الرئاسة الروسية لـ«بريكس» تواجه التباينات الداخلية والتحديات الخارجية

أولويات موسكو... تعميق الفجوة بين الشمال والجنوب وتعزيز مسار الالتفاف على العقوبات

ممثلو الدول الخمس في جوهانسبورغ، قبل التوسيع، وقد مثل روسيا وزيرخارجيتها سيرغي لافروف (رويترز)
ممثلو الدول الخمس في جوهانسبورغ، قبل التوسيع، وقد مثل روسيا وزيرخارجيتها سيرغي لافروف (رويترز)
TT

الرئاسة الروسية لـ«بريكس» تواجه التباينات الداخلية والتحديات الخارجية

ممثلو الدول الخمس في جوهانسبورغ، قبل التوسيع، وقد مثل روسيا وزيرخارجيتها سيرغي لافروف (رويترز)
ممثلو الدول الخمس في جوهانسبورغ، قبل التوسيع، وقد مثل روسيا وزيرخارجيتها سيرغي لافروف (رويترز)

مع دخول العام الجديد (2024) تولّت روسيا رئاسة مجموعة «بريكس» وفقاً لقرارات قمتها الخامسة عشرة، التي انعقدت في أغسطس (آب) من العام الماضي. تبدو المهام المطروحة أمام الرئاسة الروسية أكثر تعقيداً وتشابكاً، لجهة احتدام الموقفين الإقليمي والدولي، وازدياد التباينات الداخلية لدى البلدان أعضاء المجموعة، مع اتساع حجمها ودورها وتعاظم إمكاناتها. وفي الوقت ذاته، تتوافر لدى الكرملين مجالات وفرص أكبر، من كل مراحل عمل المجموعة التي أُسست رسمياً في عام 2011، لكن موسكو كانت عملت بشكل حثيث على تقريب وجهات النظر بين الأعضاء المؤسسين (روسيا، والصين، والهند، والبرازيل... وجنوب أفريقيا التي انضمت لاحقاً) منذ عام 2006. وقد أضاف انضمام 5 أعضاء جدد في مطلع العام، هم: مصر، وإيران، والإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، وإثيوبيا إلى «بريكس» فرصاً مهمة زادت من ثقل المجموعة وحضورها الدولي على المستويين الاقتصادي والسياسي. واليوم تبرز أسئلة كثيرة عن آفاق عمل «بريكس» خلال فترة الرئاسة الروسية. مع الأخذ بالاعتبار رؤية موسكو لتموضع المجموعة في إطار المواجهة المتفاقمة مع الغرب، ومقاربات موسكو حيال التباينات الصينية - الهندية، واحتمالات نجاح الضغوط الأميركية في عرقلة عمل المجموعة، خصوصاً على البرازيل والهند.

وفقاً لبيانات مجموعة «بريكس»، بحلول عام 2023، كان إنتاج الدول المشارِكة في هذا التكتل يمثل ما يصل إلى ثُلث إجمالي الناتج المحلي العالمي، ويعيش 42 في المائة من سكان العالم على أراضيها. ومع أن كثيراً في الغرب يقارنون هذه المجموعة بحلف شمال الأطلسي (ناتو) أو بإطار أممي يشبه الأمم المتحدة، ويصفونها بأنها كتلة بديلة عن التكتلات الغربية، فهذا المدخل ليس دقيقاً.

أصلاً هذه المجموعة ليس لها مقر، وتعاوُنها يقوم على حلّ مشترك للقضايا الاقتصادية لا على إبرام اتفاقيات عسكرية أو تحالفات سياسية. وفي عام 2006، جرى تضمين مؤشر «BRIC-50»، الذي يضم أسهم 50 شركة كبيرة في البرازيل والهند والصين وروسيا في حزمة «داو جونز». وفي يونيو (حزيران) من العام نفسه، خلال أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، عقد زعماء هذه الدول الأربع اجتماعهم الرسمي الأول، وأقرّوا خطة مشتركة لتطوير التعاون في مختلف المجالات. ثم في عام 2008، عقدت المجموعة قمة في اليابان على هامش أعمال مؤتمر «مجموعة الثمانية».

كانت هذه المقدّمات الرئيسة لظهور «بريكس» لاحقاً في عام 2011. وبعدها انضمت جنوب أفريقيا لتأسيس «الخماسي» (حاملاً اسمه الأحرف الأولى من أسماء دوله) الذي استمرّ نشاطه لمدة 9 سنوات قبل إقرار انضمام مجموعة البلدان الجديدة. ولقد قامت الفكرة الرئيسة على توحيد إمكانات بلدان نامية لديها مصالح مشتركة وعندها إمكانات هائلة. وتبعاً لتسلسل الأحرف، فالبرازيل ثامن أكبر اقتصاد في العالم من حيث الناتج المحلي الإجمالي، وهي مصدر زراعي رئيس. وروسيا خامس أكبر اقتصاد في العالم من حيث الناتج المحلي الإجمالي، وتمتلك احتياطيات كبيرة من الموارد المعدنية والمواد الهيدروكربونية، بجانب أكبر مساحة مناسبة للأغراض الزراعية. والهند ثالث أكبر اقتصاد في العالم من حيث الناتج المحلي الإجمالي وأكبر دولة من حيث عدد السكان في العالم، والصين الاقتصاد الأول في العالم من حيث الناتج المحلي الإجمالي والدولة الثانية من حيث عدد السكان بعد الهند، الرائدة في الصادرات (مصنع العالم).

هل يصمد "التعاون" الصيني الهندي؟ (آ ب)

ثم انضمت جنوب أفريقيا، التي تشغل المرتبة 23 عالمياً من حيث الناتج المحلي الإجمالي وهي غنية بمجموعة متنوعة من الموارد الطبيعية، بما في ذلك الألماس. ويذكر أن كل مؤسسي مجموعة «بريكس» مشاركون في اتحادات التكامل الإقليمي (الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، ورابطة أمم جنوب شرقي آسيا، والاتحاد الأفريقي، وما إلى ذلك) ما يضع أهمية إضافية وفقاً للمؤسسين لهذا التكتل.

من ناحية ثانية، مع الدول التي جرى العمل لضمها خلال قمة جوهانسبورغ في 2023، وهي الإمارات والسعودية ومصر وإيران وإثيوبيا و(الأرجنتين التي تراجعت لاحقاً عن قرار الانضمام) أعربت تركيا وفنزويلا وبنغلاديش وبيلاروسيا والجزائر وإندونيسيا ونيجيريا ودول أخرى رغبتها في الانضمام إلى «بريكس»، لكن حتى الآن لم تحل مسألة عضويتها.

عناصر قوة وضعفمع عناصر القوة التي يوفرها حضور هذه المجموعة في تكتل اقتصادي لديه تطلعات مشتركة، فإن نقاط الضعف تبدو ماثلة في التباينات الصينية - الهندية التي ظهرت غير مرة، كما في الخلافات بين الأعضاء حول قضايا إقليمية مهمة مثل الخلاف المصري - الإثيوبي، والتباينات العربية - الإيرانية. ويضيف هذا الواقع تساؤلات حول قدرة المجموعة على مواجهة التحديات الداخلية، وحول جدوى المضي لاحقاً في مسار توسيع المجموعة، وما إذا كان ذلك سيشكّل رافعة جديدة لنشاطها... أم عنصر عرقلة إضافياً لاتخاذ القرارات المشتركة ومجالات تعزيز دورها ومكانتها في النظام الاقتصادي العالمي.

أداة في مواجهة الغربفي الاجتماع الأول، حدد قادة الدول هدف الشراكة بأنه «حوار وتعاون متسق ونشط وعملي ومفتوح وشفاف». وكان الرهان على أنه عبر التعاون، تتوقع جميع البلدان تعزيز مواقعها الاقتصادية والسياسية على الساحة العالمية. وكان بين الأهداف المعلنة أيضاً بناء عالم متناغم وازدهار. وغطت الموضوعات التي نوقشت في اجتماعات «بريكس» جميع جوانب الحياة ذات الصلة، بما في ذلك المشكلات البيئية والفقر والتنمية الاجتماعية والمؤسسات المالية، وما إلى ذلك. ومن ثم عملت بلدان المجموعة على إطلاق نشاط مشترك في اتجاهات عدة، أبرزها المصالح الاقتصادية؛ حيث تنتج دول «بريكس» معاً ما يقرب من رُبع إجمالي الناتج المحلي العالمي، وهي بحد ذاتها سوق عالمية واسعة النطاق، وتضم 42 في المائة من سكان العالم (نحو 3.21 مليار شخص).

بحسب المفهوم الاقتصادي للمنظمة، تُعطى الأولويات في دول «بريكس» للزراعة والتجارة والاستثمار والمواد الخام المعدنية. وجرى تطوير استراتيجية الشراكة الاقتصادية حتى عام 2025 بمبادرة من وزارة التنمية الاقتصادية الروسية، مع الأخذ في الاعتبار المصالح الوطنية للدول الأعضاء، وهي تشتمل على 3 مسارات رئيسة: التجارة البينية، والاستثمارات والتمويل، والاقتصاد الرقمي والتنمية المستدامة.

وكان بين الأولويات تنسيق توحيد الجهود للتغلب على جميع أنواع الأزمات الاقتصادية والعالمية، مثل جائحة «كوفيد - 19». كما نشطت البلدان بمواجهة القيود التجارية وتعزيز مسار إصلاح منظمة التجارة العالمية. أضف إلى ذلك، تحديد «بريكس» مهمة تطوير التسويات المالية بالعملات الوطنية لتسريع النمو الاقتصادي وإضعاف تأثير الدولار على اقتصاداتها.

عام 2014، ظهر «بنك التنمية الجديد» ضمن أولويات «بريكس»، وقد صمم بوصفه آليةً للاستقرار المالي للبلدان المتضررة من أزمة ميزان المدفوعات. ووافق «بنك التنمية الجديد» خلال سنوات نشاطه الأولى، على مشروعات تتعلق بالطاقة المتجددة والبنى التحتية في دول المجموعة بقيمة إجمالية تبلغ نحو 8 مليارات دولار. ووفقاً لصندوق النقد الدولي، كانت تجارة واستثمارات مجموعة «بريكس» مع البلدان المنخفضة الدخل أحد عناصر الدعم الرئيس للاقتصاد العالمي بعد الأزمة المالية العالمية.

أيضاً، كانت إحدى أهم القضايا المثارة في قمم «بريكس» انعكاسات تغير المناخ، بمحاولة البلدان الموازنة بين مصالحها الاقتصادية ومصالح الطاقة ومكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري. كذلك أدركت المجموعة الحاجة إلى تعزيز العلاقات الدولية، خصوصاً تبادل المواهب، وتطوير التعاون في مجالات الثقافة والرياضة والتعليم. وتشمل رزم الاتفاقيات المُبرمة بينها مبادرات التبادل الطلابي والمهني؛ لتعزيز الانفتاح والشمول والتعلم المتبادل. وفي مجال السياسات، تتبادل الدول المشارِكة باستمرار التوصيات وأفضل الممارسات في حل المشكلات الخارجية والداخلية.

وبالتالي، تروّج «بريكس» عموماً لآيديولوجية عالم متعدد الأقطاب وأكثر توازناً، ويستند إلى مبدأ «الاتفاقيات المتعددة الأطراف». وعلى وجه الخصوص، أصبحت المجموعة الآن إحدى القوى الأساسية الدافعة لتنفيذ جدول الأعمال الأفريقي أداة مهمة لروسيا والصين في مواجهة الضغوط الغربية المتزايدة.

ولقد كان طبيبعياً أن تقود سياسات موسكو وبكين إلى تحويل «بريكس» تدريجياً، نحو صيغة تعارض «مجموعة السبع» (بريطانيا، والولايات المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، واليابان، وكندا)، مستفيدة من أنها تقدم بالفعل مساهمة أكبر في الناتج المحلي الإجمالي العالمي مقارنة بالدول المتقدمة في التحالف المجاور. ووفقاً لشركة «أكورن ماكرو» للاستشارات البريطانية، فإن مجموعة «بريكس» أسهمت في عام 2023 بنحو 31.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، في حين انخفضت حصة «مجموعة السبع» في الاقتصاد العالمي إلى 30 في المائة. ومع اعتبار انضمام دول جديدة، فإن المجموعة مرشحة حتى قبل حلول عام 2030، لتسهم بنحو 50 في المائة من الناتج الإجمالي العالمي.

ومع أنه لا مواجهة معلنة مباشرة بين التكتلين، تحاول دول «مجموعة السبع» إبطاء تنمية دول «بريكس» من خلال العقوبات والقيود التجارية. وهذا يؤدي وفقاً لموسكو إلى تعميق تقسيم الاقتصاد العالمي إلى مناطق منفصلة، وبالتالي تكثيف النضال من أجل عالم متعدد أكثر عدلاً. في الوقت ذاته، تحاول «بريكس» تحقيق تمثيل أكبر في مختلف الهياكل الدولية مثل الأمم المتحدة، والبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، ومنظمة التجارة العالمية. عموماً، تضع المنظمة نفسها بوصفها مصلحاً للعلاقات الدولية ومشروعاً عالمي النطاق. وقد يكون العنوان الذي اختارته روسيا بصفتها رئيساً حالياً للمجموعة المؤشر الأهم إلى أولويات موسكو الحالية. إذ ينعقد الحدث الرئيس - قمة رؤساء الدول - في قازان خلال أكتوبر (تشرين الأول) المقبل تحت شعار «تعزيز التعددية من أجل تنمية وأمن عالميَّين منصفَين». ولا يخفى أن هذا الشعار يحمل رؤية موسكو لدور التكتل، وتموضعه في الصراع الحالي المتفاقم مع الغرب.

روّج «بريكس» عموماً لآيديولوجية عالم متعدد الأقطاب وأكثر توازناً ويستند إلى مبدأ الاتفاقيات المتعددة الأطراف

قمة "بريكس" 2024 استضافتها مدينة جوهانسبورغ الجنوب أفريقية (رويترز)

 

تأثير «بريكس» في الاقتصاد العالميإن الأزمة الجيوسياسية، التي اندلعت في السنوات الأخيرة على خلفية الحرب الأوكرانية، وتفاقم الأزمات الإقليمية، انعكسا بقوة على سياسات هذا التكتل. على وجه الخصوص، أدى رفض الدول الغربية الحصول على موارد الطاقة الروسية إلى زيادة إمدادات الهيدروكربونات إلى دول المجموعة، وفازت الصين والهند بحصة الأسد من الإمدادات المخفّضة السعر من روسيا. كما أن القيود التجارية الأميركية المفروضة على الصين قوبلت بزيادة التجارة مع دول «بريكس». وأتاحت الأزمة فرصة لدول المجموعة لتكثيف الجهود لضمان الاكتفاء الذاتي من السلع الغذائية والصناعية الأساسية. وبعد إغلاق عديد من دول العالم حدودها أمام السياح من روسيا أو حدّها من قدرتهم على الحصول على تأشيرات الدخول، تلقت الدول «الصديقة» تدفقاً سياحياً مُعاداً توجيهه. ثم إن اقتصادات دول «بريكس»؛ بسبب انتشارها عبر قارات مختلفة وناقلات مختلفة للتنمية، بدت وكأنها تكمل بعضها بعضاً بشكل جيد. وراهناً يرى خبراء روس أن القاعدة الاقتصادية والموارد لدول «بريكس» يمكن أن تلبي احتياجات معظم البشرية بحلول منتصف القرن، ما سيولد اهتماماً متزايداً بالتحالف من جانب الدول النامية... قد يسمح للمجموعة بالتأثير في الاقتصاد العالمي على قدم المساواة مع الدول المتقدمة.

لكن في المقابل، ثمة عناصر ضعف تتضح ملامحها أكثر وأكثر مع مسار توسيع المجموعة وتشابك مصالح الدول المنضوية فيها أو تضاربها في حالات عدة. هنا يمكن التوقف أمام تباين أولويات البلدان المنضوية في المجموعة. وهذا أمر برز بوضوح في التعامل مع الملفات الساخنة على الصعيدين الإقليمي والدولي. فمع أن المجموعة تبدو موحدة في التعامل مع مسألة القطبية وآليات اتخاذ القرار العالمي، فهي التزمت الحياد عملياً في حرب أوكرانيا، حيث لم تحصل موسكو على دعم واضح لسياساتها. وفي ملف الحرب الدائرة على غزة، فاتت المجموعة فرصة ذهبية لتكريس شعار دورها المعلن في بناء عالم جديد.

قواعد مشتركةوبجانب التباينات السياسية الداخلية، فإن إحدى الشكاوى الرئيسة التي برزت هي «غياب» قواعد مشتركة بين جميع البلدان، الأمر الذي يؤدي إلى شكوك في تبني سياسات اقتصادية شاملة أو اتخاذ خطوات لعمل مشترك ومنسجم حيال الأزمات الإقليمية والدولية. فطوال تاريخ المجموعة، قيل غير مرة إنها «وُلدت ميتة». وتراكمت الشكوك حول استدامة صيغة «بريكس»؛ لأنه رغم الخلافات الظاهرة لغالبية بلدان المجموعة مع الولايات المتحدة، مثلاً، فإن لدول التكتل (باستثناء روسيا) تجارة نشطة للغاية معها، بل تظل إحدى محطات تجارتها الأساسية. بل، برز مستوى تأثير واشنطن في عمل المجموعة عبر قرار الأرجنتين الانسحاب من المجموعة واتجاهها لتعزيز التعاون مع واشنطن، وفي هذا السياق تزداد المخاوف من أن واشنطن تحاول تفكيك «بريكس» من خلال زيادة الضغط على الهند والبرازيل.

أخيراً، ثمة أيضاً خلافات داخلية في «بريكس»، خصوصاً حيال مسألة المزيد من التوسيع. ولا يخفى أن الصين التي كانت متحمسة بدعم روسي لقرار التوسيع الأخير، تُواجَه بحرب داخلية شرسة من جانب الهند التي كانت تفضّل التريث. وعموماً، يرى خبراء أن قرارات «بريكس» السابقة كانت نتيجة توافقات داخلية صعبة، وأن التوسيع سيعني تعقيداً أكبر في آليات اتخاذ قرارات مشتركة.

 

الرئيس فلاديمير بوتين يناقش خطط المجموعة في لقاء صحافي (رويترز)

ماذا تريد الرئاسة الروسية؟

> يدرك الكرملين الصعوبات التي تواجه «بريكس» بعد توسيعها، وينطلق من اعتبار أن انضمام الأعضاء الجدد «عنصر قوة» يقابل التحديات التي يضعها. وهو يعزز سياسات موسكو وبكين لتعميق الفجوة بين الشمال والجنوب، ويظهر أكثر ميل دول مؤثرة للانخراط في مسار إصلاح العلاقات الدولية، أو على الأقل المحافظة على توازنات في العلاقات مع البلدان الكبرى. ووفقاً لأولويات الكرملين، أحد مجالات العمل تنفيذ استراتيجية الشراكة الاقتصادية لـ«بريكس» حتى عام 2025 وخطة العمل الموضوعة للتعاون بين 2021 - 2024. وبذا، سيجري التركيز على زيادة دور دول المجموعة في النظام النقدي والمالي الدولي، وتطوير التعاون بين البنوك، مع التركيز على زيادة التسويات بالعملات الوطنية، وإيلاء الاهتمام لتعميق الحوار والتفاعل في مجالات الثقافة والرياضة والتبادلات الشبابية. أيضاً مخطّطٌ عقد أكثر من 200 حدث من مختلف المستويات والاتجاهات في عدد من المدن الروسية، أبرزها «القمة» المقررة في قازان. ولقد أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن روسيا تسترشد إبان رئاستها لـ«بريكس» بشعار «تعزيز العلاقات المتعددة الأطراف لصالح التنمية والأمن العالميين العادلين... وسنتخذ جميع الخطوات اللازمة لتسهيل تكييف الأعضاء الجدد مع جميع أنواع الأنشطة». من ناحية ثانية، رغم الاختلافات التكتيكية، تظهر الدول المشاركة أنها قادرة على إيجاد طرق للتعاون وتنتقد محاولات واشنطن التكلم نيابة عن المجتمع الدولي. وكمثال يمكن اعتبار انضمام الهند وباكستان إلى «منظمة شنغهاي للتعاون» عام 2005 كمراقبين، وتحولهما عضوين كاملي العضوية عام 2017، بمثابة نجاح للاعبين الرئيسيين في «الجنوب» العالمي. ووفقاً لخبراء روس، إذا تمكنت «بريكس» من حل بعض الخلافات بين الدول المشاركة، فإنها ستكون قادرة على إظهار ثقلها السياسي العالمي. ويبدو أن موسكو، التي تعد للانتخابات الرئاسية، تعتزم أن تثبت لمنافسيها الغربيين، ليس قوتها العسكرية في الحروب فقط، بل قدرتها أيضاً على «حشد الحلفاء» عبر العالم. وعلى صعيد متصل، ما زالت موسكو تروج لفكرة إنشاء عملة احتياطية دولية جديدة على أساس المجموعة. ومع أن الخبراء الغربيين يرون هذه الفكرة مستبعدة حالياً، ستعطي الرئاسة الروسية للمجموعة زخماً متواصلاً لتكريس النقاشات حول الفكرة تمهيداً لمرحلة لاحقة تتزايد فيها فرص تنفيذها. لتاريخه، وصلت حصة العملات الوطنية في التسويات المتبادلة بين دول «بريكس» إلى نحو 30 في المائة، ووفقاً لتوقعات البنوك المركزية للدول المشاركة، يُحتمل بحلول 2026 - 2027 أن تصل إلى 35 في المائة على أقل تقدير، «بافتراض ثبات السياسات الرامية إلى خلق البدائل عن الدولار الأميركي على سرعتها الحالية، ودون اتخاذ إجراءات جديدة لتسريع هذا التوجه».


مقالات ذات صلة

إندونيسيا تحصل على عضوية كاملة في «بريكس»

الاقتصاد مشاة يعبرون طريقاً في الحي المالي وسط العاصمة الإندونيسية جاكرتا (أ.ب)

إندونيسيا تحصل على عضوية كاملة في «بريكس»

قالت الحكومة البرازيلية، التي ترأس «بريكس» في دورتها الحالية، إن إندونيسيا ستنضم رسمياً إلى المجموعة للاقتصادات الناشئة الكبرى بوصفها عضواً كامل العضوية.

«الشرق الأوسط» (ساو باولو (البرازيل))
أميركا اللاتينية مجموعة «بريكس بلس» تحظى بدعم واسع في العالم متعدد الأقطاب (أ.ف.ب)

البرازيل: إندونيسيا تحصل على عضوية كاملة في «بريكس»

قالت الحكومة البرازيلية في بيان، الاثنين، إن إندونيسيا تنضم رسمياً إلى مجموعة «بريكس» للاقتصادات الناشئة الكبرى عضواً كامل العضوية.

«الشرق الأوسط» (ساو باولو)
الاقتصاد مكامن قوة الدولار تجعله مهيمناً على العملات العالمية على المدى القريب مع تساؤلات فيما إذا كان النظام المالي العالمي سيشهد تغييرات جذرية في السنوات المقبلة (دبا)

قوة الدولار تضعف من جهود إنشاء عملة عالمية بديلة

يواجه الدولار الأميركي، الذي يعد العملة الاحتياطية الأولى عالمياً، جدلاً واسعاً حول استمرارية هيمنته مقابل الجهود المتزايدة لتطوير بدائل من قِبل تكتلات…

مساعد الزياني (دبي)
شؤون إقليمية جانب من اجتماع مجلس الشؤون العامة للاتحاد الأوروبي (إعلام تركي)

الاتحاد الأوروبي يضغط على تركيا لتنفيذ إصلاحات لنيل عضويته

كرّر الاتحاد الأوروبي مطالبة تركيا باستيفاء المعايير المؤهلة للحصول على عضويته، ولا سيما مجالات الديمقراطية وحقوق الإنسان والتعبير وسيادة القانون.

أوروبا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أ.ب)

بوتين: روسيا تتعاون مع دول «بريكس» لتكوين تحالف في الذكاء الاصطناعي

قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، اليوم (الأربعاء)، إن روسيا ستطور الذكاء الاصطناعي مع شركائها في مجموعة «بريكس» ودول أخرى.

«الشرق الأوسط» (موسكو )

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
TT

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

على خلفية ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الحكومة الهندية بذلت جهداً استثنائياً للتواصل مع الدول الأفريقية عبر زيارات رفيعة المستوى من القيادة العليا، أي الرئيس ونائب الرئيس ورئيس الوزراء، إلى ما مجموعه 40 بلداً في أفريقيا بين عامي 2014 و2019. ولا شك أن هذا هو أكبر عدد من الزيارات قبل تلك الفترة المحددة أو بعدها.

من ثم، فإن الزيارة التي قام بها مؤخراً رئيس الوزراء الهندي مودي إلى نيجيريا قبل سفره إلى البرازيل لحضور قمة مجموعة العشرين، تدل على أن زيارة أبوجا (في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي) ليست مجرد زيارة ودية، وإنما خطوة استراتيجية لتعزيز القوة. مما يؤكد على التزام الهند ببناء علاقات أعمق مع أفريقيا، والبناء على الروابط التاريخية، والخبرات المشتركة، والمنافع المتبادلة.

صرح إتش. إس. فيسواناثان، الزميل البارز في مؤسسة «أوبزرفر» للأبحاث وعضو السلك الدبلوماسي الهندي لمدة 34 عاماً، بأنه «من خلال تعزيز الشراكات الاقتصادية، وتعزيز التعاون الدفاعي، وتعزيز التبادل الثقافي، تُظهِر الهند نفسها بصفتها لاعباً رئيسياً في مستقبل أفريقيا، في الوقت الذي تقدم فيه بديلاً لنهج الصين الذي غالباً ما يتعرض للانتقاد. إن تواصل الهند في أفريقيا هو جزء من أهدافها الجيوسياسية الأوسع نطاقاً للحد من نفوذ الصين».

سافر مودي إلى 14 دولة أفريقية خلال السنوات العشر الماضية من حكمه بالمقارنة مع عشر زيارات لنظيره الصيني شي جينبينغ. بيد أن زيارته الجديدة إلى نيجيريا تعد أول زيارة يقوم بها رئيس وزراء هندي لهذه الدولة منذ 17 عاماً. كانت الأهمية التي توليها نيجيريا للهند واضحة من حقيقة أن رئيس الوزراء الهندي مُنح أعلى وسام وطني في البلاد، وسام القائد الأكبر، وهو ثاني شخصية أجنبية فقط تحصل على هذا التميز منذ عام 1969، بعد الملكة إليزابيث الثانية؛ مما يؤكد على المكانة التي توليها نيجيريا للهند.

نجاح الهند في ضم الاتحاد الأفريقي إلى قمة مجموعة العشرين

كان الإنجاز الكبير الذي حققته الهند هو جهدها لضمان إدراج الاتحاد الأفريقي عضواً دائماً في مجموعة العشرين، وهي منصة عالمية للنخبة تؤثر قراراتها الاقتصادية على ملايين الأفارقة. وقد تم الإشادة برئيس الوزراء مودي لجهوده الشخصية في إدراج الاتحاد الأفريقي ضمن مجموعة العشرين من خلال اتصالات هاتفية مع رؤساء دول مجموعة العشرين. وكانت جهود الهند تتماشى مع دعمها الثابت لدور أكبر لأفريقيا في المنصات العالمية، وهدفها المتمثل في استخدام رئاستها للمجموعة في منح الأولوية لشواغل الجنوب العالمي.

يُذكر أن الاتحاد الأفريقي هو هيئة قارية تتألف من 55 دولة.

دعا مودي، بصفته مضيف مجموعة العشرين، رئيس الاتحاد الأفريقي، غزالي عثماني، إلى شغل مقعده بصفته عضواً دائماً في عصبة الدول الأكثر ثراء في العالم، حيث صفق له القادة الآخرون وتطلعوا إليه.

وفقاً لراجيف باتيا، الذي شغل أيضاً منصب المدير العام للمجلس الهندي للشؤون العالمية في الفترة من 2012 - 2015، فإنه «لولا الهند لكانت مبادرة ضم الاتحاد الأفريقي إلى مجموعة العشرين قد فشلت. بيد أن الفضل في ذلك يذهب إلى الهند لأنها بدأت العملية برمتها وواصلت تنفيذها حتى النهاية. وعليه، فإن الأفارقة يدركون تمام الإدراك أنه لولا الدعم الثابت من جانب الهند ورئيس الوزراء مودي، لكانت المبادرة قد انهارت كما حدث العام قبل الماضي أثناء رئاسة إندونيسيا. لقد تأثرت البلدان الأفريقية بأن الهند لم تعد تسمح للغرب بفرض أخلاقياته».

التوغلات الصينية في أفريقيا

تهيمن الصين في الواقع على أفريقيا، وقد حققت توغلات أعمق في القارة السمراء لأسباب استراتيجية واقتصادية على حد سواء. بدأت العلاقات السياسية والاقتصادية الحديثة بين البر الصيني الرئيسي والقارة الأفريقية في عهد ماو تسي تونغ، بعد انتصار الحزب الشيوعي الصيني في الحرب الأهلية الصينية. زادت التجارة بين الصين وأفريقيا بنسبة 700 في المائة خلال التسعينات، والصين حالياً هي أكبر شريك تجاري لأفريقيا. وقد أصبح منتدى التعاون الصيني - الافريقي منذ عام 2000 المنتدى الرسمي لدعم العلاقات. في الواقع، الأثر الصيني في الحياة اليومية الأفريقية عميق - الهواتف المحمولة المستخدمة، وأجهزة التلفزيون، والطرق التي تتم القيادة عليها مبنية من قِبل الصينيين.

كانت الصين متسقة مع سياستها الأفريقية. وقد عُقدت الدورة التاسعة من منتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر (أيلول) 2024، في بكين.

كما زوّدت الصين البلدان الأفريقية بمليارات الدولارات في هيئة قروض ساعدت في بناء البنية التحتية المطلوبة بشدة. علاوة على ذلك، فإن تعزيز موطئ قدم لها في ثاني أكبر قارة من حيث عدد السكان في العالم يأتي مع ميزة مربحة تتمثل في إمكانية الوصول إلى السوق الضخمة، فضلاً عن الاستفادة من الموارد الطبيعية الهائلة في القارة، بما في ذلك النحاس، والذهب، والليثيوم، والمعادن الأرضية النادرة. وفي الأثناء ذاتها، بالنسبة للكثير من الدول الأفريقية التي تعاني ضائقة مالية، فإن أفريقيا تشكل أيضاً جزءاً حيوياً من مبادرة الحزام والطريق الصينية، حيث وقَّعت 53 دولة على المسعى الذي تنظر إليه الهند بريبة عميقة.

كانت الصين متسقة بشكل ملحوظ مع قممها التي تُعقد كل ثلاث سنوات؛ وعُقدت الدورة التاسعة لمنتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر 2024. وفي الوقت نفسه، بلغ إجمالي تجارة الصين مع القارة ثلاثة أمثال هذا المبلغ تقريباً الذي بلغ 282 مليار دولار.

الهند والصين تناضلان من أجل فرض الهيمنة

تملك الهند والصين مصالح متنامية في أفريقيا وتتنافسان على نحو متزايد على الصعيدين السياسي والاقتصادي.

في حين تحاول الصين والهند صياغة نهجهما الثنائي والإقليمي بشكل مستقل عن بعضهما بعضاً، فإن عنصر المنافسة واضح. وبينما ألقت بكين بثقلها الاقتصادي الهائل على تطوير القدرة التصنيعية واستخراج الموارد الطبيعية، ركزت نيودلهي على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والتعليم، والرعاية الصحية.

مع ذلك، قال براميت بول شاودهوري، المتابع للشؤون الهندية في مجموعة «أوراسيا» والزميل البارز في «مركز أنانتا أسبن - الهند»: «إن الاستثمارات الهندية في أفريقيا هي إلى حد كبير رأسمال خاص مقارنة بالصينيين. ولهذا السبب؛ فإن خطوط الائتمان التي ترعاها الحكومة ليست جزءاً رئيسياً من قصة الاستثمار الهندية في أفريقيا. الفرق الرئيسي بين الاستثمارات الهندية في أفريقيا مقابل الصين هو أن الأولى تأتي مع أقل المخاطر السياسية وأكثر انسجاماً مع الحساسيات الأفريقية، لا سيما فيما يتعلق بقضية الديون».

ناريندرا مودي وشي جينبينغ في اجتماع سابق (أ.ب)

على عكس الصين، التي ركزت على إقامة البنية التحتية واستخراج الموارد الطبيعية، فإن الهند من خلال استثماراتها ركزت على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والأمن البحري، والتعليم، والرعاية الصحية. والحقيقة أن الشركات الصينية كثيراً ما تُتهم بتوظيف أغلب العاملين الصينيين، والإقلال من جهودها الرامية إلى تنمية القدرات المحلية، وتقديم قدر ضئيل من التدريب وتنمية المهارات للموظفين الأفارقة. على النقيض من ذلك، يهدف بناء المشاريع الهندية وتمويلها في أفريقيا إلى تيسير المشاركة المحلية والتنمية، بحسب ما يقول الهنود. تعتمد الشركات الهندية أكثر على المواهب الأفريقية وتقوم ببناء قدرات السكان المحليين. علاوة على ذلك، وعلى عكس الإقراض من الصين، فإن المساعدة الإنمائية التي تقدمها الهند من خلال خطوط الائتمان الميسرة والمنح وبرامج بناء القدرات هي برامج مدفوعة بالطلب وغير مقيدة. ومن ثم، فإن دور الهند في أفريقيا يسير جنباً إلى جنب مع أجندة النمو الخاصة بأفريقيا التي حددتها أمانة الاتحاد الأفريقي، أو الهيئات الإقليمية، أو فرادى البلدان، بحسب ما يقول مدافعون عن السياسة الهندية.

ويقول هوما صديقي، الصحافي البارز الذي يكتب عن الشؤون الاستراتيجية، إن الهند قطعت في السنوات الأخيرة شوطاً كبيراً في توسيع نفوذها في أفريقيا، لكي تظهر بوصفها ثاني أكبر مزود للائتمان بالقارة. شركة الاتصالات الهندية العملاقة «إيرتل» - التي دخلت أفريقيا عام 1998، هي الآن أحد أكبر مزودي خدمات الهاتف المحمول في القارة، كما أنها طرحت خطاً خاصاً بها للهواتف الذكية من الجيل الرابع بأسعار زهيدة في رواندا. وكانت الهند رائدة في برامج التعليم عن بعد والطب عن بعد لربط المستشفيات والمؤسسات التعليمية في كل البلدان الأفريقية مع الهند من خلال شبكة الألياف البصرية. وقد ساعدت الهند أفريقيا في مكافحة جائحة «كوفيد – 19» بإمداد 42 بلداً باللقاحات والمعدات.

تعدّ الهند حالياً ثالث أكبر شريك تجاري لأفريقيا، حيث يبلغ حجم التجارة الثنائية بين الطرفين نحو 100 مليار دولار. وتعدّ الهند عاشر أكبر مستثمر في أفريقيا من حيث حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة. كما توسع التعاون الإنمائي الهندي بسرعة منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وكانت البلدان الأفريقية هي المستفيد الرئيسي من برنامج الخطوط الائتمانية الهندية.

قالت هارشا بانغاري، المديرة الإدارية لبنك الهند للاستيراد والتصدير: «على مدى العقد الماضي، قدمت الهند ما يقرب من 32 مليار دولار أميركي في صورة ائتمان إلى 42 دولة أفريقية، وهو ما يمثل 38 في المائة من إجمالي توزيع الائتمان. وهذه الأموال، التي تُوجه من خلال بنك الهند للاستيراد والتصدير، تدعم مجموعة واسعة من المشاريع، بما في ذلك الرعاية الصحية والبنية التحتية والزراعة والري».

رغم أن الصين تتصدر الطريق في قطاع البنية التحتية، فإن التمويل الصيني للبنية التحتية في أفريقيا قد تباطأ بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة. برزت عملية تطوير البنية التحتية سمةً مهمة من سمات الشراكة التنموية الهندية مع أفريقيا. وقد أنجزت الهند حتى الآن 206 مشاريع في 43 بلداً أفريقياً، ويجري حالياً تنفيذ 65 مشروعاً، يبلغ مجموع الإنفاق عليها نحو 12.4 مليار دولار. وتقدم الهند أيضاً إسهامات كبيرة لبناء القدرات الأفريقية من خلال برنامجها للتعاون التقني والتكنولوجي، والمنح الدراسية، وبناء المؤسسات في القارة.

وتجدر الإشارة إلى أن الهند أكثر ارتباطاً جغرافياً من الصين بالقارة الأفريقية، وهي بالتالي تتشاطر مخاوفها الأمنية أيضاً. وتعتبر الهند الدول المطلة على المحيط الهندي في افريقيا مهمة لاستراتيجيتها الخاصة بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، ووقّعت الهند مع الكثير منها اتفاقيات للدفاع والشحن تشمل التدريبات المشتركة. كما أن دور قوات حفظ السلام الهندية موضع تقدير كبير.

يقول السفير الهندي السابق والأمين المشترك السابق لشؤون أفريقيا في وزارة الخارجية، السفير ناريندر تشوهان: «إن الانتقادات الموجهة إلى المشاركة الاقتصادية للصين مع أفريقيا قد تتزايد من النقابات العمالية والمجتمع المدني بشأن ظروف العمل السيئة والممارسات البيئية غير المستدامة والتشرد الوظيفي الذي تسببه الشركات الصينية. ويعتقد أيضاً أن الصين تستغل نقاط ضعف الحكومات الأفريقية، وبالتالي تشجع الفساد واتخاذ القرارات المتهورة. فقد شهدت أنغولا، وغانا، وغامبيا، وكينيا مظاهرات مناهضة للمشاريع التي تمولها الصين. وهناك مخاوف دولية متزايدة بشأن الدور الذي تلعبه الصين في القارة الأفريقية».

القواعد العسكرية الصينية والهندية في أفريقيا

قد يكون تحقيق التوازن بين البصمة المتزايدة للصين في أفريقيا عاملاً آخر يدفع نيودلهي إلى تعزيز العلاقات الدفاعية مع الدول الافريقية.

أنشأت الصين أول قاعدة عسكرية لها في الخارج في جيبوتي، في القرن الأفريقي، عام 2017؛ مما أثار قلق الولايات المتحدة؛ إذ تقع القاعدة الصينية على بعد ستة أميال فقط من قاعدة عسكرية أميركية في البلد نفسه.

تقول تقارير إعلامية إن الصين تتطلع إلى وجود عسكري آخر في دولة الغابون الواقعة في وسط أفريقيا. ونقلت وكالة أنباء «بلومبرغ» عن مصادر قولها إن الصين تعمل حالياً على دخول المواني العسكرية في تنزانيا وموزمبيق الواقعتين على الساحل الشرقي لأفريقيا. وذكرت المصادر أنها عملت أيضاً على التوصل إلى اتفاقيات حول وضع القوات مع كلا البلدين؛ الأمر الذي سيقدم للصين مبرراً قانونياً لنشر جنودها هناك.

تقليدياً، كان انخراط الهند الدفاعي مع الدول الأفريقية يتركز على التدريب وتنمية الموارد البشرية.

في السنوات الأخيرة، زادت البحرية الهندية من زياراتها للمواني في الدول الأفريقية، ونفذت التدريبات البحرية الثنائية ومتعددة الأطراف مع الدول الأفريقية. من التطورات المهمة إطلاق أول مناورة ثلاثية بين الهند وموزمبيق وتنزانيا في دار السلام في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2022.

هناك مجال آخر مهم للمشاركة الدفاعية الهندية، وهو الدفع نحو تصدير معدات الدفاع الهندية إلى القارة.

ألقى التركيز الدولي على توسع الوجود الصيني في أفريقيا بظلاله على تطور مهم آخر - وهو الاستثمار الاستراتيجي الهندي في المنطقة. فقد شرعت الهند بهدوء، لكن بحزم، في بناء قاعدة بحرية على جزر أغاليغا النائية في موريشيوس.

تخدم قاعدة أغاليغا المنشأة حديثاً الكثير من الأغراض الحيوية للهند. وسوف تدعم طائرات الاستطلاع والحرب المضادة للغواصات، وتدعم الدوريات البحرية فوق قناة موزمبيق، وتوفر نقطة مراقبة استراتيجية لمراقبة طرق الشحن حول الجنوب الأفريقي.

وفي سابقة من نوعها، عيَّنت الهند ملحقين عسكريين عدة في بعثاتها الدبلوماسية في أفريقيا.

وفقاً لغورجيت سينغ، السفير السابق لدى إثيوبيا والاتحاد الأفريقي ومؤلف كتاب «عامل هارامبي: الشراكة الاقتصادية والتنموية بين الهند وأفريقيا»: «في حين حققت الهند تقدماً كبيراً في أفريقيا، فإنها لا تزال متخلفة عن الصين من حيث النفوذ الإجمالي. لقد بذلت الهند الكثير من الجهد لجعل أفريقيا في بؤرة الاهتمام، هل الهند هي الشريك المفضل لأفريقيا؟ صحيح أن الهند تتمتع بقدر هائل من النوايا الحسنة في القارة الأفريقية بفضل تضامنها القديم، لكن هل تتمتع بالقدر الكافي من النفوذ؟ من الصعب الإجابة عن هذه التساؤلات، سيما في سياق القوى العالمية الكبرى كافة المتنافسة على فرض نفوذها في المنطقة. ومع ذلك، فإن عدم القدرة على عقد القمة الرابعة بين الهند وأفريقيا حتى بعد 9 سنوات من استضافة القمة الثالثة لمنتدى الهند وأفريقيا بنجاح في نيودلهي، هو انعكاس لافتقار الهند إلى النفوذ في أفريقيا. غالباً ما تم الاستشهاد بجائحة «كوفيد - 19» والجداول الزمنية للانتخابات بصفتها أسباباً رئيسية وراء التأخير المفرط في عقد قمة المنتدى الهندي الأفريقي».