حرب البكالوريا مستعرة في سوريا

إغماءات بين الطلاب واتهامات لـ«التربية» باعتماد أسئلة «فهم وتحليل»

أهالي طلاب الشهادة الثانوية ينتظرون أبنائهم خارج مركز امتحان في دمشق (حساب الفضائية التربوية السورية على فايسبوك)
أهالي طلاب الشهادة الثانوية ينتظرون أبنائهم خارج مركز امتحان في دمشق (حساب الفضائية التربوية السورية على فايسبوك)
TT

حرب البكالوريا مستعرة في سوريا

أهالي طلاب الشهادة الثانوية ينتظرون أبنائهم خارج مركز امتحان في دمشق (حساب الفضائية التربوية السورية على فايسبوك)
أهالي طلاب الشهادة الثانوية ينتظرون أبنائهم خارج مركز امتحان في دمشق (حساب الفضائية التربوية السورية على فايسبوك)

عندما خرج ابني من امتحان الرياضيات وقال إنه أجاب عن الأسئلة بشكل مقبول، انهرت بالبكاء، وكأنه قال «نجوت من الموت». بهذه الكلمات كان جرجي (50 عاماً) يحكي لجيرانه ما حصل معه يوم «واقعة الرياضيات»، بحسب تعبيره، وكان يرافق ابنه إلى امتحان الثانوية العامة، الشغل الشاغل لأهالي الطلاب.

وصف جرجي مشهد الأهالي المتجمعين أمام أحد المراكز الامتحانية في ريف دمشق بأنه كان «رهيباً». الأهالي بحالة توتر وغضب وأصوات بكاء وعويل وشتائم. طلاب منهارون لدى خروجهم من الامتحان بعضهم سقط مغمى عليه، والشرطة منتشرة في المكان. «كانت لحظات عصيبة وكاد قلبي يتوقف» قال الرجل.

ما حصل يوم امتحان مادة الرياضيات لشهادة الثانوية العامة الفرع العلمي قبل أيام، يكشف عن عمق أزمة التعليم في سوريا. فبعد عقود طويلة من امتحانات تعتمد التلقين والتحفيظ، قررت وزارة التربية تغيير نمط الأسئلة إلى نموذج يعتمد «الفهم والتحليل». ودون سابق إنذار وجد الطالب الذي أمضى عاماً كاملاً يحفظ أسئلة الدورات السابقة وإجاباتها، مع نماذج للأسئلة المتوقعة، أمام نمط جديد بدا له عبارة عن طلاسم.

مليونان ونصف المليون بلا تعليم

وقالت مصادر تعليمية غير رسمية، لـ«الشرق الأوسط» إن شيئاً مشابهاً حصل في مادة الجغرافيا للفرع الأدبي. وكذلك مادة اللغة الفرنسية لطلاب شهادة الإعدادي، فالأسئلة كانت أعلى من مستوى الطلاب. ولعل أطرف ما في الأمر ما تناقلته المصادر بأن بعض الأهالي اتهموا وزارة التربية بالتساهل بأسئلة اللغة الروسية والتشدد بأسئلة اللغة الفرنسية! وبحسب هؤلاء، فإذا كانت هذه الملاحظة صحيحة إنما هي دليل على «تخبط وزارة التربية في معالجة تدني جودة التعليم» واعتمادها على التجريب والارتجال. فقد اختارت الامتحان لتبدأ تجربة أسئلة تحفيزية، بدلاً من نموذج الحفظ والبصم الذي نشأ عليه الطلاب من السنة الأولى في التعليم الأساسي. وهي تجربة أنتجت على مدى سنوات تزايداً في أعداد الحاصلين على المجموع التام، ليعدّوا اليوم بالعشرات، بعدما كانوا في الماضي ندرة لا تتجاوز الثلاثة أو أربعة طلاب على مستوى البلاد.

وعلى مدى أسبوعين تقريباً من شهر يونيو (حزيران) الحالي، يخضع نحو 558 ألف طالب وتلميذ لامتحانات الشهادات العامة، في 5027 مركزاً امتحانياً في مختلف المحافظات السورية ضمن مناطق سيطرة الحكومة، للعام الدراسي 2023 - 2024، في حين تشير أرقام منظمة «يونيسيف» إلى حرمان نحو مليونين ونصف المليون طفل سوري في سن الدراسة من التعليم.

طفل سوري خلال استراحة من العمل في ورشة تصنيع ألمنيوم في محيط حلب (أ.ف.ب)

اتهامات للوزارة... وإقالات

وضجت مواقع التواصل الاجتماعي بما حصل يوم امتحان مادة الرياضيات للثانوية العامة لهذا العام، وسط اتهامات من الطلاب وذويهم لوزارة التربية ولجنة وضع الأسئلة، بتعمد توجيه ضربة للطلاب وإلحاق الضرر بهم. مديرة الصحة المدرسية هتون الطواشي صرحت للإعلام المحلي بأنه تم تسجيل 4 حالات إسعافية خلال امتحان مادة الرياضيات نقلت إلى خارج المركز الامتحاني في حماة، السويداء، درعا، وحلب، أما بقية الحالات فقد تنوعت بين الإغماء والقلق، بعضها ترافق مع أعراض هضمية كالقيء، لافتةً إلى تسجيل 20 – 25 حالة إغماء يومياً في مختلف المحافظات.

الإعلامي في التلفزيون الرسمي نزار الفرا كتب على حسابه في «فيسبوك»: «ماذا يخطر ببال اللجنة التي تضع أسئلة الامتحانات لطلاب الشهادة الإعدادية أو الثانوية عندما تكون الأسئلة شبه تعجيزية؟ هل هو تبييض وجه مع الوزارة وأن المدرّس القدير هو من يأتي بطلاسم يصعب فكّها؟ ما الغاية الأساسية من الامتحانات؟ هل هي التأكد من دراسة الطالب واكتسابه العلم والمهارات أم حشره بالزاوية وممارسة كل أشكل (الدهاء) و الحذلقة عليه؟».

وفي محاولة لتهدئة الغضب الذي أثارته أسئلة مادة الرياضيات، خصصت قناة «التربوية السورية الرسمية» حلقة لتوضيح آلية صياغة أسئلة مادة الرياضيات وسلم التصحيح، وأنه يركز «على مهارات الفهم والتحليل بدلاً من الحفظ والتلقين»، وأن الأسئلة تضمنت «مسائل من الكتاب مع تغيير الأرقام فقط».

أهالي طلاب الشهادة الثانوية يتحدثون إلى وزير التربية السوري خارج أحد مراكز الامتحان (حساب الفضائية التربوية السورية على فايسبوك)

وأمام مركز الامتحانات كانت إحدى الأمهات تحاول إفاقة ابنتها طالبة بكالوريا علمي من الإغماء وهي تبكي وتصرخ: «نحن ندفع ثمن شهادة البكالوريا من اللحم الحي وأنتم تتفنون بقهرنا». والد طالب آخر كان بجوارها قال: «يتصرفون وكأنهم في حرب معنا».

المصادر التعليمية في دمشق ردت الذعر الذي يخيم بثقل غير مسبوق على أجواء الامتحانات هذا العام إلى التعليمات الرقابية المتشددة، التي تترافق مع قطع شبكة الإنترنت وشبكات الهاتف فترة الامتحان، واستغربت المصادر تجاهل الحكومة لتعطيل مصالح الناس كل يوم ثلاث ساعات بسبب قطع الاتصالات خلال شهر الامتحانات؛ لأن وزارة التربية عاجزة عن ضبط الفساد وتسريب الأسئلة، والسماح بشنّ حملة توقيف لموظفي التربية المشكوك بنزهاتهم أثناء سير الامتحانات والإعلان عن ذلك، رغم ما يتسبب به ذلك من بلبلة وإثارة شائعات لها انعكاسات نفسية مدمرة على الطلاب، وذويهم، حيث تتحول فترة الامتحانات كل عام موسماً للرعب والتوتر.

وتم إعفاء مدير تربية دمشق، في اليوم الأول من الامتحانات، وقال وزير التربية محمد عامر مارديني في تصريح لوسائل إعلام محلية: «إن الإعفاء جاء نتيجة مخالفة التعليمات الامتحانية في مراكز عدة بدمشق»، موضحاً أنه من خلال «المتابعة للعملية الامتحانية تبين وجود فوضى وعدم انضباط والتزام بالتعليمات الامتحانية في بعض المراكز». وأكد الوزير أن «لا تهاون أو تتردد في اتخاذ أي قرار بحق كل من يتسبب في التشويش و خرق التعليمات الامتحانية».

خسارة طوق النجاة

والواقع أن رسوب الطالب لا يعني فشلاً علمياً، بقدر ما هو خسارة مادية فادحة في بلد يرزح أكثر من 90 في المائة من سكانه تحت خط الفقر، وتمثل الشهادة العلمية فيه «طوق نجاة» من الخدمة الإلزامية بالنسبة للذكور، وأيضاً وهو الأهم تعزيز فرص الهجرة للشباب. حيث يتكبد أهالي الطلاب على مدى العام الدراسي نفقات باهظة على الدروس الخصوصية؛ بهدف تحفيظ الطالب المناهج وأسئلة الدورات السابقة والأسئلة المتوقعة.

زيارة تفقدية لمركز تصحيح أوراق الامتحانات الرسمية في سوريا (حساب الفضائية التربوية السورية على فايسبوك)

بثينة سيدة أربعينية وأم لطالب يخضع لامتحان الشهادة الإعدادية، قالت إنها خلال فترة الامتحان لا تعرف النوم، وإنها «مستعدة أن أشحذ حتى أشتري لأبني الشهادة». فهي تريده أن يتابع دراسته بأي طريقة كي لا يساق إلى الخدمة العسكرية، والمشكلة أن مستوى ابنها التعليمي ضعيف، بسبب تنقله خلال سنوات الحرب بين مناطق ومدارس عدة، كما أنه يكره الدراسة والقراءة؛ لذلك ومنذ بداية العام الدراسي أعلنت الاستنفار وطلبت من شقيقتها مساعدتها في التناوب على تحفيظه المنهاج، بالإضافة إلى دورات دروس خاصة بالمواد كافة.

شاهين طالب ثاني ثانوي يستعد للتقدم لامتحان الثانوية العامة العام المقبل، وقد بدأ منذ عام بالخضوع لدورات خاصة بمنهج البكالوريا ويقول: «أسعى لحفظ المنهاج من الآن؛ فأنا أريد مجموعاً جيداً يؤهلني لدخول كلية هندسة ثم السفر».

ويتراوح سعر الساعة بين الخمسين والمائة والخمسين ألف ليرة، (3 إلى 10 دولارات) حسب المدرس والمنطقة، ويحتاج بالحد الأدنى يومياً إلى 100 ألف ليرة للدروس الخاصة لأكثر من مادة، في حال تقاسم سعر الساعة مع عدد من الطلاب، وهو ما تفعله الغالبية، ويقدر متوسط الإنفاق السنوي للطالب بـ15 مليون ليرة، ناهيك عن مصاريف أخرى تتعلق بالنقل، في حين لا يتجاوز متوسط الرواتب 20 دولاراً.

وتحتاج الأسرة المؤلفة من أربعة أبناء بالحد الأدنى إلى 500 دولار شهرياً لتغطية تكاليف المعيشة؛ وهو ما دفع الغالبية للعمل بأكثر من مهنة، لا سيما في المجال الخدمي. وحين يضاف إلى ذلك أعباء التعليم الباهظة، تتحول الامتحانات إلى كابوس مرعب؛ لما يحمله من خسارات مالية مضنية. عدا كابوس السوق إلى الخدمة العسكرية الإلزامية في حال رسب الطالب لأكثر من مرة وفقد فرصته في تأجيل الالتحاق بالخدمة.


مقالات ذات صلة

شراكة سعودية – أميركية لدعم تعليم اللغتين العربية والإنجليزية بين البلدين

يوميات الشرق حظي المنتدى بجلسات علمية بين الجانبين (وزارة التعليم)

شراكة سعودية – أميركية لدعم تعليم اللغتين العربية والإنجليزية بين البلدين

السفير الأميركي مايكل راتني: المنتدى هو نتيجة عامٍ من التعاون بين سفارتنا ووزارة التّعليم السعودية.

عمر البدوي (الرياض)
الاقتصاد مسؤولو الذراع الاستثمارية لشركة «إي إف جي هيرميس» ومجموعة «جي إف إتش» المالية خلال إطلاق صندوق التعليم السعودي (إكس)

«هيرميس» تطلق صندوقاً للتعليم بـ300 مليون دولار في السعودية

أطلقت شركة «إي إف جي هيرميس» صندوقاً للتعليم السعودي (SEF) بقيمة 300 مليون دولار لبناء مشغل تعليمي عالمي المستوى في السعودية

«الشرق الأوسط» (الرياض)
شؤون إقليمية جانب من اجتماع الوفدين المصري والتركي في مقر وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بالقاهرة (من حساب رئيس مجلس العليم العالي التركي في «إكس»)

مصر وتركيا تتفقان على إنشاء جامعة مشتركة في القاهرة

تم الاتفاق على إنشاء جامعة مصرية - تركية مشتركة بالقاهرة تنفيذاً لمذكرة تفاهم وُقِّعت بين الجانبين خلال زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لأنقرة في سبتمبر.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
العالم العربي وزير التربية والتعليم يتابع انتظام العملية التعليمية بمدارس محافظة القليوبية (وزارة التربية والتعليم)

مصر: مقتل طالب يثير قلقاً من انتشار «العنف» بالمدارس

تجدد الحديث عن وقائع العنف بين طلاب المدارس في مصر، مع حادثة مقتل طالب في محافظة بورسعيد طعناً على يد زميله، ما أثار مخاوف من انتشاره.

محمد عجم (القاهرة)

غزة... تاريخ من المواجهات والحروب قبل السابع من أكتوبر

TT

غزة... تاريخ من المواجهات والحروب قبل السابع من أكتوبر

مخيم نازحين في دير البلح عند شاطئ غزة (أرشيفية - أ.ب)
مخيم نازحين في دير البلح عند شاطئ غزة (أرشيفية - أ.ب)

في المنطقة الجنوبية من الساحل الفلسطيني على البحر المتوسط، على مساحة لا تزيد على 360 كيلومتراً مربعاً، بطول 41 كم، وعرض يتراوح بين 5 و15 كم، يعيش في قطاع غزة نحو مليوني نسمة، ما يجعل القطاع البقعة الأكثر كثافة سكانية في العالم.

تبلغ نسبة الكثافة وفقاً لأرقام حديثة أكثر من 27 ألف ساكن في الكيلومتر المربع الواحد، أما في المخيمات فترتفع الكثافة السكانية إلى حدود 56 ألف ساكن تقريباً بالكيلومتر المربع.

تأتي تسمية القطاع «قطاع غزة» نسبة لأكبر مدنه، غزة، التي تعود مشكلة إسرائيل معها إلى ما قبل احتلالها في عام 1967، عندما كانت تحت الحكم المصري.

فقد تردد ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل، في احتلال القطاع بعد حرب 1948، قبل أن يعود بعد 7 سنوات، في أثناء حملة سيناء، لاحتلاله لكن بشكل لم يدُم طويلاً، ثم عاد واحتله وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه ديان عام 1967.

خيام النازحين الفلسطينيين على شاطئ دير البلح وسط قطاع غزة الأربعاء (إ.ب.أ)

في عام 1987، أطلق قطاع غزة شرارة الانتفاضة الشعبية الأولى، وغدا مصدر إزعاج كبيراً لإسرائيل لدرجة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إسحاق رابين، تمنى لو يصحو يوماً ويجد غزة وقد غرقت في البحر.

لكن غزة لم تغرق كما يشتهي رابين، ورمتها إسرائيل في حضن السلطة الفلسطينية عام 1994 على أمل أن تتحول هذه السلطة إلى شرطي حدود. لكن هذا كان أيضاً بمثابة وهم جديد؛ إذ اضطرت إسرائيل إلى شن أولى عملياتها العسكرية ضد غزة بعد تسليمها السلطة بنحو 8 سنوات، وتحديداً في نهاية أبريل (نيسان) 2001.

وفي مايو (أيار) 2004، شنت إسرائيل عملية «قوس قزح»، وفي سبتمبر (أيلول) 2004، عادت ونفذت عملية «أيام الندم». ثم في 2005، انسحبت إسرائيل من قطاع غزة ضمن خطة عرفت آنذاك بـ«خطة فك الارتباط الأحادي الجانب».

بعد الانسحاب شنت إسرائيل حربين سريعين، الأولى في 25 سبتمبر (أيلول) 2005 باسم «أول الغيث»، وهي أول عملية بعد خطة فك الارتباط بأسبوعين، وبعد عام واحد، في يونيو (حزيران) 2006، شنت إسرائيل عملية باسم «سيف جلعاد» في محاولة فاشلة لاستعادة الجندي الإسرائيلي الذي خطفته «حماس» آنذاك جلعاد شاليط، بينما ما زالت السلطة تحكم قطاع غزة.

عام واحد بعد ذلك سيطرت حماس على القطاع ثم توالت حروب أكبر وأوسع وأضخم تطورت معها قدرة الحركة وقدرات الفصائل الأخرى، مثل «الجهاد الإسلامي» التي اضطرت في السنوات الأخيرة لخوض حروب منفردة.

ظلت إسرائيل تقول إن «طنجرة الضغط» في غزة تمثل تهديداً يجب التعامل معه حتى تعاملت معها «حماس» في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) بانفجار لم تتوقعه أو تستوعبه إسرائيل وجر حرباً دموية على غزة، وأخرى على لبنان، وسلسلة مواجهات باردة في جبهات أخرى في حرب تبدو نصف إقليمية، وما أسهل أن تتحول إلى نصف عالمية.

أبرز الحروب

«الرصاص المصبوب» حسب التسمية الإسرائيلية أو «الفرقان» فلسطينياً:

بدأت في 27 ديسمبر (كانون الأول) 2008، وشنت خلالها إسرائيل إحدى أكبر عملياتها العسكرية على غزة وأكثرها دموية منذ الانسحاب من القطاع في 2005. واستهلتها بضربة جوية تسببت في مقتل 89 شرطياً تابعين لحركة «حماس»، إضافة إلى نحو 80 آخرين من المدنيين، ثم اقتحمت إسرائيل شمال وجنوب القطاع.

خلفت العمليات الدامية التي استمرت 21 يوماً، نحو 1400 قتيل فلسطيني و5500 جريح، ودمر أكثر من 4000 منزل في غزة، فيما تكبدت إسرائيل أكثر من 14 قتيلاً وإصابة 168 بين جنودها، يضاف إليهم ثلاثة مستوطنين ونحو ألف جريح.

وفي هذه الحرب اتهمت منظمة «هيومان رايتس ووتش» إسرائيل باستخدام الفسفور الأبيض بشكل ممنهج في قصف مناطق مأهولة بالسكان خلال الحرب.

«عمود السحاب» إسرائيلياً أو «حجارة السجيل» فلسطينياً:

أطلقت إسرائيل العملية في 14 نوفمبر (تشرين الثاني) 2012 باغتيال رئيس أركان «حماس»، أحمد الجعبري. واكتفت إسرائيل بالهجمات الجوية ونفذت مئات الطلعات على غزة، وأدت العمليات إلى مقتل 174 فلسطينياً وجرح 1400.

شنت «حماس» أعنف هجوم على إسرائيل آنذاك، واستخدمت للمرة الأولى صواريخ طويلة المدى وصلت إلى تل أبيب والقدس وكانت صادمة للإسرائيليين. وأطلق خلال العملية تجاه إسرائيل أكثر من 1500 صاروخ، سقط من بينها على المدن 58 صاروخاً وجرى اعتراض 431. والبقية سقطت في مساحات مفتوحة. وقتل خلال العملية 5 إسرائيليين (أربعة مدنيين وجندي واحد) بالصواريخ الفلسطينية، بينما أصيب نحو 500 آخرين.

مقاتلون من «كتائب القسام» التابعة لـ«حماس» في قطاع غزة (أرشيفية - «كتائب القسام» عبر «تلغرام»)

«الجرف الصامد» إسرائيلياً أو «العصف المأكول» فلسطينياً:

بدأتها إسرائيل يوم الثلاثاء في 8 يوليو (تموز) 2014، ظلت 51 يوماً، وخلفت أكثر من 1500 قتيل فلسطيني ودماراً كبيراً.

اندلعت الحرب بعد أن اغتالت إسرائيل مسؤولين من حركة «حماس» اتهمتهم أنهم وراء اختطاف وقتل 3 مستوطنين في الضفة الغربية المحتلة.

شنت إسرائيل خلال الحرب أكثر من 60 ألف غارة على القطاع ودمرت 33 نفقاً تابعاً لـ«حماس» التي أطلقت في هذه المواجهة أكثر من 8000 صاروخ وصل بعضها للمرة الأولى في تاريخ المواجهات إلى تل أبيب والقدس وحيفا وتسببت بشل الحركة هناك، بما فيها إغلاق مطار بن غوريون.

قتل في الحرب 68 جندياً إسرائيلياً، و4 مدنيين، وأصيب 2500 بجروح.

قبل نهاية الحرب أعلنت «كتائب القسام» أسرها الجندي الإسرائيلي شاؤول آرون، خلال تصديها لتوغل بري لجيش الاحتلال في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، وما زال في الأسر.

«صيحة الفجر»:

عملية بدأتها إسرائيل صباح يوم 12 نوفمبر عام 2019، باغتيال قائد المنطقة الشمالية في سرايا القدس (الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي) في غزة، بهاء أبو العطا، في شقته السكنية في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، وردت «حركة الجهاد الإسلامي» بهجوم صاروخي استمر بضعة أيام، أطلقت خلالها مئات الصواريخ على مواقع وبلدات إسرائيلية.

كانت أول حرب لا تشارك فيها «حماس» وتنجح إسرائيل في إبقائها بعيدة.

طفل فلسطيني يسير أمام أنقاض المباني في مدينة غزة (أ.ف.ب)

«حارس الأسوار» أو «سيف القدس»:

بدأت شرارتها من القدس بعد مواجهات في حي الشيخ جراح، واقتحام القوات الإسرائيلية للمسجد الأقصى ثم تنظيم مسيرة «الأعلام» نحو البلدة القديمة، وهي المسيرة التي حذرت «حماس» من أنها إذا تقدمت فإنها ستقصف القدس، وهو ما تم فعلاً في يوم العاشر من مايو (أيار) عام 2021.

شنت إسرائيل هجمات مكثفة على غزة وقتلت في 11 يوماً نحو 250 فلسطينياً، وأطلقت الفصائل أكثر من 4 آلاف صاروخ على بلدات ومدن في إسرائيل، ووصلت الصواريخ إلى تخوم مطار رامون، وقتل في الهجمات 12 إسرائيلياً.

 

«الفجر الصادق» أو «وحدة الساحات»:

كررت إسرائيل هجوماً منفرداً على «الجهاد» في الخامس من أغسطس (آب) 2022 واغتالت قائد المنطقة الشمالية لـ«سرايا القدس» (الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي) في غزة، تيسير الجعبري، بعد استنفار أعلنته «الجهاد» رداً على اعتقال مسؤول كبير في الحركة في جنين في الضفة الغربية، وهو بسام السعدي.

ردت «حركة الجهاد الإسلامي» بمئات الصواريخ على بلدات ومدن إسرائيلية، وقالت في بيان إنها عملية مشتركة مع كتائب المقاومة الوطنية وكتائب المجاهدين وكتائب شهداء الأقصى (الجناح العسكري لحركة فتح)، في انتقاد مبطن لعدم مشاركة «حماس» في القتال. توقفت العملية بعد أيام قليلة إثر تدخل وسطاء. وقتل في الهجمات الإسرائيلية 24 فلسطينياً بينهم 6 أطفال.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام خريطة لغزة خلال مؤتمره الصحافي في القدس ليلة الاثنين (إ.ب.أ)

«السهم الواقي» أو «ثأر الأحرار»:

حرب مفاجئة بدأتها إسرائيل في التاسع من مايو 2023، باغتيال 3 من أبرز قادة «سرايا القدس» (الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي في قطاع غزة)، أمين سر المجلس العسكري لسرايا القدس، جهاد غنام (62 عاماً)، وقائد المنطقة الشمالية في السرايا خليل البهتيني (44 عاماً)، وعضو المكتب السياسي أحد مسؤولي العمل العسكري في الضفة الغربية، المبعد إلى غزة، طارق عز الدين (48 عاماً).

وحرب عام 2023 هي ثالث هجوم تشنه إسرائيل على «الجهاد الإسلامي» منفرداً، الذي رد هذه المرة بتنسيق كامل مع «حماس» عبر الغرفة المشتركة وقصف تل أبيب ومناطق أخرى كثيرة بوابل من الصواريخ تجاوز الـ500 صاروخ على الأقل.

... ثم الحرب الحالية في السابع من أكتوبر 2023.