان خلال تجمّع انتخابي في ولاية أوهايو تساءل فيه: «لماذا ندافع عن بلدان لا تدفع ما عليها؟ إذا لم يدفعوا، فليحموا أنفسهم!». وبدت هذه العبارة إعلاناً غير مباشر «لانقلاب» في عقيدة الأمن الأطلسي.

مطالب ترمب، وإن بدت مبالَغاً فيها، أثارت قلقاً عميقاً في العواصم الأوروبية، خاصةً في ظل استمرار الحرب في أوكرانيا وازدياد التهديدات الروسية؛ الأمر الذي أعاد إلى الواجهة السؤال القديم: هل تستطيع أوروبا أن تحمي نفسها بنفسها؟

لعل أبرز دليل على هذا التحوّل كان كلام كبار المسؤولين الأوروبيين الذي يدعم «الاستقلالية الاستراتيجية». وفي لقاءات ومؤتمرات صحافية، غدت هذه العبارة تتصدر الأجندات السياسية لتشكل محور النقاشات حول مستقبل الأمن الأوروبي. الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قال في حوار مع صحيفة الـ«فاينانشال تايمز»: «إن المبادرة التي اتخذها الرئيس ترمب وقراره بفصل أوروبا عن المظلة الأميركية، يمثلان صدمة كهربائية إيجابية تدفع الاتحاد الأوروبي إلى تسريع تحوله نحو مزيد من الاستقلالية الاستراتيجية... ما يقوله ترمب لأوروبا هو عليكم تحمل العبء بأنفسكم وأنا أقول فلنتحمل المسؤولية».

اللهجة نفسها اعتمدها المستشار الألماني أولاف شولتس بقوله خلال زيارته لباريس يوم 22 يناير (كانون الثاني) 2025: «واضح أن رئاسة ترمب ستكون تحدياً تجب مواجهته، أوروبا لن تتراجع ولن تختبئ، بل ستكون شريكاً بنّاءً واثقاً من نفسه».

وفي المؤتمر الصحافي الذي نظمته أورسولا فو دير لاين بمناسبة مرور 100 يوم على توليّها رئاسة المفوضية الأوروبية، أقّرت هذه الاخيرة بأن «على أوروبا أن تؤدي واجبها وتتحمل مسؤولية الدفاع عن نفسها من دون الاعتماد على واشنطن. ثمة مطلب متكرر من ترمب... أن نكون حلفاء لا يعني أن يكون هناك اختلال في المسؤوليات أو الأعباء المشتركة».

مبادرات وطنية ... لتعزيز القوة

أمام هذا الواقع الجديد، سارعت الدول الأوروبية، كلاً على حدة، إلى تعزيز قدراتها الدفاعية بشكل غير مسبوق، مع السعي المتزامن لتنسيق الجهود على المستوى القاري.

فرنسا، مثلاً، تواصل بقيادة الرئيس إيمانويل ماكرون، دفع خطتها الطموح للتحديث العسكري بقيمة 413 مليار يورو حتى عام 2030. وتركّز هذه الخطة على تطوير القدرات النووية، والدفاع السيبراني، والصناعات العسكرية المتقدمة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري. أيضاً، تقود باريس مشاريع كبرى مثل الطائرة القتالية الأوروبية المستقبلية «سكاف» (SCAF) والدبابة القتالية الرئيسة الجديدة «إم جي سي إس» (MGCS) بالتعاون مع ألمانيا. وفي خطوة لافتة، أعلنت فرنسا أخيراً خططاً لتعزيز وحدات الدفاع الجوي والصاروخي لديها، وذلك في ضوء الدروس المستفادة من الصراع في أوكرانيا.

أما ألمانيا، فقد خصصت مبلغ 100 مليار يورو لصندوق تحديث الجيش الألماني (البوندسفير)، مع استثمارات كبيرة في أنظمة الدفاع الجوي، بالإضافة إلى التسلح الحديث والمشاركة الفاعلة في المشاريع الأوروبية المشتركة. والملاحظ أن برلين باشرت بالفعل تسريع وتيرة الإنفاق الدفاعي بعد سنوات من التقشف.

من جهة أخرى، اتجهت بولندا ودول البلطيق، التي تشعر بتهديد مباشر من روسيا، إلى إعادة التسلح بشكل مكثف. إذ عقدت بولندا صفقات ضخمة لشراء أنظمة أميركية متطوّرة، بما في ذلك دبابات «أبرامز» وطائرات «إف - 35» وصواريخ «باتريوت»، بالإضافة إلى استثمارها في تعزيز الدفاعات الحدودية والبنية التحتية العسكرية؛ تحسباً لأي طارئ. وفي السياق عينه، تهتم كل من إيطاليا وإسبانيا والدول الإسكندينافية بتحديث قواتها البحرية والجوية، والمشاركة في برامج أوروبية متعددة كالطائرات من دون طيار (Eurodrone) وتطوير القدرات السيبرانية. وأخيراً لا آخراً، تحاول دول أخرى كفنلندا والسويد تسريع عملية اندماجهما في «ناتو» بعد تخلٍ تاريخي عن الحياد، وبالعكس، تبدي دول كالمجر والنمسا تحفظاً عن التضامن الأوروبي الكامل؛ ما يعكس تبايناً في الرؤى داخل الاتحاد.

شراكات أمنية جديدة

في خضم هذه التحوّلات وعلى ضوء توتر العلاقات الأميركية، ظهر تقارب واضح بين الاتحاد الأوروبي وكندا قائم على رؤية مشتركة لأمن متعدد الأطراف. وغدا من مصلحة أوروبا وكندا توحيد صفوفهما لمواجهة التأثير المستمر لسياسات الرئيس ترمب. وفي هذا الإطار، وقّع الطرفان في مايو (أيار) 2025 «خطة العمل الأوروبية - الكندية للتعاون الأمني والدفاعي»، وهي تنصّ على تعزيز التدريبات العسكرية المشتركة، وتطوير نظم مراقبة الساحل الأطلسي، وتنسيق الجهود في مكافحة التهديدات السيبرانية. وقال رئيس الوزراء الكندي الجديد مارك كارني خلال مؤتمر أمني مشترك في بروكسل: «نحن شركاء طبيعيون. كندا تؤمن بأن أمن أوروبا هو أيضاً من أمن شمال الأطلسي، ونرفض ترك حلفائنا أمام مصيرهم».

أما على صعيد العلاقة مع بريطانيا، التي غادرت الاتحاد الأوروبي لكنها لم تغادر جغرافيا القارة، بل شهدت العلاقات الدفاعية طفرة جديدة بعد التوتّرات الطويلة التي أعقبت «بريكست». ففي مارس (آذار) 2025، أعلنت كل من لندن وبروكسل عن تأسيس «مجلس أوروبي - بريطاني للأمن والدفاع» لتنسيق السياسات الأمنية بشكل منتظم. وأكد رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر: «قد نكون غادرنا الاتحاد، لكننا لم نغادر أوروبا. التحديات الأمنية الراهنة تُحتّم علينا الوقوف معاً... بريطانيا ستظل قوة موازنة في القارة».