بيروت وقد تحولت محطة لتدوير الشهادات العراقية المزوّرة

التعليم «سلعة» مقابل النفط... ضمن صفقات تخادم كبرى

أمل شعبان في مكتبها بوزارة التربية بعد الإفراج عنها (من صفحتها الشخصية على فيسبوك)
أمل شعبان في مكتبها بوزارة التربية بعد الإفراج عنها (من صفحتها الشخصية على فيسبوك)
TT

بيروت وقد تحولت محطة لتدوير الشهادات العراقية المزوّرة

أمل شعبان في مكتبها بوزارة التربية بعد الإفراج عنها (من صفحتها الشخصية على فيسبوك)
أمل شعبان في مكتبها بوزارة التربية بعد الإفراج عنها (من صفحتها الشخصية على فيسبوك)

صباح 27 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أوقف الأمن اللبناني مسؤولة بارزة في وزارة التربية للتحقيق في شبهات فساد بمعادلة شهادات طلبة عراقيين.

بعد نحو 20 يوماً، أُفرج عن أمل شعبان، رئيسة دائرة المعادلات في الوزارة، لتجد أمامها قرار إقالة موقعاً من وزير التربية عباس الحلبي، وخلافاً حاداً بين حزبها «تيار المستقبل» وحركة «أمل» المعنية بشكل غير مباشر بملف الشهادات، و«الحزب التقدمي الاشتراكي» الذي ينتمي إليه الحلبي.

مظاهرة احتجاجية لأساتذة لبنانيين أمام وزارة التربية والتعليم (أ.ب)

تحدثت مصادر عراقية لـ«الشرق الأوسط»، أن إقالة شعبان جاءت «استجابة لضغوط داخلية مارستها أحزاب لبنانية، وضغوط أحزاب عراقية هدّدت مرات عدّة بوقف المساعدات التي تقدمها للوزارة والمدارس الرسمية».

توقيف شعبان ومن ثم الإفراج عنها، رفع الغطاء عن لغز الشهية العراقية المفتوحة منذ سنوات للدراسة في جامعات لبنانية، وبدأ جدلٌ، وأُطلقت تساؤلات عما إذا كانت شعبان «كبش فداء» لإغلاق ملف التخادم بين قوى متنفذة بين بغداد وبيروت. ملف فاحت رائحته منذ أكثر من عامين ولا يزال يتفاعل بين الحين والآخر. ذلك مع العلم أن الشبهات تنقسم إلى شقين؛ الأول يتعلق بتمرير شهادات ثانوية مزورة ومعادلتها في بيروت، والثاني منح شهادات جامعية وعليا من دون الحضور والدراسة، مقابل مبالغ مالية.

عُقدة التكنوقراط العراقية

بدأت القصة في العراق، حينما اكتشفت أحزاب شيعية تولت السلطة بعد 2003 أنها لا تمتلك طواقم إدارية في صفوفها، وأن غالبية المنتمين إليها «مناضلون في المعارضة لم يتسنَّ لهم الانخراط في الدراسة»، ولا يمكنهم تولي مناصب في مؤسسات حكومية، بحسب مسؤول سابق في وزارة التعليم العراقية.

وفي السنوات القليلة التي تلت إسقاط نظام صدام حسين، واجهت تلك الأحزاب جيشاً من الموظفين المتهمين بالولاء لنظام البعث. وبالفعل تمت إزاحتهم بالتزامن مع هجرة غير مسبوقة لموظفين من مدن الشمال والجنوب إلى بغداد، وبعض غير المؤهلين منهم تسنموا مناصب رفيعة يفترض أن مستواهم التعليمي لا يؤهلهم لها، لكن عولجت شهاداتهم لاحقاً بطرق مشبوهة.

بعد إزاحة موظفي «النظام السابق»، توزع موظفو أحزاب المعارضة على غالبية مفاصل الدولة، وحين بدأ التنافس بين الأحزاب الشيعية نفسها كانت الحاجة تلح على قادتها للحصول على شهادات، بأسرع وقت ممكن.

«كانوا بحاجة إلى تأهيل أحزابهم خلال وقت قياسي (...) ولا يمكنهم انتظار سنوات الدراسة القانونية (4 سنوات) لأن المناصب التي يريدونها كانت معروضة عليهم في نطاق أشهر معدودة»، يقول المسؤول السابق.

في العراق، كان من الصعب الحصول على شهادات «في غمضة عين» للموظفين العاديين الذين تريد أحزابهم ترقيتهم أو تسليمهم مناصب من الفئة الأولى كدرجة مدير عام، خلافاً للوزراء الذين يمكنهم التسجيل في أي جامعة عراقية والحصول على شهادة منها من دون أن تتطلب حضورهم.

وفي عام 2016، عثرت قوى شيعية أبرزها «دولة القانون» بزعامة نوري المالكي، و«عصائب أهل الحق»، بزعامة قيس الخزعلي، على فكرة «شهادة الخدمة السريعة» من جامعات لبنانية، لتبدأ رحلة «تفويج الطلبة العراقيين إلى بيروت» على نحو ممنهج وغير مسبوق.

غسيل الشهادات

في بيروت، تحاول أمل شعبان إظهار أن قرار إقالتها من منصبها في وزارة التربية غير قانوني، لكن من الصعب الجزم ببراءتها أو تورطها بهذا الملف المتراكم منذ سنوات.

وعلمت «الشرق الأوسط» أن فريق الدفاع عنها «أنجز مراجعة قانونية سيتقدّم بها إلى مجلس شورى الدولة، للطعن بقرار إقالتها من منصبها الحساس».

وأوضح مصدر مقرب من الفريق القانوني لأمل شعبان أن الأخيرة «لا ترغب بالعودة إلى وظيفتها، بل جلّ ما تريده إظهار أن قرار وزير التربية غير قانوني، وبعدها ستسارع إلى تقديم استقالتها من الوظيفة».

وتوقّع مصدر قانوني مواكب للتحقيقات أن «يكشف قرار ظني من قاضي التحقيق خفايا عشرات الشهادات العراقية المزورة التي عبرت وزارة التربية تحت تأثير الضغوط السياسية».

وأشار المصدر اللبناني لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «الجهات الداخلية والخارجية التي تقف وراء هذه الشهادات معروفة الغايات والأهداف»، ولفت إلى أن القاضي بيرم «طلب من شعبة المعلومات في الأمن الداخلي تزويده بمستندات من التربية تبيّن الإجراءات المعتمدة في معادلة الشهادات، وتاريخ البدء بمعادلة الشهادات العراقية، ولماذا ارتفع الطلب عليها بهذا الشكل الكبير».

وبحسب المصدر، فإن التحقيقات لن تكتفي بما كان يجري في وزارة التربية، بل ستشمل عدداً من الجامعات التي انتسب إليها طلاب عراقيون قبل تعديل الشهادات الثانوية التي حصلوا عليها في بلادهم، وتبين أن عدداً كبيراً منها مزوّر.

وأوضح المصدر أن «جامعة قريبة من الثنائي الشيعي استقطبت أكبر عدد من الطلاب العراقيين، ومنحتهم شهادات في الدراسات العليا وفي الدكتوراه»، مستغرباً كيف أن هذه الجامعة «منحت في السنتين الأخيرتين شهادات عليا تفوق ما صدّرته كل الجامعات في لبنان، وهذا ما يثير الشكوك حولها».

ومعلوم أن غالبية العراقيين الذين تقدموا بطلب معادلة الشهادات والانتساب إلى جامعات لبنانية موظفون في المؤسسات العراقية، بعضهم ضباط في الأمن والشرطة، كانوا يطلبون إنجاز المعادلات دون حضورهم إلى لبنان مقابل أموال طائلة، لأن هذه الشهادات تخوّلهم الترقية في وظائفهم وزيادة رواتبهم بشكل كبير.

في المقابل، تقول مصادر عراقية على صلة بتحقيقات الشهادات الجامعية، التي فُتحت وأغلقت مراراً بلا نتائج، إن بيروت تحولت إلى محطة لـ«غسل الشهادات»، حتى الشباب العاديون الذين لم يأتوا عن طريق الأحزاب.

توافقت المصلحة العراقية في تأهيل موظفين غير مؤهلين مع مصالح قوى متنفذة في لبنان تحاول تعظيم موارد التعليم. ويقول قيادي شيعي بارز لـ«الشرق الأوسط» إن «أصدقاءنا اللبنانيين أرادوا منفعة من كل هذا (...) بعضهم فتح فروعاً إضافية لجامعات لبنانية، وهناك من أنشأ جامعة (خصيصاً) لهذا الغرض».

بالتزامن، نشأت في بيروت شبكة من سماسرة عراقيين لتسهيل «الأوراق المضروبة»، بعضهم لديهم غطاء من أحزاب «الإطار التنسيقي» في العراق، ويوجدون في بيروت لـ«أعمال حرة» أو نشاطات إعلامية.

يقول مصدر موثوق من وزارة التربية العراقية إن «مهمة هؤلاء هي تمرير شهادات ثانوية مزورة جاء بها طلبة عراقيون لمعادلتها في بيروت تمهيداً لانضمامهم إلى جامعاتها».

ولفت المصدر العراقي أن تدفق مثل هذه الشهادات «المضروبة» يتصاعد في السنة التي يشهد فيها العراق انتخابات تشريعية. فقانون الانتخابات العراقي يشترط أن يكون المرشح لعضوية مجلس النواب حاصلاً على شهادة البكالوريوس أو ما يعادلها.

ويقول المصدر إن السلطات العراقية فشلت على الدوام في تعقب الشهادات الثانوية التي جرى معادلتها في لبنان، كما يصعب التحقق من صحة غالبيتها.

وبحسب شهادة المسؤول العراقي السابق، فإن السماسرة العراقيين طوروا في بيروت شبكة علاقات واسعة تمتد من «موظفي السفارة العراقية إلى قياديين في (حركة أمل)، ومسؤولين صغار في وزارة التربية».

ويفيد هذا المسؤول بأنهم نظموا جلسات مشتركة بين جميع هذه الأطراف لتمرير شهادات مزورة. في بعض الأحيان يبذلون جهداً كبيراً لتمرير شهادة واحدة، قد تكون لشخصية متنفذة في بغداد.

رائحة لا يمكن إخفاؤها

بلغ ملف الشهادات العراقية في بيروت حد التخمة. لم يعد بإمكان المسؤولين اللبنانيين إخفاء رائحته، كما يصف مسؤول عراقي في وزارة التربية، يقول إنه عرف خلال عمله في الحكومة على الأقل 3 مسؤولين كبار حصلوا على ترقيات بفضل شهادات جاؤوا بها من لبنان.

«سمعت من مسؤول كبير في وزارة التعليم أن اللبنانيين أبدوا قلقهم من توسع الصفقة، ومن تمادي السماسرة (...) قالوا لنغلق هذا الملف، لكن قادة أحزاب شيعية أبلغوا أصدقاءهم في بيروت أن يعدوا التخادم في ملف الدراسة جزءاً من التسهيلات العراقية في عقد تصدير وقود الكهرباء».

وفي يوليو (تموز) 2021، وقّع العراق ولبنان اتفاقاً لبيع مليون طن من مادة زيت الوقود الثقيل بالسعر العالمي، على أن يكون السداد بالخدمات والسلع.

بعد ذلك بـ4 أشهر، استدعت وزارة التعليم العالي العراقية ملحقها الثقافي في بيروت، في إطار تحقيق في قضية منح جامعات لبنانية خاصة شهادات مزورة مقابل أموال، لمئات من العراقيين، بينهم نواب ومسؤولون، في خطوة دفعت وزارة التربية والتعليم اللبنانية إلى فتح تحقيق أيضاً.

تسرب من التحقيق حينها أن عدداً كبيراً من النواب والمسؤولين العراقيين حصلوا على شهادات دكتوراه وماجستير من 3 جامعات لبنانية، وأن أطروحة الدراسات العليا كانت تباع بـ10 آلاف دولار عن كل طالب.

ودرس معظم هؤلاء الطلبة عن بعد خلال تلك الفترة على خلفية الإجراءات الوقائية نتيجة لتفشي جائحة «كورونا».

وبحسب وكالة «فرانس برس»، فإن الطلبة العراقيين يتوزعون على 14 جامعة في لبنان، لكن أعداد الطلبة في الجامعة الحديثة للإدارة والعلوم، والجامعة الإسلامية في لبنان، وجامعة الجنان وحدها، يبلغ 6 آلاف من مجموع 13 ألفاً و800 طالب عراقي.

وانتهى التحقيق العراقي بوقف التعامل مع الجامعات الثلاث بسبب «غياب معايير الرصانة»، وفقاً لبيان عراقي صدر في 11 نوفمبر (تشرين الثاني) 2021.

العراق يتخلى عن الشريك اللبناني

مع تشكيل حكومة محمد شياع السوداني نهاية عام 2022، تراجعت أحزاب شيعية عراقية عن سوق الشهادات الجامعية في لبنان، وشجعت وزارة التعليم العالي التي يقودها نعيم العبودي، وهو من حركة «عصائب أهل الحق» الطلبة العراقيين على الدراسة في الجامعات الأهلية العراقية. بينما الوزير نفسه حاصل على شهادة من الجامعة الإسلامية في بيروت.

وفي مطلع 2023، أثير في بيروت جدل واسع على خلفية تقاعس مسؤولين في قوى الأمن الداخلي والقضاء اللبناني عن وقف تحقيق في ملف تزوير وثائق دراسية لطلبة عراقيين.

ويعترف أحد أعضاء مجلس إدارة جامعة أهلية في العراق ومقرّب من مموّلها أن «الأحزاب كانت تسعى في البداية لرفع مستوى أعضائها والمقربين منها بإيفادهم إلى لبنان، لكن بعد الاكتفاء من جامعات الدول الأخرى قررت هذه الأحزاب الإفادة من تجربة التعليم الأهلي بتأسيس جامعات أهلية داخل العراق لاستقطاب الطلبة العراقيين بدل سفرهم إلى الخارج».

ويضيف عضو مجلس إدارة الجامعة: «صاروا يقولون كنا نحتاج إلى خدمة سريعة واكتفينا، لماذا ندع لبنان تربح أكثر. الغرض ليس تجارياً فقط، فهنالك وزارات عدة لا تريد أن يسافر موظّفوها إلى الخارج، ولا سيّما المؤسسات الأمنية والعسكرية».

ولا يستبعد الموظف الجامعي الرفيع أن تكون الأحزاب العراقية هي التي قررت قلب الطاولة على الجامعات اللبنانية، لتحويل وجهة الطلبة العراقيين عنها لصالح جامعات عراقية، هي في الأغلب تابعة لأحزاب وقوى سياسية أو شخصيات مقربة منها من رجال الأعمال.

ويرجح أن «الجامعات اللبنانية هي التي شعرت بانقلاب الجامعات العراقية عليها من خلال نجاحها في استقطاب الطلبة العراقيين، لتقرر في السنوات الأخيرة تسهيل منح الشهادات لهم مع تخفيض الأجور لاستقطاب عدد أكبر».

وبدا أن العراقيين تركوا «أصدقاءهم» اللبنانيين متورطين في مسرح الجريمة، وسط أكوام من الأدلة والشواهد، ولم يجد الشركاء في «حركة أمل» سوى إغلاق الملف بالتضحية بالخاصرة الضعيفة، على ما يختم المسؤول العراقي السابق.


مقالات ذات صلة

إسرائيل تجدد استعدادها للحرب... ولبنان: الأبواب ليست موصدة

المشرق العربي الدخان يتصاعد من  قرية كفر حمام الحدودية جنوب لبنان إثر القصف الإسرائيلي (أ.ف.ب)

إسرائيل تجدد استعدادها للحرب... ولبنان: الأبواب ليست موصدة

تستمر التهديدات الإسرائيلية باتجاه لبنان الذي يتعاطى بحذر مع الوقائع الميدانية والسياسية، ويترقّب ما ستؤول إليه المفاوضات بشأن غزة ليبني على الشيء مقتضاه.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
شمال افريقيا جانب من امتحانات «الثانوية» في مصر (وزارة التعليم المصرية)

«التعليم المصرية» تُكثف الإجراءات ضد مُسربي الامتحانات في «الثانوية»

تكثف وزارة التربية والتعليم في مصر من إجراءاتها لمواجهة وقائع تسريب أسئلة امتحانات «الثانوية العامة»، والتصدي لحالات «الغش الإلكترونية».

أحمد إمبابي (القاهرة)
شؤون إقليمية وزير التعليم التركي يوسف تكين (إكس)

المدارس الفرنسية في تركيا تسبب أزمة بين البلدين

استنكر وزير التعليم التركي يوسف تكين «تعجرف» فرنسا في إطار أزمة بين البلدين بشأن وضع المدارس الفرنسية في تركيا.

«الشرق الأوسط» (أنقرة)
تكنولوجيا الروبوت أظهر القدرة على تنفيذ الحركات التي تعلَّمها (جامعة كاليفورنيا)

تدريب روبوت على الرقص والتلويح ومصافحة البشر

استطاع مهندسون في جامعة كاليفورنيا الأميركية تدريب روبوت على تعلّم وتنفيذ مجموعة متنوّعة من الحركات التعبيرية للتفاعل مع البشر، بما في ذلك رقصات بسيطة وإيماءات.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
شؤون إقليمية الإصلاحي مير حسين موسوي وزوجته زهرا رهنورد (إكس)

جامعة إيرانية تفصل ابنة زعيم الإصلاحيين وتوقفها عن العمل

فصلت جامعة إيرانية نجلة زعيم التيار الإصلاحي، مير حسين موسوي، ومنعتها من مزاولة التدريس نهائياً.

«الشرق الأوسط» (لندن)

«سودان بديل» في مصر يمنح أبناءه ملاذاً آمناً... ويثير حساسيات

TT

«سودان بديل» في مصر يمنح أبناءه ملاذاً آمناً... ويثير حساسيات

حضور سوداني لافت في الشوارع والميادين (الشرق الأوسط)
حضور سوداني لافت في الشوارع والميادين (الشرق الأوسط)

حين كانت الشمس تهبط في الأفق لتأذن لليل بالقدوم، بعد نهار صيفي ملتهب أشار الشاب السوداني مصعب حمدان (33 عاماً) بيده إلى «ميكروباص» متوجه نحو نهاية شارع السودان النابض بالحياة والصخب بالجيزة، ليكتشف عقب صعوده أن السائق والركاب جميعهم من بني وطنه.

لم يُبد مصعب (عامل النظافة بإحدى الشركات الخاصة) بحي المهندسين، أي إيحاء بالتعجب جراء هذا الانتشار اللافت لـ«الجلباب والتوب» بالأحياء المصرية، التي تكرست ملاذاً لآلاف النازحين الفارين من الحرب.

مقهى شعبي بالجيزة يضم تجمعاً سودانياً (الشرق الأوسط)

بعدما أسدل الليل ستاره؛ وصل مصعب إلى شارع «الملكة» المكتظ بالوجوه السمراء، ليجد لافتات المتاجر المضيئة وقد أضيأت بعبارات مثل «سنتر أم درمان لأجود اللحوم السودانية»، ومقهى «ملتقى أحباب السودان»، ومخبز «باب جنقرين للخبز البلدي السوداني»، و«مطعم القراصة» و«سلطان الكيف» التي تقع جميعها في نطاق جغرافي ضيق.

«نحن نعيش في مجتمع سوداني متكامل بمصر، لا ينقصنا أي شيء سوى المساحات الفسيحة وظلال الأشجار الوارفة»، وفق ما يقول مصعب لـ«الشرق الأوسط».

متجر لبيع الملابس السودانية (الشرق الأوسط)

الحضور السوداني الكثيف في أحياء مصرية، عكسته أرقام رسمية أشارت إلى وصول أكثر من نصف مليون نازح سوداني إلى الأراضي المصرية منذ اندلاع الحرب بين الجيش و«قوات الدعم السريع» العام الماضي، بينما أكد سوادنيون تحدثوا إلى «الشرق الأوسط» أن «الأعداد الحقيقية تفوق هذا الرقم بكثير، لا سيما بعد عبور أعداد كبيرة منهم بشكل غير نظامي عبر الصحراء على مدار الأشهر الماضية».

وتشكل الجالية السودانية في مصر من المقيمين والنازحين الجدد أكثر من نصف عدد المهاجرين بها، والذين يصفهم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بأنهم «ضيوف مصر»، وتقدر حكومته عددهم بنحو 9 ملايين شخص بينهم أكثر من 5 ملايين سوداني.

انتشار لافت للمحال السودانية بمحافظة الجيزة المصرية (الشرق الأوسط)

وتسبب التدفق الكبير في عدد السودانيين منذ اندلاع الحرب الأخيرة في بلادهم، في الضغط على مكاتب المفوضية الدولية لشؤون اللاجئين، في القاهرة والإسكندرية، حيث يتم استقبال نحو 3 آلاف طلب لجوء يومي، مما رفع عدد السودانيين المسجلين لدى المفوضية 5 أضعاف عمّا كان عليه سابقاً، ليبلغ اليوم 300 ألف. ويمثل هذا الرقم 52 في المائة من مجمل عدد اللاجئين المسجلين في مصر لدى المفوضية في أبريل (نيسان) الماضي.

تجمُّع سوداني على أحد المقاهي (الشرق الأوسط)

ولهذا السبب فإن المفوضية تتوقع «ازدياد الطلب على التسجيل بشكل مستمر في الأشهر المقبلة بسبب الوضع المضطرب في السودان، مع عدم وجود آفاق فورية لسلام مستدام في الأفق»، مقدرةً عدد السودانيين الذي ينتظرون التسجيل بنحو ربع مليون شخص.

تكتلات

شوارع العاصمة المصرية التي يبدو عليها الهدوء نهاراً، بفعل الحر القائظ، يملأها الصخب كلما اقترب قرص الشمس الذهبي من المغيب، حيث يجري تلطيفها بالمياه قبل أن تتمدد إليها كراسي المقاهي، التي يفضلها سودانيون للقاء بعضهم في ملاذهم الجديد المكتظ بأحياء مثل: «الملك فيصل»، وأرض اللواء، وإمبابة بالجيزة، وحدائق المعادي بالقاهرة، والعاشر من رمضان بالشرقية، وبعض مناطق الإسكندرية، وأسوان، حيث فرضت المتاجر والمطاعم والمخابز وصالونات الحلاقة ومحال بيع الملابس والعطارة واللحوم السودانية نفسها بشكل متزايد، وهو ما وُصف في وسائل الإعلام المصرية بـ«التكتلات السودانية».

لا تخطئ العين الوجود السوداني اللافت في الشوارع (الشرق الأوسط)

لا تخطئ العين الملامح السودانية والثوب التقليدي في الشوارع الرئيسية والفرعية بالقاهرة والجيزة، حيث يوجد الباعة السودانيون ومواطنوهم ممن اقتحموا مجالات عمل كانت مقتصرة على مصريين لعقود، من بينها قيادة سيارات الأجرة والميكروباص داخل الأحياء الشعبية؛ وهو ما عدّه مصعب «أمراً معبِّراً عن سرعة اندماج الوافدين الجدد في تفاصيل الحياة في مصر».

ومن فرط حضور «الزول»، (كلمة معناها الرجل في اللهجة السودانية)، أصبح معتاداً استخدام المفردات السودانية في المتاجر والشوارع والحارات ووسائل المواصلات، لكنَّ محمد عبد المجيد سائق إحدى سيارات الأجرة، التي تعمل في شارع السودان بالجيزة يتقن اللهجة العامية المصرية، ولذلك يجد بعض المصريين صعوبة في معرفة كونه سودانياً.

جانب من إقبال سودانيين على مفوضية اللاجئين بالقاهرة (مفوضية اللاجئين)

لقد تكيف عبد المجيد صاحب الوجه الدائري الباسم مع تفاصيل القيادة في الشوارع القاهرية، فبات يحفظ أسماء ومواقع المحطات عن ظهر قلب، مؤكداً أنه في أوقات متكررة تكون معظم حمولة سيارته من الركاب السودانيين الذين يندمج معهم بتشغيل أغانيهم الفلكلورية: «تشعر كأنك في فرح وليس في مواصلات عامة».

عبد المجيد ليس السائق السوداني الوحيد على خط «شارع السودان» بالجيزة، لكنه واحد من بين 30 سائقاً يحترفون السير في الزحام ويهربون منه إلى شوارع ضيقة بديلة.

السائق السوداني محمد عبد المجيد (الشرق الأوسط)

في أحد أروقة حي فيصل الشهير بالجيزة، كان صاحب متجر العطارة السوداني الستيني عادل محمد، الذي عكست عيناه طمأنينة ترسخت على مدى السنوات الخمس التي قضاها في مصر، ينتظر زبائنه المعتادين في المساء.

محل جزارة «أم درمان» لبيع اللحوم (الشرق الأوسط)

«رغم أن معظم زبائني من السودانيين المقيمين هنا فإن جيراني من المصريين يشترون منّي بهارات الطعام والزيت والسمن والسكر»، وفق قوله لـ«الشرق الأوسط». موضحاً أن «سبب اكتظاظ المنطقة بالسودانيين يعود إلى تفضيل كثير منهم الإقامة بجوار أقاربهم وعائلاتهم لتقليل الشعور بالغربة، وهو ما خلق مجتمعاً سودانياً متكاملاً هنا». مؤكداً أن «السودانيين يتمركزون في الجيزة، بدايةً من أول محيط شارع فيصل الشهير حتى نهايته لمسافة تقترب من 10 كيلومترات».

ملاذ بديل

لم تكن مواقع «التواصل الاجتماعي» بعيدة عن رصد هذا الوجود السوداني الكثيف في مصر، حيث كرست بعض مقاطع الفيديو فكرة وجود «سودان بديل في البلاد، ومن بينها تعليق مؤثّر سوداني تندَّر على الوجود المكثف لأبناء وطنه بحي فيصل بالجيزة قائلاً: «إذا كنت سودانياً تعيش في الخارج وترغب في رؤية أهلك وبلدك ما عليك سوى الذهاب إلى الجيزة المصرية».

وهو ما يؤكده مصعب، معتبراً أن «مراكز التعليم والمتاجر والمطاعم والمقاهي السودانية على اختلاف أشكالها وأنوعها؛ قد فرضت وجودها على الشارع المصري، حتى بات الخبز السوداني الأبيض ملمحاً مهماً في متاجر مصرية عديدة».

مَخبز سوداني (الشرق الأوسط)

وتشعر زينب مصطفى، وهي سيدة خمسينية قَدِمت إلى مصر من الولاية الشمالية بالسودان، بـ«الأمان» وهي تجلس داخل شقة فسيحة بمنطقة «اللبيني» بحي الهرم (غرب القاهرة) رفقة أبنائها وأختها وبناتها.

مكثت زينب فترة طويلة في مصر من دون زوجها الستيني الذي «لحق بها أخيراً بعد تمكنه من دخول مصر بشكل غير نظامي عبر الصحراء، وهو يبحث راهناً توفيق أوضاعه ليتمكن من العمل في أي وظيفة».

ويعد عشرات آلاف السودانيين الفارين من نار الحرب في السودان، مصر «الملاذ الأفضل» راهناً، لامتلاكها مقومات الحياة والبنية التحتية، ومن بينهم فاطمة حسن التي تمكنت من دخول مصر عبر مسارات التهريب الوعرة أخيراً.

سودانيات في محطة مترو «السودان» بالقاهرة (الشرق الأوسط)

خشيت فاطمة على بناتها من «الاغتصاب على يد الميليشيات المسلحة بالسودان»، وقررت دخول مصر بشكل غير نظامي، وفق ما قالته لـ«الشرق الأوسط».

الحر الشديد والعطش أنهكا فاطمة وبناتها الثلاث على مدار ساعات طويلة لم يذقن فيها طعم الراحة أو النوم، قبل أن تنجح في الوصول إلى الجيزة لتنضم إلى شقيقتها التي سبقتها إلى هناك منذ عدة أشهر، حسب قولها.

ورغم الإعلان عن توقيف حافلات لنازحين سودانيين دخلوا البلاد بطريقة غير نظامية في شهر يونيو (حزيران) الماضي، فإن عبد الله قوني المقيم في حي المعادي بالقاهرة منذ 15 عاماً ويقصده الكثير من النازحين السودانيين الجدد للمساعدة في توفير مسكن أو فرصة عمل، يؤكد «وصول نحو 11 حافلة من أسوان تقل سودانيين يومياً كلهم من المهاجرين غير النظاميين الذين يدفع الواحد منهم نحو 500 دولار أميركي للمهربين نظير نقله إلى مصر»، وهو ما تؤكده فاطمة كذلك.

تعليم

ومن بين أهم ملامح «السودان البديل» رؤية التلاميذ من أصحاب البشرة السمراء وهم في طريقهم من وإلى المدارس السودانية التي زاد عددها بشكل مطّرد خلال الأشهر الأخيرة، مما دعا السلطات المصرية إلى إغلاق بعضها من أجل «تقنين الأوضاع».

ويقدِّر سامي الباقر، المتحدث باسم نقابة المعلمين السودانية، عدد المدارس السودانية في مصر بنحو 300 مدرسة للتعليم الأساسي والمتوسط.

متجر في منطقة فيصل التي تشهد تكتلاً كبيراً للجالية السودانية (الشرق الأوسط)

ووجهت السفارة السودانية في القاهرة التي نقلت مقرها قبل سنوات من جاردن سيتي إلى حي الدقي، الشكر إلى الحكومة المصرية على تعاونها في إنجاح امتحانات الشهادة الابتدائية السودانية في شهر يونيو (حزيران) الماضي، عبر 6 مراكز تعليمية تابعة للسفارة، مشيرةً في بيان لها إلى «مشاركة 7 آلاف طالب إلى جانب أكثر من 400 مراقب من المعلمين».

وجامعياً قدّر أيمن عاشور، وزير التعليم العالي المصري، عدد الطلاب السودانيين الذين التحقوا العام الماضي بالجامعات المصرية بأكثر من 10 آلاف طالب.

وكان من بين النازحين السودانيين عدد كبير من الفنانين الذين استقروا في القاهرة على غرار الممثلة إيمان يوسف، والمخرج أمجد أبو العلا والمخرج محمد الطريفي والممثل نزار جمعة، الذين يرتحلون إلى الخارج لحضور فعاليات فنية ثم يعودون من جديد إلى مصر.

وبينما يلجأ السودانيون الذين دخلوا البلاد بشكل نظامي إلى توثيق عقود إيجار شققهم السكنية بمكاتب الشهر العقاري إلى جانب تسجيل أبنائهم في المدارس للحصول على إقامات قانونية في مصر، فإنه لا يوجد أمام النازحين غير النظاميين سوى «التصالح مع وزارة الداخلية المصرية» عبر إنجاز استمارة «تقنين وضع» ودفع رسوم تبلغ ألف دولار، أو التقدم إلى مفوضية اللاجئين والحصول على بطاقة «طالب لجوء».

حساسيات مصرية

مع هيمنة «الجلباب» و«التوب» السودانيين على شوارع وحارات مصرية، وتداول مقاطع لتجمعات سودانية كبيرة في القاهرة عبر «السوشيال ميديا»، والقلق من أخبار طرد مستأجرين مصريين لتسكين سودانيين بدلاً منهم؛ ظهرت بوادر «الحساسية» من «التكتلات السودانية» في مصر.

كما أثارت خرائط رفعها سودانيون لبلادهم تضم مثلث «حلايب وشلاتين»، (أقصى جنوب مصر مع الحدود السودانية)، جدلاً واسعاً، مما دفع السلطات المصرية أخيراً إلى اتخاذ إجراءات ضد هؤلاء النازحين وصلت إلى ترحيل بعضهم إلى بلادهم، وفق مصادر مصرية.

وزاد من وتيرة التحفظات، الإبلاغ عن إجراء أسر سودانية عمليات ختان لبناتهم في مصر، وهو ما واجهه مسؤولون مصريون بالتشديد على ضرورة تفعيل القانون المصري الذي يُجرِّم ختان الإناث.

ودخل إعلاميون مصريون على خط انتقادات «التكتلات السودانية»؛ وكان أبرزهم قصواء الخلالي، التي أعربت عن «قلقها» إزاء وجود تكتلات للاجئين في مناطق شعبية، معتبرةً هذا الأمر «خطيراً للغاية». فيما حذرت الإعلامية عزة مصطفى من «سيطرة بعض اللاجئين على مناطق كاملة من القاهرة، بعد مغادرة مصريين لها عقب رفع إيجارات الشقق». مشيرةً إلى «تداعيات تحمل مصر فاتورة ضخمة جراء استضافة اللاجئين على أراضيها».

وكغيره من عشرات المصريين الذين يعدّون أنفسهم «متضررين من الوجود السوداني المكثف»، لم يُخفِ السباك الستيني عيد محمود، صاحب الجسد النحيل تذمره من «هيمنة النازحين على المربع السكني الذي كان يقيم فيه بالقرب من جامعة القاهرة».

يقول عيد بنبرة يملأها الاستياء: «أجبرتني مالكة الشقة على إخلائها لتسكين أسرة سودانية بدلاً مني».

وبعدما كان عيد الذي يعول 3 فتيات يدفع 1600 جنيه مصري (الدولار الأميركي يساوي نحو 48 جنيهاً) بدل إيجار شهري خلال السنوات الماضية فإن مالكة العقار تحصل راهناً على 6 آلاف جنيه من المستأجرين السودانيين الجدد. وهو ما دفع مصريين إلى «دعوة الحكومة إلى التدخل حفاظاً على السِّلْم المجتمعي».

واضطر عيد إلى البحث عن شقة أخرى في منطقة توصف بأنها «متواضعة»، بـ3 آلاف جنيه.

وتفاعل برلمانيون مصريون مع دعوات تقنين أوضاع اللاجئين، من بينهم سهام مصطفى عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب، التي شددت في تصريحات تلفزيونية على أن «كل دول العالم ترفض دخول أي لاجئ أو مهاجر دون أوراق إثبات إقامته بهدف حصر أعداد الأجانب حفاظاً على الأمن القومي».

جانب من إقبال سودانيين على مفوضية اللاجئين بالقاهرة (مفوضية اللاجئين)

مضيفةً: «إن مصر تستضيف ملايين الأجانب وتوفر لهم الخدمات بنفس الأسعار المقدمة للمواطنين دون زيادة، رغم الأزمة الاقتصادية الحالية».

وأغلقت السلطات المصرية أخيراً عدداً من المدارس السودانية بداعي عدم استيفاء الشروط. وطالبت سفارة السودان بالقاهرة، أصحاب المدارس، بـ«التزام ثمانية شروط، وضعتها مصر لتقنين أوضاع المدارس المغلقة»، وقالت إنها «تُجري اتصالات مستمرة لحل الأزمة».

ويرى عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية السفير صلاح حليمة، أن «الإجراءات المصرية الأخيرة التي هدفت إلى تقنين أوضاع السودانيين في البلاد «طبيعية جداً في ظل ازدياد أعدادهم بالبلاد»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «تنظيم اللجوء والإقامة مع طلب زيادة المساعدات من المنظمات الدولية والإقليمية يعدان الخيار الأفضل راهناً للقاهرة».

فيما يؤكد محمد جبارة، أمين «العلاقات الخارجية» بجمعية الصداقة السودانية - المصرية، والمستشار الإعلامي السابق بسفارة الخرطوم في القاهرة، أن «التجمعات السودانية الكبيرة في الشوارع والميادين تثير حساسيات مجتمعية وأمنية بمصر». متهماً بعض أصحاب المدارس السودانية بالتسبب في إغلاقها، لا سيما بعد منح السلطات المصرية أكثر من مهلة لمطابقة المواصفات المحلية وتقنين الأوضاع.

إقبال لافت على مكتب مفوضية اللاجئين بالقاهرة (مفوضية اللاجئين)

وكشف عن «نية سفارة بلاده تنظيم مهرجان كبير بعنوان (شكراً مصر) كنوع من (رد الجميل) لاستضافتها جالية كبيرة من أبناء الوطن».

تخفيف الأعباء

بسبب الأزمة الاقتصادية، طالبت مصر المجتمع الدولي بدعمها في «تحمل أعباء اللاجئين». ورأى وزير الخارجية المصري السابق سامح شكري، عقب لقائه مدير عام المنظمة الدولية للهجرة إيمي بوب، أن الدعم الذي تتلقاه مصر من المجتمع الدولي «لا يتناسب مع ما تتحمله من أعباء، في ظل ما يعانيه الاقتصاد المصري من تبعات الأزمات العالمية.

وأطلقت الحكومة المصرية أخيراً عملية لحصر أعداد اللاجئين المقيمين على أراضيها، بهدف احتساب تكلفة استضافتهم، والوقوف على الأعباء المالية، في ظل أزمة اقتصادية تعانيها البلاد.

وطالبت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بمصر، في بيان في شهر أبريل الماضي، بالحصول على 175.1 مليون دولار لتلبية الاحتياجات الأكثر إلحاحاً للاجئين السودانيين الذين فروا إلى مصر منذ منتصف أبريل 2023.

سودانيون بالقرب من شارع السودان الشهير بالجيزة (الشرق الأوسط)

وبينما يؤكد الخبير الاقتصادي المصري الدكتور مدحت نافع، تكبد مصر أعباء اقتصادية جراء استضافة هذا العدد الكبير، فإنه في الوقت نفسه يرى أنه «يمكن الاستفادة منهم، إذا قُننت أوضاعهم المادية وطرق عملهم واستثمار بعضهم في مصر».

ويقترح نافع في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» تحصيل أي رسوم تخص الوافدين بمصر بالدولار، ويرى أنه يوجد من بين المقيمين في مصر مستثمرون يقدمون فرصة لتعزيز وجود رؤوس الأموال وحركة الاقتصاد.

ويراهن مصعب في النهاية على تفهم كثير من المصريين للأوضاع الخطرة في السودان، وعلى الروابط المشتركة بين الشعبين، لاستيعاب «الضيوف الجدد»، مؤكداً أن الحساسيات التي تنشأ بين «أبناء وادي النيل» ليست سوى «سحابة صيف عابرة» ستزول بمجرد انتهاء الحرب وتحسن الأوضاع في بلاده.