الرئاسة الروسية لـ«بريكس» تواجه التباينات الداخلية والتحديات الخارجية

أولويات موسكو... تعميق الفجوة بين الشمال والجنوب وتعزيز مسار الالتفاف على العقوبات

ممثلو الدول الخمس في جوهانسبورغ، قبل التوسيع، وقد مثل روسيا وزيرخارجيتها سيرغي لافروف (رويترز)
ممثلو الدول الخمس في جوهانسبورغ، قبل التوسيع، وقد مثل روسيا وزيرخارجيتها سيرغي لافروف (رويترز)
TT

الرئاسة الروسية لـ«بريكس» تواجه التباينات الداخلية والتحديات الخارجية

ممثلو الدول الخمس في جوهانسبورغ، قبل التوسيع، وقد مثل روسيا وزيرخارجيتها سيرغي لافروف (رويترز)
ممثلو الدول الخمس في جوهانسبورغ، قبل التوسيع، وقد مثل روسيا وزيرخارجيتها سيرغي لافروف (رويترز)

مع دخول العام الجديد (2024) تولّت روسيا رئاسة مجموعة «بريكس» وفقاً لقرارات قمتها الخامسة عشرة، التي انعقدت في أغسطس (آب) من العام الماضي. تبدو المهام المطروحة أمام الرئاسة الروسية أكثر تعقيداً وتشابكاً، لجهة احتدام الموقفين الإقليمي والدولي، وازدياد التباينات الداخلية لدى البلدان أعضاء المجموعة، مع اتساع حجمها ودورها وتعاظم إمكاناتها. وفي الوقت ذاته، تتوافر لدى الكرملين مجالات وفرص أكبر، من كل مراحل عمل المجموعة التي أُسست رسمياً في عام 2011، لكن موسكو كانت عملت بشكل حثيث على تقريب وجهات النظر بين الأعضاء المؤسسين (روسيا، والصين، والهند، والبرازيل... وجنوب أفريقيا التي انضمت لاحقاً) منذ عام 2006. وقد أضاف انضمام 5 أعضاء جدد في مطلع العام، هم: مصر، وإيران، والإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، وإثيوبيا إلى «بريكس» فرصاً مهمة زادت من ثقل المجموعة وحضورها الدولي على المستويين الاقتصادي والسياسي. واليوم تبرز أسئلة كثيرة عن آفاق عمل «بريكس» خلال فترة الرئاسة الروسية. مع الأخذ بالاعتبار رؤية موسكو لتموضع المجموعة في إطار المواجهة المتفاقمة مع الغرب، ومقاربات موسكو حيال التباينات الصينية - الهندية، واحتمالات نجاح الضغوط الأميركية في عرقلة عمل المجموعة، خصوصاً على البرازيل والهند.

وفقاً لبيانات مجموعة «بريكس»، بحلول عام 2023، كان إنتاج الدول المشارِكة في هذا التكتل يمثل ما يصل إلى ثُلث إجمالي الناتج المحلي العالمي، ويعيش 42 في المائة من سكان العالم على أراضيها. ومع أن كثيراً في الغرب يقارنون هذه المجموعة بحلف شمال الأطلسي (ناتو) أو بإطار أممي يشبه الأمم المتحدة، ويصفونها بأنها كتلة بديلة عن التكتلات الغربية، فهذا المدخل ليس دقيقاً.

أصلاً هذه المجموعة ليس لها مقر، وتعاوُنها يقوم على حلّ مشترك للقضايا الاقتصادية لا على إبرام اتفاقيات عسكرية أو تحالفات سياسية. وفي عام 2006، جرى تضمين مؤشر «BRIC-50»، الذي يضم أسهم 50 شركة كبيرة في البرازيل والهند والصين وروسيا في حزمة «داو جونز». وفي يونيو (حزيران) من العام نفسه، خلال أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، عقد زعماء هذه الدول الأربع اجتماعهم الرسمي الأول، وأقرّوا خطة مشتركة لتطوير التعاون في مختلف المجالات. ثم في عام 2008، عقدت المجموعة قمة في اليابان على هامش أعمال مؤتمر «مجموعة الثمانية».

كانت هذه المقدّمات الرئيسة لظهور «بريكس» لاحقاً في عام 2011. وبعدها انضمت جنوب أفريقيا لتأسيس «الخماسي» (حاملاً اسمه الأحرف الأولى من أسماء دوله) الذي استمرّ نشاطه لمدة 9 سنوات قبل إقرار انضمام مجموعة البلدان الجديدة. ولقد قامت الفكرة الرئيسة على توحيد إمكانات بلدان نامية لديها مصالح مشتركة وعندها إمكانات هائلة. وتبعاً لتسلسل الأحرف، فالبرازيل ثامن أكبر اقتصاد في العالم من حيث الناتج المحلي الإجمالي، وهي مصدر زراعي رئيس. وروسيا خامس أكبر اقتصاد في العالم من حيث الناتج المحلي الإجمالي، وتمتلك احتياطيات كبيرة من الموارد المعدنية والمواد الهيدروكربونية، بجانب أكبر مساحة مناسبة للأغراض الزراعية. والهند ثالث أكبر اقتصاد في العالم من حيث الناتج المحلي الإجمالي وأكبر دولة من حيث عدد السكان في العالم، والصين الاقتصاد الأول في العالم من حيث الناتج المحلي الإجمالي والدولة الثانية من حيث عدد السكان بعد الهند، الرائدة في الصادرات (مصنع العالم).

هل يصمد "التعاون" الصيني الهندي؟ (آ ب)

ثم انضمت جنوب أفريقيا، التي تشغل المرتبة 23 عالمياً من حيث الناتج المحلي الإجمالي وهي غنية بمجموعة متنوعة من الموارد الطبيعية، بما في ذلك الألماس. ويذكر أن كل مؤسسي مجموعة «بريكس» مشاركون في اتحادات التكامل الإقليمي (الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، ورابطة أمم جنوب شرقي آسيا، والاتحاد الأفريقي، وما إلى ذلك) ما يضع أهمية إضافية وفقاً للمؤسسين لهذا التكتل.

من ناحية ثانية، مع الدول التي جرى العمل لضمها خلال قمة جوهانسبورغ في 2023، وهي الإمارات والسعودية ومصر وإيران وإثيوبيا و(الأرجنتين التي تراجعت لاحقاً عن قرار الانضمام) أعربت تركيا وفنزويلا وبنغلاديش وبيلاروسيا والجزائر وإندونيسيا ونيجيريا ودول أخرى رغبتها في الانضمام إلى «بريكس»، لكن حتى الآن لم تحل مسألة عضويتها.

عناصر قوة وضعفمع عناصر القوة التي يوفرها حضور هذه المجموعة في تكتل اقتصادي لديه تطلعات مشتركة، فإن نقاط الضعف تبدو ماثلة في التباينات الصينية - الهندية التي ظهرت غير مرة، كما في الخلافات بين الأعضاء حول قضايا إقليمية مهمة مثل الخلاف المصري - الإثيوبي، والتباينات العربية - الإيرانية. ويضيف هذا الواقع تساؤلات حول قدرة المجموعة على مواجهة التحديات الداخلية، وحول جدوى المضي لاحقاً في مسار توسيع المجموعة، وما إذا كان ذلك سيشكّل رافعة جديدة لنشاطها... أم عنصر عرقلة إضافياً لاتخاذ القرارات المشتركة ومجالات تعزيز دورها ومكانتها في النظام الاقتصادي العالمي.

أداة في مواجهة الغربفي الاجتماع الأول، حدد قادة الدول هدف الشراكة بأنه «حوار وتعاون متسق ونشط وعملي ومفتوح وشفاف». وكان الرهان على أنه عبر التعاون، تتوقع جميع البلدان تعزيز مواقعها الاقتصادية والسياسية على الساحة العالمية. وكان بين الأهداف المعلنة أيضاً بناء عالم متناغم وازدهار. وغطت الموضوعات التي نوقشت في اجتماعات «بريكس» جميع جوانب الحياة ذات الصلة، بما في ذلك المشكلات البيئية والفقر والتنمية الاجتماعية والمؤسسات المالية، وما إلى ذلك. ومن ثم عملت بلدان المجموعة على إطلاق نشاط مشترك في اتجاهات عدة، أبرزها المصالح الاقتصادية؛ حيث تنتج دول «بريكس» معاً ما يقرب من رُبع إجمالي الناتج المحلي العالمي، وهي بحد ذاتها سوق عالمية واسعة النطاق، وتضم 42 في المائة من سكان العالم (نحو 3.21 مليار شخص).

بحسب المفهوم الاقتصادي للمنظمة، تُعطى الأولويات في دول «بريكس» للزراعة والتجارة والاستثمار والمواد الخام المعدنية. وجرى تطوير استراتيجية الشراكة الاقتصادية حتى عام 2025 بمبادرة من وزارة التنمية الاقتصادية الروسية، مع الأخذ في الاعتبار المصالح الوطنية للدول الأعضاء، وهي تشتمل على 3 مسارات رئيسة: التجارة البينية، والاستثمارات والتمويل، والاقتصاد الرقمي والتنمية المستدامة.

وكان بين الأولويات تنسيق توحيد الجهود للتغلب على جميع أنواع الأزمات الاقتصادية والعالمية، مثل جائحة «كوفيد - 19». كما نشطت البلدان بمواجهة القيود التجارية وتعزيز مسار إصلاح منظمة التجارة العالمية. أضف إلى ذلك، تحديد «بريكس» مهمة تطوير التسويات المالية بالعملات الوطنية لتسريع النمو الاقتصادي وإضعاف تأثير الدولار على اقتصاداتها.

عام 2014، ظهر «بنك التنمية الجديد» ضمن أولويات «بريكس»، وقد صمم بوصفه آليةً للاستقرار المالي للبلدان المتضررة من أزمة ميزان المدفوعات. ووافق «بنك التنمية الجديد» خلال سنوات نشاطه الأولى، على مشروعات تتعلق بالطاقة المتجددة والبنى التحتية في دول المجموعة بقيمة إجمالية تبلغ نحو 8 مليارات دولار. ووفقاً لصندوق النقد الدولي، كانت تجارة واستثمارات مجموعة «بريكس» مع البلدان المنخفضة الدخل أحد عناصر الدعم الرئيس للاقتصاد العالمي بعد الأزمة المالية العالمية.

أيضاً، كانت إحدى أهم القضايا المثارة في قمم «بريكس» انعكاسات تغير المناخ، بمحاولة البلدان الموازنة بين مصالحها الاقتصادية ومصالح الطاقة ومكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري. كذلك أدركت المجموعة الحاجة إلى تعزيز العلاقات الدولية، خصوصاً تبادل المواهب، وتطوير التعاون في مجالات الثقافة والرياضة والتعليم. وتشمل رزم الاتفاقيات المُبرمة بينها مبادرات التبادل الطلابي والمهني؛ لتعزيز الانفتاح والشمول والتعلم المتبادل. وفي مجال السياسات، تتبادل الدول المشارِكة باستمرار التوصيات وأفضل الممارسات في حل المشكلات الخارجية والداخلية.

وبالتالي، تروّج «بريكس» عموماً لآيديولوجية عالم متعدد الأقطاب وأكثر توازناً، ويستند إلى مبدأ «الاتفاقيات المتعددة الأطراف». وعلى وجه الخصوص، أصبحت المجموعة الآن إحدى القوى الأساسية الدافعة لتنفيذ جدول الأعمال الأفريقي أداة مهمة لروسيا والصين في مواجهة الضغوط الغربية المتزايدة.

ولقد كان طبيبعياً أن تقود سياسات موسكو وبكين إلى تحويل «بريكس» تدريجياً، نحو صيغة تعارض «مجموعة السبع» (بريطانيا، والولايات المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، واليابان، وكندا)، مستفيدة من أنها تقدم بالفعل مساهمة أكبر في الناتج المحلي الإجمالي العالمي مقارنة بالدول المتقدمة في التحالف المجاور. ووفقاً لشركة «أكورن ماكرو» للاستشارات البريطانية، فإن مجموعة «بريكس» أسهمت في عام 2023 بنحو 31.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، في حين انخفضت حصة «مجموعة السبع» في الاقتصاد العالمي إلى 30 في المائة. ومع اعتبار انضمام دول جديدة، فإن المجموعة مرشحة حتى قبل حلول عام 2030، لتسهم بنحو 50 في المائة من الناتج الإجمالي العالمي.

ومع أنه لا مواجهة معلنة مباشرة بين التكتلين، تحاول دول «مجموعة السبع» إبطاء تنمية دول «بريكس» من خلال العقوبات والقيود التجارية. وهذا يؤدي وفقاً لموسكو إلى تعميق تقسيم الاقتصاد العالمي إلى مناطق منفصلة، وبالتالي تكثيف النضال من أجل عالم متعدد أكثر عدلاً. في الوقت ذاته، تحاول «بريكس» تحقيق تمثيل أكبر في مختلف الهياكل الدولية مثل الأمم المتحدة، والبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، ومنظمة التجارة العالمية. عموماً، تضع المنظمة نفسها بوصفها مصلحاً للعلاقات الدولية ومشروعاً عالمي النطاق. وقد يكون العنوان الذي اختارته روسيا بصفتها رئيساً حالياً للمجموعة المؤشر الأهم إلى أولويات موسكو الحالية. إذ ينعقد الحدث الرئيس - قمة رؤساء الدول - في قازان خلال أكتوبر (تشرين الأول) المقبل تحت شعار «تعزيز التعددية من أجل تنمية وأمن عالميَّين منصفَين». ولا يخفى أن هذا الشعار يحمل رؤية موسكو لدور التكتل، وتموضعه في الصراع الحالي المتفاقم مع الغرب.

روّج «بريكس» عموماً لآيديولوجية عالم متعدد الأقطاب وأكثر توازناً ويستند إلى مبدأ الاتفاقيات المتعددة الأطراف

قمة "بريكس" 2024 استضافتها مدينة جوهانسبورغ الجنوب أفريقية (رويترز)

 

تأثير «بريكس» في الاقتصاد العالميإن الأزمة الجيوسياسية، التي اندلعت في السنوات الأخيرة على خلفية الحرب الأوكرانية، وتفاقم الأزمات الإقليمية، انعكسا بقوة على سياسات هذا التكتل. على وجه الخصوص، أدى رفض الدول الغربية الحصول على موارد الطاقة الروسية إلى زيادة إمدادات الهيدروكربونات إلى دول المجموعة، وفازت الصين والهند بحصة الأسد من الإمدادات المخفّضة السعر من روسيا. كما أن القيود التجارية الأميركية المفروضة على الصين قوبلت بزيادة التجارة مع دول «بريكس». وأتاحت الأزمة فرصة لدول المجموعة لتكثيف الجهود لضمان الاكتفاء الذاتي من السلع الغذائية والصناعية الأساسية. وبعد إغلاق عديد من دول العالم حدودها أمام السياح من روسيا أو حدّها من قدرتهم على الحصول على تأشيرات الدخول، تلقت الدول «الصديقة» تدفقاً سياحياً مُعاداً توجيهه. ثم إن اقتصادات دول «بريكس»؛ بسبب انتشارها عبر قارات مختلفة وناقلات مختلفة للتنمية، بدت وكأنها تكمل بعضها بعضاً بشكل جيد. وراهناً يرى خبراء روس أن القاعدة الاقتصادية والموارد لدول «بريكس» يمكن أن تلبي احتياجات معظم البشرية بحلول منتصف القرن، ما سيولد اهتماماً متزايداً بالتحالف من جانب الدول النامية... قد يسمح للمجموعة بالتأثير في الاقتصاد العالمي على قدم المساواة مع الدول المتقدمة.

لكن في المقابل، ثمة عناصر ضعف تتضح ملامحها أكثر وأكثر مع مسار توسيع المجموعة وتشابك مصالح الدول المنضوية فيها أو تضاربها في حالات عدة. هنا يمكن التوقف أمام تباين أولويات البلدان المنضوية في المجموعة. وهذا أمر برز بوضوح في التعامل مع الملفات الساخنة على الصعيدين الإقليمي والدولي. فمع أن المجموعة تبدو موحدة في التعامل مع مسألة القطبية وآليات اتخاذ القرار العالمي، فهي التزمت الحياد عملياً في حرب أوكرانيا، حيث لم تحصل موسكو على دعم واضح لسياساتها. وفي ملف الحرب الدائرة على غزة، فاتت المجموعة فرصة ذهبية لتكريس شعار دورها المعلن في بناء عالم جديد.

قواعد مشتركةوبجانب التباينات السياسية الداخلية، فإن إحدى الشكاوى الرئيسة التي برزت هي «غياب» قواعد مشتركة بين جميع البلدان، الأمر الذي يؤدي إلى شكوك في تبني سياسات اقتصادية شاملة أو اتخاذ خطوات لعمل مشترك ومنسجم حيال الأزمات الإقليمية والدولية. فطوال تاريخ المجموعة، قيل غير مرة إنها «وُلدت ميتة». وتراكمت الشكوك حول استدامة صيغة «بريكس»؛ لأنه رغم الخلافات الظاهرة لغالبية بلدان المجموعة مع الولايات المتحدة، مثلاً، فإن لدول التكتل (باستثناء روسيا) تجارة نشطة للغاية معها، بل تظل إحدى محطات تجارتها الأساسية. بل، برز مستوى تأثير واشنطن في عمل المجموعة عبر قرار الأرجنتين الانسحاب من المجموعة واتجاهها لتعزيز التعاون مع واشنطن، وفي هذا السياق تزداد المخاوف من أن واشنطن تحاول تفكيك «بريكس» من خلال زيادة الضغط على الهند والبرازيل.

أخيراً، ثمة أيضاً خلافات داخلية في «بريكس»، خصوصاً حيال مسألة المزيد من التوسيع. ولا يخفى أن الصين التي كانت متحمسة بدعم روسي لقرار التوسيع الأخير، تُواجَه بحرب داخلية شرسة من جانب الهند التي كانت تفضّل التريث. وعموماً، يرى خبراء أن قرارات «بريكس» السابقة كانت نتيجة توافقات داخلية صعبة، وأن التوسيع سيعني تعقيداً أكبر في آليات اتخاذ قرارات مشتركة.

 

الرئيس فلاديمير بوتين يناقش خطط المجموعة في لقاء صحافي (رويترز)

ماذا تريد الرئاسة الروسية؟

> يدرك الكرملين الصعوبات التي تواجه «بريكس» بعد توسيعها، وينطلق من اعتبار أن انضمام الأعضاء الجدد «عنصر قوة» يقابل التحديات التي يضعها. وهو يعزز سياسات موسكو وبكين لتعميق الفجوة بين الشمال والجنوب، ويظهر أكثر ميل دول مؤثرة للانخراط في مسار إصلاح العلاقات الدولية، أو على الأقل المحافظة على توازنات في العلاقات مع البلدان الكبرى. ووفقاً لأولويات الكرملين، أحد مجالات العمل تنفيذ استراتيجية الشراكة الاقتصادية لـ«بريكس» حتى عام 2025 وخطة العمل الموضوعة للتعاون بين 2021 - 2024. وبذا، سيجري التركيز على زيادة دور دول المجموعة في النظام النقدي والمالي الدولي، وتطوير التعاون بين البنوك، مع التركيز على زيادة التسويات بالعملات الوطنية، وإيلاء الاهتمام لتعميق الحوار والتفاعل في مجالات الثقافة والرياضة والتبادلات الشبابية. أيضاً مخطّطٌ عقد أكثر من 200 حدث من مختلف المستويات والاتجاهات في عدد من المدن الروسية، أبرزها «القمة» المقررة في قازان. ولقد أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن روسيا تسترشد إبان رئاستها لـ«بريكس» بشعار «تعزيز العلاقات المتعددة الأطراف لصالح التنمية والأمن العالميين العادلين... وسنتخذ جميع الخطوات اللازمة لتسهيل تكييف الأعضاء الجدد مع جميع أنواع الأنشطة». من ناحية ثانية، رغم الاختلافات التكتيكية، تظهر الدول المشاركة أنها قادرة على إيجاد طرق للتعاون وتنتقد محاولات واشنطن التكلم نيابة عن المجتمع الدولي. وكمثال يمكن اعتبار انضمام الهند وباكستان إلى «منظمة شنغهاي للتعاون» عام 2005 كمراقبين، وتحولهما عضوين كاملي العضوية عام 2017، بمثابة نجاح للاعبين الرئيسيين في «الجنوب» العالمي. ووفقاً لخبراء روس، إذا تمكنت «بريكس» من حل بعض الخلافات بين الدول المشاركة، فإنها ستكون قادرة على إظهار ثقلها السياسي العالمي. ويبدو أن موسكو، التي تعد للانتخابات الرئاسية، تعتزم أن تثبت لمنافسيها الغربيين، ليس قوتها العسكرية في الحروب فقط، بل قدرتها أيضاً على «حشد الحلفاء» عبر العالم. وعلى صعيد متصل، ما زالت موسكو تروج لفكرة إنشاء عملة احتياطية دولية جديدة على أساس المجموعة. ومع أن الخبراء الغربيين يرون هذه الفكرة مستبعدة حالياً، ستعطي الرئاسة الروسية للمجموعة زخماً متواصلاً لتكريس النقاشات حول الفكرة تمهيداً لمرحلة لاحقة تتزايد فيها فرص تنفيذها. لتاريخه، وصلت حصة العملات الوطنية في التسويات المتبادلة بين دول «بريكس» إلى نحو 30 في المائة، ووفقاً لتوقعات البنوك المركزية للدول المشاركة، يُحتمل بحلول 2026 - 2027 أن تصل إلى 35 في المائة على أقل تقدير، «بافتراض ثبات السياسات الرامية إلى خلق البدائل عن الدولار الأميركي على سرعتها الحالية، ودون اتخاذ إجراءات جديدة لتسريع هذا التوجه».


مقالات ذات صلة

ما خيارات واشنطن في ظل تصاعد نظام متعدد الأقطاب؟

الولايات المتحدة​ مجموعة «بريكس بلس» تحظى بدعم واسع في العالم متعدد الأقطاب الناشئ اليوم (أ.ف.ب)

ما خيارات واشنطن في ظل تصاعد نظام متعدد الأقطاب؟

مع ازدياد التحديات العالمية وتعقيداتها، من التغير المناخي إلى الأزمات الجيوسياسية، تجد الولايات المتحدة نفسها في مواجهة واقع جديد يتسم بتعدد الأقطاب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شؤون إقليمية ممثل السياسة الخارجية والأمنية جوزيب بوريل ومفوض شؤون التوسعة أوليفر فارهيلي في مؤتمر صحافي في بروكسل (من حساب الأخير في «إكس»)

الاتحاد الأوروبي قلق لتراجع تركيا ديمقراطياً

عبّر الاتحاد الأوروبي عن مخاوفه بشأن تراجع المعايير الديمقراطية وسيادة القانون واستقلال القضاء والحقوق الأساسية في تركيا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أوروبا غوتيريش يصافح بوتين

«بريكس» تختتم قمتها بفتح أبواب التوسع

أنهت قمة مجموعة «بريكس» أعمالها، في قازان بجنوب روسيا، أمس (الخميس)، بفتح أبواب التوسع، وسط مداخلات هيمنت عليها الدعوات للسلام وإصلاح النظام الدولي.

رائد جبر (موسكو)
أوروبا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتحدث في قمة «بريكس» (د.ب.أ)

بوتين: مستقبل العلاقة مع واشنطن رهن بموقفها بعد الانتخابات

قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الخميس، إنّ مستقبل العلاقات بين بلاده والولايات المتحدة رهن بما ستكون عليه مواقف واشنطن بعد انتخابات البيت الأبيض.

«الشرق الأوسط»
تحليل إخباري صورة تذكارية لقادة «بريكس» يظهر فيها السيسي بجوار آبي أحمد (الرئاسة المصرية)

تحليل إخباري كيف يؤثر الحضور المصري - الإثيوبي في «بريكس» على نزاع «سد النهضة»؟

رغم أن «بريكس» هو تجمع لتكامل قدرات وإمكانات الدول المنخرطة فيه، لكن ذلك لم يمنع ظهور إشارات على عمق الخلاف المصري - الإثيوبي خلال القمة التي استضافتها روسيا.

فتحية الدخاخني (القاهرة)

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها
TT

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

خطفت بوتسوانا (بتشوانالاند سابقاً) أنظار العالم منذ أشهر باكتشاف ثاني أكبر ماسة في العالم، بيد أن أنظار المراقبين تخاطفت الإعجاب مبكراً بتلك الدولة الأفريقية الحبيسة، بفضل نموذجها الديمقراطي النادر في قارتها، وأدائها الاقتصادي الصاعد.

قد يكون هذا الإعجاب سجل خفوتاً في مؤشراته، خصوصاً مع موجة ركود وبطالة اجتاحت البلاد منذ سنوات قليلة، إلا أنه يبحث عن استعادة البريق مع رئيس جديد منتخب ديمقراطياً.

على عكس الكثير من دول «القارة السمراء»، لم تودّع بوتسوانا حقبة الاستعمار عام 1966 بمتوالية ديكتاتوريات وانقلابات عسكرية، بل اختارت صندوق الاقتراع ليفرز برلماناً تختار أغلبيته الرئيس. وأظهر أربعة من زعماء بوتسوانا التزاماً نادراً بالتنحي عن السلطة بمجرد استكمال مدّد ولايتهم المنصوص عليها دستورياً، بدءاً من كيتوميلي ماسيري، الذي خلف «السير» سيريتسي خاما عند وفاته في منصبه بصفته أول رئيس لبوتسوانا. وهذا التقليد الذي يصفه «مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية» بأنه «مثير للإعجاب»، جنت بوتسوانا ثماره أخيراً بانتقال سلمي للسلطة إلى الحقوقي والمحامي اليساري المعارض دوما بوكو.

انتصار بوكو جاء بعد معركة شرسة مع الرئيس السابق موكغويتسي ماسيسي ومن خلفه الحزب الديمقراطي... الذي حكم البلاد لمدة قاربت ستة عقود.

ويبدو أن تجربة تأسيس الحزب الديمقراطي من زعماء قبائل ونُخَب أوروبية كانت العلامة الأهم في رسم المسار الديمقراطي لبوتسوانا، عبر ما يعرف بـ«الإدماج الناعم» لهؤلاء الزعماء القبليين في بنية الدولة. لكن المفارقة كانت «الدور الإيجابي للاستعمار في هذا الشأن»، وفق كلام كايلو موليفي مُستشار الديمقراطية في مكتب رئيس بوتسوانا السابق للإذاعة السويسرية. وتكمن كلمة السر هنا في «كغوتلا»، فبحسب موليفي، اختار البريطانيون الحُكم غير المُباشر، عبر تَرك السلطة للقادة القبليين لتسيير شؤون شعبهم، من دون التدخل بهياكل الحكم التقليدية القائمة.

نظام «كغوتلا» يقوم على «مجلس اجتماعي»، ويحق بموجبه لكل فرد التعبير عن نفسه، بينما يناط إلى زعيم القبيلة مسؤولية التوصل إلى القرارات المُجتمعية بتوافق الآراء. ووفق هذا التقدير، قاد التحالف البلاد إلى استقرار سياسي، مع أنه تعيش في بوتسوانا 4 قبائل أكبرها «التسوانا» - التي تشكل 80 في المائة من السكان وهي التي أعطت البلاد اسمها -، بجانب «الكالانغا» و«الباسار» و«الهرو».

وإلى جانب البنية الديمقراطية ودور القبيلة، كان للنشأة الحديثة للجيش البوتسواني في حضن الديمقراطية دور مؤثر في قطع الطريق أمام شهوة السلطة ورغباتها الانقلابية، بفضل تأسيسه في عام 1977 وإفلاته من صراعات مع الجيران في جنوب أفريقيا وزيمبابوي وناميبيا.

على الصعيد الاقتصادي، كان الاستعمار البريطاني سخياً – على نحو غير مقصود – مع بوتسوانا في تجربة الحكم، إلا أنه تركها 1966 سابع أفقر دولة بناتج محلي ضئيل وبنية تحتية متهالكة، أو قل شبه معدومة في بعض القطاعات.

مع هذا، انعكس التأسيس الديمقراطي، وفق محللين، على تجربة رئيسها الأول «السير» سيريتسي خاما؛ إذ مضى عكس اتجاه الرياح الأفريقية، منتهجاً نظام «رأسمالية الدولة»، واقتصاد السوق، إلى جانب حرب شنَّها ضد الفساد الإداري.

على صعيد موازٍ، أنعشت التجربة البوتسوانية تصدير اللحوم، كما عزّز اكتشاف احتياطيات مهمة من المعادن - لا سيما النحاس والماس - الاقتصاد البوتسواني؛ إذ تحتضن بلدة أورابا أكبر منجم للماس في العالم.

ثم إنه، خلال العقدين الأخيرين، جنت بوتسوانا - التي تغطي صحرء كالاهاري 70 في المائة من أرضها - ثمار سياسات اقتصادية واعدة؛ إذ قفز متوسط الدخل السنوي للمواطن البوتسواني إلى 16 ألف دولار أميركي مقابل 20 دولاراً، بإجمالي ناتج محلي بلغ 19.3 مليار دولار، وفق أرقام البنك الدولي. كذلك حازت مراكز متقدمة في محاربة الفساد بشهادة «منظمة الشفافية العالمية». ومع أن الرئيس البوتسواني المنتخب تسلم مهام منصبه هذا الأسبوع في ظل مستويات بطالة مرتفعة، وانكماش النشاط الاقتصادي المدفوع بانخفاض الطلب الخارجي على الماس، إلا أن رهان المتابعين يبقى قائماً على استعادة الماسة البوتسوانية بريقها.