آدم موصيري رئيس «إنستغرام» ومطلق «ثريدز»... سلاح «ميتا» القوي في مواجهة «تويتر»

هاجر والده اليهودي من مصر إلى الولايات المتحدة بعد ثورة 1952

آدم موصيري رئيس «إنستغرام» ومطلق «ثريدز»... سلاح «ميتا» القوي في مواجهة «تويتر»
TT

آدم موصيري رئيس «إنستغرام» ومطلق «ثريدز»... سلاح «ميتا» القوي في مواجهة «تويتر»

آدم موصيري رئيس «إنستغرام» ومطلق «ثريدز»... سلاح «ميتا» القوي في مواجهة «تويتر»

قد يكون اسم آدم موصيري، رئيس تطبيق «إنستغرام» منذ 2018، معروفاً لدى مستخدمي التطبيق، البالغ عددهم أكثر من ملياري مستخدم، خصوصاً أن لديه أكثر من مليوني متابع على التطبيق نفسه. بيد أنه مع تعيينه الآن قائداً فعلياً للتطبيق الجديد «ثريدز»، الذي صعقت انطلاقته الصاروخية، تطبيق «تويتر»، تهافتت وسائل الإعلام، وكذلك الرأي العام، على محاولة التعرّف أكثر على شخصية هذا الرجل. بعض التحليلات أشارت إلى أن موصيري، قد يلعب دوراً حاسماً في تحويل منصة «ثريدز»، إلى منافس «قاتل» لتطبيق «تويتر»، وطموحات مالكه المثير للجدل، إيلون ماسك، خصوصاً أن بصمات موصيري السابقة على منتجات شركة «ميتا»، التي كانت تُدعى «فيسبوك» سابقاً، حاسمة في إظهار النجاحات التي حققها عملاق وسائل التواصل الاجتماعي، منذ نحو أكثر من عقد. ثم، على الرغم من أن مارك زوكربيرغ، هو الوجه الأبرز لشركة «ميتا»، فإن تطبيق «ثريدز» الذي يشبه «تويتر» ويقوم على خلفية تطبيق «إنستغرام»، أصبح التطبيق الأسرع نمواً في تاريخ الشركة، وهو يقع ضمن اختصاص رجل مختلف. فمَن هو آدم موصيري، البالغ 40 سنة؟ وكيف حقق هذا الصعود في مسيرته المهنية؟



وُلد آدم موصيري يوم 23 يناير (كانون الثاني) 1983، في ضاحية تشاباكوا بشمال مدينة نيويورك من عائلة يهودية. وهو الأخ الأكبر للملحن الموسيقي والممثل، إميل موصيري، الذي اعتنق مع شقيقه المسيحية، وهما يحتفلان بأعيادها أيضاً، بحسب عديد من المراجع والمقالات الصحفية الأميركية.

التحق آدم بمدرسة غالاتين للدراسات الفردية، بجامعة نيويورك لدراسة تصميم الإعلام والمعلومات، وتخرج بدرجة البكالوريوس في تصميم المعلومات في عام 2005. وفي عام 2003، أثناء دراسته في جامعة نيويورك، أسس موصيري شركة استشارات التصميم الخاصة به المسماة «بلانك موصيري»، التي ركزت على تصميم الغرافيك والتفاعل والمعارض. وكانت لشركته مكاتب في نيويورك وسان فرنسيسكو.

وفي عام 2007، انضم موصيري إلى شركة «نوك بوكس» بوصفه أول مصمم للشركة. ثم في عام 2008، انضم إلى «فيسبوك»، بوصفه مصمم منتج. وفي عام 2009، أصبح مديراً لتصميم المنتجات، وعام 2012 أصبح مدير التصميم لتطبيقات الأجهزة المحمولة الخاصة بالشركة. وبين عام 2012 و2016، أشرف على قسم موجز الأخبار على «فيسبوك»، ومن 2016 إلى منتصف 2018، شغل منصب نائب رئيس منتجات الشركة.

تقدر ثروة موصيري الشخصية اليوم بفضل وظائفه وأنشطته المتعددة، بأكثر من 120 مليون دولار أميركي، إذ كان راتبه الشخصي عن كل منصب، يتخطى 120 ألف دولار شهرياً. وإبان فترة عمله في «فيسبوك»، أشرف أيضاً على «فيسبوك هوم»، لكنها كانت محاولة فاشلة لإحضار الشركة شاشة رئيسية متنقلة إلى أجهزة «آندرويد».

وبعد الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016، أخذ موصيري على عاتقه أن يصبح الناطق الرسمي لشركة «فيسبوك» عن «الأخبار المزيفة». ثم في مايو (أيار) 2018، عُيّن نائباً لرئيس تطبيق «إنستغرام»، ليتولى في 1 أكتوبر (تشرين الأول) من العام نفسه، منصب الرئيس المباشر للتطبيق، بعد استقالة مؤسسَي تطبيق مشاركة الصور، كيفن سيستروم ومايك كريغر، خلال سبتمبر (أيلول) 2018. وللعلم، يختلف لقب موصيري بوصفه رئيساً لـ«إنستغرام»، عن لقب الرئيس التنفيذي، إذ يحتفظ مارك زوكربيرغ، باللقب على كل منتجات شركة «ميتا».

الشبكة الاجتماعية

في أولى مشاركاته على «ثريدز» قال آدم موصيري: «ها نحن ذا»، ما يوحي بثقته في نجاح التطبيق. وحقاً، في غضون 5 أيام فقط، حصد «ثريدز» أكثر من 100 مليون مستخدم، ما أدى إلى إخراج معظم منافسيه المباشرين مثل «بلوسكاي» و«ماستودون» من السباق.

بالنسبة لموصيري - الذي يعمل مع زوكربيرغ منذ 2008 - فإن الانطلاقة السريعة للتطبيق، تمثل «أكثر أسبوع جنوني في العمل منذ سنوات عديدة»، بحسب ما نشره على التطبيق، في الأيام الأولى لانطلاقته. ومع أن «فيسبوك»، لا يزال يحتفظ برؤية زوكربيرغ الأصلية للشبكة الاجتماعية، فإنه كان قبل انضمام موصيري إلى الشركة، مجرد مكان لمشاركة الصور ونشر تحديثات باهتة، وكتابة رسائل أعياد الميلاد والتعازي... على صفحات الأصدقاء. ولكن في السنوات التي تلت ذلك، تحوّل موقع «فيسبوك» من مكان للحصول على التحديثات من الأصدقاء والأقارب، إلى مكان يمكنك فيه قراءة المقالات الإخبارية والتقارير المصورة، ويصار إلى ربطك بالحجج السياسية مع أشخاص لم تكن تعرفهم حتى.

وحقاً، كان لموصيري دور محوري في مثل هذه التغييرات، بعدما تولى منصب مدير تصميم المنتجات في عام 2009. ولاحقاً، مع تحول الهواتف إلى «ذكية»، منذ نجاح ستيف جوبز بإطلاق هاتف «آيفون»، تسلم موصيري إدارة التطبيقات على «فيسبوك». وبينما كان التطبيق يدور على إغراء المشتركين بتمضية أكبر قدر ممكن من الوقت على المنصة، ومتابعة تفاعلاتهم للحصول على عائدات الإعلانات، أشرف موصيري على موجز الأخبار المحوري على «فيسبوك»، بين عامي 2012 و2016، وهي الفترة التي شهدت تركيزاً متزايداً على جذب انتباه المستخدمين إلى السياسة والأخبار.

معالجة الأخبار المزيفة

ثم في السنوات التي تلت ذلك، اعترف مارك زوكربيرغ، بأنه كان يجب أن يأخذ المخاوف بشأن انتشار الأخبار المزيفة على المنصة بجدية أكبر قبل الانتخابات الأميركية 2016. وإثر صدور نتائجها وفوز دونالد ترمب، بالسباق الرئاسي متغلباً على هيلاري كلينتون، كان موصيري هو مَن كتب مدونة للشركة تتناول «الخداع والأخبار الكاذبة» على «فيسبوك». بل، لقد اعترف بأنه «عانى من الأرق» بسبب الدور الذي ربما لعبه موقع «فيسبوك» في انتشار العنف في ميانمار، إثر تقرير للأمم المتحدة يزعم أن المنصة، غذت الكراهية لمسلمي الروهينغا في تلك البلاد. وأيضاً، اعترف في عام 2018، عندما أصبح نائب رئيس المنتجات في الشركة، بأن «ربط العالم لن يكون دائماً أمراً جيداً». ويرى بعض المحللين، أنه ربما يكون هذا هو سبب رفض موصيري فكرة أن الأخبار والسياسة، يجب أن تكونا هما محور تركيز الموضوعات.

عام 2018، وبعد 6 سنوات على شراء زوكربيرغ تطبيق «إنستغرام» مقابل مليار دولار، واستقالة مؤسسيه السابقين، عيّن آدم موصيري، رئيساً له، وهو الآن لديه أكثر من ملياري مستخدم. غير أن فترة عمله لم تكن خالية من الجدل. إذ كان على «إنستغرام» أن يدافع بانتظام عن موقفه من الاعتدال، ومن نشر المواد التي يمكن أن تكون لديها تأثيرات مميتة، لا سيما العام الماضي، بعدما كشفت التحقيقات أن المراهقة البريطانية مولي راسل - التي شاهدت محتوى مؤذياً على المنصة - انتحرت لاحقاً بسببه.

ويذكر أن هذه هي التهمة نفسها التي وُجّهت إلى تطبيق «تيك توك» الصيني، الذي دفع موصيري «إنستغرام» للتشبه به، بعدما التقى عدداً من كبار المؤثرين والنجوم على التطبيق، أمثال كيم كارداشيان وكايلي جينر، للترويج للمنصة عبر نشر ما يسمى «ريلز» - أو بَكَرات الصور - على «إنستغرام». ولقد سعى هؤلاء إلى «مطالبة المشتركين بالكف عن أن يكونوا من جماعة «تيك توك»، والاكتفاء فقط بالصور الجميلة واللطيفة للأصدقاء»! وعلى الرغم من دفاعه عن تلك التغييرات، فإن موصيري اعترف لاحقاً بأن المنصة «ركزت بشكل زائد» على الفيديو في عام 2022.

«ثريدز» تطبيقه الشخصي

إلا أن إطلاق تطبيق «ثريدز»، يعد - بلا شك - أكبر وأهم لحظة في فترة تولي موصيري رئاسة «إنستغرام». مع الإشارة إلى أن هذا الأخير، بخلاف كل منتجات شركة «ميتا» التي حاولت تقليد تطبيقات سابقة - مثل قصص «سناب شات» و«ريلز» من «تيك توك» - كان التطبيق الخاص بموصيري شخصياً.

ومع بناء موصيري على خلفية «إنستغرام»، ضَمن ترحيل حسابات المشتركين، ما يساعده بسرعة على تجميع قاعدة مستخدمين ضخمة، تضم ممثلين ورياضيين ومشاهير وعلامات تجارية وملصقات عادية. ولقد علّق موصيري، الذي يعيش الآن في العاصمة البريطانية (لندن) مع زوجته مونيكا وأطفاله الثلاثة، عن شعبية «ثريدز» خلال الأسبوع الأول من إطلاقه بالقول: «إنه جنون، لا أستطيع أن أفهمه».

ومع ذلك، بدا أنه على أتم الاستعداد لتلبية طلبات تحديث التطبيق، وانفتاحه على الأمكنة التي يحتاج فيها إلى التحسينات في أيامه الأولى، بدءاً من الافتقار إلى القدرة على البحث عن موضوعات ومصطلحات محددة، إلى غياب خيار لتخصيص جدول المشتركين الزمني للأشخاص الذين تُجرى متابعتهم فقط. ولمّح موصيري إلى الإضافات المستقبلية ذات الأولوية الأقل، مثل علامات التصنيف، والموضوعات الشائعة، وعرض المنشورات المفضلة، وتحسين تطبيق سطح المكتب. ووفق الخبراء فإن رؤيته، تبدو منبثقة من تجربته في العمل على صفحة «فيسبوك». ذلك أنه كتب على «ثريدز» ما يلي: «لن نحبط أو نخفّض من شأن الأخبار أو السياسة»... «لن نحاكمهم كما فعلنا في الماضي».

وهنا يقول البعض، إن موصيري الذي ربما تطارده الخلافات التي دارت في السنوات الماضية، حول «أنه لا توجد أخبار أفضل من الأخبار السيئة»، قد يكون مضطراً للقبول بها، خصوصاً إذا استمر نمو «ثريدز» بهذا الشكل.

والده هاجر من مصر

عاش آدم موصيري الذي يحمل الجنسيتين الأميركية والإسرائيلية، طفولته بين إسرائيل وأميركا، وذلك بعدما هاجر والداه من مصر عام 1957، إثر «ثورة الضباط الأحرار» يوم 23 يوليو (تموز) 1952. والطريف أن آدم يرفض الكشف عن اسم والديه، ويتبع نهجاً محافظاً جداً في الكشف عن حياته الشخصية. إلا أنه قال لصحيفة «يديعوت أحرنوت» الإسرائيلية، إنه يحب أكلة «الملوخية» على الطريقة المصرية القديمة.

يذكر أن عائلة موصيري معروفة بين أبرز عائلات يهود مصر. وهي عائلة يهودية سفارادية (أي إسبانية الجذور) عاشت في إيطاليا. ثم استقرت في مصر خلال النصف الثاني من القرن الثامن عشر. وبحسب المؤرخ والباحث اللبناني المولد شاهين مكاريوس (1853 – 1910م)، فقد احتفظت العائلة بالجنسية الإيطالية، وحقَّق يوسف نسيم موصيري، الجد الأكبر للعائلة، ثروته من التجارة. وكان للعائلة، عديد من النجاحات في مصر، بعد انتقال نسيم موصيري، إليها عام 1750؛ وعلى سبيل المثال، أسست عائلة موصيري شركة فنادق مصر الكبرى، وبنت فنادق مصرية شهيرة، مثل: «مينا هاوس» و«سان ستيفانو» و«سافوي وكونتيننتال». وأيضاً أسس أبناء نسيم بك موصيري (إيلي، ويوسف، وجاك، وموريس) «بنك موصيري» في مصر، وكان نسيم بك يشغل موقعاً مميزاً ضمن الطائفة اليهودية في مصر. وفي عام 1915، أسس جوزيف موصيري شركة رائدة في صناعة السينما هي شركة «جوزي فيلم»، التي أسست وأدارت دور السينما واستوديو للإنتاج السينمائي، وكانت واحدة من أكبر الشركات الرائدة في صناعة السينما المصرية. وبعد وفاته عام 1876، أسَّس أبناؤه الأربعة «مؤسسة يوسف نسيم موصيري وأولاده». وتزوج الابن الأكبر نسيم بك موصيري (1848 - 1897) من ابنة يعقوب قطاوي، الذي تولى رئاسة الطائفة اليهودية في القاهرة، وكانت تسمى «الطائفة الإسرائيلية» حينذاك. وأصبح نسيم موصيري، نائب رئيس الطائفة، وهو منصب توارثته العائلة من بعده.

ولكن لم تحقِّق عائلة موصيري انطلاقتها الحقيقية إلا في أوائل القرن العشرين (1904) عندما أسَّس إيلي موصيري (1879 - 1940)، ابن نسيم (بك)، بالتعاون مع إخوته الثلاثة يوسف (1869 - 1934)، وجاك (1884 - 1934) وموريس، «بنك موصيري». وحقَّق إيلي مكانة مرموقة في عالم المال والأعمال في مصر، وكان قد درس الاقتصاد في بريطانيا وتزوج من ابنة فيليكس سوارس، أحد كبار الأغنياء المصريين اليهود. وكانت تربطه علاقات وثيقة بإسماعيل باشا صدقي، رئيس الوزراء المصري الأسبق، كما كانت له مصالح عديدة في فرنسا وعلاقات وثيقة ببيوت المال الأوروبية اليهودية مثل «روتشيلد» و«لازار» و«سليغمان»، كما كان يمثل المصالح الإيطالية في مصر.

أميركي ــ إسرائيلي يعيش في بريطانيا مع زوجته وأطفاله الثلاثة... ويحب «الملوخية» المصرية


مقالات ذات صلة

عام على إطلاق «ثريدز»... هل تمكّن من منافسة «إكس»؟

تكنولوجيا على الرغم من أنها لم تتفوق على «X» فإن «ثريدز» نجحت في بناء أساس متين ومجتمع إيجابي (شاترستوك)

عام على إطلاق «ثريدز»... هل تمكّن من منافسة «إكس»؟

يحتفل «ثريدز» بالذكرى السنوية لإطلاقه مع أكثر من 175 مليون مستخدم نشط شهرياً، فيما تبقى منافسته لـ«X» مثار جدل.

نسيم رمضان (لندن)
تكنولوجيا شعار تطبيق «ثريدز» (رويترز)

منافس «إكس»... «ثريدز» يمتلك 130 مليون مستخدم شهرياً

تمتلك خدمة «ثريدز» للرسائل القصيرة المملوكة لشركة «ميتا» البديلة لتطبيق «إكس» («تويتر» سابقاً) الآن 130 مليون مستخدم نشط شهرياً

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
تكنولوجيا تتيح الميزة الجديدة للمستخدمين إدارة إعدادات كل حساب من خلال لوحة التحكم مثل الإعدادات المتعلقة بالخصوصية والأمان (رويترز)

«ثردز» تقدم ميزة جديدة لأصحاب الحسابات المتعددة

«ثردز» تطلق رسمياً طريقة للتبديل بين الحسابات المتعددة، دون الحاجة لتسجيل خروج المستخدم.

نسيم رمضان (لندن)
تكنولوجيا تطبيق «ثريدز» (أ.ب)

«تيك توك» هو المنافس الحقيقي لـ«ثريدز» وليس «تويتر»

أطلقت شركة «ميتا» المالكة لـ«فيسبوك» منصة «ثريدز»، وهي شبكة اجتماعية بسيطة تعتمد على النصوص بالأساس في أسبوع «صعب جداً» لمنافستها المعروفة سابقاً باسم «تويتر».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
تكنولوجيا «ميتا» تعلن أن نصف عدد المستخدمين هجروا التطبيق (شاترستوك)

«ميتا» تعترف: أكثر من نصف مستخدمي «ثريدز» هجروا التطبيق

أعلنت «ميتا» تراجع عدد مستخدمي «ثريدز» إلى النصف، واصفة هذا الانخفاض بـ«الأمر الطبيعي».

نسيم رمضان (لندن)

الأردن على طريق الانتخابات النيابية المقبلة

صورة لداخل مجلس النواب الأردني (الديوان الملكي)
صورة لداخل مجلس النواب الأردني (الديوان الملكي)
TT

الأردن على طريق الانتخابات النيابية المقبلة

صورة لداخل مجلس النواب الأردني (الديوان الملكي)
صورة لداخل مجلس النواب الأردني (الديوان الملكي)

يتوجه الأردنيون في العاشر من سبتمبر (أيلول) المقبل لاختيار مجلسهم النيابي العشرين، الذي خصص من مقاعده 41 مقعداً للأحزاب من أصل 138 مقعداً، في تجربة هي الأولى من نوعها سيشهدها الأردن تحت شعار «تحديث المنظومة السياسية» في المملكة. ويذكر أنه على مدى العامين السابقين دخلت المملكة في حالة جدال نخبوي حاد، حول مدى مساهمة قانون الانتخاب الجديد في تجويد الأداء البرلماني، ولا سيما، بعد تراجع اقتناع الرأي العام بأداء المجالس النيابية التي سجلت نسباً متدنية من الثقة عند الرأي العام بعد استطلاعات رأي تحدث بعضها عن ما نسبته 17 في المائة فقط يثقون بمجلس النواب. وبالتالي، من المرجح أن يصدر العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، خلال الأيام القليلة المقبلة مرسوماً يقضي بحل مجلس النواب التاسع عشر؛ تمهيداً لفتح باب الترشح للانتخابات النيابية، وبهذا القرار يتوقع أن يبدأ الحراك الانتخابي ويزداد سخونة مع قرب موعد يوم الاقتراع، لكن تبقى جملة من المحددات قد تؤثر على تحقيق أهداف التحديث البرلماني المنشود. إذ ستبدأ مرحلة الترشح للانتخابات المقبلة في الثلاثين من الشهر الحالي، وسط حراك حزبي يسعى لإثبات وجوده في السلطة التشريعية، التي هي ركن أساسي في معادلة الحكم، لكن الكلام عن استخدام المال لجذب القواعد الانتخابية فتح باب التخوف من إحباط التجربة الحزبية البرلمانية في نسختها الأولى، فعلى ثلاثة مواسم انتخابية سترتفع نسبة التمثيل الحزبي في البرلمان من 30 في المائة إلى 65 في المائة في انتخابات عام 2032.

سمير الرفاعي

يبلغ متوسط نسب الاقتراع في الانتخابات النيابية الأردنية للمواسم الانتخابية الثلاثة الماضية نحو 32 في المائة. وإذا كانت هذه النسبة متدنية، ففي أفضل الحالات لم تتخطَّ نسب المشاركة حاجز الـ40 في المائة طوال السنوات الـ25 الماضية، أضف إلى ذلك أن الحافز العشائري يُعدّ من أهم روافع المشاركة والإقبال، في وقت تتراجع نسب الاقتراع في العاصمة عمّان ومراكز الثقل السكاني في محافظتي إربد والزرقاء.

وعلى الرغم من الجهود المؤسسية المبذولة لتحفيز المواطنين على المشاركة، يظل المزاج العام شديد التأثر بالسلبية عند مراجعة أداء البرلمانات في السنوات الأخيرة. وكل الضجيج الذي يسمعه الناس في خطابات النواب لم يأتِ بأي قرار يخالف التوجّهات الحكومية، بل عادة ما يجيء التصويت بعكس الموقف الذي يعلنه نائب أو كتلة نيابية.

مشاجرات وفصل نوابمن جهة ثانية، مشاهد المشاجرات والعنف، بالإضافة إلى تسجيل مجلس النواب الحالي عدداً من حالات الفصل وتجميد العضوية لعدد من النواب سوابق لم تحدث في مجالس نيابية سابقة. فلقد قرّر المجلس الحالي فصل نائبين وتجميد عضوية نائبين آخرين، ورُفعت الحصانة على نائب ما زال يَمثُل أمام محكمة أمن الدولة (قضاء عسكري) بتهمة تهريب السلاح إلى إسرائيل، وهذا بلا شك ساهم في العزوف عن متابعة أداء السلطة التشريعية.

وثمة مشاهد كثيرة أخرى ربما أدت أيضاً إلى صرف الناخبين عن المشاركة، منها ممارسات حزبية وُلدت من رحم برنامج التحديث السياسي وسبّبت حالة إحباط لدى الرأي العام، وبخاصة، أن تلك الأحزاب قدّمت نفسها على أنها «أحزاب الدولة»، ولكن مارس بعضها سلوكيات ساهمت في التشويه والتشويش على التجربة الحزبية الجديدة في البلاد. وكان آخرها إحالة أمين عام أحد الأحزاب إلى النائب العام بتهمة طلبه مبلغاً مالياً من مرشح مفترض أن يكون في صدارة قائمته للانتخابات المقبلة.

وطبعاً، يضاف إلى كل ذلك أن الضغوط الاقتصادية المعيشية المُصاحبة لحالة المواطن الأردني ساهمت بـ«حالة من قلة الاكتراث» - وفق مراقبين - بمجمل المشهد السياسي، ومنه الانتخابي على وجه الخصوص؛ بسبب الاقتناع المتجذر بعجز البرلمانات عن حل الأزمة الاقتصادية المتراكمة منذ أزمة جائحة «كوفيد - 19» التي شلّت وأغلقت قطاعات خدمية حيوية وصناعية؛ ما تسبب في تسريح عاملين يقفون اليوم في طوابير البطالة التي يختلف المتخصصون على نسبتها.

تأثير الحرب على غزة

وعلى صعيد موازٍ، هناك أسباب تتعلق بالتخوف الرسمي من نسب المشاركة في الانتخابات. فاستمرار الحرب على قطاع غزة، تركت انسحابات على الشارع الأردني المتصل بالقضية الفلسطينية جغرافياً وديموغرافياً. وهذه الانسحابات أدخلت الرأي العام في حالة من الإحباط بعد غياب آفاق وقف الحرب في المدى المنظور، وبالتلازم مع هذا الإحباط توجد مخاوف رسمية من استفراد الحركة الإسلامية في الأردن بحصة الأسد من أصوات المقترعين، المشحونين بعاطفة الانتصار للمقاومة الإسلامية في غزة. واستطراداً، يبقى لغز ضعف نسب المشاركة في الأوساط الأردنية من أصول فلسطينية، حالة محيرة لمركز القرار، الذي نفّذ دراسة اجتماعية مسكوت عنها لم تصل إلى نتائج حاسمة في تعريف المشكلة على طريق صناعة الحلول.

نخب تقليدية بمواجهة طامحين

في هذه الأثناء ظهرت مساحات من الصراع بين تيارين: التيار الأول، تيار النخب التقليدية الذي يحمل موقفاً سلبياً من القفزات التي جاءت في قانوني الأحزاب والانتخاب، وأساس سلبيته شعوره بـ«تغييبه» عن مراكز القرار كواعظين وناصحين، بعد فترة ازدحمت بإطلاق الأوصاف بحقهم كـ«الحرس القديم» و«النخب المحافظة» و«قوى الشد العكسي» و«قوى الوضع القائم». والتيار الآخر يتمثل بأعضاء من اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، الذين بشّروا بانطلاق مرحلة التحول الديمقراطي بالتزامن مع دخول المملكة مئويتها الثانية... والصراع هنا كان وقوده الرأي العام الذي انقسم بين التيارين المتعارضين، في حالة عزّزت من مشاعر «قلة الاكتراث» بالانتخابات النيابية في نسختها الحالية.

وعلى مدى السنتين الماضيتين أنتجت مرحلة التحديث السياسي - بعد إقرار قانوني الأحزاب والانتخاب، والتعديلات على الدستور - 38 حزباً، بعدما كان عدد الأحزاب 56 حزباً. إلا أن هذا المشهد لم يختصر الكم الحزبي، كما لم يأتِ بالنوع المتفرد. إذ انقسم المشهد على ثلاثة تيارات تقليدية، هي:

- تيار اليسار والقوميين، الذي يعاني أزمة انتشار بسبب التشبث بخطابه التقليدي ويعاني تراجع دعم المؤازرين له.

- التيار الوسطي الذي يحاول إعادة إنتاج نفسه متمسكاً بأدبياته نفسها، ومكتفياً بتغيير قياداته التي جاءت بدعم من مراكز قرار.

- التيار الثالث... وهو اليمين الإسلامي، الذي احتكر تمثيله حزب «جبهة العمل الإسلامي» الذراع الحزبية لجماعة «الإخوان المسلمين» غير المرخصة في الأردن.

تحدٍ رسمي يراهن على نسب مشاركة كبيرة رغم الإحباطات الكثيرة

 المشهد السابق دفع برئيس اللجنة الملكية، رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي، إلى ممارسة النقد الذاتي لتجربة التوافق على مخرجات لجنته. لكنه لم ينتقد التوافق في حد ذاته، بل بعض الممارسات الحزبية التي اختطفت التجربة لتعيدها وتختصرها في شخوص من أسسوا أحزاباً جديدة، تاركين الفكرة في مهب التشكيك والتشويه. وهنا برز عدد من المريدين لإلقاء المسؤولية بعيداً عنهم، وتحميل تخبّط النسخة الأولى من التجربة لمؤسسات وجهات مدنية وأمنية. وأيضاً، هاجم بعض هؤلاء الهيئة المستقلة للانتخاب التي حمّلوها مسؤولية التقصير في دورها ومتابعة شؤون الأحزاب ومدى تطبيقها شروط القانون وأحكامه. لكن «المستقلة للانتخاب» ردّت بإجراءات على الأرض أسفرت عن إحالات للادعاء العام بشبهة استخدام المال في ارتكاب جرائم انتخابية بقصد التأثير على إرادة الناخبين من جهة، وطلب مبالغ مالية من مرشحين من جهة أخرى لحملهم نحو مقاعد مجلس النواب الجديد.

في هذه الأثناء، الطامحون بخوض التجربة الحزبية في الانتخابات المقبلة يعتقدون أن ولادة الحكومة البرلمانية اقتربت، إلا أن الرفاعي في محاضرته الأخيرة أكد أن خريطة التحديث لم تقلّ عن إنتاج حكومات حزبية بالمعنى التقليدي في المدى المنظور، لكن من شأن تراكم الحضور الحزبي أن يوصل إلى حكومات برلمانية تقابلها معارضة حزبية في سباق لكسب تأييد الناخب الأردني ضمن مفاهيم التعددية السياسية وتداول السلطة.

كذلك، بدا سمير الرفاعي وكأنه يُذكّر بأن الجمع بين مقعدي النيابة والوزارة أمر بات منتهياً في ظل حظر الدستور، بموجب التعديلات الأخيرة مطلع عام 2022، الجمع بين الموقعين تكريساً لمبدأ الفصل بين السلطتين، وتأكيداً بأن الثقة البرلمانية بالحكومات ستأتي حتماً بشخصيات حزبية ليست من أعضاء مجلس النواب. وهكذا، حرّك كلام الرفاعي المياه الراكدة، وأيقظ طامحين منبهاً إياهم بضرورة الكف عن الترويج لمفاهيم غير موجودة على خريطة الإصلاح البرلماني التي جاءت في وثيقة التحديث الملكي لمئوية جديدة، تحاكي المستقبل وتغادر الحاضر المشبع بتحديات الثقة والسلبية السائدة - وخصوصاً خلال السنوات الخمس عشرة الماضية.

خروج أقطاب يمهّد لوجوه جديدةمن جهة أخرى، لم يكن من المتوقع من بعض الأقطاب من النواب إعلانهم باكراً العزوف عن الترشح لهذا الموسم الانتخابي. ولكن هذا ما حدث، بعد إعلان المحامي عبد الكريم الدغمي، البرلماني المخضرم الذي لم يغب عن مجالس النواب منذ عام 1989 وحتى اليوم، وترأس المجلس في دورتين متباعدتين، واعتُبر عرَّاب التشريعات. وبعده تبعه النائب خليل عطية الذي قرر العزوف عن خوض الانتخابات التي داوم على حضورها منذ عام 1997، وتلاه أيمن المجالي، ورئيس مجلس النواب الأسبق عبد المنعم العودات، والنائب الاقتصادي خير أبو صعيليك.

وراهناً، تبدو احتمالات عودة نواب حاليين ضعيفة أمام ما ترسخه الأعراف العشائرية في الانتخابات النيابية من عملية (الدور) في الترشح، والقائمة على منح فرص متساوية لأبناء العشائر في التقدم نحو المناصب القيادية. وهذا غالباً ما يحدث في الدوائر الانتخابية البعيدة عن مراكز المدن الرئيسية الثلاث (عمان، وإربد، والزرقاء)، فدوائر الأطراف تُسجل عادة نسباً عالية في المشاركة، ومنافسة ساخنة في بعض المواسم السابقة.

للعلم، تعدّ العشيرة في الأردن حزباً اجتماعياً نافذاً ومتجذراً، ولها في العملية السياسية مساحة فاعلة. وهي عادة ما تمثّل درجة الحسم في كثير من مستويات المشاركة السياسية، وتعتبر من أهم روافع الأمن والاستقرار، نتيجة الاستجابة للمصلحة العامة، من دون أن تقايض بمواقفها في الملفات المهمة. بيد أن ما ذهبت إليه فكرة «الدائرة العامة المخصصة للأحزاب»، وبحصة متصاعدة في ثلاثة مواسم انتخابية، أسهم في كسر الحدود الإدارية بين الدوائر الانتخابية، وصولاً إلى فكرة الدائرة الوطنية الواحدة، التي قد تساهم في تجاوز التمثيل الأضيق على حساب التمثيل الأوسع... وهكذا، يذهب الناخب لاختيار من يمثّله على اتساع الرقعة الجغرافية الكاملة للمملكة؛ ما يساهم في صهر المجتمع، وتجاوز الفوارق التنموية والديموغرافية.

وللتذكير، تُجرى الانتخابات النيابية المقبلة وفق قانون انتخاب جديد أدخل حزمة من الإجراءات الجديدة، على رأسها إنشاء دائرة عامة على مستوى الوطن بـ41 مقعداً مخصصة للأحزاب، و18 دائرة محلية لها 97 مقعداً. ونص القانون أيضاً على «درجة الحسم» (العتبة) شرطاً للتنافس على المقاعد الحزبية بنسبة 2.5 في المائة والمحلية بنسبة 7 في المائة، في حين جاء القانون بفرص زيادة تمثيل المرأة بواقع تخصيص مقعد امرأة لكل دائرة انتخابية، ومقعدين من أول ستة مترشحين في القائمة الحزبية، مع حرية اختيار مسار «التنافس الحصصي» أو «الكوتا». وهي الفرص ذاتها التي مُنحت للشركس والمسيحيين، مع ضمان تمثيل الحد الأدنى لهم ضمن «كوتات» لعضوية المجلس المقبل.

عبدالكريم الدغمي

 

لمحة تاريخية عن المجالس النيابية الأردنية خلال 35 سنة

> دخل الأردن مرحلة التحوّل الديمقراطي عام 1989، بعد أحداث ما عرف بـ«هبّة نيسان» (أبريل)، ولم تنقطع الحياة البرلمانية خلال عقد التسعينات من القرن الماضي، فأجريت الانتخابات في السنوات 1989 و1993 و1997. وفي مطلع الألفية الجديدة تعطل البرلمان لمدة سنتين بسبب تداعيات «الانتفاضة (الفلسطينية) الثانية»، وما رافقها من تداعيات على الساحة المحلية، وأجريت الانتخابات في عام 2003 بعد ثلاثة أشهر من احتلال بغداد، وعاش ذلك المجلس لمدة أطول من مدته الدستورية. في نهاية عام 2007 أجريت الانتخابات الشهيرة في الأردن، التي شهدت عمليات تزوير اعترف بها الرسميون، وأغضبت العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، ليدعو إلى إجراء انتخابات مبكرة عام 2010. لكن هذه أيضاً شهدت تدخلات رسمية، ساهمت في فقدان الثقة بالعملية الديمقراطية أردنياً. وعلى الأثر، حل البرلمان وتعطلت الحياة البرلمانية لمدة سنة. وكانت جميع تلك الانتخابات قد أجريت وفق أحكام قانون الصوت الواحد الذائع الصيت الذي انتقدته تيارات سياسية عريضة في البلاد. بعد «الربيع الأردني» دُعي إلى انتخابات نيابية بعد إنشاء هيئة مستقلة للانتخاب، وأجريت الانتخابات في مطلع عام 2013. ومنذ ذلك التاريخ لم تنقطع الحياة النيابية ولم يحدث فراغ تشريعي، بعدما أكملت المجالس مدتها الدستورية بواقع أربع سنوات شمسية؛ إذ يُحّل المجلس قبلها بأربعة أشهر لإجراء الانتخابات بموعدها.