حرب البكالوريا مستعرة في سوريا

إغماءات بين الطلاب واتهامات لـ«التربية» باعتماد أسئلة «فهم وتحليل»

أهالي طلاب الشهادة الثانوية ينتظرون أبنائهم خارج مركز امتحان في دمشق (حساب الفضائية التربوية السورية على فايسبوك)
أهالي طلاب الشهادة الثانوية ينتظرون أبنائهم خارج مركز امتحان في دمشق (حساب الفضائية التربوية السورية على فايسبوك)
TT

حرب البكالوريا مستعرة في سوريا

أهالي طلاب الشهادة الثانوية ينتظرون أبنائهم خارج مركز امتحان في دمشق (حساب الفضائية التربوية السورية على فايسبوك)
أهالي طلاب الشهادة الثانوية ينتظرون أبنائهم خارج مركز امتحان في دمشق (حساب الفضائية التربوية السورية على فايسبوك)

عندما خرج ابني من امتحان الرياضيات وقال إنه أجاب عن الأسئلة بشكل مقبول، انهرت بالبكاء، وكأنه قال «نجوت من الموت». بهذه الكلمات كان جرجي (50 عاماً) يحكي لجيرانه ما حصل معه يوم «واقعة الرياضيات»، بحسب تعبيره، وكان يرافق ابنه إلى امتحان الثانوية العامة، الشغل الشاغل لأهالي الطلاب.

وصف جرجي مشهد الأهالي المتجمعين أمام أحد المراكز الامتحانية في ريف دمشق بأنه كان «رهيباً». الأهالي بحالة توتر وغضب وأصوات بكاء وعويل وشتائم. طلاب منهارون لدى خروجهم من الامتحان بعضهم سقط مغمى عليه، والشرطة منتشرة في المكان. «كانت لحظات عصيبة وكاد قلبي يتوقف» قال الرجل.

ما حصل يوم امتحان مادة الرياضيات لشهادة الثانوية العامة الفرع العلمي قبل أيام، يكشف عن عمق أزمة التعليم في سوريا. فبعد عقود طويلة من امتحانات تعتمد التلقين والتحفيظ، قررت وزارة التربية تغيير نمط الأسئلة إلى نموذج يعتمد «الفهم والتحليل». ودون سابق إنذار وجد الطالب الذي أمضى عاماً كاملاً يحفظ أسئلة الدورات السابقة وإجاباتها، مع نماذج للأسئلة المتوقعة، أمام نمط جديد بدا له عبارة عن طلاسم.

مليونان ونصف المليون بلا تعليم

وقالت مصادر تعليمية غير رسمية، لـ«الشرق الأوسط» إن شيئاً مشابهاً حصل في مادة الجغرافيا للفرع الأدبي. وكذلك مادة اللغة الفرنسية لطلاب شهادة الإعدادي، فالأسئلة كانت أعلى من مستوى الطلاب. ولعل أطرف ما في الأمر ما تناقلته المصادر بأن بعض الأهالي اتهموا وزارة التربية بالتساهل بأسئلة اللغة الروسية والتشدد بأسئلة اللغة الفرنسية! وبحسب هؤلاء، فإذا كانت هذه الملاحظة صحيحة إنما هي دليل على «تخبط وزارة التربية في معالجة تدني جودة التعليم» واعتمادها على التجريب والارتجال. فقد اختارت الامتحان لتبدأ تجربة أسئلة تحفيزية، بدلاً من نموذج الحفظ والبصم الذي نشأ عليه الطلاب من السنة الأولى في التعليم الأساسي. وهي تجربة أنتجت على مدى سنوات تزايداً في أعداد الحاصلين على المجموع التام، ليعدّوا اليوم بالعشرات، بعدما كانوا في الماضي ندرة لا تتجاوز الثلاثة أو أربعة طلاب على مستوى البلاد.

وعلى مدى أسبوعين تقريباً من شهر يونيو (حزيران) الحالي، يخضع نحو 558 ألف طالب وتلميذ لامتحانات الشهادات العامة، في 5027 مركزاً امتحانياً في مختلف المحافظات السورية ضمن مناطق سيطرة الحكومة، للعام الدراسي 2023 - 2024، في حين تشير أرقام منظمة «يونيسيف» إلى حرمان نحو مليونين ونصف المليون طفل سوري في سن الدراسة من التعليم.

طفل سوري خلال استراحة من العمل في ورشة تصنيع ألمنيوم في محيط حلب (أ.ف.ب)

اتهامات للوزارة... وإقالات

وضجت مواقع التواصل الاجتماعي بما حصل يوم امتحان مادة الرياضيات للثانوية العامة لهذا العام، وسط اتهامات من الطلاب وذويهم لوزارة التربية ولجنة وضع الأسئلة، بتعمد توجيه ضربة للطلاب وإلحاق الضرر بهم. مديرة الصحة المدرسية هتون الطواشي صرحت للإعلام المحلي بأنه تم تسجيل 4 حالات إسعافية خلال امتحان مادة الرياضيات نقلت إلى خارج المركز الامتحاني في حماة، السويداء، درعا، وحلب، أما بقية الحالات فقد تنوعت بين الإغماء والقلق، بعضها ترافق مع أعراض هضمية كالقيء، لافتةً إلى تسجيل 20 – 25 حالة إغماء يومياً في مختلف المحافظات.

الإعلامي في التلفزيون الرسمي نزار الفرا كتب على حسابه في «فيسبوك»: «ماذا يخطر ببال اللجنة التي تضع أسئلة الامتحانات لطلاب الشهادة الإعدادية أو الثانوية عندما تكون الأسئلة شبه تعجيزية؟ هل هو تبييض وجه مع الوزارة وأن المدرّس القدير هو من يأتي بطلاسم يصعب فكّها؟ ما الغاية الأساسية من الامتحانات؟ هل هي التأكد من دراسة الطالب واكتسابه العلم والمهارات أم حشره بالزاوية وممارسة كل أشكل (الدهاء) و الحذلقة عليه؟».

وفي محاولة لتهدئة الغضب الذي أثارته أسئلة مادة الرياضيات، خصصت قناة «التربوية السورية الرسمية» حلقة لتوضيح آلية صياغة أسئلة مادة الرياضيات وسلم التصحيح، وأنه يركز «على مهارات الفهم والتحليل بدلاً من الحفظ والتلقين»، وأن الأسئلة تضمنت «مسائل من الكتاب مع تغيير الأرقام فقط».

أهالي طلاب الشهادة الثانوية يتحدثون إلى وزير التربية السوري خارج أحد مراكز الامتحان (حساب الفضائية التربوية السورية على فايسبوك)

وأمام مركز الامتحانات كانت إحدى الأمهات تحاول إفاقة ابنتها طالبة بكالوريا علمي من الإغماء وهي تبكي وتصرخ: «نحن ندفع ثمن شهادة البكالوريا من اللحم الحي وأنتم تتفنون بقهرنا». والد طالب آخر كان بجوارها قال: «يتصرفون وكأنهم في حرب معنا».

المصادر التعليمية في دمشق ردت الذعر الذي يخيم بثقل غير مسبوق على أجواء الامتحانات هذا العام إلى التعليمات الرقابية المتشددة، التي تترافق مع قطع شبكة الإنترنت وشبكات الهاتف فترة الامتحان، واستغربت المصادر تجاهل الحكومة لتعطيل مصالح الناس كل يوم ثلاث ساعات بسبب قطع الاتصالات خلال شهر الامتحانات؛ لأن وزارة التربية عاجزة عن ضبط الفساد وتسريب الأسئلة، والسماح بشنّ حملة توقيف لموظفي التربية المشكوك بنزهاتهم أثناء سير الامتحانات والإعلان عن ذلك، رغم ما يتسبب به ذلك من بلبلة وإثارة شائعات لها انعكاسات نفسية مدمرة على الطلاب، وذويهم، حيث تتحول فترة الامتحانات كل عام موسماً للرعب والتوتر.

وتم إعفاء مدير تربية دمشق، في اليوم الأول من الامتحانات، وقال وزير التربية محمد عامر مارديني في تصريح لوسائل إعلام محلية: «إن الإعفاء جاء نتيجة مخالفة التعليمات الامتحانية في مراكز عدة بدمشق»، موضحاً أنه من خلال «المتابعة للعملية الامتحانية تبين وجود فوضى وعدم انضباط والتزام بالتعليمات الامتحانية في بعض المراكز». وأكد الوزير أن «لا تهاون أو تتردد في اتخاذ أي قرار بحق كل من يتسبب في التشويش و خرق التعليمات الامتحانية».

خسارة طوق النجاة

والواقع أن رسوب الطالب لا يعني فشلاً علمياً، بقدر ما هو خسارة مادية فادحة في بلد يرزح أكثر من 90 في المائة من سكانه تحت خط الفقر، وتمثل الشهادة العلمية فيه «طوق نجاة» من الخدمة الإلزامية بالنسبة للذكور، وأيضاً وهو الأهم تعزيز فرص الهجرة للشباب. حيث يتكبد أهالي الطلاب على مدى العام الدراسي نفقات باهظة على الدروس الخصوصية؛ بهدف تحفيظ الطالب المناهج وأسئلة الدورات السابقة والأسئلة المتوقعة.

زيارة تفقدية لمركز تصحيح أوراق الامتحانات الرسمية في سوريا (حساب الفضائية التربوية السورية على فايسبوك)

بثينة سيدة أربعينية وأم لطالب يخضع لامتحان الشهادة الإعدادية، قالت إنها خلال فترة الامتحان لا تعرف النوم، وإنها «مستعدة أن أشحذ حتى أشتري لأبني الشهادة». فهي تريده أن يتابع دراسته بأي طريقة كي لا يساق إلى الخدمة العسكرية، والمشكلة أن مستوى ابنها التعليمي ضعيف، بسبب تنقله خلال سنوات الحرب بين مناطق ومدارس عدة، كما أنه يكره الدراسة والقراءة؛ لذلك ومنذ بداية العام الدراسي أعلنت الاستنفار وطلبت من شقيقتها مساعدتها في التناوب على تحفيظه المنهاج، بالإضافة إلى دورات دروس خاصة بالمواد كافة.

شاهين طالب ثاني ثانوي يستعد للتقدم لامتحان الثانوية العامة العام المقبل، وقد بدأ منذ عام بالخضوع لدورات خاصة بمنهج البكالوريا ويقول: «أسعى لحفظ المنهاج من الآن؛ فأنا أريد مجموعاً جيداً يؤهلني لدخول كلية هندسة ثم السفر».

ويتراوح سعر الساعة بين الخمسين والمائة والخمسين ألف ليرة، (3 إلى 10 دولارات) حسب المدرس والمنطقة، ويحتاج بالحد الأدنى يومياً إلى 100 ألف ليرة للدروس الخاصة لأكثر من مادة، في حال تقاسم سعر الساعة مع عدد من الطلاب، وهو ما تفعله الغالبية، ويقدر متوسط الإنفاق السنوي للطالب بـ15 مليون ليرة، ناهيك عن مصاريف أخرى تتعلق بالنقل، في حين لا يتجاوز متوسط الرواتب 20 دولاراً.

وتحتاج الأسرة المؤلفة من أربعة أبناء بالحد الأدنى إلى 500 دولار شهرياً لتغطية تكاليف المعيشة؛ وهو ما دفع الغالبية للعمل بأكثر من مهنة، لا سيما في المجال الخدمي. وحين يضاف إلى ذلك أعباء التعليم الباهظة، تتحول الامتحانات إلى كابوس مرعب؛ لما يحمله من خسارات مالية مضنية. عدا كابوس السوق إلى الخدمة العسكرية الإلزامية في حال رسب الطالب لأكثر من مرة وفقد فرصته في تأجيل الالتحاق بالخدمة.


مقالات ذات صلة

الإيرادات العمانية ترتفع 15 % في 2024 مدفوعة بزيادة أسعار النفط

الاقتصاد العاصمة العمانية مسقط (وكالة الأنباء العمانية)

الإيرادات العمانية ترتفع 15 % في 2024 مدفوعة بزيادة أسعار النفط

كشفت البيانات الأولية الصادرة عن وزارة المالية العمانية، الخميس، تسجيل البلاد إيرادات تُقدر بنحو 12.7 مليار ريال عماني (33 مليار دولار) في عام 2024.

«الشرق الأوسط» (مسقط)
العالم العربي المعلمون يطالبون برفع الرواتب لتتناسب مع الزيادة في أسعار السلع (إعلام محلي)

الإضراب يوقف التعليم بمناطق يمنية خاضعة للشرعية

شل الإضراب قطاع التعليم في محافظات يمنية من بينها تعز احتجاجاً على تأخر صرف المرتبات لمدة شهرين وللمطالبة بإعادة النظر بهيكل الأجور.

محمد ناصر (تعز)
المشرق العربي إردوغان متحدثاً أمام مؤتمر لحزبه في مدينة بورصة 28 ديسمبر 2024 (الرئاسة التركية)

إردوغان يلمّح لعمليات ضد القوات الكردية... وخطوات كبيرة لدعم دمشق

بينما تتواصل الاشتباكات العنيفة بين «قسد» والفصائل الموالية لتركيا على محور سد تشرين شرق حلب، لمّح الرئيس رجب طيب إردوغان إلى عمليات عسكرية جديدة في شمال سوريا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
الاقتصاد نمو إيرادات القطاع غير الربحي بنسبة 33 % في عام 2023 (واس)

القطاع غير الربحي في السعودية يحقق نمواً ملحوظاً بإيرادات تتجاوز 14.5 مليار دولار

ارتفع إجمالي إيرادات منظمات القطاع غير الربحي في السعودية إلى 54.4 مليار ريال (14.5 مليار دولار) في عام 2023، بنمو نسبته 33 في المائة مقارنةً بعام 2022.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد جانب من اجتماع مجلس المديرين التنفيذيين (البنك الإسلامي للتنمية)

البنك الإسلامي للتنمية يقدم تمويلات بـ575.63 مليون دولار للدول الأعضاء

وافق مجلس المديرين التنفيذيين للبنك الإسلامي للتنمية، برئاسة الدكتور محمد الجاسر، على تمويل بقيمة 575.63 مليون دولار لتعزيز التعليم والطاقة والترابط الإقليمي.

«الشرق الأوسط» (جدة)

الليبرالية في الألفيّة الثالثة

يمر ركاب بجوار صورة لمؤسس الاتحاد السوفياتي فلاديمير لينين في محطة مترو بموسكو في نوفمبر 2023 (أ.ف.ب)
يمر ركاب بجوار صورة لمؤسس الاتحاد السوفياتي فلاديمير لينين في محطة مترو بموسكو في نوفمبر 2023 (أ.ف.ب)
TT

الليبرالية في الألفيّة الثالثة

يمر ركاب بجوار صورة لمؤسس الاتحاد السوفياتي فلاديمير لينين في محطة مترو بموسكو في نوفمبر 2023 (أ.ف.ب)
يمر ركاب بجوار صورة لمؤسس الاتحاد السوفياتي فلاديمير لينين في محطة مترو بموسكو في نوفمبر 2023 (أ.ف.ب)

تابعت طيلة سنوات إرهاصات التيّار السياسي والعقائدي الراسخ في أوساط اليسار والوسط واليمين، الذي يشكّك في قدرة الحرية وسيلةً تساعد على حل المشكلات الكثيرة التي يعزونها إلى «النيوليبرالية»، أو «الفكر الأوحد» كما درج على تسميتها فقهاء العلوم الاجتماعية والسياسية، وجعلوا منها كبش محرقة يحمّلونه كل المصائب الحاضرة والسابقة على مر التاريخ.

وليس مستغرباً أن هذا التيّار الذي يتبنّاه باحثون جهابذة من جامعات مرموقة مثل باريس، وهارفارد وأكسفورد، ويجهدون ليبيّنوا أن حرية السوق لا تؤدي سوى إلى مضاعفة ثروات الأغنياء ودفع الفقراء إلى مزيد من الفقر، وأن العولمة لا تؤتي نفعاً سوى للشركات الكبرى وتتيح لها استغلال الدول النامية وتدمير بيئتها بلا رادع أو حساب، أصبح أيضاً تيّاراً منتشراً على نطاق شعبي واسع يعتبر أن النيوليبرالية هي العدو الحقيقي للإنسان، وسبب كل الشرور التي يعاني منها، وما يصيبه من عذاب وفقر وتمييز وسوء معاملة وانتهاك للحقوق الأساسية. لكن هذه ليست المرة الأولى في التاريخ التي نشهد فيها كيف أن نظرية مفبركة لخدمة مصالح معيّنة - اطلق عليها كارل ماركس Fetiche – تترسّخ وتؤدي إلى حدوث اضطرابات واسعة.

أنا ليبرالي، وأعرف الكثير من الليبراليين، وأكثر منهم غير ليبراليين. لكن على مر سنوات أصبحت اليوم طويلة، لم أتعرّف بعد على نيوليبرالي واحد. ما هو هذا النيوليبرالي؟ ما الذي يدافع عنه ويناضل من اجله؟ الليبرالية، بخلاف الماركسية أو الفاشية، لا تبني صرحاً عقائدياً مغلقاً ومكتفياً بذاته من الأجوبة الجاهزة لمعالجة كل المشاكل الاجتماعية، بل هي معتقد يقوم على مجموعة محدودة نسبياً وواضحة من المبادئ الأساسية المبنية حول فكرة الدفاع عن الحرية السياسية والاقتصادية، أي الديمقراطية والسوق الحرة، ويتسع لعدد كبير من التيارات والاتجاهات.

لكن ما لم يقبله الفكر الليبرالي أبداً، ولن يقبله في المستقبل، هو هذا المسخ الذي ابتدعه أعداؤه تحت اسم «النيوليبرالية». «نيو» هو أن تكون شيئاً من غير أن تكونه، أن تكون داخل شيء وخارجه في الوقت نفسه، أن تكون على هامش فكرة أو مبدأ أو عقيدة من دون أن تتبناها كلياً. الهدف من هذا المصطلح ليس التعبير عن مفهوم قائم، بل هو استخدام الدلالة اللفظية لتشويه العقيدة التي ترمز، افضل من أي عقيدة أخرى، إلى الإنجازات الاستثنائية التي حققتها الحرية على مر تاريخ الحضارة البشرية.

هذا ما يجب علينا نحن الليبراليين أن نحتفي به بهدوء وابتهاج، وإدراك واضح لأهمية ما تمّ إنجازه، وأن ما يتبقّى علينا إنجازه أكثر أهمية. وبما أن دوام الحال من المحال، فإن الإنجازات التي تحققت خلال العقود المنصرمة في ثقافة الحرية هي عُرضة للمخاطر، وعلينا الدفاع عنها في وجه أعداء الديمقراطية اللدودين الذين خلفوا الفكر الشيوعي، مثل الشعبوية القومية والأصوليات الدينية.

بالنسبة إلى الليبراليين، كان الإنجاز الأهم خلال القرن الماضي الذي شهد الهجمات الاستبدادية الكبرى ضد ثقافة الحرية، هو أن العالم طوى صفحة الفاشية والشيوعية بعد فاصل مظلم من العنف والجرائم المشينة ضد حقوق الإنسان والحريات، وليس من مؤشر على نهوض هذه الأنظمة من رمادها في القريب المنظور.

المجتمعات المفتوحة والاقتصاد الحر قادران على مواجهة «الغطرسة العقائدية» (أ.ف.ب)

مخلفات الأرخبيل الماركسي

لا شك في أنه ما زالت توجد بقايا من الفكر الفاشي، نجدها عند بعض الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا التي تستقطب تأييداً متزايداً في الانتخابات، لكن هذه الفلول الفاشية ومخلفات الأرخبيل الماركسي الشاسع التي تجسدها اليوم كوبا وكوريا الشمالية، لم تعد تشكّل بديلاً يعتدّ به للديمقراطية أو تهديداً لها.

أنظمة الاستبداد ما زالت موجودة على نطاق واسع، لكن بخلاف الإمبراطوريات التوتاليتارية، تفتقر هذه الأنظمة إلى الهالة والطموحات المسكونية، لا، بل إن بعضها، مثل الصين، تسعى منذ فترة إلى التوفيق بين أحادية الحزب الواحد واقتصاد السوق والمؤسسة الخاصة. وفي مناطق واسعة من أفريقيا وآسيا، خصوصاً في المجتمعات الإسلامية، ظهرت دكتاتوريات أصولية تسببت في انتكاسات خطيرة على صعيد حقوق المرأة والتعليم والحريات الأساسية. لكن رغم الفظائع التي نشهدها في بلدان مثل أفغانستان والسودان وليبيا وايران، لم تعد هذه الدول تشكّل تحديات جدية لثقافة الحرية، وبات محكوماً عليها أن تبقى متخلفة عن ركب الحداثة التي قطعت فيه الدول الحرة شوطاً بعيداً.

إلى جانب ذلك، شهدت العقود الماضية تقدماً كاسحاً لثقافة الحرية في مناطق شاسعة من أوروبا الوسطى والشرقية، وبلدان جنوب شرقي آسيا وأميركا اللاتينية، حيث وصلت إلى السلطة حكومات مدنية منتخبة، باستثناء كوبا وفنزويلا، تطبّق سياسات أقرب إلى الاقتصاد الحر منها إلى البرامج التدخلية التي كانت سائدة في السابق.

ورغم وجود بعض الأصوات الماضية في عوائها ضد «النيوليبرالية»، نلاحظ أن معظم هذه البلدان لم تجد مفراً من اعتناق سياسات الخصخصة، وفتح الأسواق، وتحرير الأسعار والسعي إلى إدماج اقتصاداتها في الأسواق الدولية، بعد أن أدركت أن السير بعكس هذا التيار هو ضرب من الانتحار.

وليس أدلّ على ذلك من جنوح قسم كبير من اليسار في أميركا اللاتينية إلى تبنّي الموقف الصائب الذي اتخذه فاكلاف هافل عندما قال: «رغم أن فؤادي يميل إلى اليسار، لكني كنت دوماً على يقين من أن السوق هي النظام الاقتصادي الوحيد الذي يؤدي إلى الرفاه؛ لأنه النظام الوحيد الذي يعكس طبيعة الحياة».

هذه التطورات لها أهميتها وتضفي مصداقية تاريخية على الفكر الليبرالي، لكنها ليست على الإطلاق سبباً للتقاعس؛ لأن الليبرالية تقوم على مبدأ أساسي يعتبر أن التاريخ هو صنيعة الفعل البشري، وأن الإنسان الذي يصيب في اتخاذ القرارات التي تدفعه في المسار الصحيح، يمكن أيضاً أن يخطئ وتدفعه نحو الفوضى والفقر والظلام والبربرية. إن أفكارنا، وأصواتنا التي نختار بها من يصل إلى الحكم، هي التي تحدد مصير الإنجازات التي تحققت في ثقافة الحرية والديمقراطية.

إن معركة الليبراليين من أجل الحرية على مر التاريخ، هي معركة أفكار. انتصر الحلفاء في الحرب على المحور، لكن ذلك النصر أكّد تفوّق رؤية التعددية والتسامح والديمقراطية على الرؤية العنصرية الضيقة. وانهيار الاتحاد السوفياتي أمام الغرب الديمقراطي «الذي كان مكتوف الأيدي، لا، بل غارقاً في شعور بالدونيّة بسبب قلّة جاذبية المنبر الديمقراطي مقارنة بوهج المجتمع اللاطبقي الموعود»، أظهر صواب أفكار آدم سميث وتوكفيل وبوبر وبرلين حول المجتمعات المفتوحة والاقتصاد الحر في مواجهة الغطرسة العقائدية لماركس ولينين وماو تسي تونغ.

مع انهيار الاتحاد السوفياتي أمام الغرب تأكد تفوق «التعددية والتسامح» (أ.ف.ب)

معركة ضد المسخ

قد تكون معركة اليوم أقل صعوبة بالنسبة لليبراليين من تلك التي خاضها معلمونا في المجتمعات الديمقراطية خلال حقبة أنظمة الاستبداد والحزب الواحد التي كانت تمدّ أنصارها بكل وسائل الدعم. معركتنا اليوم ليست ضد كبار المفكرين مثل ماركس، أو الاشتراكيين الديمقراطيين اللامعين مثل كينز، بل هي معركة ضد الأفكار النمطية والصور المشوهة عن هذا المسخ المسمّى نيوليبرالية، التي تهدف إلى بث الشكوك والالتباس في المعسكر الديمقراطي، أو ضد المفكرين التشكيكيين الذين ينكرون الثقافة الديمقراطية ويعتبرون أنها ليست سوى ستارة تخفي وراءها الاستبداد والاستغلال.

يقول روبرت كابلان في أحد بحوثه: «إن الديمقراطية التي نشجّع على إرسائها في الكثير من المجتمعات الفقيرة في العالم ليست سوئ جزء لا يتجزأ من التحول نحو أنماط جديدة من الاستبداد، والديمقراطية في الولايات المتحدة هي اليوم في خطر أكثر من أي وقت مضى، لأسباب غامضة أو مخفية، وأن أنظمة كثيرة في المستقبل، والنظام الأميركي بشكل خاص، قد ينتهي بها الأمر على غرار الأنظمة الأوليغارشية التي كانت سائدة في أثينا وإسبرطة».

على مر سنوات أصبحت اليوم طويلة، لم أتعرّف بعد على نيوليبرالي واحد. ما هو هذا النيوليبرالي؟

هذا تحليل متشائم جداً بالنسبة لاحتمالات ترسّخ الديمقراطية في مجتمعات العالم الثالث. وهو يعتبر أن كل المحاولات الغربية لفرض النظام الديمقراطي في البلدان التي تفتقر إلى التقاليد الديمقراطية قد باءت بفشل ذريع وباهظ التكلفة كما حصل في كمبوديا، وتسببت بالفوضى والحروب الأهلية والإرهاب والتطهير العرقي وإبادة الأقليات الدينية في بلدان مثل السودان، والبوسنة، وأفغانستان، وسيراليون، والكونغو، ومالي، والبانيا وهاييتي وغيرها.

السيد كابلان لا يضيّع وقته باللعب على حبال الكلام، ويقول بوضوح إن الديمقراطية والعالم الثالث على طرفي نقيض «الاستقرار الاجتماعي ينشأ من إقامة طبقة متوسطة. وليست هي الأنظمة الديمقراطية، بل تلك التسلطية، بما فيها الملكية، هي التي تقيم الطبقات الوسطى». هذه الطبقات، عندما تبلغ درجة معينة من الرفاه والثقة، تتمرد على الأنظمة التي وفَّرت لها هذا الرفاه. ويضرب على ذلك أمثلة من الحوض الهادئ في آسيا مسلطاً الضوء بشكل خاص على سنغافورة لي كوان يو، وتشيلي بينوتشيه وإسبانيا فرنكو. ويعتبر كابلان أن الخيار المطروح أمام العالم الثالث ليس بين «الطغاة والديمقراطيين»، بل هو مفاضلة بين «طغاة أشرار وآخرين أقل شراً»، ويرى «أن روسيا فشلت لأنها ديمقراطية، بينما الصين تفلح جزئياً لأنها ليست ديمقراطية».

توقفت عند هذا الطرح لأن السيد كابلان يقول صراحة ما يضمره كثيرون غيره. إن تشاؤمه حيال العالم الثالث كبير، لكنه ليس بأقلّ منه حيال العالم الأول. فهو يعتبر أن البلدان الفقيرة التي، حسب نظريته، تنشأ فيها الطبقات المتوسطة بفضل أنظمة الاستبداد الفاعلة، تريد اعتناق النظام الديمقراطي على الطراز الغربي، لن يكون ذلك سوى سراب وضرب من الخيال، تتحكم بحكوماتها الشركات العالمية الكبرى الناشطة في القارات الخمس، وتفرض عليها القرارات الأساسية، تنفّذها من غير محاسبة أو مساءلة. ولا ينسى السيد كابلان تذكيرنا بأن أكبر مائة اقتصاد في العالم نصفها من الشركات وليس من الدول، وأن أقوى 500 مؤسسة تسيطر وحدها على 70 في المائة من حركة التجارة العالمية.

أكبر مائة اقتصاد في العالم نصفها من الشركات وليس من الدول (أ.ب)

حرية على مشارف الاحتضار

هذه النظريات تشكّل نقطة انطلاق مناسبة لمقارنتها بالرؤية الليبرالية للمشهد العالمي؛ لأنها لو صحّت، تكون الحرية على مشارف الاحتضار بعد أن كانت مصدر إنجازات استثنائية في مجالات العلوم وحقوق الإنسان والتطور التقني ومكافحة الاستبداد والاستغلال، رغم الاضطرابات الكثيرة التي تسببت بها. لو كان صحيحاً ما يقوله كابلان أن الأنظمة الدكتاتورية هي التي تقيم الطبقات الوسطى، لما كانت جنّة هذه الطبقات في الولايات المتحدة، وأوروبا الغربية، وكندا، وأستراليا ونيوزيلندا، بل المكسيك، وبوليفيا والبارغواي التي تعاقبت عليها أنظمة الاستبداد العسكرية والمدنية.

في الأرجنتين على سبيل المثال، قضى الدكتاتور بيرون على الطبقة الوسطى التي كانت، حتى وصوله إلى السلطة، عريضة ومزدهرة ونجحت في تنمية البلاد بوتيرة أسرع من معظم الدول الأوروبية. وفي كوبا فشلت الديكتاتورية بعد ستة عقود في تحقيق أدنى مستويات الرفاه، وأجبرت الكوبيين على توسل المساعدات الدولية واستجداء فتات سياح الرأسمالية لمكافحة الجوع وضيق العيش. وكلنا يعرف اليوم المصير الذي آلت إليه معظم «النمور الآسيوية» بعد الطفرة الأولى السريعة، عندما اضطرت إلى الاستغاثة على أبواب صندوق النقد والبنك الدوليين، والولايات المتحدة، واليابان وأوروبا الغربية.

نحن الليبراليين، بعكس السيد كابلان، لا نؤمن بأن القضاء على الشعبوية الاقتصادية يحقق نمواً أقل للمجتمع، إذا ترافق مع تحرير الأسعار وخفض الإنفاق وخصخصة القطاع العمومي، في الوقت الذي يعاني المواطن انعدام الأمن وقمع الحريات والتعرّض للتعذيب ومحاصرة السلطة القضائية التي يلجأ اليها طلباً للانتصاف.

التطور، بالمفهوم الليبرالي، يجب أن يكون اقتصادياً وسياسياً وثقافياً في آن معاً، أو لا يكون؛ وذلك لسبب أخلاقي، وأيضاً عملي: أن المجتمعات المنفتحة، التي يسودها القانون وتحترم حرية الرأي، محصّنة أكثر من غيرها في وجه الأزمات والاضطرابات.

كم هو عدد أنظمة الاستبداد الفاعلة التي شهدها العالم منذ أواسط القرن الفائت إلى اليوم؟ وكم هي تلك التي أغرقت بلدانها في العنف والتوحش والدمار؟ هذه الأخيرة تشكل الأغلبية الساحقة، أما الأولى فهي الاستثناء. أليس من التهوّر الرهان على وصفة الاستبداد وأن يكون المستبد صالحاً وعابراً؟ ألا توجد سبل أخرى أقل خطورة وقسوة لتحقيق التنمية؟ قطعاً توجد، لكن السيد كابلان يرفض أن يراها.

ليس صحيحاً القول إن «ثقافة الحرية» اقتضت نَفساً طويلاً في البلدان التي ازدهرت فيها الديمقراطية، كما حصل في جميع الأنظمة الديمقراطية الحالية التي اعتنقت هذه الثقافة وراحت تطورها لتبلغ بها المستويات التي وصلت اليوم إليها. الضغوط والمساعدة الدولية يمكن أن تشكل عاملاً أساسياً يدفع مجتمعاً معيناً لاعتناق الديمقراطية، كما تبيّن من حالتي ألمانيا واليابان اللتين انضمتا إلى ركب الدول الديمقراطية الأكثر تطوراً في العالم بعد الحرب. ما الذي يمنع دول العالم الثالث، أو روسيا، من اعتناق ثقافة الحرية على غرار ألمانيا واليابان؟

حتى معظم «النمور الآسيوية» اضطرت إلى الاستغاثة على أبواب صندوق النقد والبنك الدوليين (إ.ب.أ)

التسامح والتعددية والقانون

إن العولمة، خلافاً لاستنتاجات السيد كابلان المتشائمة، هي فرصة سانحة أمام الدول الديمقراطية في العالم، خصوصاً تلك الأكثر تطوراً في أميركا وأوروبا، كي تساهم في توسيع دائرة ثقافة الحرية المرادفة للتسامح والتعددية والقانون، إلى الدول التي لا تزال رهينة التقاليد الاستبدادية التي، لا ننسى، أن أحداً لم يسلم منها على مر تاريخ البشرية. لذلك؛ لا بد من شرطين أساسيين:

1 - الإيمان الراسخ بتفوق هذه الثقافة على تلك التي تبيح التعصب والعنصرية والتمييز الديني أو العرقي أو السياسي أو الجنسي.

2 - اعتماد سياسات اقتصادية وخارجية تشجع التوجهات الديمقراطية في بلدان العالم الثالث، وتعاقب الأنظمة التي تتبنى المبادئ الليبرالية في الاقتصاد والدكتاتورية في السياسة. لكن من أسف، وبعكس ما ينادي به كابلان، هذا التمييز الإيجابي لصالح الديمقراطية الذي حقق منافع جمّة في بلدان مثل ألمانيا واليابان وإيطاليا بعد الحرب العالمية الثانية، لا تطبقه الدول الديمقراطية اليوم مع بقية البلدان، أو تمارسه بنفاق واستنسابية.

لكن لعل الظروف الراهنة تشكّل حافزاً أكبر للدول الديمقراطية كي تتصرف بمزيد من الحزم لدعم ثقافة الحرية، إذ يقف العالم على شفا تحقق توقعات السيد كابلان بقيام حكومة عالمية غير ديمقراطية تديرها الشركات الكبرى من غير رادع في جهات الدنيا الأربع، وهي توقعات تشكل خطراً حقيقياً لا مفرّ من إدراكه والتعامل ومعه. إن انتفاء الحدود الاقتصادية وتكاثر الأسواق العالمية يحفزان الاندماج والتحالفات بين الشركات لزيادة القدرة التنافسية في جميع مجالات الإنتاج، وقيام مؤسسات عملاقة لا يشكّل بحد ذاته خطراً على الديمقراطية، طالما توجد قوانين عادلة وحكومات قوية «ليس شرطها أن تكون كبيرة، بل صغيرة وفاعلة» تضمن تطبيقها.

الاقتصاد الحر، المنفتح على المنافسة، يستفيد فيه المستهلك من الشركات الكبرى؛ لأن ضخامتها تتيح لها خفض الأسعار ومضاعفة الخدمات التي يحصل عليها. والخطر لا يكمن في حجم الشركة، بل في الاحتكار الذي هو دائماً مصدر للفساد وانعدام الكفاءة. وما دامت توجد حكومات ديمقراطية تسهر على إنفاذ القوانين، أياً كان مخالفوها، وتمنع الاحتكار وتحافظ على الأسواق مفتوحة على المنافسة، تبقى الشركات الكبرى هي الرائدة في التطور العلمي والتكنولوجي لفائدة المستهلك ومصلحته.

 

 

يقف العالم على شفا حكومة عالمية غير ديمقراطية تديرها شركات كبرى من غير رادع في جهات الدنيا الأربع

من هذا الواقع يستخلص كابلان الاستنتاج المتشائم التالي: الديمقراطية ذاهبة إلى مستقبل قاتم؛ لأن الشركات الكبرى في هذه الألفية الثالثة سوف تتصرف في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية على غرار ما كانت تفعل في بلدان العالم الثالث، أي بلا روادع أو محاسبة.

لكن هذا الاستنتاج لا يستند إلى أي حجة تاريخية تسوّغه. وما نراه، نحن الليبراليين، هو أن بلدان العالم الثالث التي تخضع اليوم لأنظمة استبدادية، لا بد أن ترتقي نحو الديمقراطية، وتكرّس سيادة القانون والحريات التي تلزم الشركات الكبرى التي تنشط على أراضيها باحترام قواعد العدالة والاستقامة التي تلتزم بها في الديمقراطيات المتطورة. العولمة الاقتصادية يمكن أن تتحول خطراً يهدد مستقبل الحضارة، والبيئة العالمية، إذا لم تخضع لقواعد العولمة القانونية. ومن واجب الدول الكبرى تشجيع العمليات الديمقراطية في بلدان العالم الثالث لأسباب مبدئية وأخلاقية، ولأن انتفاء الحدود يقتضي أن تخضع الحياة الاقتصادية لقواعد الحرية والمنافسة التي تعود بالمنفعة على جميع المواطنين، وأن تخضع للمحفزات والروادع نفسها التي يفرضها عليها المجتمع الديمقراطي.

أعرف جيداً أنه ليس سهلاً تحقيق كل ذلك. لكن بالنسبة إلينا بصفتنا ليبراليين هذا هدف ممكن، وفكرة العالم متحداً حول ثقافة الحرية ليست مجرد سراب أو حلم، بل هي واقع يستحق كل الجهد لتحقيقه، وكما قال كارل بوبر أحد أفضل أساتذتنا: «التفاؤل واجب. والمستقبل ليس مكتوباً، ولا أحد بوسعه أن يتنبأ به سوى من باب الصدفة. جميعنا نساهم بأفعالنا في تشكيل معالمه، وبالتالي كلنا مسؤولون عمّا سيحدث».