الرئاسة الروسية لـ«بريكس» تواجه التباينات الداخلية والتحديات الخارجية

أولويات موسكو... تعميق الفجوة بين الشمال والجنوب وتعزيز مسار الالتفاف على العقوبات

ممثلو الدول الخمس في جوهانسبورغ، قبل التوسيع، وقد مثل روسيا وزيرخارجيتها سيرغي لافروف (رويترز)
ممثلو الدول الخمس في جوهانسبورغ، قبل التوسيع، وقد مثل روسيا وزيرخارجيتها سيرغي لافروف (رويترز)
TT

الرئاسة الروسية لـ«بريكس» تواجه التباينات الداخلية والتحديات الخارجية

ممثلو الدول الخمس في جوهانسبورغ، قبل التوسيع، وقد مثل روسيا وزيرخارجيتها سيرغي لافروف (رويترز)
ممثلو الدول الخمس في جوهانسبورغ، قبل التوسيع، وقد مثل روسيا وزيرخارجيتها سيرغي لافروف (رويترز)

مع دخول العام الجديد (2024) تولّت روسيا رئاسة مجموعة «بريكس» وفقاً لقرارات قمتها الخامسة عشرة، التي انعقدت في أغسطس (آب) من العام الماضي. تبدو المهام المطروحة أمام الرئاسة الروسية أكثر تعقيداً وتشابكاً، لجهة احتدام الموقفين الإقليمي والدولي، وازدياد التباينات الداخلية لدى البلدان أعضاء المجموعة، مع اتساع حجمها ودورها وتعاظم إمكاناتها. وفي الوقت ذاته، تتوافر لدى الكرملين مجالات وفرص أكبر، من كل مراحل عمل المجموعة التي أُسست رسمياً في عام 2011، لكن موسكو كانت عملت بشكل حثيث على تقريب وجهات النظر بين الأعضاء المؤسسين (روسيا، والصين، والهند، والبرازيل... وجنوب أفريقيا التي انضمت لاحقاً) منذ عام 2006. وقد أضاف انضمام 5 أعضاء جدد في مطلع العام، هم: مصر، وإيران، والإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، وإثيوبيا إلى «بريكس» فرصاً مهمة زادت من ثقل المجموعة وحضورها الدولي على المستويين الاقتصادي والسياسي. واليوم تبرز أسئلة كثيرة عن آفاق عمل «بريكس» خلال فترة الرئاسة الروسية. مع الأخذ بالاعتبار رؤية موسكو لتموضع المجموعة في إطار المواجهة المتفاقمة مع الغرب، ومقاربات موسكو حيال التباينات الصينية - الهندية، واحتمالات نجاح الضغوط الأميركية في عرقلة عمل المجموعة، خصوصاً على البرازيل والهند.

وفقاً لبيانات مجموعة «بريكس»، بحلول عام 2023، كان إنتاج الدول المشارِكة في هذا التكتل يمثل ما يصل إلى ثُلث إجمالي الناتج المحلي العالمي، ويعيش 42 في المائة من سكان العالم على أراضيها. ومع أن كثيراً في الغرب يقارنون هذه المجموعة بحلف شمال الأطلسي (ناتو) أو بإطار أممي يشبه الأمم المتحدة، ويصفونها بأنها كتلة بديلة عن التكتلات الغربية، فهذا المدخل ليس دقيقاً.

أصلاً هذه المجموعة ليس لها مقر، وتعاوُنها يقوم على حلّ مشترك للقضايا الاقتصادية لا على إبرام اتفاقيات عسكرية أو تحالفات سياسية. وفي عام 2006، جرى تضمين مؤشر «BRIC-50»، الذي يضم أسهم 50 شركة كبيرة في البرازيل والهند والصين وروسيا في حزمة «داو جونز». وفي يونيو (حزيران) من العام نفسه، خلال أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، عقد زعماء هذه الدول الأربع اجتماعهم الرسمي الأول، وأقرّوا خطة مشتركة لتطوير التعاون في مختلف المجالات. ثم في عام 2008، عقدت المجموعة قمة في اليابان على هامش أعمال مؤتمر «مجموعة الثمانية».

كانت هذه المقدّمات الرئيسة لظهور «بريكس» لاحقاً في عام 2011. وبعدها انضمت جنوب أفريقيا لتأسيس «الخماسي» (حاملاً اسمه الأحرف الأولى من أسماء دوله) الذي استمرّ نشاطه لمدة 9 سنوات قبل إقرار انضمام مجموعة البلدان الجديدة. ولقد قامت الفكرة الرئيسة على توحيد إمكانات بلدان نامية لديها مصالح مشتركة وعندها إمكانات هائلة. وتبعاً لتسلسل الأحرف، فالبرازيل ثامن أكبر اقتصاد في العالم من حيث الناتج المحلي الإجمالي، وهي مصدر زراعي رئيس. وروسيا خامس أكبر اقتصاد في العالم من حيث الناتج المحلي الإجمالي، وتمتلك احتياطيات كبيرة من الموارد المعدنية والمواد الهيدروكربونية، بجانب أكبر مساحة مناسبة للأغراض الزراعية. والهند ثالث أكبر اقتصاد في العالم من حيث الناتج المحلي الإجمالي وأكبر دولة من حيث عدد السكان في العالم، والصين الاقتصاد الأول في العالم من حيث الناتج المحلي الإجمالي والدولة الثانية من حيث عدد السكان بعد الهند، الرائدة في الصادرات (مصنع العالم).

هل يصمد "التعاون" الصيني الهندي؟ (آ ب)

ثم انضمت جنوب أفريقيا، التي تشغل المرتبة 23 عالمياً من حيث الناتج المحلي الإجمالي وهي غنية بمجموعة متنوعة من الموارد الطبيعية، بما في ذلك الألماس. ويذكر أن كل مؤسسي مجموعة «بريكس» مشاركون في اتحادات التكامل الإقليمي (الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، ورابطة أمم جنوب شرقي آسيا، والاتحاد الأفريقي، وما إلى ذلك) ما يضع أهمية إضافية وفقاً للمؤسسين لهذا التكتل.

من ناحية ثانية، مع الدول التي جرى العمل لضمها خلال قمة جوهانسبورغ في 2023، وهي الإمارات والسعودية ومصر وإيران وإثيوبيا و(الأرجنتين التي تراجعت لاحقاً عن قرار الانضمام) أعربت تركيا وفنزويلا وبنغلاديش وبيلاروسيا والجزائر وإندونيسيا ونيجيريا ودول أخرى رغبتها في الانضمام إلى «بريكس»، لكن حتى الآن لم تحل مسألة عضويتها.

عناصر قوة وضعفمع عناصر القوة التي يوفرها حضور هذه المجموعة في تكتل اقتصادي لديه تطلعات مشتركة، فإن نقاط الضعف تبدو ماثلة في التباينات الصينية - الهندية التي ظهرت غير مرة، كما في الخلافات بين الأعضاء حول قضايا إقليمية مهمة مثل الخلاف المصري - الإثيوبي، والتباينات العربية - الإيرانية. ويضيف هذا الواقع تساؤلات حول قدرة المجموعة على مواجهة التحديات الداخلية، وحول جدوى المضي لاحقاً في مسار توسيع المجموعة، وما إذا كان ذلك سيشكّل رافعة جديدة لنشاطها... أم عنصر عرقلة إضافياً لاتخاذ القرارات المشتركة ومجالات تعزيز دورها ومكانتها في النظام الاقتصادي العالمي.

أداة في مواجهة الغربفي الاجتماع الأول، حدد قادة الدول هدف الشراكة بأنه «حوار وتعاون متسق ونشط وعملي ومفتوح وشفاف». وكان الرهان على أنه عبر التعاون، تتوقع جميع البلدان تعزيز مواقعها الاقتصادية والسياسية على الساحة العالمية. وكان بين الأهداف المعلنة أيضاً بناء عالم متناغم وازدهار. وغطت الموضوعات التي نوقشت في اجتماعات «بريكس» جميع جوانب الحياة ذات الصلة، بما في ذلك المشكلات البيئية والفقر والتنمية الاجتماعية والمؤسسات المالية، وما إلى ذلك. ومن ثم عملت بلدان المجموعة على إطلاق نشاط مشترك في اتجاهات عدة، أبرزها المصالح الاقتصادية؛ حيث تنتج دول «بريكس» معاً ما يقرب من رُبع إجمالي الناتج المحلي العالمي، وهي بحد ذاتها سوق عالمية واسعة النطاق، وتضم 42 في المائة من سكان العالم (نحو 3.21 مليار شخص).

بحسب المفهوم الاقتصادي للمنظمة، تُعطى الأولويات في دول «بريكس» للزراعة والتجارة والاستثمار والمواد الخام المعدنية. وجرى تطوير استراتيجية الشراكة الاقتصادية حتى عام 2025 بمبادرة من وزارة التنمية الاقتصادية الروسية، مع الأخذ في الاعتبار المصالح الوطنية للدول الأعضاء، وهي تشتمل على 3 مسارات رئيسة: التجارة البينية، والاستثمارات والتمويل، والاقتصاد الرقمي والتنمية المستدامة.

وكان بين الأولويات تنسيق توحيد الجهود للتغلب على جميع أنواع الأزمات الاقتصادية والعالمية، مثل جائحة «كوفيد - 19». كما نشطت البلدان بمواجهة القيود التجارية وتعزيز مسار إصلاح منظمة التجارة العالمية. أضف إلى ذلك، تحديد «بريكس» مهمة تطوير التسويات المالية بالعملات الوطنية لتسريع النمو الاقتصادي وإضعاف تأثير الدولار على اقتصاداتها.

عام 2014، ظهر «بنك التنمية الجديد» ضمن أولويات «بريكس»، وقد صمم بوصفه آليةً للاستقرار المالي للبلدان المتضررة من أزمة ميزان المدفوعات. ووافق «بنك التنمية الجديد» خلال سنوات نشاطه الأولى، على مشروعات تتعلق بالطاقة المتجددة والبنى التحتية في دول المجموعة بقيمة إجمالية تبلغ نحو 8 مليارات دولار. ووفقاً لصندوق النقد الدولي، كانت تجارة واستثمارات مجموعة «بريكس» مع البلدان المنخفضة الدخل أحد عناصر الدعم الرئيس للاقتصاد العالمي بعد الأزمة المالية العالمية.

أيضاً، كانت إحدى أهم القضايا المثارة في قمم «بريكس» انعكاسات تغير المناخ، بمحاولة البلدان الموازنة بين مصالحها الاقتصادية ومصالح الطاقة ومكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري. كذلك أدركت المجموعة الحاجة إلى تعزيز العلاقات الدولية، خصوصاً تبادل المواهب، وتطوير التعاون في مجالات الثقافة والرياضة والتعليم. وتشمل رزم الاتفاقيات المُبرمة بينها مبادرات التبادل الطلابي والمهني؛ لتعزيز الانفتاح والشمول والتعلم المتبادل. وفي مجال السياسات، تتبادل الدول المشارِكة باستمرار التوصيات وأفضل الممارسات في حل المشكلات الخارجية والداخلية.

وبالتالي، تروّج «بريكس» عموماً لآيديولوجية عالم متعدد الأقطاب وأكثر توازناً، ويستند إلى مبدأ «الاتفاقيات المتعددة الأطراف». وعلى وجه الخصوص، أصبحت المجموعة الآن إحدى القوى الأساسية الدافعة لتنفيذ جدول الأعمال الأفريقي أداة مهمة لروسيا والصين في مواجهة الضغوط الغربية المتزايدة.

ولقد كان طبيبعياً أن تقود سياسات موسكو وبكين إلى تحويل «بريكس» تدريجياً، نحو صيغة تعارض «مجموعة السبع» (بريطانيا، والولايات المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، واليابان، وكندا)، مستفيدة من أنها تقدم بالفعل مساهمة أكبر في الناتج المحلي الإجمالي العالمي مقارنة بالدول المتقدمة في التحالف المجاور. ووفقاً لشركة «أكورن ماكرو» للاستشارات البريطانية، فإن مجموعة «بريكس» أسهمت في عام 2023 بنحو 31.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، في حين انخفضت حصة «مجموعة السبع» في الاقتصاد العالمي إلى 30 في المائة. ومع اعتبار انضمام دول جديدة، فإن المجموعة مرشحة حتى قبل حلول عام 2030، لتسهم بنحو 50 في المائة من الناتج الإجمالي العالمي.

ومع أنه لا مواجهة معلنة مباشرة بين التكتلين، تحاول دول «مجموعة السبع» إبطاء تنمية دول «بريكس» من خلال العقوبات والقيود التجارية. وهذا يؤدي وفقاً لموسكو إلى تعميق تقسيم الاقتصاد العالمي إلى مناطق منفصلة، وبالتالي تكثيف النضال من أجل عالم متعدد أكثر عدلاً. في الوقت ذاته، تحاول «بريكس» تحقيق تمثيل أكبر في مختلف الهياكل الدولية مثل الأمم المتحدة، والبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، ومنظمة التجارة العالمية. عموماً، تضع المنظمة نفسها بوصفها مصلحاً للعلاقات الدولية ومشروعاً عالمي النطاق. وقد يكون العنوان الذي اختارته روسيا بصفتها رئيساً حالياً للمجموعة المؤشر الأهم إلى أولويات موسكو الحالية. إذ ينعقد الحدث الرئيس - قمة رؤساء الدول - في قازان خلال أكتوبر (تشرين الأول) المقبل تحت شعار «تعزيز التعددية من أجل تنمية وأمن عالميَّين منصفَين». ولا يخفى أن هذا الشعار يحمل رؤية موسكو لدور التكتل، وتموضعه في الصراع الحالي المتفاقم مع الغرب.

روّج «بريكس» عموماً لآيديولوجية عالم متعدد الأقطاب وأكثر توازناً ويستند إلى مبدأ الاتفاقيات المتعددة الأطراف

قمة "بريكس" 2024 استضافتها مدينة جوهانسبورغ الجنوب أفريقية (رويترز)

 

تأثير «بريكس» في الاقتصاد العالميإن الأزمة الجيوسياسية، التي اندلعت في السنوات الأخيرة على خلفية الحرب الأوكرانية، وتفاقم الأزمات الإقليمية، انعكسا بقوة على سياسات هذا التكتل. على وجه الخصوص، أدى رفض الدول الغربية الحصول على موارد الطاقة الروسية إلى زيادة إمدادات الهيدروكربونات إلى دول المجموعة، وفازت الصين والهند بحصة الأسد من الإمدادات المخفّضة السعر من روسيا. كما أن القيود التجارية الأميركية المفروضة على الصين قوبلت بزيادة التجارة مع دول «بريكس». وأتاحت الأزمة فرصة لدول المجموعة لتكثيف الجهود لضمان الاكتفاء الذاتي من السلع الغذائية والصناعية الأساسية. وبعد إغلاق عديد من دول العالم حدودها أمام السياح من روسيا أو حدّها من قدرتهم على الحصول على تأشيرات الدخول، تلقت الدول «الصديقة» تدفقاً سياحياً مُعاداً توجيهه. ثم إن اقتصادات دول «بريكس»؛ بسبب انتشارها عبر قارات مختلفة وناقلات مختلفة للتنمية، بدت وكأنها تكمل بعضها بعضاً بشكل جيد. وراهناً يرى خبراء روس أن القاعدة الاقتصادية والموارد لدول «بريكس» يمكن أن تلبي احتياجات معظم البشرية بحلول منتصف القرن، ما سيولد اهتماماً متزايداً بالتحالف من جانب الدول النامية... قد يسمح للمجموعة بالتأثير في الاقتصاد العالمي على قدم المساواة مع الدول المتقدمة.

لكن في المقابل، ثمة عناصر ضعف تتضح ملامحها أكثر وأكثر مع مسار توسيع المجموعة وتشابك مصالح الدول المنضوية فيها أو تضاربها في حالات عدة. هنا يمكن التوقف أمام تباين أولويات البلدان المنضوية في المجموعة. وهذا أمر برز بوضوح في التعامل مع الملفات الساخنة على الصعيدين الإقليمي والدولي. فمع أن المجموعة تبدو موحدة في التعامل مع مسألة القطبية وآليات اتخاذ القرار العالمي، فهي التزمت الحياد عملياً في حرب أوكرانيا، حيث لم تحصل موسكو على دعم واضح لسياساتها. وفي ملف الحرب الدائرة على غزة، فاتت المجموعة فرصة ذهبية لتكريس شعار دورها المعلن في بناء عالم جديد.

قواعد مشتركةوبجانب التباينات السياسية الداخلية، فإن إحدى الشكاوى الرئيسة التي برزت هي «غياب» قواعد مشتركة بين جميع البلدان، الأمر الذي يؤدي إلى شكوك في تبني سياسات اقتصادية شاملة أو اتخاذ خطوات لعمل مشترك ومنسجم حيال الأزمات الإقليمية والدولية. فطوال تاريخ المجموعة، قيل غير مرة إنها «وُلدت ميتة». وتراكمت الشكوك حول استدامة صيغة «بريكس»؛ لأنه رغم الخلافات الظاهرة لغالبية بلدان المجموعة مع الولايات المتحدة، مثلاً، فإن لدول التكتل (باستثناء روسيا) تجارة نشطة للغاية معها، بل تظل إحدى محطات تجارتها الأساسية. بل، برز مستوى تأثير واشنطن في عمل المجموعة عبر قرار الأرجنتين الانسحاب من المجموعة واتجاهها لتعزيز التعاون مع واشنطن، وفي هذا السياق تزداد المخاوف من أن واشنطن تحاول تفكيك «بريكس» من خلال زيادة الضغط على الهند والبرازيل.

أخيراً، ثمة أيضاً خلافات داخلية في «بريكس»، خصوصاً حيال مسألة المزيد من التوسيع. ولا يخفى أن الصين التي كانت متحمسة بدعم روسي لقرار التوسيع الأخير، تُواجَه بحرب داخلية شرسة من جانب الهند التي كانت تفضّل التريث. وعموماً، يرى خبراء أن قرارات «بريكس» السابقة كانت نتيجة توافقات داخلية صعبة، وأن التوسيع سيعني تعقيداً أكبر في آليات اتخاذ قرارات مشتركة.

 

الرئيس فلاديمير بوتين يناقش خطط المجموعة في لقاء صحافي (رويترز)

ماذا تريد الرئاسة الروسية؟

> يدرك الكرملين الصعوبات التي تواجه «بريكس» بعد توسيعها، وينطلق من اعتبار أن انضمام الأعضاء الجدد «عنصر قوة» يقابل التحديات التي يضعها. وهو يعزز سياسات موسكو وبكين لتعميق الفجوة بين الشمال والجنوب، ويظهر أكثر ميل دول مؤثرة للانخراط في مسار إصلاح العلاقات الدولية، أو على الأقل المحافظة على توازنات في العلاقات مع البلدان الكبرى. ووفقاً لأولويات الكرملين، أحد مجالات العمل تنفيذ استراتيجية الشراكة الاقتصادية لـ«بريكس» حتى عام 2025 وخطة العمل الموضوعة للتعاون بين 2021 - 2024. وبذا، سيجري التركيز على زيادة دور دول المجموعة في النظام النقدي والمالي الدولي، وتطوير التعاون بين البنوك، مع التركيز على زيادة التسويات بالعملات الوطنية، وإيلاء الاهتمام لتعميق الحوار والتفاعل في مجالات الثقافة والرياضة والتبادلات الشبابية. أيضاً مخطّطٌ عقد أكثر من 200 حدث من مختلف المستويات والاتجاهات في عدد من المدن الروسية، أبرزها «القمة» المقررة في قازان. ولقد أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن روسيا تسترشد إبان رئاستها لـ«بريكس» بشعار «تعزيز العلاقات المتعددة الأطراف لصالح التنمية والأمن العالميين العادلين... وسنتخذ جميع الخطوات اللازمة لتسهيل تكييف الأعضاء الجدد مع جميع أنواع الأنشطة». من ناحية ثانية، رغم الاختلافات التكتيكية، تظهر الدول المشاركة أنها قادرة على إيجاد طرق للتعاون وتنتقد محاولات واشنطن التكلم نيابة عن المجتمع الدولي. وكمثال يمكن اعتبار انضمام الهند وباكستان إلى «منظمة شنغهاي للتعاون» عام 2005 كمراقبين، وتحولهما عضوين كاملي العضوية عام 2017، بمثابة نجاح للاعبين الرئيسيين في «الجنوب» العالمي. ووفقاً لخبراء روس، إذا تمكنت «بريكس» من حل بعض الخلافات بين الدول المشاركة، فإنها ستكون قادرة على إظهار ثقلها السياسي العالمي. ويبدو أن موسكو، التي تعد للانتخابات الرئاسية، تعتزم أن تثبت لمنافسيها الغربيين، ليس قوتها العسكرية في الحروب فقط، بل قدرتها أيضاً على «حشد الحلفاء» عبر العالم. وعلى صعيد متصل، ما زالت موسكو تروج لفكرة إنشاء عملة احتياطية دولية جديدة على أساس المجموعة. ومع أن الخبراء الغربيين يرون هذه الفكرة مستبعدة حالياً، ستعطي الرئاسة الروسية للمجموعة زخماً متواصلاً لتكريس النقاشات حول الفكرة تمهيداً لمرحلة لاحقة تتزايد فيها فرص تنفيذها. لتاريخه، وصلت حصة العملات الوطنية في التسويات المتبادلة بين دول «بريكس» إلى نحو 30 في المائة، ووفقاً لتوقعات البنوك المركزية للدول المشاركة، يُحتمل بحلول 2026 - 2027 أن تصل إلى 35 في المائة على أقل تقدير، «بافتراض ثبات السياسات الرامية إلى خلق البدائل عن الدولار الأميركي على سرعتها الحالية، ودون اتخاذ إجراءات جديدة لتسريع هذا التوجه».


مقالات ذات صلة

ما خيارات واشنطن في ظل تصاعد نظام متعدد الأقطاب؟

الولايات المتحدة​ مجموعة «بريكس بلس» تحظى بدعم واسع في العالم متعدد الأقطاب الناشئ اليوم (أ.ف.ب)

ما خيارات واشنطن في ظل تصاعد نظام متعدد الأقطاب؟

مع ازدياد التحديات العالمية وتعقيداتها، من التغير المناخي إلى الأزمات الجيوسياسية، تجد الولايات المتحدة نفسها في مواجهة واقع جديد يتسم بتعدد الأقطاب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شؤون إقليمية ممثل السياسة الخارجية والأمنية جوزيب بوريل ومفوض شؤون التوسعة أوليفر فارهيلي في مؤتمر صحافي في بروكسل (من حساب الأخير في «إكس»)

الاتحاد الأوروبي قلق لتراجع تركيا ديمقراطياً

عبّر الاتحاد الأوروبي عن مخاوفه بشأن تراجع المعايير الديمقراطية وسيادة القانون واستقلال القضاء والحقوق الأساسية في تركيا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أوروبا غوتيريش يصافح بوتين

«بريكس» تختتم قمتها بفتح أبواب التوسع

أنهت قمة مجموعة «بريكس» أعمالها، في قازان بجنوب روسيا، أمس (الخميس)، بفتح أبواب التوسع، وسط مداخلات هيمنت عليها الدعوات للسلام وإصلاح النظام الدولي.

رائد جبر (موسكو)
أوروبا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتحدث في قمة «بريكس» (د.ب.أ)

بوتين: مستقبل العلاقة مع واشنطن رهن بموقفها بعد الانتخابات

قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الخميس، إنّ مستقبل العلاقات بين بلاده والولايات المتحدة رهن بما ستكون عليه مواقف واشنطن بعد انتخابات البيت الأبيض.

«الشرق الأوسط»
تحليل إخباري صورة تذكارية لقادة «بريكس» يظهر فيها السيسي بجوار آبي أحمد (الرئاسة المصرية)

تحليل إخباري كيف يؤثر الحضور المصري - الإثيوبي في «بريكس» على نزاع «سد النهضة»؟

رغم أن «بريكس» هو تجمع لتكامل قدرات وإمكانات الدول المنخرطة فيه، لكن ذلك لم يمنع ظهور إشارات على عمق الخلاف المصري - الإثيوبي خلال القمة التي استضافتها روسيا.

فتحية الدخاخني (القاهرة)

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
TT

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)

يأتي فوز دونالد ترمب في انتخابات الرئاسة الأميركية وعودته الوشيكة إلى البيت الأبيض يوم يناير (كانون الثاني) 2025 نقطة تحوّل مهمة وسط اضطرابات غير عادية في النظام العالمي. وبديهي أن ولاية ترمب الثانية لا تشكّل أهمية كبرى في السياسة الداخلية الأميركية فحسب، بل ستؤثر إلى حد كبير أيضاً على الجغرافيا السياسية والاقتصاد في آسيا. وفي حين يتوقع المحللون أن يركز الرئيس السابق - العائد في البداية على معالجة القضايا الاقتصادية المحلية، فإن «إعادة ضبط» أجندة السياسة الخارجية لإدارته ستكون لها آثار وتداعيات في آسيا ومعظم مناطق العالم، وبالأخص في مجالات التجارة والبنية التحتية والأمن. وبالنسبة لكثيرين في آسيا، يظل السؤال المطروح هنا هو... هل سيعتمد في ولايته الجديدة إزاء كبرى قارات العالم، من حيث عدد السكان، تعاملاً مماثلاً لتعامله في ولايته الأولى... أم لا؟

توقَّع المحللون السياسيون منذ فترة أن تكون منطقة حوض المحيطين الهندي والهادئ في طليعة اهتمامات السياسة الخارجية عند إدارة الرئيس الأميركي السابق العائد دونالد ترمب. ومعلومٌ أن استراتيجية ترمب في فترة ولايته الأولى، إزاء حوض المحيطين الهندي والهادئ شددت على حماية المصالح الأميركية في الداخل. والمتوقع أن يظل هذا الأمر قائماً، ويرجح أن يؤثّر على نهج سياسته الخارجية تجاه المنطقة مع التركيز على دفع الازدهار الأميركي، والحفاظ على السلام من خلال القوة، وتعزيز نفوذ الولايات المتحدة.

منطقة حوض المحيطين الهندي والهادئ التي يقطن كياناتها نحو 65 في المائة من سكان العالم، تشكل راهناً نقطة محورية للاستراتيجية والتوترات الجيوسياسية، فهي موطن لثلاثة من أكبر الاقتصادات على مستوى العالم (الصين والهند واليابان) ولسبع من أكبر القوات العسكرية في العالم. ويضاف إلى ذلك أنها منطقة اقتصادية رئيسية تمثل 62 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي وتسهم بنسبة 46 في المائة من تجارة السلع العالمية.

3 محاور

ويرجّح فيفيك ميشرا، خبير السياسة الأميركية في «مؤسسة أوبزرفر للأبحاث»، أنه «في ولاية ترمب الثانية، ستوجّه استراتيجية واشنطن لهذه المنطقة عبر التركيز على ثلاثة محاور تعمل على ربط المجالات القارية والبحرية في حيّزها. وستكون العلاقات الأميركية - الصينية في نقطة مركز هذه المقاربة، مع توقع أن تعمل التوترات التجارية على دفع الديناميكيات الثنائية... إذ لا يزال موقف ترمب من الصين حازماً، ويهدف إلى موازنة نفوذها المتنامي في المجالين الاقتصادي والأمني على حد سواء».

إضافة إلى ما سبق، يرى ميشرا أن «لدى سياسة ترمب في حوض المحيطين الهندي والهادئ توقعات كبيرة من حلفاء أميركا الرئيسيين وشركائها في المنطقة، بما في ذلك اضطلاع الهند بدور أنشط في المحيط الهندي مع التزامات عسكرية أكبر من الحلفاء مثل اليابان وأستراليا». ويرجّح الخبير الهندي، كذلك، «أن تتضمن رؤية ترمب لحوض المحيطين الهندي والهادئ الجهود الرامية إلى إرساء الاستقرار في الشرق الأوسط، لا سيما من خلال تعزيز التجارة والاتصال مع المنطقة، لتعزيز ارتباطها بالمجال البحري لحوض المحيطين الهندي والهادئ».

الحالة الهندية

هناك الكثير من الأسباب التي تسعد حكومة ناريندرا مودي اليمينية في الهند بفوز ترمب. إذ تقف الهند اليوم شريكاً حيوياً واستثنائياً بشكل خاص في الاستراتيجيتين الإقليمية والدولية للرئيس الأميركي العائد. وعلى الصعيد الشخصي، سلَّط ترمب إبان حملته الانتخابية الضوء على علاقته القوية بمودي، الذي هنأه على الفور بفوزه في الانتخابات.

وهنا يقول السفير الهندي السابق آرون كومار: «مع تأمين ترمب ولاية ثانية، تؤشر علاقته الوثيقة برئيس الوزراء مودي إلى مرحلة جديدة للعلاقات الهندية - الأميركية. ومع فوز مودي التاريخي بولاية ثالثة، ووعد ترمب بتعزيز العلاقات بين واشنطن ونيودلهي يُرتقب تكثّف الشراكة بينهما. وبالفعل، يتفّق موقف ترمب المتشدد من بكين مع الأهداف الاستراتيجية لنيودلهي؛ ولذا يُرجح أن يزيد الضغط على بكين وسط تراجع التصعيد على الحدود. ويضاف إلى ذلك، أن تدقيق ترمب في تصرفات باكستان بشأن الإرهاب قد يوسّع النفوذ الاستراتيجي الهندي في كشمير».

كومار يتوقع أيضاً «نمو التعاون في مجال الدفاع، لا سيما في أعقاب صفقة الطائرات المسيَّرة الضخمة التي بدأت خلال ولاية ترمب الأولى. ومع الأهداف المشتركة ضد العناصر المتطرّفة في كندا والولايات المتحدة، يمهّد تحالف مودي - ترمب المتجدّد الطريق للتقدم الاقتصادي والدفاعي والدبلوماسي... إذا منحت إدارة ترمب الأولوية للتعاون الدفاعي والتكنولوجي والفضائي مع الهند، وهي قطاعات أساسية تحتل مركزها في الطموحات الاستراتيجية لكلا البلدين». وما يُذكر أن ترمب أعرب عن نيته البناء على تاريخه السابق مع الهند، المتضمن بناء علاقات تجارية، وفتح المزيد من التكنولوجيا للشركات الهندية، وإتاحة المزيد من المعدات العسكرية الأميركية لقوات الدفاع الهندية. وبصفة خاصة، قد تتأكد العلاقات الدفاعية بين الهند والولايات المتحدة، في ظل قدر أعظم من العمل البيني المتبادل ودعم سلسلة الإمداد الدفاعية.

السياسة إزاء الصين

أما بالنسبة للصين، فيتوقع كثيرون استنساخ ترمب سياساته المتشددة السابقة، ويرى البعض أنه خلال ولايته الثانية يمتلك القدرة على قيادة مسار احتواء أوسع تجاه بكين. بدايةً، كما نتذكر، حمّل ترمب الحكومة الصينية مسؤولية جائحة «كوفيد - 19»، التي قتلت أكثر من مليون أميركي ودفعت الاقتصاد الأميركي إلى ركود عميق. وسواء عبر الإجراءات التجارية، أو العقوبات، أو المطالبة بالتعويضات، سيسعى الرئيس الأميركي العائد إلى «محاسبة» بكين على «الأضرار» المادية التي ألحقتها الجائحة بالولايات المتحدة والتي تقدَّر بنحو 18 تريليون دولار أميركي.

ووفقاً للمحلل الأمني الهندي سوشانت سارين، فإن دبلوماسية «الذئب المحارب» الصينية، ودعم بكين حرب موسكو في أوكرانيا، والقضايا المتزايدة ذات الصلة بالتجارة والتكنولوجيا وسلاسل التوريد، تشكل مصدر قلق كبيراً لحكومة ترمب الجديدة. ومن ثم، ستركز مقاربة الرئيس الأميركي تجاه الصين على الجانبين الاقتصادي والأمني، مع التأكيد على حاجة الولايات المتحدة إلى الحفاظ على قدرتها التنافسية في مجال التكنولوجيات الناشئة.

آسيا ... تنتظر مواقف ترمب بعد انتصاره الكبير (رويترز)

التجارة والاقتصاد

أما الخبير الاقتصادي سيدهارت باندي، فيرى أنه «يمكن القول إن التجارة هي القضية الأكثر أهمية في جدول أعمال السياسة الأميركية تجاه الصين... وقد تتصاعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين في ظل حكم ترمب».

وحقاً، في التقييم الصيني الحالي، يتوقع أن تشهد ولاية ترمب الثانية تشدداً أميركياً أكبر حيال بشأن العلاقات التجارية والاقتصادية الثنائية؛ ما يؤدي إلى مزيد من التنافر بين الاقتصادين. وللعلم، في وقت سابق من العام الحالي، وعد خطاب ترمب الانتخابي بتعرفات جمركية بنسبة 60 في المائة أو أعلى على جميع السلع الصينية، وتعرفات جمركية شاملة بنسبة 10 في المائة على السلع من جميع نقاط المنشأ. ومن ثم، يرجّح أيضاً أن تشجع هذه الاستراتيجية الشركات الأميركية على تنويع سلاسل التوريد الخاصة بها بعيداً عن الصين؛ ما قد يؤدي إلى تسريع الشراكات مع دول أخرى في منطقة المحيطين الهندي والهادئ».

ما يستحق الإشارة هنا أن ترمب كان قد شن حرباً تجارية ضد الصين بدءاً من عام 2018، حين فرض رسوماً جمركية تصل إلى 25 في المائة على مجموعة من السلع الصينية. وبعدما كانت الصين عام 2016 الشريك التجاري الأول للولايات المتحدة، مع أكثر من 20 في المائة من الواردات الأميركية ونحو 16 في المائة من إجمالي التجارة الأميركية، فإنها تراجعت بحلول عام 2023 إلى المرتبة الثالثة، مع 13.9 في المائة من الواردات و11.3 في المائة من التجارة.

وبالتالي، من شأن هذا التحوّل منح مصداقية أكبر لتهديدات ترمب بإلغاء الوضع التجاري للدولة «الأكثر رعاية» المعطى للصين وفرض تعرفات جمركية واسعة النطاق. ومع أن هذه الإجراءات سترتب تكاليف اقتصادية للأميركيين، فإن نحو 80 في المائة من الأميركيين ينظرون إلى الصين نظرة سلبية.

يتوقع كثيرون استنساخ ترمب سياساته المتشددة السابقة إزاء الصين

الشق العسكري

من جهة ثانية، يتوقع أن يُنهي ترمب محاولات الشراكة الثنائية السابقة، بينما يعمل حلفاء الولايات المتحدة الآسيويون على تعزيز قدراتهم العسكرية والتعاون فيما بينهم. ومن شأن تحسين التحالفات والشراكات الإقليمية، بما في ذلك «ميثاق أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة»، وميثاق مجموعة «كواد» الرباعية (أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة)، وتحسين العلاقات بين اليابان وكوريا الجنوبية بشكل كبير، والتعاون المتزايد بين اليابان والفلبين، تعزيز موقف ترمب في وجه بكين.

شبه الجزيرة الكورية

فيما يخصّ الموضوع الكوري، يتكهن البعض بأن ترمب سيحاول إعادة التباحث مع كوريا الشمالية بشأن برامجها للأسلحة النووية والصواريخ الباليستية. وفي حين سيكون إشراك بيونغ يانغ في هذه القضايا بلا شك، حذراً وحصيفاً، فمن غير المستبعد أن تجد إدارة ترمب الثانية تكرار التباحث أكثر تعقيداً هذه المرة.

الصحافي مانيش تشيبر علَّق على هذا الأمر قائلاً إن «إدارة ترمب الأولى كانت لها مزايا عندما اتبعت الضغط الأقصى الأولي تجاه بيونغ يانغ، لكن هذا لن يتكرّر مع إدارة ترمب القادمة، خصوصاً أنه في الماضي كانت روسيا والصين متعاونتين في زيادة الضغوط على نظام كوريا الشمالية». بل، وضعف النفوذ التفاوضي لواشنطن في الوقت الذي قوي موقف كوريا الشمالية. ومنذ غزو روسيا لأوكرانيا وبعد لقاء الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سبتمبر (أيلول) 2023، عمّقت موسكو وبيونغ يانغ التعاون في مجالات الاقتصاد والعلوم والتكنولوجيا.

الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ اون (رويترز)

مكاسب حربية لكوريا الشمالية

أيضاً، تشير التقديرات إلى أن كوريا الشمالية كسبت على الأرجح 4.3 مليار دولار من شحنات المدفعية إلى روسيا خلال الحرب وحدها، وقد تكسب أكثر من 21 مليون دولار شهرياً من نشر قواتها في روسيا. وفي المقابل، تستفيد من روسيا في توفير الأسلحة والقوات والتكنولوجيا لمساعدة برامج الصواريخ الكورية الشمالية. وتبعاً لمستوى الدعم الذي ترغب الصين وروسيا في تقديمه لكوريا الشمالية، قد تواجه إدارة ترمب القادمة بيونغ يانغ تحت ضغط دبلوماسي واقتصادي متناقص وهي مستمرة في تحسين برامج الأسلحة وتطويرها.

أما عندما يتعلق الأمر بكوريا الجنوبية، فيلاحظ المحللون أن فصلاً جديداً مضطرباً قد يبدأ للتحالف الأميركي - الكوري الجنوبي مع عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض. ويحذر المحللون من أن سياسة «جعل أميركا عظيمة مجدداً» التي ينتهجها الحزب الجمهوري قد تشكل مرة أخرى اختباراً صعباً للتحالف بين سيول وواشنطن الذي دام عقوداً من الزمان، مذكرين بالاضطرابات التي شهدها أثناء فترة ولايته السابقة من عام 2017 إلى عام 2021. ففي ولايته السابقة، طالب ترمب بزيادة كبيرة في المساهمة المالية لسيول في دعم القوات الأميركية في شبه الجزيرة الكورية. وأثناء حملته الانتخابية الحالية، وصف كوريا الجنوبية بأنها «آلة للمال» بينما يناقش مسألة تقاسم تكاليف الدفاع، وذكر أن موقفه بشأن القضية لا يزال ثابتاً. وفي سياق متصل، قال الصحافي الكوري الجنوبي لي هيو جين في مقال نشرته صحيفة «كوريان تايمز» إنه «مع تركيز الولايات المتحدة حالياً على المخاوف الدولية الرئيسية كالحرب في أوكرانيا والصراع في الشرق الأوسط، يشير بعض المحللين إلى أن أي تحولات جذرية في السياسة تجاه شبه الجزيرة الكورية في ظل إدارة ترمب قد تؤجل. لكن مع ذلك؛ ونظراً لنهج ترمب الذي غالباً يصعب التنبؤ به تجاه السياسة الخارجية، يمكن عكس هذه التوقعات».

حقائق

أميركا والهند... و«اتفاقية التجارة الحرة»

في كي فيجاياكومار، الخبير الاستثماري الهندي، يتوقع أن يعيد الرئيس الأميركي العائد دونالد ترمب النظر مجدداً بشأن المفاوضات حول «اتفاقية التجارة الحرة»، وكانت قد عُرفت مفاوضات مكثفة في الفترة 2019 - 2020 قبل أن يفقد السلطة، والتي لم يبدِ الرئيس السابق جو بايدن أي اهتمام باستكمالها.وعوضاً عن الضغط على نيودلهي بشأن خفض انبعاثات الكربون، «من المرجح أن يشجع ترمب الهند على شراء النفط والغاز الطبيعي المسال الأميركي، على غرار مذكرة التفاهم الخاصة بمصنع النفط والغاز الطبيعي المسال في لويزيانا لعام 2019، والتي كانت ستجلب 2.5 مليار دولار من الاستثمارات من شركة (بترونيت إنديا) إلى الولايات المتحدة، لكنها تأجلت لعام لاحق».ثم يضيف: «بوجود شخصيات مؤثرة مثل إيلون ماسك، الذي يدعو إلى الابتكار في التكنولوجيا والطاقة النظيفة، ليكون له صوت مسموع في دائرة ترمب، فإن التعاون بين الولايات المتحدة والهند في مجال التكنولوجيا يمكن أن يشهد تقدماً ملحوظاً. ومن شأن هذا التعاون دفع عجلة التقدم في مجالات مثل استكشاف الفضاء، والأمن السيبراني، والطاقة النظيفة؛ ما يزيد من ترسيخ مكانة الهند باعتبارها ثقلاً موازناً للصين في حوض المحيطين الهندي والهادئ».في المقابل، لا يتوقع معلقون آخرون أن يكون كل شيء على ما يرام؛ إذ تواجه الهند بعض التحديات المباشرة على الأقل، بما في ذلك فرض رسوم جمركية أعلى وفرض قيود على التأشيرات، فضلاً عن احتمال المزيد من التقلبات في أسواق صرف العملات الأجنبية. وثمة مخاوف أيضاً بشأن ارتفاع معدلات التضخم في الولايات المتحدة في أعقاب موقفها المالي والتخفيضات الأقل من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي، وهو ما قد يخلف تأثيراً غير مباشر على قرارات السياسة النقدية في بلدان أخرى بما في ذلك الهند.