نقلة نوعية للاقتصاد الرقمي السعودي في 2024

السعودية تعزز ريادة الأعمال والاقتصاد الرقمي في قطاع الاتصالات والمعلومات (الشرق الأوسط)
السعودية تعزز ريادة الأعمال والاقتصاد الرقمي في قطاع الاتصالات والمعلومات (الشرق الأوسط)
TT

نقلة نوعية للاقتصاد الرقمي السعودي في 2024

السعودية تعزز ريادة الأعمال والاقتصاد الرقمي في قطاع الاتصالات والمعلومات (الشرق الأوسط)
السعودية تعزز ريادة الأعمال والاقتصاد الرقمي في قطاع الاتصالات والمعلومات (الشرق الأوسط)

نقلة نوعية للاقتصاد الرقمي السعودي في 2024 تشهد المملكة العربية السعودية وتيرة تطور استثنائية على مختلف الصعد تضعها على أعتاب تحول كبير خلال السنوات المقبلة. فمن خططها لاستضافة «إكسبو 2030» وكأس العالم لكرة القدم 2034، إلى تنفيذها حزمة من الحلول على نطاق واسع لكبح جماح الأزمة المناخية، يبدو جلياً أن المملكة عازمة على تقلُّد موقع الريادة على مستوى الرخاء الاقتصادي والاجتماعي.

وفي خضم هذا التحول الذي استقطب أنظار العالم بأسره، يبرز الاقتصاد الرقمي بوصفه أحد مكوناته وممكناته الرئيسية، إذ خصصت المملكة العربية السعودية استثمارات ضخمة في مجالات الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والأمن السيبراني وتحليلات البيانات الضخمة، انطلاقاً من إدراك حكومتها العميق أهمية هذه المجالات، والإيمان بأنها الركائز الرئيسية لاقتصاد التجربة المنشود، في حين تتطلع المملكة لرفع حصة الاقتصاد الرقمي من الناتج المحلي الإجمالي إلى 19.2 في المائة بحلول عام 2025، وهو أمر سيطلق طيفاً واسعاً من الفرص الثمينة لأبرز اللاعبين في قطاع التقنيات الرقمية وداعمي المجال التكنولوجي، على المستويين المحلي والدولي.

مهمة هامة

سيجسد عام 2024 محطة هامة للاقتصاد الرقمي وداعميه، إذ من المتوقع أن يتجاوز حجم الإنفاق على تقنية المعلومات والاتصالات حاجز 34.5 مليار دولار في هذا العام، في حين تستعد المملكة العربية السعودية لاستضافة المؤتمر التقني الضخم «ليب» مجدداً تحت شعار «نحو عوالم جديدة» مشجعةً شركات التكنولوجيا على الخروج بمزيد من المشروعات المبتكرة والأفكار البناءة.

إن هذه الآفاق الواعدة تدعونا للتساؤل، ما الذي يمكننا توقعه تحديداً في المملكة العربية السعودية خلال عام 2024؟

حكومة تأخذ زمام المبادرة

لا يوجد أدنى شك بأن الحكومة السعودية تقود دفة الثورة الرقمية الراهنة في البلاد. ونتيجة جهودها الحثيثة، تبوأت المملكة العام الماضي المركز الثاني بين دول مجموعة العشرين، وحلت في المرتبة الرابعة عالمياً في جاهزية الأنظمة الرقمية. ولتحقيق أهداف خطة التحول الوطني المحددة لعام 2025، كلي ثقة بأننا سنشهد عدداً من المبادرات التي تمهد الطريق لنشوء مزيد من مشروعات الاقتصاد الرقمي، من بينها إنشاء مزيد من المنصات الإلكترونية الحكومية على غرار منصة «أبشر» التابعة لوزارة الداخلية، إلى جانب تقديم الخدمات الرقمية للمواطنين والمقيمين عبر تطبيقات الهاتف المتحرك، وتطبيق «توكلنا» خير مثال لذلك.

سنرى أيضاً إبرام كثير من الاتفاقات الاستراتيجية مع جهات ومؤسسات عالمية ومكاتب حكومية محلية. وفي الحقيقة، فإن العمل جارٍ على قدم وساق لتنفيذ خطة إنشاء مركز رقمي متكامل في مدينة الملك عبد الله الاقتصادية.

القطاعات التقليدية:

نحو تحول جذري

تعكف 52 في المائة من المؤسسات السعودية على التحول بنماذج أعمالها التقليدية نحو شكل يواكب متطلبات المرحلة، ويتبنى منهجية العمل الرقمي. وفي ضوء هذه المساعي، من المتوقع أن تشهد قطاعات الرعاية الصحية، والخدمات المالية، والتجزئة - البيع بالجملة، والخدمات المتخصصة، والتعليم، وتيرة نمو متسارعة خلال السنوات الخمس المقبلة، وأعتقد أن رؤية الشركات العاملة في هذه المجالات تضع خططها لتسخير إمكانات التكنولوجيا على غرار الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء... وغيرها، بأفضل شكل ممكن.

في الحقيقة، وسعنا مؤخراً شراكتنا مع شركة «حلول السحابة»، المزود الرائد لخدمات تقنية المعلومات للرعاية الصحية، لتعزيز حضورنا في المنطقة استجابة للطلب المتنامي على هذه الخدمات. ويتحول رواد قطاع الرعاية الصحية، مثل مجموعة مستشفيات د. سليمان الحبيب الطبية، نحو حلول الشبكات التي تتيح لهم رقمنة سجلاتهم، وأتمتة عملياتهم بسلاسة تامة، ومزاولة أعمالهم اليومية وفق أرقى مستويات الموثوقية والأمان. وبالنسبة للقطاعات الأخرى، تحرص المؤسسات على مراجعة استراتيجياتها المعدّة للتكنولوجيا مع استعدادها لرسم مسارات نموها المستقبلية وتعزيز قدرتها على تلبية ارتفاع الطلب المتوقع.

وعلى أية حال، من الأهمية بمكان ملاحظة أن تبني التكنولوجيا لا يتعين أن يكون مجرّد واجب، بل آمل من الشركات أن ترى هذا التوجه الجديد من منظور استراتيجي بحت، ضماناً لامتلاكها الأساس الرقمي المناسب لتفعيل النمو التكنولوجي وتطبيق التحول الرقمي بأكثر الأشكال كفاءة، وفي المواضع التي يتحقق فيها أكبر أثر ممكن.

صقل المهارات والإمكانات استجابة لضرورات المرحلة

حقيقة أن الجيل السعودي الشاب والمتمرس في التكنولوجيا يشكل الغالبية العظمى من سكان المملكة ليست بالموضوع الجديد؛ فقد جرت كثير من النقاشات حول الحاجة لصقل مهارات الشباب السعودي، ومنحهم أفضل فرص التعلّم ليتمكنوا من لعب دور فاعل في الاقتصاد الرقمي المستهدف. ووفقاً لنتائج استطلاع رأي أعدته شركة «كيه بي إم جي»، ظهر أن جذب وتطوير المواهب اللازمة لتلبية احتياجات التحول الرقمي في المملكة هو محط اهتمام 41 في المائة من الشركات التي شاركت في الاستطلاع، وهو معدل ينسجم عموماً مع المتوسط العالمي المَعنيّ بهذه القضية.

لذلك نجد الحكومة السعودية، اليوم، عكفت بالفعل على وضع خطط مُحكمة لجسر هذه الفجوة من خلال تدريب وتطوير 20 ألف متخصص ومتمرس في الذكاء الاصطناعي والبيانات، وأتوقع أن يحذو القطاع الخاص حذوها مع تكثيف جهوده الموجهة لهذا الغرض. ومن أبرز الأمثلة لذلك التعاون الذي أبرمته «آبل» وأكاديمية طويق مع «إكستريم نتوركس» لإطلاق أكاديمية مطوري «آبل» الأولى من نوعها في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لتمكين وإلهام الشابات السعوديات الواعدات في مجالات التكنولوجيا وتطوير التطبيقات.

تحتل المملكة العربية السعودية المرتبة الرابعة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على مستوى نظم الشركات الناشئة، ويمثل ذلك أحد الآثار الإيجابية للجهود التعليمية التي بذلها القطاعان العام والخاص في المملكة. ومن هذا المنطلق، أعتقد أننا سنشهد خلال العام المقبل عدداً من مشروعات ريادة الأعمال الجديدة القائمة على التكنولوجيا.

فرص لا تحصى

ما لا شك فيه أن الفرص السانحة في المملكة العربية السعودية لا تعد ولا تحصى، إلا أن التوجهات التي سترسم ملامح عام 2024، وما بعده ستتخطى التقنيات والحلول الجديدة، وستعتمد بشكل أكبر على الناس والشركات واللاعبين الرئيسيين الذين سيأخذون زمام المبادرة، وسيقودون دفة التحول؛ لذلك تؤمن «إكستريم نتوركس»، بوصفها من داعمي الاقتصاد الرقمي، بأن أثرنا الأكبر العام المقبل سيتحقق من خلال استنباط السبل المثلى للتعاون مع العملاء والشركاء والأقران، دعماً لـ«رؤية السعودية 2030»، وسعياً لاستقطاب الخبرات القادرة على ترسيخ ازدهار المملكة العربية السعودية.


مقالات ذات صلة

أهم 6 توجهات لتقنيات «ويب 3.0» و«بلوك تشين» والعملات الرقمية

خاص أهم 6 توجهات لتقنيات «ويب 3.0» و«بلوك تشين» والعملات الرقمية

أهم 6 توجهات لتقنيات «ويب 3.0» و«بلوك تشين» والعملات الرقمية

خوارزميات الـ«بلوك تشين» يمكن استخدامها لتعزيز أمان الشبكات والمساعدة في اكتشاف مشكلات الأمان المحتملة بشكل أكثر كفاءة من المنهجيات التقليدية.

بن تشو
خاص ثورة المدفوعات الرقمية  في السعودية تعزز فرص التجارة الإلكترونية

خاص ثورة المدفوعات الرقمية في السعودية تعزز فرص التجارة الإلكترونية

يشكّل التحول نحو وسائل الدفع الرقمية محفزاً لتحول أوسع في قطاعات التجارة الإلكترونية والخدمات اللوجيستية في المملكة العربية السعودية.

إيمان الغامدي
خاص الاتصالات المعزَّزة تعد بنقلة في قطاع السيارات

خاص الاتصالات المعزَّزة تعد بنقلة في قطاع السيارات

تواجه مسألة التحضُّر المدني والنمو الاقتصادي السريع في العصر الحالي عدّة تحدّيات رئيسية، من أبرزها الازدحام المروري الخانق الذي تتسبّب به الزيادة السكانية.

لويس دي لا كروز
خاص بزوغ عصر اقتصاد التجربة مدعوماً بالذكاء الاصطناعي

خاص بزوغ عصر اقتصاد التجربة مدعوماً بالذكاء الاصطناعي

في حين يقف العالم على أبواب مرحلة اقتصادية جديدة حافلة بالفرص والتحديات على كل المستويات، بدأت ملامح «اقتصاد التجربة Experience Economy» في الاكتمال في عدد من…

نضال أبو لطيف
خاص رئيس الاحتياطي الفدراسي في مؤتمر صحافي 13 ديسمبر (أ.ف.ب)

خاص 2024... سنة معقّدة ومحورية للاقتصاد العالمي

الانخفاضات المتوقعة في معدلات الفائدة من قبل المصارف المركزية الرئيسية في يونيو (حزيران) 2024 تأتي مصحوبة بجوانب من عدم اليقين.

سمير عساف

السلطة الفلسطينية... تكون أو لا تكون

حاجز قلنديا خارج مدينة رام الله بالضفة الغربية (رويترز)
حاجز قلنديا خارج مدينة رام الله بالضفة الغربية (رويترز)
TT

السلطة الفلسطينية... تكون أو لا تكون

حاجز قلنديا خارج مدينة رام الله بالضفة الغربية (رويترز)
حاجز قلنديا خارج مدينة رام الله بالضفة الغربية (رويترز)

حين أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس أنه سيتوّجه إلى غزة في خضّم الحرب المسعورة التي تشنها إسرائيل، كان يعرف أكثر من غيره أنها خطوة شبه مستحيلة، لكنه أراد إطلاق رسائله الخاصة، وأهمها على الإطلاق أن السلطة الفلسطينية «موجودة»، وهي «صاحبة الولاية» على الأراضي الفلسطينية،

سواء في غزة التي تئن تحت وطأة حرب مدمّرة، وتضع لها إسرائيل خططاً شتى لما تسميه «اليوم التالي»، من غير أن تأخذ السلطة بالحسبان، أو الضفة الغربية التي ترزح تحت وطأة حرب أخرى، تستهدف من بين ما تستهدف تفكيك السلطة.

وبعد عام على الحرب الأكثر مفصلية في تاريخ القضية الفلسطينية، تخوض السلطة أصعب معركة عرفتها يوماً، وهي معركة «البقاء».

ولم تقتصر رسائل عباس على إسرائيل وحدها، بل شملت أولاً الولايات المتحدة التي انخرطت في نقاشات واسعة مع إسرائيل حول احتمالات انهيار السلطة، وراحت تتحدث عن سلطة متجددة، وثانياً، دولاً إقليمية وعربية تناقش مستقبل السلطة وشكل الهيئة التي يفترض أن تحكم قطاع غزة بعد الحرب، وأخيراً الفصائل الفلسطينية التي تهاجم و«تزايد» على السلطة، وترى أنها غير جديرة بحكم غزة، وتدفع باتجاه حلها.

الأيام الأصعب منذ 30 عاماً

تعيش السلطة الفلسطينية، اليوم، واحدة من أسوأ مراحلها على الإطلاق منذ تأسست قبل 30 عاماً.

فبعدما تقلصت المساحات التي تسيطر عليها في الأراضي الفلسطينية، وفيما هي تكابد بلا انتخابات رئاسية، وبلا مجلس تشريعي، أو أفق سياسي واقتصادي، وبالتزامن مع أزمة مالية خانقة، وأخرى أمنية، ومشاكل داخلية لا تحصى، وجدت هذه السلطة نفسها في مواجهة «طوفان» جديد؛ طوفان تغذيه أكثر حكومة يمينية تشن هجوماً منظماً وممنهجاً ضدها، وضد شعبها، وفيه كثير من المس بهيبتها وبرنامجها السياسي ووظيفتها، إلى الحد الذي يرتفع فيه السؤال حول إمكانية نجاتها أصلاً في الضفة، قبل أن تعود لتحكم غزة ثانية.

الرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال كلمته في الأمم المتحدة بنيويورك (إ.ب.أ)

وبين الفينة والأخرى يتردد سؤال معقد بعض الشيء، ويبدو منطقياً أحياناً، وغير بريء أحياناً أخرى، وهو: لماذا لا تحل السلطة نفسها؟

هذا سؤال يبرز اليوم مجدداً، مع توسيع إسرائيل حربها ضد الفلسطينيين في الضفة وغزة، وإن كان في صيغة مختلفة كالقول: لماذا لا تسلم السلطة المفاتيح لإسرائيل، وتزيد عليها الضغوط؟

الأكيد أن السلطة لا تُخطط لحل نفسها، وهذا ينطلق من «قناعة وطنية» بأنها وجدت لنقل الفلسطينيين من المرحلة الانتقالية إلى إقامة الدولة، وأنها لا تعمل وكيلاً لدى لاحتلال.

ويعرف المسؤولون الفلسطينيون أنه لطالما أرادت إسرائيل أن تجعل السلطة وكيلاً أمنياً لها، لكنهم يقولون في العلن والسر، إنهم ليسوا قوات «لحد» اللبنانية، وإنما هم في مواجهة مفتوحة لإنهاء الاحتلال، وهذا سبب الحرب التي تشنّها تل أبيب على السلطة سياسياً وأمنياً ومالياً.

وفي حديث مع «الشرق الأوسط»، قال توفيق الطيراوي، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح ومسؤول جهاز المخابرات السابق: «إن السلطة لا تنهار لأنها نتاج طبيعي لنضال طويل للثورة الفلسطينية، وستبقى حتى إقامة الدولة».

هل هو قرار فلسطيني وحسب؟

ربما يرتبط ذلك أكثر بما ستؤول إليه الحرب الحالية الآخذة في الاتساع، وهي حرب يتضح أنها غيّرت في عقلية الإسرائيليين قبل الفلسطينيين، وفي نهج وسلوك وتطلعات الطرفين، وماضية نحو تغيير وجه الشرق الأوسط.

وعلى الرغم من أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يمتنع حتى الآن عن وضع خطة واضحة لما بعد الحرب، لا في الضفة ولا في غزة، يجاهر أركان حكومته وحلفاؤه بما سيأتي، وهي خطة على الأقل واضحة جداً في الضفة الغربية، وتقوم على تغيير الواقع والتخلُّص من السلطة وإجهاض فكرة إقامة الدولة.

وقد بدأ الانقلاب على السلطة بوضوح بعد شهرين فقط من بدء الحرب على القطاع، نهاية العام الماضي، عندما خرج نتنياهو ليقول إن جيشه يستعد لقتال محتمل مع السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وهي تصريحات فهمتها الرئاسة الفلسطينية فوراً، قائلة إنها تعبر عن نياته المبيتة لاستكمال الحرب على الفلسطينيين من خلال السلطة بعد «حماس»، وفي الضفة بعد غزة.

تصريحات نتنياهو التي جاءت في جلسة للجنة الخارجية والأمن في الكنيست، أعقبها توضيح بالغ الأهمية من نتنياهو ومفاده أن «الفارق بين السلطة و(حماس) هو أن الأخيرة تريد إبادتنا حالاً، أما السلطة فتخطط لتنفيذ ذلك على مراحل».

فلسطينيون في وقفة احتجاجية في مدينة رام الله بالضفة الغربية الثلاثاء طالبوا بالإفراج عن جثامين أسراهم في سجون إسرائيل (أ.ف.ب)

ويفسر هذا الفهم لماذا عَدّ نتنياهو أن اتفاق «أوسلو» كان خطأ إسرائيل الكبير، موضحاً أن «السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية و(حماس) في غزة يريدان تدمير إسرائيل... طرف يقول ذلك صراحة، والآخر يفعل ذلك من خلال التعليم والمحكمة الجنائية الدولية».

وهجوم نتنياهو على السلطة ليس جديداً، لكنه الأوضح الذي يكشف جزءاً من خطته القائمة على تقويض السلطة. ومنذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تتعامل إسرائيل مع السلطة كأنها غير موجودة.

الضفة مثل غزة ولبنان

وصعّدت إسرائيل في الضفة الغربية منذ بدء الحرب في قطاع غزة في السابع من أكتوبر الماضي، وقتلت أكثر من 720 فلسطينياً، في هجمات متفرقة، تميّزت بإعادة استخدام الطائرات في عمليات اغتيال، وتنفيذ عمليات واسعة.

وكان لافتاً أن التصعيد في الضفة كان مبادرة إسرائيلية، إذ هاجم الجيش مدناً ومخيمات وبلدات، وراح يقتل الفلسطينيين قصفاً بالطائرات ويعتقلهم، كما يدمر البنى التحتية، مستثيراً الجبهة الضفَّاوية، بحجة ردع جبهة ثالثة محتملة.

اليوم لا تكتفي إسرائيل بالمبادرة، بل تريد أن تجعل الضفة أحد أهداف الحرب، مثل غزة ولبنان. ولم يتردد وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير، بالقول إن الحرب التي تخوضها إسرائيل «ليست فقط ضد غزة وضد (حزب الله) اللبناني، بل هي أيضاً في الضفة»، مؤكداً أنه طلب من رئيس الوزراء أن يدرج ضمن أهداف الحرب تحقيق النصر في الضفة أيضاً.

لكن لماذا تخشى إسرائيل الضفة إلى هذه الدرجة؟ يقول مسؤول فلسطيني -فضّل عدم الكشف عن اسمه- لـ«الشرق الأوسط»: «إنهم يستهدفون الضفة لضرب المشروع الوطني الفلسطيني، ويسعون إلى تقويض السلطة».

وأضاف: «يصعّدون هنا حتى يثبتوا للفلسطينيين أن السلطة ضعيفة وواهنة ولا تحميهم، ويجب أن ترحل، لأنها غير جديرة بهم».

قوات إسرائيلية خلال عملية اقتحام لمخيم فلسطيني قرب رام الله بالضفة مارس الماضي (أ.ف.ب)

وخلال الأسابيع القليلة الماضية فقط، حذّرت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية من أن الوضع الأمني في الضفة قد يتطور إلى انتفاضة؛ ولذلك دفع الجيش بـ3 كتائب احتياط إلى الضفة، لأهداف «تشغيلية ودفاعية» على ما قال، وللقيام بمهام «عملياتية».

وجاء القرار الذي تحدّث عن تعزيز الدفاع، وسط تصاعد الصراع في المنطقة وقبيل ذكرى السابع من أكتوبر، لكن إذا كانت هذه خطة الحكومة الإسرائيلية، فيبقى من السابق لأوانه معرفة إن كانت نجحت في مهمتها أم لا.

يكفي لجولة صغيرة على مواقع التواصل الاجتماعي أن تشير إلى أن السلطة في وضع لا تحسد عليه. فهي عاجزة عن خلق أفق سياسي وأفق اقتصادي وتوفير الأمن، وأساسيات أخرى من بينها رواتب الموظفين للعام الثاني على التوالي.

واليوم، الجميع على المحك في مواجهة حرب ممنهجة، تسعى إلى تغيير الواقع مرة وإلى الأبد.

خطة قديمة جديدة

كان الوزير الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموترتيش، واضحاً عندما قال إنه لا يفعل شيئاً سرياً، وهو يعمل ضد السلطة في الضفة، ويسعى لمنع إقامة دولة.

وتعهد سموتريتش نهاية الشهر الماضي، بأن تكون «مهمة حياته» إحباط قيام دولة فلسطينية، وكتب في منشور على منصة «إكس»: «أخذت على عاتقي، إضافة إلى منصب وزير المالية، مسؤولية القضايا المدنية في يهودا والسامرة (الضفة)».

وأضاف: «سأواصل العمل بكل قوتي حتى يتمتع نصف مليون مستوطن موجودين في الضفة بحقوق كل مواطن في إسرائيل وإثبات الحقائق على الأرض، التي تمنع قيام دولة إرهابية فلسطينية يمكن أن تكون قاعدة إيرانية أمامية للمجزرة المقبلة».

فلسطينيون يحتفلون فوق صاروخ إيراني صقط في رام الله (أ.ف.ب)

وكان تسجيل مسرب لسموتريتش قبل شهرين فضح خطة حكومية رسمية لفرض السيطرة الإسرائيلية المدنية على الضفة الغربية، قال خلاله الوزير المسؤول عن الإدارة المدنية الإسرائيلية، إن الحكومة منخرطة في جهود سرية لتغيير الطريقة التي تحكم فيها إسرائيل الضفة الغربية.

وخطة سموترتيش الماضية، ستعني حتماً تفكيك السلطة، لكن المحلل السياسي محمد هواش يرى أن العالم لن يسمح بذلك.

وقال هواش لـ«الشرق الأوسط»: «إن السلطة مرتبطة بالمشروع القائم على إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية، وهذا جزء من تسوية دولية. مشروع دولي بالأساس، وهناك حتى الآن رعاية دولية له، ومن الصعب التراجع عنه».

وأضاف هواش: «التراجع يعني إعادة الاحتلال، وهذا غير مقبول فلسطينياً ودولياً، وإسرائيل لن تقبل، لأنها ستذهب إلى دولة واحدة ونظام (أبرتهايد)».

وتابع هواش: «لا توجد مصلحة لإسرائيل بإنهاء السلطة بالكامل، بل في إضعافها حتى تتوقف مطالبها بإنهاء الاحتلال، وتغير العلاقة مع إسرائيل». وحذر من أن «إسرائيل ستتحمل العبء الأكبر من غياب عنوان سياسي للشعب الفلسطيني».

الثابت الوحيد اليوم أنه لا أحد يملك وصفة سحرية، سواء أذهبت السلطة أم بقيت، قويت «حماس» أم ضعفت، امتدت الحرب أم انتهت، تطرفت إسرائيل أكثر أم تعقّلت، سيظل يوم السابع من أكتوبر شاهداً على أن الطريق الأقصر للأمن والاستقرار هو بصنع السلام، وليس بطائرات حربية ومدافع ورشاشات.