السعودية... 100 عام من التجربة الشورية العريقة

تقليد ملكي لافتتاح أعمال المجلس... والملك فيصل تولى رئاسته 49 عاماً

مجلس الشورى السعودي
مجلس الشورى السعودي
TT

السعودية... 100 عام من التجربة الشورية العريقة

مجلس الشورى السعودي
مجلس الشورى السعودي

الملك عبد العزيز في صورة نادرة عند إقرار أول مجلس للشورى في الدولة الناشئة

منذ بدايات الدولة السعودية الحديثة، أرسى الملك عبد العزيز ثوابت وسنّ تقاليد راسخة منها اختيار الشورى منهاجاً وركيزة من ركائز حكمه الرشيد، ففي عهده تأسس مجلس الشورى وتعدّ تلك الخطوة أولى النقلات لمأسسة ممارسات الحكم، وهي النقلة أو التجربة التي أسست لمنظومة من المؤسسات الدستورية في الدولة الناشئة.

بداية المجلس الأهلي

بدأ ذلك الحراك الدستوري في شهر رجب 1343هـ - فبراير (شباط) 1925م بتشكيل «المجلس الأهلي» برئاسة الشيخ عبد القادر الشيبي، والذي أعيد تشكيله بعد نحو ستة أشهر بمسمى «مجلس الشورى الأهلي»، وانتُخب السيد محمد المرزوقي أبو حسين رئيساً، والشيخ عبد القادر الشيبي نائباً للرئيس والشيخ محمد سرور الصبان أميناً للسر. وفي عصر يوم الثلاثاء 13 محرم 1344هـ - 5 أغسطس (آب) 1925م افتتح عظمة السلطان عبد العزيز - كما كان يسمى وقتذاك – دورة انعقاد المجلس في مقرّه بدار الحكومة (مبنى الحميدية) بمكة المكرمة، وألقى ما يمكن عدّه أول «خطاب ملكي» في مجلس الشورى، واللافت أن ذلك الخطاب جاء في جزأين: الكلمة المختصرة التي ارتجلها الملك وتضمنت توجيهاته ورؤيته لعمل المجلس، أما الكلمة الموسعة أو البيان الرسمي فألقاها المستشار حافظ وهبة، وهذا التقليد استمر العمل به أحياناً، منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم، وعدّ الأعضاء ذلك الخطاب الملكي «برنامج عمل» للمجلس، وقرّروا تشكيل لجان للنظر في كل الفروع التي وردت في الخطاب وبحثها ثم رفع النتائج لعظمة السلطان بعد إقرارها من المجلس، فيما يشبه الجواب على الخطاب الملكي.

اللبنة الأولى في البناء الشوري

وفي 2 ذو القعدة 1344هـ - 13 مايو (أيار) 1926م نُشر بلاغ رسمي لانتخاب المجالس الاستشارية بما فيها مجلس الشورى، وصدر مرسوم ملكي في 12 ذو القعدة 1344هـ - 23 مايو 1926م بإسناد رئاسة مجلس الشورى للشريف محمد شرف باشا بن عدنان آل غالب. إلا أن كل تلك المجالس لم تتشكل أصلاً بسبب قِصر المدة بين الدعوة لتشكيلها وصدور التعليمات الأساسية (أول وثيقة دستورية منشورة)، والتي نصت مواد القسم الرابع منها على تشكيل «المجلس الشوري».

الملك فيصل بن عبد العزيز حينما كان نائباً للملك في الحجاز

فشُكّل برئاسة نائب الملك في الحجاز في شهر صفر 1345هـ - سبتمبر (أيلول) 1926م، وكان نائبه مستشاره الشيخ عبد العزيز بن محمد العتيقي. وحقيقة، تعدّ تلك المجالس الثلاثة وبغض النظر عن مسمياتها وتباين المؤرخين في تسميتها وقصر مدتها، اللبنة الأولى في البناء الشوري الهيكلي ومرحلة التجريب والاختبار للنموذج الذي ستبنى عليه دولة المؤسسات السعودية، من حيث أنظمة تلك المجالس وطرق تشكيلها (انتخاباً أو تعييناً) وسابقتها البرلمانية في المنطقة وآليات عملها وإنجازاتها، لكنه من المتعذر في مقال كهذا الإحاطة بكل التفاصيل التي تستحق إفرادها ببحث مستقل يغوص في ثنايا تلك التجربة ويقيس أثرها وما تلاها من تجارب دستورية سعودية أوصلتها إلى ما هي فيه اليوم.

المؤسس يفتتح المجلس بخطاب ملكي

الشريف شرف عدنان

وفي 9 محرم 1346هـ - 8 يوليو (تموز) 1927م وبناءً على توصيات لجنة التفتيش والإصلاح، وافق الملك على اعتماد نظام جديد للمجلس وتفريغ أعضائه وإعادة تشكيله برئاسة نائب الملك في الحجاز، وكان ينوب عنه في رئاسة الجلسات مستشاره الشريف محمد شرف عدنان.

مرسوم ملكي لإسناد مجلس الشورى للشريف عدنان

وفي 14 محرم – 13 يوليو 1927 افتتح الملك عبد العزيز دورته الأولى بخطاب ملكي، وهنا بعض مقتطفاته:

«- الحكومة جادة في إدخال كثير من الإصلاحات والأعمال النافعة.

- ستعرض على مجلسكم مشاريع وموضوعات عدة، منها:

- مشاريع حفر الآبار الارتوازية لأن المياه أهم ما نحتاج إليه

- مشاريع تعبيد الطريق بين مكة وجدة وتوسعة الشوارع في مكة.

- إصلاح إدارة البريد والبرق التي استكملت معداتها لتعمل بموجب الاتفاقات الدولية بعد انضمام المملكة للاتحاد البريدي الدولي.

- إصلاح شؤون المعارف وتوحيد نظام التعليم في البلاد.

- إصلاح الحالة الصحية، واتخاذ الأسباب لراحة الحجاج».

الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن ويقف خلفه الطيب الهزازي

المؤسّس وتطوير مجلس الشورى

وتعدّ هذه الدورة انطلاقة مجلس الشورى بشكله الذي استمر عليه لعقود، ثم جاءت الدورة الثانية فرأى الملك عبد العزيز ضرورة تطوير نظامه الذي صدر في 14 مادة مع ملحق من 7 مواد، كما صدر النظام الداخلي للمجلس في 24 مادة، وعُرف بنظام (1347هـ - 1928م)، واستمر العمل به لما يقارب 65 عاماً يمارس فيها المجلس اختصاصاته.

المرسوم الملكي بتشكيل مجلس الشورى عام 1955م

وإن كانت قلّت صلاحياته بعد إنشاء مجلس الوزراء عام 1373هـ - 1952م وصدور نظامه الذي منحه اختصاص السلطة التنظيمية، فكان لا بد من تطوير نظام مجلس الشورى بما يواكب مراحل التطور التي مرّت بها سلطات وأجهزة الدولة المختلفة، وكانت أولى المحاولات عندما بادر المجلس بإعداد مشروع تطوير نظامه ولائحته الداخلية عام 1373هـ - 1953م ورفعها إلى المقام السامي، وشكلت لجان لدراسة الموضوع، ثم دُرس في اللجنة المشكلة برئاسة الأمير مساعد بن عبد الرحمن عام 1382هـ - 1962م لإعداد مشروع النظام الأساسي للحكم، وبعد ذلك في اللجنة التي شُكّلت عام 1400هـ - 1980م برئاسة الأمير نايف بن عبد العزيز؛ فكان أحد مخرجاتها «نظام مجلس الشورى».

تشكيل مجلس الشورى عام 1955م

في 54 عاماً عُقد 5963 جلسة

وعلى الرغم من تأخر تطوير النظام لنحو 40 عاماً، فإن تجربة المجلس في مرحلته تلك ظلت محفورة في الذاكرة السياسية والإدارية وآثارها محفوظة في الأراشيف الحكومية، وأحصى المؤرخ الشوري السعودي الدكتور عبد الرحمن بن علي الزهراني، أن عدد دورات المجلس خلال تاريخه الممتد بين عامي 1346 و1400هـ - 1927 و1980م، كانت (51 دورة) عقد خلالها (5963 جلسة) وأصدر (8583 قراراً) تضمنت مئات الأنظمة واللوائح والتعليمات والتفسيرات وغيرها. وتعاقب على عضويته (85 عضواً) ( تراوح عدد أعضاء الدورة الواحدة بين 6 و25 عضواً)، كان أطولهم مدة الشيخ أحمد بن إبراهيم الغزاوي الذي استمرت عضويته 51 عاماً تدرج فيها من سكرتير إلى عضو إلى نائب دائم لرئيس المجلس، أما أقلهم مدة فكان الشيخ محمد الطيب الهزازي الذي كانت عضويته لمدة شهر واحد فقط، وكان تمديد العضوية سمة لتلك المرحلة، ووجدت أن متوسط عدد سنوات العضوية يصل إلى 10 سنوات ونصف السنة للعضو الواحد.

الملك فيصل... 49 عاماً رئيساً للمجلس

وتولى رئاسة المجلس منذ عام 1346هـ - 1927م وحتى وفاته عام 1395هـ - 1975م الملك فيصل، واستمر المجلس بعد ذلك مرتبطاً بالملك ويقوم بإدارة أعماله نائب الرئيس، وحتى صدور الأمر الملكي بتعيين الشيخ محمد بن إبراهيم بن جبير رئيساً عام 1413هـ - 1992م، ومما يجدر ذكره أن ابن جبير كان عضواً في اللجان التي درست تطوير نظام المجلس منذ عام 1382هـ - 1962م.

أما منصب نائب الرئيس، فقد تولاه كل من: الشيخ عبد الله بن محمد الفضل، والسيد صالح شطا، والشيخ عبد الله الشيبي، والشريف محمد شرف رضا، والشيخ أحمد الغزاوي والسيد صادق دحلان.

أحمد الغزاوي

كما تعاقب على أمانته العامة 7 أمناء عامون، هم: الشيخ أحمد الغزاوي، والسيد حمزة المرزوقي أبو حسين، والأستاذ فؤاد علي رضا، والسيد صادق دحلان، والسيد علوي العيدروس، والأستاذ محمد سعيد جوهرجي والأستاذ عبد الرزاق الطيب. ويلاحظ أيضاً أن هناك أسراً شورية تعددت أسماء منها في عضوية المجلس، مثل: الزواوي، وشطا، والشيبي، والفضل ونصيف. علماً أن آخر جلسة عقدها ذلك المجلس خلال دورته الـ51، كانت يوم 18 ذو القعدة 1400هـ - 27 سبتمبر 1980م.

مجلس الشورى... من مكة إلى الرياض

لكن اللافت، أنه بعد ذلك التاريخ لم تتوقف أعمال المجلس؛ بل استمر ككيان قائم له ميزانيته وموظفوه ومقرّه في حي الششة بمكة المكرمة، حيث أمانته العامة وجهازه الإداري، كما كان يتم التمديد إلى من بقي من أعضائه.

صادق دحلان

وبعد وفاة نائب رئيس المجلس الشيخ أحمد الغزاوي صدر الأمر السامي رقم (2931) في 13 رمضان 1401هـ - 14 يوليو 1981م، بأن يحل السيد صادق بن عبد الله دحلان محل الشيخ الغزاوي، في إدارة أعمال مجلس الشورى، حيث استمر حتى عام 1413هـ - 1992م وانتقال إدارات المجلس للرياض. من هنا يمكن القول إن مسيرة الشورى السعودية مستمرة منذ مائة عام، ولا أعلم سبباً في عدم استمرار المجلس في مرحلته الحالية امتداداً للمجلس السابق من حيث أرقام دوراته وسنواته، رغم أن المادة ثانياً من الأمر الملكي رقم (أ/91) الصادر بنظام مجلس الشورى نصت على: «يحل هذا النظام محل نظام مجلس الشورى الصادر عام 1347هـ...»؛ ما يؤكد أنه امتداد له وليس منفصلاً عنه!

خادم الحرمين الشريفين لدى افتتاحه أعمال السنة الجديدة لمجلس الشورى (واس)

تقليد ملكي عريق لافتتاح أعمال المجلس

أما عن الخطب الملكية في مجلس الشورى، فاستمرت تقليداً عريقاً طوال عهد الملك عبد العزيز، ومما يسترعي الانتباه أن مجلس الشورى كان له مقر صيفي في الطائف، حيث افتتح الملك عبد العزيز الدورة الثالثة وألقى الخطاب الملكي في قاعة المجلس بالطائف يوم 2 ربيع الأول 1349هـ - 27 يوليو 1930م، كما ناب عن الملك في إلقاء الخطاب الملكي كل من: ولي العهد (الأمير) سعود، ونائب الملك في الحجاز ورئيس مجلس الشورى (الأمير) فيصل، والأمراء منصور بن عبد العزيز وعبد الله الفيصل بصفتهما رئيسين لمجلس الشورى بالنيابة.

تلك الركائز التي أرساها الملك عبد العزيز في مرحلة دقيقة من عمر الدولة التي لم يكن اكتمل توحيدها بعد، وعلى الرغم من انشغاله في حروب التوحيد وتوطيد الأمن والاستقرار، فإنه كان حريصاً على تثبيت دعائم بناء الدولة واستكمال هياكلها التنظيمية ومؤسساتها الدستورية، والتي سار عليها أبناؤه ملوك المملكة العربية السعودية من بعده وطوّروا ممارساتها وتطبيقاتها.

الملك فهد بن عبد العزيز يصدر مرسوماً ملكياً بإصدار نظام مجلس الشورى ويحل محل النظام السابق الصادر عام 1347 للهجرة

فأصدر الملك فهد نظام مجلس الشورى عام 1412هـ – 1992م ونصت مادته 14: «يلقي الملك أو من ينيبه، في مجلس الشورى، كل سنة خطاباً ملكياً، يتضمن سياسة الدولة الداخلية والخارجية.»؛ لذا يمكن القول إن هذا الخطاب الملكي هو الوحيد المؤسس له دستورياً والمحدد مكانه ووقته.

الملك فهد بن عبد العزيز وبجواره ولي عهده الأمير عبد الله بن عبد العزيز أثناء افتتاح أولى جلسات مجلس الشورى عام 1993م

ركائز ثابتة في الخطابات الملكية

وبتتبع الخطابات الملكية في مجلس الشورى خلال 30 عاماً، وجدت أن إطارها العام استعراض للسياسة الداخلية والخارجية مع رصد للمنجزات وإلقاء الضوء على المستجدات والتطورات، وعلى الرغم من اختلاف تفاصيل مضامينها عاماً بعد عام، فإن ركائزها الأساسية ظلت ثابتة، ويمكن تلخيصها في:

- التأكيد على ثوابت الدولة ونهجها.

- التأكيد على مكانة المملكة العربية السعودية وتشرفها بخدمة الحرمين.

- التذكير بنعمة الأمن والاستقرار وضرورة الحفاظ عليها.

- استعراض المنجزات والمستهدفات التنموية وأن المواطن هو محورها.

- إيضاح الأدوار الإنسانية والإغاثية.

- بيان المواقف السياسية السعودية.

- استعراض للجوانب الاقتصادية من مبادرات ومخرجات للخطط، والإشارة للسياسات المالية والبترولية.

- التطرق إلى الشأن الاجتماعي بمختلف جوانبه وأبعاده.

ولا يخلو الخطاب عادة من ملامسة لموضوعات الساعة مع ختمه بعبارات الشكر.

ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يلقي الخطاب الملكي السنوي لافتتاح أعمال مجلس الشورى (واس)

أما عن من ألقى الخطاب الملكي خلال تلك الأعوام، فكل من: الملك فهد وناب عنه في بعض السنوات ولي عهده (الأمير) عبد الله، ثم الملك عبد الله وناب عنه ولي عهده (الأمير) سلمان، ثم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وأناب عنه هذا العام ولي عهده الأمير محمد بن سلمان.

ثلاثة عقود منذ صدور نظام المجلس بعد تطويره، والمجلس يتشرف سنوياً بتلقي الخطاب الملكي في بداية كل سنة شورية؛ ما يؤكد تقدير القيادة للدور الوطني الذي يقوم به مجلس الشورى في اقتراح الأنظمة والقوانين وتطوير البنية التشريعية للجهاز الحكومي والإداري للدولة، خاصة خلال هذه المرحلة التنموية التاريخية التي تشهد فيها المملكة العربية السعودية حراكاً تشريعياً يواكب متطلبات «رؤية السعودية 2030»، ويلبي تطلعاتها المستقبلية ومستهدفاتها الوطنية، كما يعكس الدعم الذي يحظى به مجلس الشورى من القيادة السعودية ما يُمكّنه من القيام بدوره الرقابي والتشريعي، وأداء دوره البرلماني الوطني بالكفاءة المطلوبة.

مراحل وتحولات وأدوار في مجلس الشورى

وهنا، لا بد من توضيح أن المجلس مرّ بمراحل وتطورات وتحولات طوال مسيرته الممتدة وأدى أدواراً متعددة، فإضافة إلى دوره التشريعي، كُلف مهمات تفتيشية، وأسند إليه النظر في الأمور الإدارية، كما كان حاضراً في كثير من المحطات المفصلية في تاريخ الوطن، فمن أعضائه رُفع مشروع نظام إعلان توحيد البلاد وتسميتها المملكة العربية السعودية بدلاً من مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها عام 1351هـ - 1932م، كما اشترك مع مجلس الوكلاء ورئاسة القضاء في ترشيح الأمير سعود لولاية العهد عام 1352هـ - 1933م، وفي عام 1355هـ - 1936م أعد مشروع النظام الأساسي للمملكة من (140) مادة ورفعه للمراجع العليا، كما اشترك مع مجلس الوزراء في إصدار بيان مبايعة الملك فيصل عام 1384هـ - 1964م، وغير ذلك كثير.

لذا؛ كان للمجلس دوره وتاريخه وإن قلت صلاحياته وتحولت كثير من اختصاصاته السابقة إلى أجهزة ومؤسسات أخرى، لكنه بقي كمؤسسة دستورية قائمة تنتظر تطوير نظامها ورهن إشارة الملك في أي وقت، كما كان دوماً حاضراً في ذهن القيادة، ومما يدل على ذلك أمر الملك فهد ببناء مقر للمجلس وفق أحدث التصاميم وتجهيزه بأفضل التقنيات ضمن مجمع قصر اليمامة في الرياض، وكان ذلك في أواسط الثمانينات الميلادية من القرن المنصرم وقبل صدور نظام المجلس وإعادة تشكيله بسنوات. ومن هنا يمكن أن نفهم ما سبق أن ذكره الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد، في حديث نقله الكاتب السعودي خالد بن حمد السليمان، «أن تطوير دور وتعزيز صلاحيات مجلس الشورى هو إحدى الخطوات القادمة على طريق الإصلاح».

ومن الموافقات، أن الخطاب الملكي هذا العام جاء ونحن في منتصف رحلة الإنجاز نحو 2030 وقد تحقق الكثير، وكان مدعماً بالأرقام والمؤشرات؛ مما يبشر بمزيد من النجاحات الاقتصادية، كما أن تسهيل أداء الحج والعمرة لما يقارب 12 مليون مسلم، واستضافة عدد من القمم الكبرى جمعت أكثر من (100) دولة في عام واحد، عدا تنظيم عشرات المؤتمرات والمنتديات والمعارض والفعاليات الكبرى المختلفة، يعكس الدور الريادي للمملكة والإمكانات التي تؤهلها لاستضافة أبرز المحافل العالمية.

جانب من كلمة ولي العهد السعودي أمام «الشورى» (واس)

الخطاب الملكي وخريطة الطريق

ولا بد من الإشارة إلى أن المادة 14 في نظام مجلس الشورى والتي نصت على إلقاء الخطاب الملكي، جاءت قبل المادة التي حددت مدة المجلس، وتلتها المادة التي تضمنت اختصاصاته، ويمكن أن يُفهم من ذلك أن الخطاب الملكي ليس الغرض منه الإفصاح عن السياسة الداخلية والخارجية للدولة فحسب؛ بل وتزويد المجلس بخريطة طريق وبرنامج عمل لسنته التشريعية. وقد لا يكون معلوماً لدى كثيرين أن المجلس يعد جواباً على الخطاب الملكي، ووفقاً للمواد الواردة في قواعد عمله، يتم اختيار لجنة من بين أعضائه لإعداد مشروع الجواب على خطاب الملك، وبعد إقرار الجواب من المجلس يرفع إلى الملك.

كل ذلك يؤكد أن الخطاب السنوي في مجلس الشورى ليس خطاباً حولياً روتينياً؛ لكنه تقليد ملكي دستوري عريق، له ركائزه وبروتوكولاته، ويمكن من خلاله فهم سياقات كثيرة لتاريخ المملكة العربية السعودية وقراءة لحاضرها واستشراف لمستقبلها. إن مائة عام من التجربة الشورية الفريدة بأبعادها وقواعدها وتطبيقاتها كافة وما يصاحبها من التقاليد الملكية الأصيلة ليست بالمدة اليسرة؛ لذا أرى أن الرجوع للخطابات الملكية يمكن أن يؤرخ للسياسة السعودية الداخلية والخارجية في 100 عام، كما أن تلك الخطب والكلمات لا تمثل خريطة طريق لمجلس الشورى وبقية مؤسسات الدولة فحسب؛ لكنها مفاتيح مهمة لقراءة المستقبل السعودي من قِبل المحللين والباحثين، ووثائق تاريخية للدارسين والمؤرخين.


مقالات ذات صلة

السعودية: انضمام عضوين لـ«كبار العلماء» و77 لـ«الشورى»

الخليج تضم هيئة كبار العلماء الشيخ عبد العزيز آل الشيخ رئيساً و20 عضواً (واس)

السعودية: انضمام عضوين لـ«كبار العلماء» و77 لـ«الشورى»

أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز أمرَين ملكييْن بإعادة تكوين «هيئة كبار العلماء» و«مجلس الشورى»، شهدا انضمام عضوين جديدين للهيئة و77 للمجلس.

غازي الحارثي (الرياض)
الاقتصاد تحركات حكومية مكثفة لرفع نسبة تملك المواطنين للمسكن الأول (الشرق الأوسط)

«الشورى» السعودي يطالب بزيادة دعم القروض العقارية للمواطنين

طالب مجلس الشورى السعودي، بدراسة إمكانية زيادة مقدار المبلغ غير المسترد الذي يدفعه صندوق التنمية العقارية للمواطن لتملك مسكنه الأول.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد مشروع محطة سكاكا لإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية (الشرق الأوسط)

السعودية: مطالب بإنشاء مشاريع صغيرة لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية

طالب مجلس الشورى السعودي بتشجيع ودعم القطاع الخاص للاستثمار في إنشاء مشروعات صغيرة ومتوسطة لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

غزة... تاريخ من المواجهات والحروب قبل السابع من أكتوبر

TT

غزة... تاريخ من المواجهات والحروب قبل السابع من أكتوبر

مخيم نازحين في دير البلح عند شاطئ غزة (أرشيفية - أ.ب)
مخيم نازحين في دير البلح عند شاطئ غزة (أرشيفية - أ.ب)

في المنطقة الجنوبية من الساحل الفلسطيني على البحر المتوسط، على مساحة لا تزيد على 360 كيلومتراً مربعاً، بطول 41 كم، وعرض يتراوح بين 5 و15 كم، يعيش في قطاع غزة نحو مليوني نسمة، ما يجعل القطاع البقعة الأكثر كثافة سكانية في العالم.

تبلغ نسبة الكثافة وفقاً لأرقام حديثة أكثر من 27 ألف ساكن في الكيلومتر المربع الواحد، أما في المخيمات فترتفع الكثافة السكانية إلى حدود 56 ألف ساكن تقريباً بالكيلومتر المربع.

تأتي تسمية القطاع «قطاع غزة» نسبة لأكبر مدنه، غزة، التي تعود مشكلة إسرائيل معها إلى ما قبل احتلالها في عام 1967، عندما كانت تحت الحكم المصري.

فقد تردد ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل، في احتلال القطاع بعد حرب 1948، قبل أن يعود بعد 7 سنوات، في أثناء حملة سيناء، لاحتلاله لكن بشكل لم يدُم طويلاً، ثم عاد واحتله وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه ديان عام 1967.

خيام النازحين الفلسطينيين على شاطئ دير البلح وسط قطاع غزة الأربعاء (إ.ب.أ)

في عام 1987، أطلق قطاع غزة شرارة الانتفاضة الشعبية الأولى، وغدا مصدر إزعاج كبيراً لإسرائيل لدرجة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إسحاق رابين، تمنى لو يصحو يوماً ويجد غزة وقد غرقت في البحر.

لكن غزة لم تغرق كما يشتهي رابين، ورمتها إسرائيل في حضن السلطة الفلسطينية عام 1994 على أمل أن تتحول هذه السلطة إلى شرطي حدود. لكن هذا كان أيضاً بمثابة وهم جديد؛ إذ اضطرت إسرائيل إلى شن أولى عملياتها العسكرية ضد غزة بعد تسليمها السلطة بنحو 8 سنوات، وتحديداً في نهاية أبريل (نيسان) 2001.

وفي مايو (أيار) 2004، شنت إسرائيل عملية «قوس قزح»، وفي سبتمبر (أيلول) 2004، عادت ونفذت عملية «أيام الندم». ثم في 2005، انسحبت إسرائيل من قطاع غزة ضمن خطة عرفت آنذاك بـ«خطة فك الارتباط الأحادي الجانب».

بعد الانسحاب شنت إسرائيل حربين سريعين، الأولى في 25 سبتمبر (أيلول) 2005 باسم «أول الغيث»، وهي أول عملية بعد خطة فك الارتباط بأسبوعين، وبعد عام واحد، في يونيو (حزيران) 2006، شنت إسرائيل عملية باسم «سيف جلعاد» في محاولة فاشلة لاستعادة الجندي الإسرائيلي الذي خطفته «حماس» آنذاك جلعاد شاليط، بينما ما زالت السلطة تحكم قطاع غزة.

عام واحد بعد ذلك سيطرت حماس على القطاع ثم توالت حروب أكبر وأوسع وأضخم تطورت معها قدرة الحركة وقدرات الفصائل الأخرى، مثل «الجهاد الإسلامي» التي اضطرت في السنوات الأخيرة لخوض حروب منفردة.

ظلت إسرائيل تقول إن «طنجرة الضغط» في غزة تمثل تهديداً يجب التعامل معه حتى تعاملت معها «حماس» في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) بانفجار لم تتوقعه أو تستوعبه إسرائيل وجر حرباً دموية على غزة، وأخرى على لبنان، وسلسلة مواجهات باردة في جبهات أخرى في حرب تبدو نصف إقليمية، وما أسهل أن تتحول إلى نصف عالمية.

أبرز الحروب

«الرصاص المصبوب» حسب التسمية الإسرائيلية أو «الفرقان» فلسطينياً:

بدأت في 27 ديسمبر (كانون الأول) 2008، وشنت خلالها إسرائيل إحدى أكبر عملياتها العسكرية على غزة وأكثرها دموية منذ الانسحاب من القطاع في 2005. واستهلتها بضربة جوية تسببت في مقتل 89 شرطياً تابعين لحركة «حماس»، إضافة إلى نحو 80 آخرين من المدنيين، ثم اقتحمت إسرائيل شمال وجنوب القطاع.

خلفت العمليات الدامية التي استمرت 21 يوماً، نحو 1400 قتيل فلسطيني و5500 جريح، ودمر أكثر من 4000 منزل في غزة، فيما تكبدت إسرائيل أكثر من 14 قتيلاً وإصابة 168 بين جنودها، يضاف إليهم ثلاثة مستوطنين ونحو ألف جريح.

وفي هذه الحرب اتهمت منظمة «هيومان رايتس ووتش» إسرائيل باستخدام الفسفور الأبيض بشكل ممنهج في قصف مناطق مأهولة بالسكان خلال الحرب.

«عمود السحاب» إسرائيلياً أو «حجارة السجيل» فلسطينياً:

أطلقت إسرائيل العملية في 14 نوفمبر (تشرين الثاني) 2012 باغتيال رئيس أركان «حماس»، أحمد الجعبري. واكتفت إسرائيل بالهجمات الجوية ونفذت مئات الطلعات على غزة، وأدت العمليات إلى مقتل 174 فلسطينياً وجرح 1400.

شنت «حماس» أعنف هجوم على إسرائيل آنذاك، واستخدمت للمرة الأولى صواريخ طويلة المدى وصلت إلى تل أبيب والقدس وكانت صادمة للإسرائيليين. وأطلق خلال العملية تجاه إسرائيل أكثر من 1500 صاروخ، سقط من بينها على المدن 58 صاروخاً وجرى اعتراض 431. والبقية سقطت في مساحات مفتوحة. وقتل خلال العملية 5 إسرائيليين (أربعة مدنيين وجندي واحد) بالصواريخ الفلسطينية، بينما أصيب نحو 500 آخرين.

مقاتلون من «كتائب القسام» التابعة لـ«حماس» في قطاع غزة (أرشيفية - «كتائب القسام» عبر «تلغرام»)

«الجرف الصامد» إسرائيلياً أو «العصف المأكول» فلسطينياً:

بدأتها إسرائيل يوم الثلاثاء في 8 يوليو (تموز) 2014، ظلت 51 يوماً، وخلفت أكثر من 1500 قتيل فلسطيني ودماراً كبيراً.

اندلعت الحرب بعد أن اغتالت إسرائيل مسؤولين من حركة «حماس» اتهمتهم أنهم وراء اختطاف وقتل 3 مستوطنين في الضفة الغربية المحتلة.

شنت إسرائيل خلال الحرب أكثر من 60 ألف غارة على القطاع ودمرت 33 نفقاً تابعاً لـ«حماس» التي أطلقت في هذه المواجهة أكثر من 8000 صاروخ وصل بعضها للمرة الأولى في تاريخ المواجهات إلى تل أبيب والقدس وحيفا وتسببت بشل الحركة هناك، بما فيها إغلاق مطار بن غوريون.

قتل في الحرب 68 جندياً إسرائيلياً، و4 مدنيين، وأصيب 2500 بجروح.

قبل نهاية الحرب أعلنت «كتائب القسام» أسرها الجندي الإسرائيلي شاؤول آرون، خلال تصديها لتوغل بري لجيش الاحتلال في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، وما زال في الأسر.

«صيحة الفجر»:

عملية بدأتها إسرائيل صباح يوم 12 نوفمبر عام 2019، باغتيال قائد المنطقة الشمالية في سرايا القدس (الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي) في غزة، بهاء أبو العطا، في شقته السكنية في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، وردت «حركة الجهاد الإسلامي» بهجوم صاروخي استمر بضعة أيام، أطلقت خلالها مئات الصواريخ على مواقع وبلدات إسرائيلية.

كانت أول حرب لا تشارك فيها «حماس» وتنجح إسرائيل في إبقائها بعيدة.

طفل فلسطيني يسير أمام أنقاض المباني في مدينة غزة (أ.ف.ب)

«حارس الأسوار» أو «سيف القدس»:

بدأت شرارتها من القدس بعد مواجهات في حي الشيخ جراح، واقتحام القوات الإسرائيلية للمسجد الأقصى ثم تنظيم مسيرة «الأعلام» نحو البلدة القديمة، وهي المسيرة التي حذرت «حماس» من أنها إذا تقدمت فإنها ستقصف القدس، وهو ما تم فعلاً في يوم العاشر من مايو (أيار) عام 2021.

شنت إسرائيل هجمات مكثفة على غزة وقتلت في 11 يوماً نحو 250 فلسطينياً، وأطلقت الفصائل أكثر من 4 آلاف صاروخ على بلدات ومدن في إسرائيل، ووصلت الصواريخ إلى تخوم مطار رامون، وقتل في الهجمات 12 إسرائيلياً.

 

«الفجر الصادق» أو «وحدة الساحات»:

كررت إسرائيل هجوماً منفرداً على «الجهاد» في الخامس من أغسطس (آب) 2022 واغتالت قائد المنطقة الشمالية لـ«سرايا القدس» (الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي) في غزة، تيسير الجعبري، بعد استنفار أعلنته «الجهاد» رداً على اعتقال مسؤول كبير في الحركة في جنين في الضفة الغربية، وهو بسام السعدي.

ردت «حركة الجهاد الإسلامي» بمئات الصواريخ على بلدات ومدن إسرائيلية، وقالت في بيان إنها عملية مشتركة مع كتائب المقاومة الوطنية وكتائب المجاهدين وكتائب شهداء الأقصى (الجناح العسكري لحركة فتح)، في انتقاد مبطن لعدم مشاركة «حماس» في القتال. توقفت العملية بعد أيام قليلة إثر تدخل وسطاء. وقتل في الهجمات الإسرائيلية 24 فلسطينياً بينهم 6 أطفال.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام خريطة لغزة خلال مؤتمره الصحافي في القدس ليلة الاثنين (إ.ب.أ)

«السهم الواقي» أو «ثأر الأحرار»:

حرب مفاجئة بدأتها إسرائيل في التاسع من مايو 2023، باغتيال 3 من أبرز قادة «سرايا القدس» (الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي في قطاع غزة)، أمين سر المجلس العسكري لسرايا القدس، جهاد غنام (62 عاماً)، وقائد المنطقة الشمالية في السرايا خليل البهتيني (44 عاماً)، وعضو المكتب السياسي أحد مسؤولي العمل العسكري في الضفة الغربية، المبعد إلى غزة، طارق عز الدين (48 عاماً).

وحرب عام 2023 هي ثالث هجوم تشنه إسرائيل على «الجهاد الإسلامي» منفرداً، الذي رد هذه المرة بتنسيق كامل مع «حماس» عبر الغرفة المشتركة وقصف تل أبيب ومناطق أخرى كثيرة بوابل من الصواريخ تجاوز الـ500 صاروخ على الأقل.

... ثم الحرب الحالية في السابع من أكتوبر 2023.