تجميد تمويل «أونروا»... قطع لشريان حياة أم ضغط باتجاه إصلاحات؟

قراءة في تفاصيل القرار الأميركي وانعكاساته

تجميد تمويل «أونروا»... قطع لشريان حياة أم ضغط باتجاه إصلاحات؟
TT

تجميد تمويل «أونروا»... قطع لشريان حياة أم ضغط باتجاه إصلاحات؟

تجميد تمويل «أونروا»... قطع لشريان حياة أم ضغط باتجاه إصلاحات؟

تتخبط وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في دوامة تجاذبات سياسية أميركية أدت إلى حظر تمويلها حتى مارس (آذار) من العام المقبل؛ ما طرح تساؤلات ومخاوف حول إمكانية استمرارها في تقديم المساعدة لأكثر من 5 ملايين لاجئ فلسطيني في غزة والضفة الغربية، والأردن، ولبنان وسوريا. والولايات المتحدة هي أكبر متبرع للوكالة، ومن شأن الحظر الأميركي أن يؤدي إلى نقص في ميزانية الوكالة قد يصل إلى 350 مليون دولار، بحسب مسؤولين أميركيين تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، لافتين إلى تداعيات الحظر في غياب بديل للوكالة، ومحذرين من تفاقم المعاناة الإنسانية في غزة في هذه المرحلة الحرجة.

تريليون دولار، هي القيمة الإجمالية لقانون المخصصات الضخم الذي أقرّه الكونغرس بمجلسيه ووقّع عليه الرئيس الأميركي جو بايدن. مبلغ هائل يضمن تمويل المرافق الحكومية الأميركية حتى العام المقبل، لكنه يخفي في طياته حكماً «مؤقتاً» بالإعدام على وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا). فبعد جهد كبير من المشرعين الأميركيين المعارضين للوكالة تمكن هؤلاء أخيراً من زج بند في مشروع قانون المخصصات يمنع تمويل الولايات المتحدة للوكالة حتى مارس (آذار) 2025 .

خبر وقع كالصاعقة على رؤوس العاملين في الوكالة والداعمين لها على حد سواء. فعلى رغم أن الإدارة الأميركية كانت جمدت منذ يناير (كانون الثاني) تمويل الوكالة، فإن الداعمين لمهمتها كانوا يأملون برفع التجميد بمجرد انتهاء التحقيقات بعلاقة بعض العاملين في الوكالة بحركة «حماس»، وتحديداً هجمات السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، بحسب الرواية الإسرائيلية التي لم تقدم أي معلومات إضافية أو أدلة ملموسة.

فلسطينيون يتظاهرون أمام مقر «الأونروا» في بيروت احتجاجاً على قرارات قطع الدعم وإجراءات إدارية تطال موظفين في الوكالة (إ ب أي)

وكانت دول أخرى مثل بريطانيا وكندا والسويد أعربت عن نيتها تجميد تمويل الوكالة قبل أن تعود مطلع الشهر الجاري وتستأنف التمويل فيما لم تنقطع بلدان أخرى عن الدعم والتمويل وبينها السعودية التي ضخت مؤخراً 40 مليون دولار.

وهذا ما تحدث عنه ويليام ديري، مدير الوكالة في العاصمة الأميركية واشنطن، معرباً عن خيبة أمله من إقرار التجميد خاصة بعد مساعٍ حثيثة من «أونروا» «لاستعادة ثقة» المشرّعين الأميركيين من خلال إحاطات مغلقة.

فالسؤال الذي لا يزال مطروحاً هو ما إذا كانت «أونروا» ستتمكن من الاستمرار بمهمتها في وقت حرج تعاني فيه غزة تحديداً مجاعة محدقة.

ويقول ديري لـ«الشرق الأوسط» إن تجميد التمويل حتى مارس المقبل «سوف يترك فراغاً كبيراً في موازنة (أونروا) السنوية للعمليات يجب سده من خلال متبرعين آخرين». فالولايات المتحدة هي أكبر متبرع للوكالة؛ إذ تغطي نسبة تصل إلى 30 في المائة على الأقل من ميزانيتها العامة. وتتراوح هذه التبرعات بين 300 و400 مليون دولار سنوياً، وسيؤدي هذا التجميد إلى نقص قد يصل إلى نحو 350 مليون دولار. وأضاف ديري في حديثه مع «الشرق الأوسط»: «في الوقت الحاضر، لدينا ما يكفي من التمويل حتى شهر مايو (أيار). التاريخ المهم جداً هو شهر يونيو (حزيران)؛ لأننا في حاجة إلى الاستمرار في تعليم أطفالنا حتى نهاية العام الدراسي. فإذا اضطررنا إلى إغلاق المدارس مبكراً، لن يتمكن التلامذة من إنهاء عامهم الدراسي والتخرج».

وحذّر ديري من انعكاسات تجميد التمويل على الـ30 ألف موظف لدى الوكالة في المنطقة، منهم 13 ألفاً في غزة وحدها، فقال: «عمل (أونروا) لا يقتصر على غزة فحسب، بل هي تعمل أيضاً في الضفة الغربية والأردن وسوريا ولبنان، وتقدم الرعاية الصحية والتعليم والخدمات الاجتماعية. نتيجة لهذا؛ فإن أي نقص في الميزانية سيجعل من الصعب علينا تطبيق التفويض الذي أعطته لنا الجمعية العامة للأمم المتحدة. النقص في الميزانية سيعيق مساعينا لتخفيف حدة المجاعة في غزة، ولن ينعكس إيجاباً على استقرار المنطقة بشكل عام».

موقف يتفق معه غيث العمري، المستشار السابق لفريق المفاوضات الفلسطيني خلال محادثات الوضع الدائم وكبير الباحثين في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، الذي وصف في حديث مع «الشرق الأوسط» تجميد التمويل عن «أونروا» «في هذه المرحلة الحرجة بالخطأ»، وقال العمري إن تأثير تجميد التمويل السلبي لن يقتصر على الوضع الإنساني في غزة فحسب، بل إن «أي إجراءات من شأنها أن تؤدي إلى انهيار (أونروا) ستكون لها تأثيرات مزعزعة للاستقرار السياسي في مناطق عملها الأخرى، خاصة الضفة الغربية ولبنان والأردن».

بصيص في نهاية النفق

على رغم الانعكاسات السلبية الكثيرة لقرار حظر التمويل، فإن البعض ينظر إلى تفاصيله بعين أقل تشاؤماً، وذلك من زاوية وجود سقف زمني محدد في مارس المقبل، وعدم فرض القرار بشكل دائم كما سعى بعض أعضاء الكونغرس الذين دفعوا باتجاه إلغاء التمويل بشكل قاطع.

وتقول مارا رودمان، النائبة السابقة للمبعوث الأميركي للشرق الأوسط، في حديث مع «الشرق الأوسط» إن «تجميد التمويل مؤسف لكن كونه مؤقتاً لمدة عام فقط، فهذا يحدّ من تأثيره لأن الجزء الأكبر من حصة الولايات المتحدة من المال للعام الحالي قد تم إرساله إلى (أونروا) قبل التجميد». وبذلك، تقصد رودمان إرسال الولايات المتحدة مبلغاً يقارب 121 مليون دولار للوكالة، بحسب المتحدث باسم الخارجية الأميركية ماثيو ميلر، وبذلك ترى رودمان أن التأثير المباشر لهذا القرار سيبقى «محدوداً».

ويرى العمري أن الجدير ذكره في ظل النقاش الدائر حالياً التذكير بأن الحظر «مؤقت على رغم الموقف المعادي بشدة لـ(أونروا) في الكونغرس»، مشيراً إلى أن هذا من شأنه أن يدفع بـ«أونروا» إلى «أن تكون أكثر يقظة في معالجة بعض نقاط الضعف لديها، خاصة وأن هناك العديد من الأصوات التي تبحث عن أسباب لإغلاق الوكالة التابعة للأمم المتحدة».

نظرة يوافق معها ديري الذي قال، اعتماداً على النظرة القائلة إن نصف الكوب ممتلئ: «من الجيد أن المشروع لا يفرض حظراً دائماً على المساعدات الأمريكية لـ(أونروا)». مؤكداً أن التحدي الأبرز الذي يواجه الوكالة هو «تثقيف المشرعين حول الخطوات التي تتخذها بهدف استعادة ثقتهم».

من هؤلاء المشرعين كبير الجمهوريين في لجنة العلاقات الخارجية في الشيوخ جيم ريش الذي يسعى منذ فترة طويلة إلى قطع التمويل عن الوكالة ويتهمها بدعم حركة «حماس». ريش ذكّر بمساعيه وقف تمويل الوكالة «منذ أعوام» ووصف لـ«الشرق الأوسط» قرار التجميد بأنه «القرار الصائب» وأضاف: «يجب ألا يمنح دولار واحد من أموال دافعي الضرائب إلى (أونروا) بعد الاتهامات الخطيرة بمشاركة أعضائها في هجمات السابع من أكتوبر. إذا كانت الولايات المتحدة ستستمر في كونها أكبر متبرع للشعب الفلسطيني، فيجب أن يكون ذلك من خلال منظمات تم التدقيق فيها، وغير مرتبطة بالمنظمات الإرهابية، ولا تروج لمعاداة السامية.»

هل من بدائل؟

في فترة سابقة من مطلع العام، ومع تصاعد الكلام عن احتمالات قطع التمويل الأميركي كلياً أو جزئياً قبل صدور القرار الأخير، طرحت بدائل لـ«أونروا»، منها منظمات محلية أو دولية وأخرى أممية كبرنامج الغذاء العالمي و«يونيسيف». لكنه تم التصدي سريعاً لهذه الاقتراحات، وأول من وقف ضدها بشكل واضح كان الأمين العام للأمم المتّحدة ​أنطونيو غوتيريش​، عادّاً أنّه «لا يمكن استبدال عمل وكالة غوث وتشغيل اللّاجئين الفلسطينيّين (​أونروا​) في ​غزة​».

وكان أعلن في مؤتمر صحافي في شهر فبراير (شباط) الماضي، رفضه القاطع لهذه الفكرة، موضحاً أنّ «العمود الفقري لتوزيع المساعدات الإنسانيّة الأمميّة في غزة، يتكوّن من موظّفي (أونروا) المكرّسين للاستجابات الطّارئة». وركّز على أنّه «ليست هناك أيّ منظّمة أخرى موجودة في غزة قادرة على تلبية هذه الاحتياجات».

والواقع أن مقاربة البحث عن بدائل لـ«أونروا» لها معارضة كبيرة أيضاً داخل أميركا نفسها. وفي هذا السياق، يقول السفير الأميركي السابق إلى العراق وتركيا جيمس جيفريز لـ«الشرق الأوسط»: «في الوقت الحالي، لا يوجد بديل لـ(أونروا) لإيصال الإمدادات التي يحتاج إليها بشدة سكان غزة المحرومين. لذلك؛ أعتقد أن قرار تجميد التمويل كان خاطئاً».

وتوافق رودمان مع هذا التقييم فتذكر بقدرة «أونروا» «الفريدة على توزيع المساعدات داخل غزة» محذرة: «إذا قطع الآخرون أيضاً الدعم المالي دون وجود بديل، سيؤدي ذلك إلى معاناة أكبر للعديد من الفلسطينيين غير المرتبطين بـ(حماس) في غزة». أما العمري، فيؤكد بشكل قاطع غياب بديل لـ«أونروا» قائلاً: «فيما يتعلق بتقديم الخدمات في غزة، لا توجد بدائل عملية لـ(أونروا). الوكالات الأخرى التابعة للأمم المتحدة لا تملك القدرة على القيام بهذا العمل، فتوفير بديل يستغرق وقتاً طويلاً وموارد كبيرة. بالإضافة إلى ذلك، لا تعدّ (أونروا) وكالة تزود الخدمات فحسب، بل إنها اكتسبت أهمية رمزية في الخطاب السياسي الفلسطيني والعربي. وبناءً عليه؛ قد يؤدي إلغاؤها إلى اضطرابات سياسية أيضاً».

وفي هذا السياق، أعرب عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين عن استيائهم الشديد من إقرار قانون الحظر، فرأى السيناتور الديمقراطي كريس فان هولان أنه «من غير المنطقي إطلاقاً قطع التمويل عن الآلية الرئيسية لتوصيل الغذاء والمعونة الضرورية بشكل عاجل إلى الجياع واليائسين في غزة» ووجّه فان هولان انتقادات لاذعة للجمهوريين بسبب «إقحامهم» لبند قطع التمويل في مشروع المخصصات المالية الضروري لاستمرار عمل المرافق الحكومية. وقال: «استعداد الجمهوريين لإغلاق الحكومة بسبب هذا البند أمر مشين للغاية، وعلى الرغم من غضبي، فإنني أدرك أن وقف تمويل الحكومة الأميركية لن يساعد في تمويل (أونروا)، و إغلاق الحكومة الأميركية لن يساعد في إطعام الأشخاص الجوعى في غزة».

وصول مساعدات غذائية إلى غزة من «الأونروا» (رويترز)

ويشير فان هولان إلى نقطة مهمة في مشروع المخصصات تزيد من تمويل الولايات المتحدة لمنظمات دولية أخرى «الأمر الذي سيتيح لدول أخرى تغطية تمويل (أونروا) حتى تتمكن من الاستمرار في عملياتها الحيوية في غزة وتقديم خدمات هامة في الضفة الغربية وفي جميع أنحاء المنطقة» مضيفاً: «المهمة تقع الآن على كاهل إدارة بايدن للعمل مع دول أخرى لتحقيق ذلك».

وأشار ديري في هذا الإطار إلى جهود وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن التي شجع من خلالها دول الاتحاد الأوروبي في زيادة دعمها للوكالة، إلا أنه أكد في الوقت نفسه «صعوبة توقع سير الأمور في الوقت الحالي»، وفسر قائلاً: «جميعنا نعرف التحديات التي تواجهنا. لكن ما لا نعرفه هو كيف ستتفاعل بقية الدول الأعضاء مع ما جرى».

توصيات وإصلاحات مطلوبة

على رغم مساعي أعضاء الكونغرس فرض إصلاحات على «أونروا» حتى قبل الادعاءات الإسرائيلية بشأن تورط 12 موظفاً في هجوم السابع من أكتوبر، وهي ادعاءات أدت إلى صرف 10 منهم بعد إعلان «أونروا» عن مقتل الاثنين الآخرين، فإن هذه الادعاءات دفعت إلى فتح تحقيقات يجريها مكتب خدمات الرقابة الداخلية في الأمم المتحدة بالإضافة إلى لجنة المراجعة المستقلة. وتنتظر الوكالة صدور توصيات معينة بعد التحقيقات المذكورة، ويؤكد ديري أن «أونروا» «تتعاون بشكل تام مع تحقيق مكتب خدمات الرقابة الداخلية في الامم المتحدة، والتحقيق الخارجي المستقل»، مشيراً إلى أن «(أونروا) اتخذت مبادرات لتحسين عملياتها الموجودة، كما أنها سوف تطبق فوراً أي توصيات ناجمة عن التحقيقات والمراجعة الخارجية».

من ناحيته، يؤكد السفير السابق جيمس جيفريز لـ«الشرق الاوسط» أنه يترتب «على (أونروا) والأمم المتحدة والمجتمع الدولي فهم الدوافع وراء قرار الكونغرس بشكل أفضل»، ويفسّر ذلك قائلاً: «هناك أدلة قوية على مر العقود تشير إلى أن (أونروا) ومنظمات الإغاثة الأخرى كانت منحازة ضد إسرائيل بسبب تأثير موظفيها الفلسطينيين المحليين عليها ومواقفها الدولية بشكل عام». ويرى جيفريز أن «أي حل دائم لأزمة غزة بشكل خاص والمشكلة الفلسطينية بشكل عام يجب أن يبدأ بقبول الارتباط الضروري ما بين تقديم المساعدة الإنسانية وإعادة الإعمار من جهة والالتزام بالاتفاقيات الدولية والالتزام بالحلول السلمية من جهة أخرى».

وإلى ذلك، يدعو السفير السابق إلى ضرورة «بذل المزيد من الجهد لضمان عدم تحويل المساعدات إلى (حماس) والجماعات الراديكالية الأخرى، وعدم استغلال المنشآت التابعة للمنظمات الدولية من قبلها».

تاريخ تمويل متقلب

تاريخ تمويل «أونروا» متقلب مع تقلب المزاج السياسي للبلدان المتبرعة. فنحو 90 في المائة من تمويل الوكالة مصدره «تبرعات طوعية» من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة. وفي عام 2022 قالت الوكالة إنها حصلت على أكثر من مليار دولار من التبرعات، قدمت الولايات المتحدة 344 مليون دولار منها. أما في عام 2023، فقد وصلت المساهمات الأميركية إلى 422 مليون دولار.

ويتحدث ديري عن هذه المعادلة ويشرحها قائلاً: «تموّل (أونروا) من خلال التبرعات الطوعية، بمعنى آخر، يجب على الدول الأعضاء أن تساهم في (أونروا) بما يتجاوز اشتراكاتها العادية في الأمم المتحدة. لدينا اتفاقات مع بعض المانحين لسنوات عدة؛ ما يساعدنا كثيراً في التخطيط المالي. لكن الوكالة لا تشعر أبداً بأن دعمها واجب، وبينما نقوم بتقديم إحاطات منتظمة لأعضاء الكونغرس حول عملياتنا، إلا أن الوكالات التابعة للأمم المتحدة لا تحاول أبداً التدخل في المشاورات الداخلية لأي دولة عضو». إشارة واضحة إلى التجاذبات الداخلية التي تطغى على ملف دعم «أونروا» في الولايات المتحدة، بدليل قرار ادارة الرئيس السابق دونالد ترمب تجميد تمويل «أونروا» بشكل جزئي في عام 2018 بسبب اعتراضات حزبه عليها والدعوات لفرض إصلاحات عليها، واستمرت الوكالة بالعمل رغم هذا التجميد لتأتي ادارة بايدن وتعيد تمويل «أونروا». لكن هذا لم يخفف من المعارضة الجمهورية الشرسة لهذه الخطوة؛ ما أدى إلى اتخاذ البعض منهم كالسيناتور جيم ريش تدابير تشريعية عرقلت بعض الجزيئات المرتبطة بالتمويل.

ويرى هؤلاء أن ثمة حاجة إلى فرض اصلاحات كثيرة على الوكالة التي أسستها الأمم المتحدة في عام 1949 لتأمين المساعدة المباشرة لـ700 ألف نازح فلسطيني بعد حرب 1948. وجددت الأمم المتحدة تفويض «أونروا» على مدى الأعوام السبعين الماضية ووجهتها لتقديم الرعاية الصحة والسكن والمساعدة المالية للاجئين الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية والأردن وسوريا ولبنان، وعددهم بحسب الوكالة أكثر من 5.9 مليون شخص مسجلين.

ويقول المنتقدون من الجانب الأميركي إن من الإصلاحات التي يجب فرضها، تعريف الوكالة لمصطلح «لاجئ»؛ إذ تعرف الوكالة اللاجئ منذ عام 1952 على أنه «أي شخص كان مكان إقامته الطبيعي فلسطين خلال الفترة من 1 يونيو 1946 إلى 15 مايو 1948 وفقد منزله وسبل معيشته نتيجة لنزاع عام 1948».

وفي عام 1965 غيرت «أونروا» من تعريف المصطلح ليشمل الجيل الثالت للاجئين، ثم وسّعته ليشمل كل سلالة اللاجئين الفلسطينيين الذكور بمن فيهم أطفالهم بالتبني. وقد طرح الكونغرس مشروع قانون لمحاولة تعديل هذا التعريف وحصره «بزوجة أو زوج اللاجئ وأولاده القاصرين» .

وفي ظل هذه التجاذبات تقول «أونروا» إن أكثر من مليوني شخص في غزة يعتمدون على المساعدات التي تقدمها، وتقدر عدد الاشخاص الذي يحتمون في منشآتها او بالقرب منها بنحو 1.7 مليون شخص، وهو عدد هائل من الناس الذين ستبقى احتياجاتهم الملحة رهن القرار الأميركي.


مقالات ذات صلة

مصادر: كريم خان باق في منصبه أثناء تحقيق في مزاعم سوء سلوك جنسي

أوروبا المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان (وسط)... (حسابه على إكس)

مصادر: كريم خان باق في منصبه أثناء تحقيق في مزاعم سوء سلوك جنسي

قالت مصادر إن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان سيُسمح له بالبقاء في منصبه في أثناء تحقيق تقوده الأمم المتحدة في سوء سلوك جنسي مزعوم.

«الشرق الأوسط» (لاهاي)
المشرق العربي إردوغان متحدثاً عن التطورات في سوريا في إسطنبول الجمعة (إعلام تركي)

إردوغان: دمشق هدف فصائل المعارضة ونأمل استكمال مسيرتها دون مشكلات

قال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إن إدلب وحماة وحمص أصبحت بيد فصائل المعارضة السورية، وإن هدف المعارضة بالطبع هو دمشق.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
العالم العربي الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش (إ.ب.أ)

غوتيريش يدعو إلى وقف إراقة الدماء في سوريا

قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، اليوم الخميس، إن هناك حاجة مُلحة لوصول المساعدات الإنسانية على الفور إلى جميع المدنيين المحتاجين إليها في سوريا.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
المشرق العربي قافلة تابعة للقوة المؤقتة للأمم المتحدة في لبنان «اليونيفيل» تعبر منطقة مرجعيون في جنوب لبنان (أ.ف.ب)

مجلس الأمن لمتابعة تنفيذ الهدنة والقرار 1701 لبنانياً وإسرائيلياً

عرض مجلس الأمن لاتفاق وقف الأعمال العدائية بين لبنان وإسرائيل، واستطلع حاجات كل من الجيش اللبناني والقوة المؤقتة للأمم المتحدة «اليونيفيل» لتنفيذ القرار 1701.

علي بردى (واشنطن)
العالم الرئيس التركي رجب طيب إردوغان (د.ب.أ)

إردوغان يدعو الأسد إلى إيجاد «حل عاجل» للأزمة السورية

دعا الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، الخميس، نظيره السوري بشار الأسد إلى إيجاد «حل سياسي» للوضع في سوريا «بشكل عاجل»، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية.

«الشرق الأوسط» (أنقرة)

إدارة «حماس» ملف الرهائن... الوقت ضد «الصفقة»

بالون كبير دعماً للأسرى الإسرائيليين لدى حركة «حماس» كُتب عليه «أنقذوهم الآن»
بالون كبير دعماً للأسرى الإسرائيليين لدى حركة «حماس» كُتب عليه «أنقذوهم الآن»
TT

إدارة «حماس» ملف الرهائن... الوقت ضد «الصفقة»

بالون كبير دعماً للأسرى الإسرائيليين لدى حركة «حماس» كُتب عليه «أنقذوهم الآن»
بالون كبير دعماً للأسرى الإسرائيليين لدى حركة «حماس» كُتب عليه «أنقذوهم الآن»

بعد أكثر من 420 يوماً على أطول حرب مدمرة عرفها الفلسطينيون، لا يزال الغزيون الذين فقدوا بلدهم وحياتهم وبيوتهم وأحباءهم، لا يفهمون ماذا حدث وماذا أرادت حركة «حماس» حقاً من هجومها المباغت في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 على إسرائيل، الهجوم الذي غير شكل المنطقة وفتح أبواب الحروب والتغييرات.

الشيء الوحيد الواضح حتى الآن هو أن غزة تحولت إلى منطقة غير قابلة للحياة، ولا شيء يمكن أن يصف ألم الباقين على قيد الحياة الذين فقدوا نحو 50 ألفاً في الحرب المستمرة، وأكثر من 100 ألف جريح.

وإذا كان السكان في قطاع غزة، وآخرون في الضفة الغربية وربما أيضا في لبنان ومناطق أخرى لم يفهموا ماذا أرادت «حماس»، فإنهم على الأقل يأملون في أن تأتي النتائج ولو متأخرة بحجم الخسارة، ولا شيء يمكن أن يعوض ذلك سوى إقامة الدولة. لكن هل أرادت «حماس» إقامة الدولة فعلاً؟

هاجس الأسرى الذي تحول طوفاناً

في الأسباب التي ساقتها، تتحدث حركة «حماس» عن بداية معركة التحرير، لكنها تركز أكثر على «تحريك المياه الراكدة في ملف الأسرى الإسرائيليين الذين كانت تحتجزهم الحركة قبيل الحرب»، و «الاعتداءات المتكررة من قبل المنظومة الأمنية الإسرائيلية بحق الأسرى الفلسطينيين»، إلى جانب تصاعد العدوان باتجاه المسجد الأقصى والقدس وزيادة وتيرة الاستيطان.

ولا تغفل الحركة عن أنها أرادت توجيه ضربة استباقية تهدف لحرمان تل أبيب من مباغتة غزة، وإعادة القضية إلى الواجهة.

وقالت مصادر من «حماس» لـ«الشرق الأوسط»: «هذه الأسباب كانت صحيحة وكافية بالنسبة للحركة لاتخاذ قرار شن الهجوم، لكن خرج المخطط عن السيطرة».

لافتات في القدس تنادي بعقد صفقة لإطلاق الأسرى الإسرائيليين في غزة بجانب صورة لزعيم «حماس» يحيى السنوار وأخرى لزعيم «حزب الله» حسن نصر الله اللذين قتلتهما إسرائيل في سبتمبر وأكتوبر الماضيين (أ.ف.ب)

وأضاف: «الهدف الرئيسي كان أسر جنود إسرائيليين وعقد صفقة تاريخية. ثم تأتي الأسباب الأخرى. لكن لم يتوقع أحد حتى المخططون الرئيسيون، أن تنهار قوات الاحتلال الإسرائيلي بهذه الطريقة، ما سمح بالدفع بمزيد من المقاومين للدخول لمناطق أخرى في وقت وجيز، قبل أن يتسع نطاق الهجوم بهذا الشكل».

ويعد تحرير الأسرى الفلسطينيين بالقوة، هاجس «حماس» منذ نشأت نهاية الثمانينات.

ونجحت الحركة بداية التسعينات أي بعد تأسيسها فوراً باختطاف جنود في الضفة وغزة والقدس وقتلتهم دون تفاوض. وفي عام 1994 خطف عناصر «حماس» جندياً وأخذوه إلى قرية في رام الله وبَثُّوا صوراً له ورسائل، وطلبوا إجراء صفقة تبادل، قبل أن يداهم الجنود المكان ويقتلوا كل من فيه.

وخلال العقود القليلة الماضية، لم تكل «حماس» أو تمل حتى نجحت عام 2006 في أسر الجندي جلعاد شاليط على حدود قطاع غزة، محتفظة به حتى عام 2011 عندما عقدت صفقة كبيرة مع إسرائيل تم بموجبها تحرير شاليط مقابل ألف أسير فلسطيني، بينهم يحيى السنوار الذي فجر فيما بعد معركة السابع من أكتوبر من أجل الإفراج عمن تبقى من رفاقه في السجن.

وتعد الحركة، الوحيدة التي نجحت في خطف إسرائيليين داخل الأراضي الفلسطينية، فيما نجح الآخرون قبل ذلك خارج فلسطين.

وقال مصدر في «حماس»: «قيادة الحركة وخاصةً رئيس مكتبها السياسي يحيى السنوار، كانت تولي اهتماماً كبيراً بملف الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، وظلت تبحث عن كل فرصة لإخراج أكبر عدد ممكن منهم».

وأضاف: «السنوار وعد رفاقه عندما خرج في صفقة شاليط بالإفراج عنهم».

انفجار ضخم بعد قصف إسرائيلي لمخيم البريج جنوب غزة (إ.ب.أ)

وفعلاً حاول السنوار التوصل إلى صفقة من خلال مفاوضات على 4 أسرى لدى الحركة، وهم الجنود: هدار غولدن، وآرون شاؤول، اللذان تم أسرهما عام 2014، وأفراهام منغستو بعدما دخل الحدود بين عسقلان وغزة في العام نفسه، وهشام السيد بعد تسلله هو الآخر من الحدود.

تكتيكات «حماس» قبل وبعد

منذ 2014 حتى 2023 جربت «حماس» كل الطرق. عرضت صفقة شاملة وصفقة إنسانية، وضغطت على إسرائيل عبر نشر فيديوهات، آخرها فيديو قبل الحرب لمنغتسو، قال فيه: «أنا أفيرا منغيستو الأسير. إلى متى سأبقى في الأسر مع أصدقائي»، متسائلاً: «أين دولة إسرائيل وشعبها من مصيرهم».

ونشْر الفيديوهات من قبل «حماس» ميَّز سياسة اتبعتها منذ نشأتها من أجل الضغط على إسرائيل لعقد صفقات تبادل أسرى، وهو نهج تعزز كثيراً مع الحرب الحالية.

وخلال أكثر من عام نشرت «حماس» مقاطع فيديو لأسرى إسرائيليين بهدف الضغط على الحكومة الاسرائيلية، وعوائل أولئك الأسرى من جانب آخر، وكان آخر هذه المقاطع لأسير أميركي - إسرائيلي مزدوج الجنسية يدعى إيدان ألكسندر.

وظهر ألكسندر قبل أسبوع وهو يتحدث بالإنجليزية متوجهاً إلى الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، وبالعبرية متوجهاً إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مطالباً إياهم بالعمل على الإفراج عنه وعن الأسرى ضمن صفقة تبادل، مؤكداً أن حراسه من عناصر «حماس» أخبروه بأنهم تلقوا تعليمات جديدة إذا وصل الجيش الإسرائيلي إليهم، في إشارة لإمكانية قتله، داعياً الإسرائيليين للخروج والتظاهر يومياً للضغط على الحكومة للقبول بصفقة تبادل ووقف إطلاق النار في غزة. مضيفاً: «حان الوقت لوضع حد لهذا الكابوس».

وكثيراً ما استخدمت «حماس» هذا التكتيك، لتظهر أنها ما زالت تحافظ على حياة العديد منهم وأنهم في خطر حقيقي، وللتأكيد على موقفها المتصلب بأنه لا صفقة دون وقف إطلاق نار.

وفي الأيام القليلة الماضية، نشرت «حماس» فيديو جديداً عبر منصاتها أكدت فيه أن 33 أسيراً قتلوا وفقدت آثار بعضهم بسبب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وجيشه، وأنه باستمرار الحرب قد تفقد إسرائيل أسراها إلى الأبد.

إذن من أجل كل هذا وبعدما فشلت «حماس» في الوصول إلى صفقة، هاجمت في السابع من أكتوبر.

وقال مصدر مطلع: «لم تجد قيادة (حماس) أمامها سوى الخيار العسكري لتحريك هذا الملف، بعدما أهملت إسرائيل الملف ومطالبات الحركة بإتمام صفقة».

لكن النتائج جاءت عكس ما اشتهت السفن.

وأغلب الظن أن حركة «حماس» كانت تخطط لأسر عدد محدود من الإسرائيليين، تدخل بعدها في معركة قصيرة مع إسرائيل تجبر فيها الأخيرة على الإذعان لصفقة تبادل، على غرار ما جرى بعد اختطاف شاليط.

فالطوفان الذي خططت له «حماس»، جلب طوفانات على الفلسطينيين، وتحديداً في غزة التي تدمرت ودفعت ثمناً لا يتناسب مطلقاً مع الهدف المنوي جبايته.

خارج التوقعات

بدأت أصوات الغزيين ترتفع ويجاهر كثيرون بأن إطلاق سراح الأسرى لا يستحق كل هذا الدمار، ويقولون إن عدد الضحايا أصبح أضعاف أضعاف أعداد الأسرى، الذين بلغ عددهم قبل الحرب نحو 6 الآف.

وقال فريد أبو حبل وهو فلسطيني من سكان جباليا نازح إلى خان يونس جنوب القطاع: «كل ما نريده أن تتوقف هذه الحرب، لا شيء يمكن أن يكفر عن الثمن الباهظ جداً الذي دفعناه ولا حتى تبييض السجون بأكملها يمكن أن يعيد لنا جزءاً من كرامتنا المهدورة ونحن في الخيام ولا نجد ما نسد به رمق أطفالنا».

وتساءل أبو حبل: «من المسؤول عما وصلنا إليه؟! لو سئل الأسرى أنفسهم عن هذه التضحيات لربما كانوا تخلوا عن حريتهم مقابل أن يتوقف هدر الدماء بهذا الشكل».

لكن منال ياسين، ترى أن من يتحمل مسؤولية استمرار هذه الحرب هو الاحتلال الإسرائيلي وخاصةً نتنياهو الذي يرفض كل الحلول، معربةً عن اعتقادها أن «حماس» قدمت ما عليها، وحاولت تقديم كثير من المرونة، لكن من ترفض الحلول هي إسرائيل.

وتؤكد ياسين أن جميع سكان غزة يريدون وقف هذه الحرب.

ولا يقتصر هذا الجدل على آراء الناس في الشارع، بل امتد لشبكات التواصل الاجتماعي. وكتب الكاتب محمود جودة على صفحته على «فيسبوك»: «الموضوع صار خارج منطق أي شيء، مطر وجوع وقتل وخوف، أهل غزة الآن بيتعذبوا بشكل حقير وسادي، مقابل اللاشيء حرفياً. الجرحى بينزفوا دم، والمطر مغرقهم، والخيام طارت، والطين دفن وجوه الناس، ليش كل هذا بيصير فينا، ليش وعشان شو بيتم استنزافنا هيك بشكل مهين».

وقال الطبيب فضل عاشور، إن «كل محاولات حماس للحفاظ على البقاء محكومة بالفشل، والعناد اليائس ثمنه دمنا ولحم أطفالنا». فيما كتب الناشط الشبابي أيمن بكر: «ما هذا الخرب يا حماس؟ هل كل هذا يستاهل ما نحن فيه؟ نحن نموت جوعاً وقتلاً».

جوع وأزمة غذاء وتدافع على حصص المساعدات الغذائية في خان يونس (رويترز)

جدل عام وتهم جاهزة

هذا الجدل سرعان ما انتقل إلى السياسيين ورجال الدين.

فقد أثار الشيخ سليمان الداية عميد كلية الشريعة في الجامعة الإسلامية التابعة لـ«حماس»، وأبرز الشخصيات المعروفة مجتمعياً ومن القيادات المؤثرة دينياً داخل الحركة، وجماعة الإخوان المسلمين في فلسطين، جدلاً عبر شبكات التواصل الاجتماعي بعد نشره حلقات متتالية حول ما آلت إليه الحرب من نتائج صعبة على واقع الغزيين سياسياً واقتصادياً ودينياً واجتماعياً.

وكان الداية بالأساس يرد على تساؤلات دفعته لنشر هذه الحلقات، حول تصريحات للقيادي في «حماس» أسامة حمدان، حين قال إن ما يعيشه سكان غزة واقع عاشه كثيرون في العالم على مر التاريخ، مدافعاً عن هجوم 7 أكتوبر، ومبرراً حاجة حركته للتمسك بمواقفها رغم العدد الكبير من الضحايا والدمار الذي لحق بغزة.

ودفع كلام الداية، الكثيرين من المؤيدين لفكرة إنهاء الحرب أو رفضها من الأساس، بينما هاجمه كثيرون من عناصر «حماس» ووصفوه بأنه أحد «المتخاذلين أو المستسلمين».

وكتب الأسير المحرر والمختص بالشؤون الإسرائيلية عصمت منصور على صفحته في «فيسبوك» معلقاً على هذا الجدل: «لا تتهموا كل من يختلف أو يجتهد أو يحاول إثارة نقاش بجمل مسبقة وجاهزة ووضعه في خانة معادية للمقاومة وتحويل المقاومة إلى سيف مسلط على ألسن الناس».

ويرى المحلل السياسي مصطفى إبراهيم، أن هذا الخلاف، طبيعي في ظل الظروف التي تحكم الفلسطينيين، لكنه يعتقد أنه كان من الصواب لو اعترفت «حماس» بأنها ربما قد تكون أخطأت التقدير في ظروف ردة الفعل الإسرائيلية على مثل الهجوم الذي شنته، وكان من الممكن أن يكون بشكل مغاير يخفف من مثل ما يجري على الأرض من مجازر ترتكب يومياً.

وأضاف: «الفلسطينيون بحاجة لنقاش جدي حول كثير من القضايا خاصةً فيما يتعلق بما وصلت إليه القضية الفلسطينية على جميع المستويات».

وتجمع غالبية من الفلسطينيين على أن حركة «حماس» كانت قادرة على أن يكون الهجوم الذي نفذته في السابع من أكتوبر 2023، أكثر حكمةً وأقل ضرراً بالنسبة للغزيين في ردة فعلهم.

أطفال فلسطينيون يحضرون صفاً أقامته معلمة سابقة وأم من رفح لتعليم الأولاد في مركز نزوحهم بإحدى مدارس خان يونس (أ.ف.ب)

ويستدل الفلسطينيون خاصةً في غزة، على العديد من الهجمات التي كانت تنفذها «حماس» لمحاولة خطف إسرائيليين، بشكل يظهر حكمتها، كما جرى في عملية أسر جلعاد شاليط عام 2006.

وتقول مصادر من «حماس» لـ«الشرق الأوسط»، إن ما جرى كان خارج التوقعات، ولم يشمل المخطط الحقيقي للعملية، على الأقل أسر هذا العدد الكبير من الإسرائيليين.

وتعتقد مصادر أخرى أن القائمين على مخطط الهجوم، لو كانوا يدركون أنه سيسير بهذا الشكل، وتحديداً فيما يتعلق بردة الفعل الإسرائيلية، لصرفوا النظر أو أوقفوا الهجوم أو غيروا من تكتيكاته.

وإذا كان ثمة نقاش حول الثمن المدفوع الذي أرادت «حماس» أن تجبيه فإنها حتى الآن لم تُجبِه.

ويبدو أن التوصل لصفقة بين «حماس» وإسرائيل، أعقد مما تخيلت الحركة، في ظل رفض الأخيرة لكثير من الشروط التي وضعتها الأولى، خاصةً فيما يتعلق بالانسحاب من قطاع غزة بشكل كامل، وعودة النازحين من جنوب القطاع إلى شماله، والأزمة المتعلقة بشكل أساسي باليوم التالي للحرب.

وينوي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حتى الآن، المضي في حربه، من أجل مصالح سياسية وشخصية بشكل أساسي، وهو الأمر الذي تؤكده عوائل الأسرى الإسرائيليين وغيرهم وحتى جهات من المؤسسة الأمنية في تل أبيب، التي تشير إلى أن نتنياهو هو من يعرقل أي اتفاق مع «حماس».

وأكد المحلل السياسي مصطفى إبراهيم، أن «نتنياهو يفضل استمرار الحرب في غزة من أجل كسب الوقت للحفاظ على حكمه سياسياً ومنع تفكك ائتلافه الحكومي من جهة، ومنع مقاضاته من جهة أخرى، ولذلك طلب مؤخراً عدة مرات تأجيل شهادته في قضايا الفساد المتهم بها، كما أنه يسعى لسن قوانين تسمح له بعدم الوجود في أماكن معينة لوقت طويل خشيةً من استهدافه بالطائرات المسيّرة، بهدف المماطلة في جلسات المحاكمة».

ويعتقد إبراهيم أنه كان من الممكن سابقاً التوصل لاتفاق جزئي يضمن في نهايته انسحاب إسرائيل من قطاع غزة، إلا أن المشهد المعقد أيضاً في عملية اتخاذ القرار الفلسطيني داخل حركة «حماس» بشكل خاص، كان له أثر سلبي على ذلك، ما أضاع العديد من الفرص للتوصل لصفقة.

ويتفق إبراهيم مع الآراء التي تؤكد أن التوصل لصفقة يصبح أكثر تعقيداً وصعوبةً مع مرور الوقت.

وبانتظار أن ترى صفقة «حماس» النور أو لا... لم تكن «حماس» مخترعة العجلة في هذا الأمر.

صفقات تبادل سابقة

ونجح الفلسطينيون عبر تاريخ طويل في عقد عدة صفقات تبادل أسرى.

وكانت صفقة الجندي جلعاد شاليط هي الأولى بالنسبة لحركة «حماس»، وفي شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، كانت الصفقة الثانية بالنسبة لـ«حماس» خلال الحرب الحالية، بإطلاق سراح نحو 50 إسرائيلياً مقابل 150 فلسطينياً.

ويعود التاريخ الفلسطيني في صفقات التبادل، إلى يوليو (تموز) 1968، وهي الصفقة الأولى بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، حين نجح عناصر من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين إحدى فصائل المنظمة، باختطاف طائرة إسرائيلية تابعة لشركة العال، التي كانت متجهة من روما إلى تل أبيب وأجبرت على التوجه إلى الجزائر وبداخلها أكثر من مائة راكب، وتم إبرام الصفقة من خلال «الصليب الأحمر الدولي» وأفرج عن الركاب مقابل 37 أسيراً فلسطينياً من ذوي الأحكام العالية من ضمنهم أسرى فلسطينيون كانوا قد أسروا قبل عام 1967.

وفي يناير (كانون الثاني) 1971، جرت عملية تبادل أسير مقابل أسير ما بين حكومة إسرائيل وحركة «فتح»، وأطلق بموجبها سراح الأسير محمود بكر حجازي، مقابل إطلاق سراح جندي إسرائيلي اختطف في أواخر عام 1969.

وفي مارس (آذار) 1979، جرت عملية تبادل أخرى بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، حيث أطلقت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة، سراح جندي إسرائيلي كانت قد أسرته بتاريخ 5 أبريل (نيسان) 1978، في كمين قرب صور، وقتلت حينها 4 جنود آخرين، وأفرجت إسرائيل مقابل الجندي عن 76 معتقلاً فلسطينياً من بينهم 12 سيدة.

وفي منتصف فبراير (شباط) 1980 أطلقت حكومة إسرائيل سراح الأسير مهدي بسيسو، مقابل إطلاق سراح مواطنة عملت جاسوسة لصالح إسرائيل كانت محتجزة لدى حركة «فتح»، وتمت عملية التبادل في قبرص وبإشراف اللجنة الدولية لـ«الصليب الأحمر».

وفي 23 نوفمبر 1983، جرت عملية تبادل جديدة ما بين الحكومة الإسرائيلية، وحركة «فتح»، أفرج بموجبها عن جميع أسرى معتقل أنصار في الجنوب اللبناني وعددهم (4700) أسير فلسطيني ولبناني، و (65) أسيراً من السجون الإسرائيلية مقابل إطلاق سراح ستة جنود إسرائيليين أسروا في منطقة بحمدون في لبنان، فيما أسرت الجبهة الشعبية – القيادة العامة، جنديين آخرين.

وفي 20 مايو (أيار) 1985، أجرت إسرائيل عملية تبادل مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة، أطلق بموجبها سراح 1155 أسيراً كانوا محتجزين في سجونها المختلفة، مقابل ثلاثة جنود أسروا في عمليتين منفصلتين.

لكن ليس كل الصفقات تمت بمبادلة.

ولعل أبرز صفقة حصلت عليها «حماس» لم تشارك فيها بشكل مباشر، وكانت عام 1997، حين جرت اتفاقية تبادل ما بين الحكومة الإسرائيلية والحكومة الأردنية وأطلقت بموجبها الحكومة الأخيرة سراح عملاء الموساد الإسرائيلي الذين حاولوا اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» حينها خالد مشعل، فيما أطلقت حكومة إسرائيل سراح الشيخ أحمد ياسين مؤسس الحركة، الذي كان معتقلاً في سجونها منذ عام 1989 وكان يقضي حكماً بالسجن مدى الحياة، وكان لهذا الإفراج دور مهم في ارتفاع شعبية الحركة على مدار سنوات تلت ذلك، وخاصة بعد اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000.